التوحيد أولاً

وليد الشهري
1445/06/15 - 2023/12/28 17:04PM
التوحـيــــد أولاً

الحمد للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلَّمَ عليه وعلى آله وصحبِه، ومن اهتدى بهديِهِ، واستنَّ بسنتِه إلى يومِ الدين .

     ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إن الله كان عليكم رقيبا ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).

أما بعد ،،

    ففي صحيح مسلم يقول - عليه الصلاة والسلام - فيما يرويه عن ربِّه : ( إني خلقتُ عبادي حنفاءَ وإنَّهم أتتهُمُ الشياطينُ فاجتالَتْهُم عن دينِهم )، هكذا فطرَ اللهُ الخلقُ، يولدُ المولودُ على الفطرةِ، يهتدي بفطرتِه إلى دينِ الله، فيأتي أبواهُ يُهَوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه، فتنتكسُ الفطرةُ فيأتي من يَكْفُرُ بالله! ويأتي من يجحدُ نعمةَ الله! ويأتي من يُنكرُ وجودَ الله!

     قال ابنُ عباسٍ – رضي الله عنهما - : " كانَ بينَ آدمَ ونوحٍ عشرةَ قرونٍ كلُّهم على الإسلام "، ثم بدأتْ قصةُ الشركِ الأكبر، وقصةُ الظلمِ والنكرانِ لنعمةِ الله، وبدأتْ قصةُ الكفرِ بعدَ أن وسوسَ الشيطانُ لأناسٍ فنصبوا أصناماً على هيئةِ رجالٍ صالحينَ لينشطوا على العبادةِ، والشيطانُ لا يقولُ للإنسانِ في البدايةِ : اكْفُر، إنَّما يستدرجُه بخطواتٍ ومراحل، وفي ذلكَ يقولُ الله تعالى : ( يا أيُّها الذين آمنوا لا تتبعوا خطواتِ الشيطانِ ومن يتَّبع خطوات الشيطان فإنَّهُ يأمرُ بالفحشاءِ والمنكر ) [النور:21]، فنصبوا تلكَ التماثيلَ ولم تُعبَدْ من دونِ الله، حتى إذا هلكوا وذهبَ ذلك الجيلُ، جاء مَنْ بَعدهُم فعبدوها مِنْ دونِ الله، واستمرَّ الشركُ في الأقوام، ويُرسلُ اللهُ الرسلَ ليحذروهم، حتى أصبحَ التوحيدُ غريباً وعجيبا يُستنكر، حتى قال كفار قريش : ( أجعلَ الآلهةَ إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عُجاب ، وانطلقَ الملأُ منهم أنِ امشوا واصبِروا على آلهتكم إن هذا لشيءٌ يُراد ، ما سمعنا بهذا في الملةِ الآخرةِ إن هذا إلا اختلاق ) [ص:5-7]

     إخوة الإيمان .. إنها القضيةُ العظمى التي من أجلِها خُلِقَ الخَلْقُ، وأُرسِلتِ الرُّسل، ومن أجلِها خُلِقتِ الجنةُ والنار، وانقسمَ الناسُ إلى مؤمنينَ وكفار، ونُصِبَتِ الموازين، ووُضِعَتِ الدواوين، ومِن عِظَمِ هذه القضيةِ وخطرِها قال الله لنبيه  - صلى الله عليه وسلم -: ( ولقد أوحيَ إليكَ وإلى الذينَ من قَبلِكَ لئنْ أشركتَ ليحبطنَّ عملُك ولتكونَنَّ مِنَ الخاسرين ) [الزمر:65]، وحاشاه - عليه الصلاة والسلام - أن يقعَ منهُ شيءٌ من ذلك، ولكنَّ المقصودَ أنَّها القضيةُ التي لا يُمكِنُ المساومةُ فيها ( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء ومن يُشرِكْ بالله فقدِ افترى إثماً عظيماً ) [النساء:48]، ومن سَلِمَ من ذلكَ سلمَ من الخلودِ في النار، وتبقى بقيةُ أعمالِه يُحاسبُ عليها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ( الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمنُ وهم مهتدون ) [الأنعام:82]، فمن سَلِمَ من أجناسِ الظُّلمِ الثلاثة : الشركِ الأكبرِ، وظلمِ العبادِ، وظلمِه لنفسِه بما دونَ الشركِ كان له الأمنُ التامّ، ويحصل له من نقصِ الأمنِ بحَسبِ ما نقصَ من إيمانِه بظلمِه لنفسِه أو ظلمِه للعباد .

     الموحدُ يقرأُ قولَه تعالى : ( وأنَّ المساجدَ للهِ فلا تدعوا مع الله أحداً ) [الجن:18] فتحولُ هذهِ الآيةُ بينَه وبينَ الخلقِ جميعاً، فلا يدعو إلا الله، ولا يعبدُ إلا لله، ولا يرجو إلا الله، ولا ينيبُ إلا لله، ولا يخضعُ إلا لله .

