التوحيد دواء للهَمِّ وَالحَزَنِ وَالعَجزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخلِ وَالجُبنِ

محمد البدر
1440/03/14 - 2018/11/22 09:51AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾]طه: 124[.
فمِن أهم أسباب الهم والحزن قطعُ صِلة العبد بالله تعالى والإعراض عن ذِكره تَعَالَى قَالَ تَعَالَى :﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً »وفي رواية « وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً »قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ قَالَ « أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ » رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَعَنْ أَنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخلِ وَالجُبنِ، وَضَلَعِ الدَّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَلَو تَفَكَّرَنا لَوَجَدَنا أَنَّ هَذِهِ الأَسبَابَ مُجتَمِعَةً أَو بَعضَهَا، هِيَ مَنشَأُ مَا يَعتَرِي الكَثِيرِينَ مِن هُمُومٍ وَأَحزَانٍ، وَأَسَاسُ مَا يُحيطُ بِقُلُوبِهِم مِن ضِيقٍ وَآلامٍ، فَمنشؤها تَفرِيطٌ في العَبَادَاتِ، وَتَقصِيرٌ في الطَّاعَاتِ، وَتَوَرُّطٌ في كَثِيرٍ مِنَ المُخَالَفَاتِ، وَضَيَاعُ أَيَّامٍ في التُّرَّهَاتِ، وَشَغلُ أَوقَاتٍ بَالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، وَتَقَاعُسٌ عَنِ السَّعيِ فِيمَا يَنفَعُ، وَاعتِمَادٌ عَلَى الآخَرِينَ، بَل وَاسَاءَةٌ إِلَيهِم وَظُلمٌ وَعَدَمُ إِحسَانٍ، وَشُحٌّ وَبُخلٌ وَمَنعُ حُقُوقٍ وَبُهتَانٌ، كُلُّ هَذَا مِمَّا أَمرَضَ النُّفُوسَ وَضَيَّقَ الصُّدُورَ، وَضَاعَفَ أَدوَاءَ القُلُوبِ، بَل وَأَمَاتَ بَعضَهَا.
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم، وَالجَؤُوا إِلَيهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ، فَقَد كَانَ نَبِيُّكُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصحَابَهُ اللُّجُوءَ إِلى اللهِ عِندَ الكَروبِ، وَعَدَمَ الاستِسلامِ لِلأَحزَانِ والهموم، فَعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبي بَكرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« دَعَوَاتُ المَكرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحمَتَكَ أَرجُو، فَلا تَكِلْني إلى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ، وَأَصلِحْ لي شَأني كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
وَعَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ، عِنْدَ الْكَرْبِ :«لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ، اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
 
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ: اعلموا أن توحيد الله عز وجل من أهم المهمات وأول الواجبات، به يتحقق للعبد سعادة الدنيا والآخرة، وبه يطمأن القلب وينشرح الصدر، فيصلح حال كل مهموم ومغموم ومحزون، فتوحيد الله عز وجل أهم ما يعالج به هذه الأدواء والأسقام من الهم والغم والحزن.
فإذا نقص التوحيد ونقص الإيمان في القلب ازدادت الهموم والغموم والأحزان، والعكس بالعكس، فكلما عُمر القلب بالإيمان وقوي توحيد العبد ضعفت هذه الأسقام والأدواء. يقولُ الإمامُ ابن القيم - رحِمه الله -: في (زاد المعاد) (فالتوحيد.. يفتح للعبد بابَ الخير والسرور واللَّذة والفرح والابتهاج، والتوبةُ استفراغٌ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سببُ أسقامه، وحِميةٌ له من التخليط، فهي تُغْلِق عنه بابَ الشرور، فيُفتَح له بابُ السعادة والخير بالتوحيد، ويُغْلَق باب الشرور بالتوبة والاستغفار)اهـ

الا وصلوا ...
المشاهدات 1443 | التعليقات 0