التماسُ العذرِ لأهلِ المكرماتِ-13-8-1442هـ-مستفادةٌ من خطبةِ لأحدِ الشيوخِ

محمد بن سامر
1442/08/12 - 2021/03/25 14:28PM

التماسُ العذرِ لأهلِ المكرماتِ-13-8-1442هـ-مستفادةٌ من خطبةِ لأحدِ الشيوخِ

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

قال عَلِيٌ-رضي اللهُ عنهُ-: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً-امرأةً-، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، دَعْنِي فَلِأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الجَنَّةَ، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ".

منهجٌ نبويٌ زكيٌ في التعاملِ مع أخطاءِ من لهم سابقاتٌ في المكارمِ، وصفحاتٌ مشرقةٌ في المعالمِ.

مدرسةٌ محمديةٌ، تعرفُ لأهلِ القدرِ قدرَهم، وتدفعُ رَّيْبَ من يَغُضُّ من حقِهم.

مدرسةٌ تُربي على الاعترافِ بالجميلِ، والغضِ عن الزللِ القليلِ، مقابل َما له من الإحسانِ الكثيرِ، فإنَّ النبيَّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-لم يسرعْ في عتابِ حاطبٍ حتى سألَه: "يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟، ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟"

عليك صلاةٌ من اللِه ما ذرَّ شارقٌ*ورحمتُهُ ما شاءَ أن يترحمَّا

لو شاعتْ هذه التربيةُ الساميةُ ما أُسقطُ عالمٌ بهفوةٍ، ولا جوادٌ بكبوةٍ.

يختفي هذا الخلقُ الرفيعُ حينما تتسابقُ النفوسُ في الارتقاءِ على الآخرينَ، لا نُصْرَةً للدينِ بل لإسقاطِ العاملينَ. 

ويكررُ نبيُ الأمةِ وقائدُها ومربيها ترسيخَ هذا الخُلقِ النبيلِ، في موقفٍ جليلٍ.

عن أبي الدَّرْدَاءِ-رضي اللهُ عنهُ-: ، قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ-حصلَ له مشكلةٌ-فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ-تسرعتُ وأخطأتُ عليه-ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي-يسامحني-فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ-ثَلاَثًا-، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي-مَرَّتَيْنِ-، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا".

عظمةُ في التربيةِ، وحكمةٌ في السياسةِ، لم ينظرِ النبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-إلى ما جرحَ به أبو بكرٍ عمرَ وهفوتَه في ذلك، بل نظرَ إلى بحارِ حسناتِ أبي بكرٍ ومواقفِه العظيمةِ، في خدمةِ الإسلامِ، ونصرةِ سيدِ الأنامِ، فأصبحت ذَرةً في فضاءِ الجودِ والإقدامِ، فلا تُبْصِرُها الأعينُ، ولا تتعثرُ بها الأقدامُ.

سلامٌ على الصديقِ إذْ هوَ لمْ يزلْ*لخيرِ البرايا في الحياتينِ يصحبُ

فثانيه ِ في الغارِ الخليفــةُ بعـــــــدهُ*لأُمتهِ نعمَ الحبيبُ الـمُقرَّبُ

أجابَ وقدْ صُمّوا وأبصرَ إذْ عَمُوا*وصدَّقَ بالحقِ المبينِ وكذبوا

 صاحبُ المكرماتِ، والسباقُ للخيراتِ، تُقال عثْرَته إذا سبق لسانُه، ويُدافَع عنه إذا لم يَسُؤْ قصدُه، اشترى عثمانُ بنُ عفانَ-رضي اللهُ عنهُ-للمسلمينَ بئرَ رومةَ، وجهَّز جيشَ العُسْرَةِ، فقال النبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-: "ما ضَرَّ عثمانَ ما فعلَ بعدَ اليومِ".

هكذا يجب أن نَتَربى ونُرَبي على احترامِ القاماتِ، وتقديرِ السابقين إلى المكرماتِ.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فعن الربيعِ بنِ سليمانَ-رحمه اللهُ تعالى-قال: "دخلت يومًا على الشافعيِّ-رحمه اللهُ تعالى-فقلتُ له: كيفَ أصبحتَ؟ فقال: أصبحتُ ضعيفًا، فقلت: قَوَّى اللهُ ضَعْفَك يا إمامُ، فقالَ الشافعيُّ: يا ربيعُ، أجابَ اللهُ قلبَك ولا أجابَ لفظَك؛ إنْ قوّى ضَعْفِي علَيَّ قتَلَني، ولكن قل: قَوَّاكَ اللهُ على ضَعْفِك، قال الربيع: والله ما أردت إلا خيرًا، فقالَ الشافعيُّ: أجلْ، واللهِ يا بُنَيَّ لو تَشْتُمُني صُراحًا لعلمت أنَّكَ لم تُرِدْ إلا الخيرَ".

ألسُنٌ تَرَبتْ، وقلوبٌ زَكَت: "لو تَشْتُمُني صُراحًا لعلمت أنَّكَ لم تُرِدْ إلا الخيرَ" كلمةٌ عظيمةٌ، وحُقَّ لها أنْ تكونَ عظيمةً، لأنها خرجتْ من قلوبٍ عظيمةٍ، وأفئدةٍ سليمةٍ، وألسنةٍ مستقيمةٍ.

تُهدى لمنْ يقفونَ على عبارةٍ لها في الخيرِ ألفُ احتمالٍ، وفي الشر احتمالٌ واحدٌ، ثم يفسرونها على هذا الاحتمالِ الوحيدِ من الشرِّ.

تعمى بصائرُهم عن كلِّ مُنْحَرِفٍ*ويرصدونَ ذوي التقوى بـِمرصادِ

قال-عليه وآلِه الصلاة والسلام-: "أقِيلُوا ذَوِي الهيئاتِ عَثَراتِهم".

الفاضلُ من عُدَّتْ سقطاتُه، وقَلَّتْ سيئاتُه، وإذا كثرُ الماءُ لم يحملِ الخبثَ.

لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ، وأصلحْ بطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّا نسألُك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1616682479_التماسُ العذرِ لأهلِ المكرماتِ-13-8-1442هـ-مستفادةٌ من خطبةِ لأحدِ الشيوخِ.docx

1616682481_التماسُ العذرِ لأهلِ المكرماتِ-13-8-1442هـ-مستفادةٌ من خطبةِ لأحدِ الشيوخِ.pdf

المشاهدات 1033 | التعليقات 0