     التوحيدُ - يا عبادَ الله - وإخلاصُ العبادةِ له وحدَهُ هي منَّةُ اللهِ على خلقِه وعبادِه الموحدِين : ( يمنُّونَ عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمانِ إن كنتم صادقين ) [الحجرات:17]، وتأملوا ما قالَهُ نبيُّ اللهِ يوسفُ حينَ ذَكَرَ أفضلَ ما أنعمَ اللهُ به عليه وهي نعمةُ التوحيد : ( واتبعتُ ملةَ آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ ما كان لنا أن نشركَ بالله من شيء ذلك من فضلِ اللهِ علينا وعلى الناس ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يشكرون ) [يوسف:38]، نعم هيَ أعظمُ نِعمةٍ ومِنَّةٍ ومِنحةٍ أن لَّمْ يجعلْكَ اللهُ ابناً ليهوديٍّ أو نصرانيّ، بل جعلكَ مسلماً موحداً ابناً لمُسْلِمَيْنِ موحِّدَين، تعيشُ وتسعدُ بالإسلام، لا تسجدُ لصنمٍ ولا لتمثالٍ ولا لأحد، إنَّما تسجدُ للواحدِ الأحد، وتسألُ ربَّك الثباتَ على هذا الدينِ لتجمعَ بين السعادتين، سعادةِ الدُّنيا بالإيمانِ والحياةِ الطيبة، وسعادةِ الآخرةِ بجنةِ الرَّحمن، فلما كانت هذه القضيةُ هي أهمُّ قضيةٍ وهي الأولى والأهمّ، كانت هي الأهمُّ عندَ يوسفَ – عليه السلام - لمَّا دَخَلَ السجنَ ودعا السَّجِينَيْنِ إلى توحيدِ اللهِ .

     يوسفُ - عليه السلام – قصةٌ منِ الابتلاء، قصةٌ من الصبر، قصةٌ من الإيمانِ بالقضاء، قصةٌ من التسليمِ لقدرِ الله، قصةٌ من العطاءِ والبذل، تجتمعُ عليه المِحنُ، وتتراكمُ عليه الهُموم، ويُسجنُ ظلماً، ويُحبسُ بغيرِ ذنب، وهو في سِنِّ الشباب، ومَعَ بُعْدِهِ عَنْ أبويه، والنكباتِ المتتاليةِ عليه، لم يغفلْ عنِ الدعوةِ إلى اللهِ فيقول للرجلين : ( يا صاحبَيِ السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أمِ اللهُ الواحدُ القهَّار ، ما تعبدونَ من دونهِ إلا أسماءً سمَّيتُمُوها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللهُ بها من سُلطان إنِ الحكمُ إلا لله أمر أن لا تعبُدوا إلا إياه ذلك الدينُ القيمُ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون ) [يوسف:39-40]،

بل حتى البهائمُ لا تعرفُ الشركَ وتستنكرُ العبادةَ من دونِ الله؛ لأنَّ اللهَ هو الذي خلقَ، وهو الذي أحيا، وهو الذي رَزَق، وهو الذي أعطى وَمَنَع، ومَعَ ذلك يعبد بعضُ بني آدمَ غيرَه، ويُشركونَ مَعَه آلهة أخرى ( وكأيِّن مِن آيةٍ في السماواتِ والأرضِ يمرونَ عليها وهم عنها معرضون ، وما يُؤمن أكثرُهم بالله إلا وهُم مُشركون ) [يوسف:106]، يمُرُّ هُدْهُدُ سليمانَ - عليه السلام - بمملكةِ سبأٍ فيرى عجباً، ويرى أمراً منكراً، ويشاهدُ أعظمَ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به ألا وهو الشركُ، وَجَدَ قوماً قد خلقهمُ الله، وأنشأهُمْ من عدمٍ، وذرأهم في هذهِ الأرض، وأسبغَ عليهِمْ نعمَهُ ظاهرةً وباطنةً، ثم يسجدونَ لغيرِه ويشكرونَ غيرَه، فما أحْلَمَ اللهُ على عبادِهِ حينَ أمهلهُمْ لعلَّهم يتوبوا ويرجعوا، فلمْ يصبِرْ على هذا المنظرِ الشنيع، وبادر بالإنكارِ ليصبحَ الهدهدُ داعياً إلى اللهِ، وخيراً من كثيرٍ منْ خلقِه، فيرفعُ الأمرَ إلى نبيِّ اللهِ سليمانَ – عليه السلام – فقصَّ اللهُ القصةَ وذكرَ موقفَ الداعية : ( وتفقَّدَ الطَّيرَ فقال ماليَ لا أرى الهدهدَ أم كانَ منَ الغائبين ، لأعذِّبنَّهُ عذاباً شديداً أو لأذبحنَّه أو لَيَأتِيَنِّي بسلطانٍ مُبين ، فمكثَ غَيرَ بعيدٍ فقالَ أحطتُّ بما لم تُحِط به وجئتُكَ مِن سبأٍ بنبأٍ يقين ، إنِّي وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كلِّ شيءٍ ولها عرشٌ عظيم ، وجدتُّها وقومَها يسجدونَ للشَّمسِ مِن دونِ اللهِ وزينَ لهمُ الشيطانُ أعمالَهُم فصدَّهم عن السبيل فهم لا يهتدون ، ألاّ يسجدوا للهِ الذي يُخرجُ الخبءَ في السمواتِ والأرضِ ويعلمُ ما تُخفونَ وما تُعلنون ، اللهُ لا إله إلا هو ربُّ العرشِ العظيم ) [النمل:20-26] ..لا إلهَ إلا الله .. ما أعظمَه مِن ذنب! وما أعظمَهُ مِن جُرْم! ( ومِن آياتِهِ الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ لا تسجدوا للشمسِ ولا للقمرِ واسجدوا للهِ الذي خلقَهُنَّ إن كنتم إيَّاه تعبدون فإنِ استكبروا فالذينَ عندَ ربِّكَ يُسبحونَ لهُ بالليلِ والنَّهارِ وهُم لا يَسئمون ) [فصلت:37-38] .

