التهاون في صلاةالجماعة بسبب الجائحة
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( التهاون في صلاة الجماعة بسبب الجائحة) 17/12/1441
أما بعد فيا أيها الناس : إن من نعم الله على المسلمين ، أن وهبهم وقتا يخلون فيه به سبحانه وتعالى ، إنها الصلاة ، صلة بين العبد وربه ، يناجي فيه العبد ربه بما شاء ، يسأله فيعطيه ، يستغفره فيغفر له ، يستنصره فينصره ، لا يوجد حراس ولا بوابون ، مجرد ما تكبر ترفع كل الحجب ، وتكون بين يدي ربك ، إنها الصلاة عمود الدين ، الركن الثاني من أركان الدين ، من تركها كفر ، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، كان الصحابة لا يرون شيئا من الدين تركه كفر إلا الصلاة .
عباد الله : ومع هذه الجائحة التي كان من الأولى أن يعود الناس لربهم ، إلا أننا نرى البعض ازداد بعدا والعياذ بالله ، وازداد تساهلا في أمور الدين بحجة الجائحة ، ومن الملاحظ على البعض ، تساهلهم في صلاة الجماعة في المسجد ، فيحتجون بالجائحة فلا يصلون مع المسلمين جماعة ، خوفا من المرض ، مع أنهم ليسوا من المعذورين شرعا ، بكبر سن أو مرض مزمن ، وتجدهم يجوبون الشوارع والأسواق ، وماذاك إلا لقلة الدين ، وعدم تعظيم قدر الصلاة في النفوس ، ومن ترك الصلاة جماعة في المسجد ، فاته شيء كثير من الخير ، فتجده يتكاسل عن السنة الراتبة ، وصلاته سريعة وربما نقر كالغراب ، ولربما صلاها لوحده غالبا ، ومثل هذه الصلاة بهذه السرعة لا تزيد الإيمان ، ولا تقرب العبد من ربه ، فالمساجد بيوت الله ، بنيت لأمر عظيم وحكم بالغة ، فلا يجوز للمسلم أن يتخلف عن الصلاة جماعة في المسجد إلا لعذر شرعي يبيح له ذلك ، لا لمجرد الأوهام والوساوس ، فاتقوا الله عباد الله ، فلقد حدثني الكثير أن مساجدهم خلت إلا قليلا مع هذه الجائحة ، وهذه الجائحة تحتاج إلى تحرز طبي ، وشرعي ، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ، مع التحرز وفعل الأسباب ، نحتاج إلى تضرع لله ، وتوبة وإنابة ، حتى يرفع البلاء عنا ( فولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون )
معاشر المؤمنين : ومن العبادات التي هجرها الناس مع هذه الجائحة ، قراءة القرآن ، فلقد قُلّص الوقت بين الأذان والإقامة ، فالمبادر للمسجد يدرك تحية المسجد ، ثم تقام الصلاة ، فكثير من الناس لا يجد وقتا لتلاوة القرآن ، خصوصا مع المنع من استخدام المصاحف الموجودة في المساجد ، ومتى أعرض المسلم عن تلاوة كتاب ربه ، فإنه يقسو قلبه ، ويقل ذكره لربه ، بل وتنزع البركة من وقته وحياته كلها ، فينبغي لكل مسلم أن يجعل له وردا من القرآن يقرأوه كل يوم سواء من الجوال ، أو من المصحف الذي يحضره معه .
أيها المؤمنون : وفي ظل هذه الجائحة ، تخلف أبناؤنا الذين هم دون سن الخامسة عشر ، وهم معذورون لأن أهل الاختصاص أمروا بذلك ، ولكن نلحظ أن البعض أهمل أولاده ، فتجدهم لا يصلون في الوقت ، ولربما تركوها بالكلية ، ولا تقل إنهم صغار ، ودون سن التكليف ، فامر الصلاة يختلف عن غيره ، فلا بد من الصلاة قبل البلوغ ، أخرج أحمد في مسنده وأبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )
فالواجب على الولي أن يلاحظ أولاده في كل شيء ومن أهمها الصلاة ، فهو مسؤول عنهم ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )
وقد مدح الله نبيه إسماعيل بقوله ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)
فعلى الآباء والأمهات أن يبينوا لأولادهم أن الصلاة من أعظم الحقوق الواجبة على العبد ، وأنه لا يعد مسلما إلا بإقامتها ، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، ولربما يتعب ولي الأمر ، أو ييأس من بعض أولاده ، فنقول لا تعجز ولا تيأس ، كما قال تعالى ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) قال ابن القيم ما ملخصه ( الاصطبار افتعال من الصبر وهو مشعر بزيادة المعنى على الصبر ، وكأنه صار سجية وملكة ، وهو أبلغ من الصبر وأقوى) أهـ
اللهم أعنا على إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضيك عنا يارب العالمين ، أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : الصلاة ، كانت من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ، فقد كان يردد وهو في سكرات الموت ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ) يعني أوصيكم بالصلاة .
ومن أهمية الصلاة في المسجد ، أن جعلت علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين ، فلا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق .
ومن تأمل حال المتخلف عن الصلاة جماعة ، يجد فيه كل بلاء ، فلا يتورع عن معصية ، ولا تنفع فيه موعظة ، وذلك لبعده عن الله .
ومن عظيم شأن الصلاة جماعة في المسجد أنها جعلت من المثبتات على الدين ، فمن حافظ عليها مات على الإسلام ، كما أخرج مسلم في صحيحه من قول ابن مسعود (من أحب أن يلق الله غدا مسلما ، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ) يعني في المساجد
ولم يكن يتخلف عنها جماعة إلا المعذور المقهور ، وإلا فقد كان المريض يهادى بين الرجلين ، يعني يحمل للمسجد ، فقد كان شأن الصلاة في قلوبهم عظيما .
معاشر المسلمين : عظموا ما عظم الله ، فإن ذلك من تقوى القلوب ، ومما عظم الله ، الصلاة جماعة في المسجد ، وعظموا ذلك في قلوب أولادكم ، اغرسوا ذلك غرسا في قلوبهم حتى يكبر معهم ويغرسوه في قلوب أولادهم .
اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ، اللهم وفقنا لفعل الخيرات ..........