    يُروى أنَّ ملاحدةً أرادوا مناظرةَ أحدِ العلماءِ في إثباتِ وجودِ اللهِ !! وذلك في وقتِ الخليفةِ العباسي أبي جعفرٍ المنصور، فوقعَ الاختيارُ على أبي حنيفةَ - رحمه الله -، وقيل للناسِ هَلْ أنتُمْ مجتمعون؟ فاتفقوا على موعدٍ عندَ الخليفة، وجاءَ الموعدُ ووصلَ المتحاورون من الملاحدة، وَجَلَسَ الخليفةُ في مجلسِه، وتَأَخَّرَ أبو حنيفةَ عن الموعدِ ولمْ يحضرْ، وطالَ الانتظارُ وبدأَ الغمزُ واللمزُ، وقال بعضُهم لبعضٍ : لو كانَ لديهِ حجةٌ أو برهانٌ لَمَا تخلَّفَ عن تقديمِها، وأُحْرِجَ الخليفةُ الذي لم يكن يتوقَّعُ تخلفَ أبي حنيفة، وبعد مضيٍّ من الوقت أطَلَّ أبو حنيفةَ فانهالت عليه الأسئلةُ في سببِ تأخرِّه، فاعتذرَ بأنَّه لمْ يجدْ مركباً من الضفةِ الأخرى من نهرِ دِجلة، وقال : انتظرتُ طويلاً ولمْ أجدْ المركبَ، فبينما أنا في انتظاري جاءتْ خشبةٌ من السماء، وصادفتْ خشبةً في النهرِ، وحضرتْ مطرقةٌ ومساميرُ وضُرِبَ بعضُها ببعض، ونَزَلَ طِلاءٌ وزيتٌ وبدأتْ عملَها واكتملَ المشهدُ وأصبح القاربُ جاهزاً فركبتُهُ ووصلتُ إلى مكانِكم هذا متأخراً، فقال القومُ أمجنونٌ أنتَ أمْ عاقلْ؟ كيف يُصنعُ قارباً من غيرِ صانع؟ فردَّ أبو حنيفةَ عليهمْ قائلاً : كيف تُنكِرونَ صُنْعَ قاربٍ بغيرِ صانع؟ ثم تزعمونَ أنْ تكونَ سماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فجاج، وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ بغيرِ صانعٍ ولا خالقٍ!! فبُهِتَ الذي كفر .

    عبادَ الله ... النفوسُ مفطورةٌ ومجبولةٌ على توحيدِ الواحدِ الأحد، وعلى خلقِه للخلق، ففرعونُ وقومُه لما أنكروا ربوبيةَ الخالق – جل في علاه – إلا أنَّهم كانوا مُقِرِّين بذلك في نفوسِهم اضطراراً، فقالَ اللهُ عنهم : ( وجحدوا بها واستيقنَتها أنفُسُهم ظُلماً وعُلواً فانظر كيف كانَ عاقبةُ المُفسدين ) [ النمل:14]، بل كبيرُ الملحدينَ وهوَ فرعون الذي قال أنا ربُّكم الأعلى كان مُقِرَّاً في نفسِه بذلك، فقال الله تعالى عن موسى وهو يحاورُ فرعونَ : ( قالَ لقد علِمتَ ما أنزلَ هؤلاءِ إلا ربُّ السماواتِ والأرضِ بصائر ) [الإسراء:102]، لما سمعَ جبيرُ بن مُطعم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي المغرب – وذلك قبل إسلامه - يقرأ قولَه تعالى : ( أم خُلِقوا من غيرِ شيءٍ أم همُ الخالقون ، أم خلقوا السماواتِ والأرضَ بل لا يوقنون ) [الطور:35-36]، قال : كاد قلبي أن يطير! نعم – أيها الإخوة - قرآنٌ يخاطبُ القلوب، قرآنٌ يخاطبُ العقول، قرآنٌ يأخذُ بالألباب .

     لقد جاء اللهُ بالنورِ والضياءِ وأنهى الجاهليةَ الجهلاء، والتقاليدَ العمياءَ بإرسالِ أفضلِ الرسلِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ - عليه الصلاة والسلام – فحاربَ الشركَ، ودمَّرَ الوثنيةَ، وحطمَ الأصنامَ وهو يقول : ( وقل جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطل إن الباطلَ كانَ زهوقاً ) [الإسراء:81]، لقد كانت تلبيةُ المشركينَ قبلَ الإسلام : " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك إلا شريكاً هو لك تملكُه وما ملك " فأبدلَ اللهُ هذه الأمةَ بتلبيةِ الموحدين، ودعاءِ الصادقين " لبيك اللهمَّ لبيك، لبيكَ لا شريكَ لك، لبيك إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملك، لا شريكَ لك " فاللهم أحينا مسلمين، وتوفَّنا مسلمين موحدين، وألحقنا بالصالحين، واجعلنا من ورثةِ جنة النعيم ...

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..

 

الخطـبة الثانية

     الحمد للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديِه واستنَّ بسنَّتِه إلى يوم الدين .

أما بعد ،،

    فالتوحيدُ هو أفضلُ مطلوب، وأعظمُ مرغوب، وأشرفُ نسبةً، وأسمى رُتبة، يتمثلُ فضلُ التوحيد في قولِه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فيما يرويه عن ربِّه ( يا ابنَ آدم إنَّك لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشركُ بي شيئاً، لأتيتُك بقُرابِها مغفرة )، ولمَّا كان التوحيدُ يجعلُ المسلمَ يؤمنُ باليومِ الآخر، كان ذلك باعثاً له على الاستعدادِ لهذا اليومِ وتذكرِ الحسابِ والمصير، قال ملحدٌ لأحدِ العلماء : ما شعوركَ لو مُتَّ واكتشفتَ أنَّ الآخرةَ كذب؟ فقال العالم : "ليس بأسوأَ مِن شعورِك إذا مُتَّ واكتشفتَ أنَّ الآخرةَ حقيقة " نعم .. حُرِّمت الجنةُ على كلِّ مشركٍ كافرٍ معاندٍ فاجرٍ : ( إنَّه من يُشرك بالله فقد حَرَّمَ اللهُ عليه الجنةَ ومأواهُ النار وما للظالمينَ من أنصار ) [المائدة:72]، بل حتى في تصديقِ من ادَّعى علمَ الغيبِ الذي هو مما اختصَّ اللهُ بهِ كانَ ذلكَ قادحاً في عقيدتِه؛ لأنهُ من أتى عرافاً أو كاهناً فصدَّقَهُ بما يقول فقد كفرَ؛ لأن اللهَ تعالى يقول : ( قُل لا يعلمُ من في السماواتِ والأرضِ الغيبَ إلا الله وما يشعرونَ أيَّانَ يُبعثون ) [ النمل:65]، والشارعُ الحكيمُ يقطعُ التعلقَ بالمخلوقينَ ليتعلقَ المخلوقُ بخالقِه – سبحانه - ويلتجأُ إليه، فلا نفعَ من ساحرٍ ولا دجالٍ ولا كاهنٍ ولا عراف، وإنَّما النفعُ من اللهِ وحده، كلُّ الحبالِ تنقطعُ إلا حبلَ الله، كلُّ الآمالِ تنتهي إلا ما كانَ في الله، كلُّ الرجاءِ يخيبُ إلا ما كانَ بالله، فاللهم إنَّك أعطيتَنا الإسلامَ والإيمانَ، ورزقتَنا التوحيدَ من غيرِ أن نطلبَك، فاللهم ارزقنا جنَّتك ودارَ كرامتِك ونحنُ نسألُكَ ونطلُبُك ... صلُّوا وسلِّموا على الهادي البشير، والسراجِ المنيرِ كما أمركُم بذلك اللطيف الخبير ..

المرفقات

1703772268_التوحيد أولاً.docx

المشاهدات 716 | التعليقات 0