التمائم والرُّقى

التمائم والرُّقى([1])

 

الخطبة الأولى

الحمدُ لِلهِ المُتَوحِّدِ بالعَظَمةِ والجَلال، أحمدُهُ وأشكُرُه، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، تَعالى عن الأندادِ والأشباهِ والأمثال، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسُولُه، دعا إلى التوحيدِ وأشرَفِ الخِلال، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِهِ بإحسانٍ في الأعمالِ والأقوال، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرا.

أما بعد:

فاتَّقوا اللهَ تعالى أيُّها الناس، واعرِفُوا قَدْرَ التوحيد، وإياكُم والشِّرْك، وتأمَّلُوا قولَ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾([2]).

أيُّها المسلمون:

إن من الشِّرْكِ تعليقَ التَّمائمِ والأوتارِ على الأطفالِ والدَّوابِّ وغيرِها من أجْلِ العَين، ومن الأمثلةِ في حاضِرِنا اليوم: تعليقُ بَعضِهِم الرُّقى ونحوَها في السيارة، ووضعُ الأسَاوِرِ من القُماشِ ومن النُّحَاس؛ لدَفعِ الضَّرَرِ عنهم، ومَنعِ العَينِ وغيرِها.

ومن أنواعِ الشِّرْكِ: الرُّقى والعَزائِمُ الشِّرْكيَّة، ومن أنواعِه: التِّوَلَة، وهو شيءٌ يصنعونه يزعمون أنه يُحَبِّبُ المرأةَ إلى زوجِها، والرجلَ إلى امرأتِه، وهو ضَرْبٌ من السِّحر، عن أبي مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «إن الرُّقَى والتَّمائمَ والتِّوَلَةَ شِرْك» رواه الإمامُ أحمدُ([3]) وأبو داودَ([4]) وابنُ ماجه([5]) والحاكمُ وصحَّحه([6])، ووافقهُ الذهبي.

وجاءت الأحاديثُ بالأمرِ بقَطعِ الأوتارِ والتَّمائمِ والنهيِ عنها، فعن أبي بشيرٍ الأنصاريِّ رضي اللهُ عنه أنه كان مع رسولِ اللهِ ﷺ في بعضِ أسفارِه، فأرسل رسُولًا: «أن ‌لا ‌يَبْقَيَنَّ ‌في ‌رقبةِ بعِيرٍ قِلادَةٌ من وَتَرٍ أو قِلادَةٌ إلا قُطِعت» أخرجه البخاري([7])، وذلك أنهم كانوا يَشُدُّونَ تلك الأوتارَ والتَّمائمَ والقَلائدَ ويُعَلِّقون عليها العُوَذ، يَظُنُّون أنها تَعْصِمُهُم من الآفات؛ فنهاهُم النبيُّ ﷺ عنها، وأعْلَمَهُم أن الأوتارَ لا تَرُدُّ من أمْرِ اللهِ شيئا.

وقد وَرَدَ الوعيدُ الشديدُ على مَن عَلَّقَ وَتَرا، فعن رُويفِعِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ قال: قال لي رسولُ اللهِ ﷺ: «يا رُويفِع: لَعَلَّ الحياةَ ستَطُولُ بك بعدي، فأخبِرِ الناسَ أنه ‌مَن ‌عَقَدَ ‌لِحيتَه، أو تَقَلَّدَ وَتَرا، أو استنجَى برجيعِ دابَّةٍ أو عَظْم، فإن محمدًا بريءٌ منه» أخرجه الإمامُ أحمد([8])، وقولُه: « لَعَلَّ الحياةَ ستَطُولُ بك» عَلَمٌ من أعلامِ النُّبوة؛ فإن رُوَيفِعًا مات سنةَ سِتٍّ وخمسينَ من الهجرة، وماتَ بِبَرْقَةَ من أعمالِ مِصرَ أميرًا عليها، وقولُه: «فأخبِرِ الناس» يدُلُّ على وجوبِ التبليغِ لمن كان لديه عِلم، وقولُه: «‌مَن ‌عَقَدَ ‌لِحيتَه» فقد كان الناسُ يُطيلونَ اللِّحى، وإذا وَقَعت الحربُ عَقَدُوها، أي يَفتِلُونها ويَعقِدُونها تكَبُّرًا وعُجْبا، وقولُه: «أو تَقَلَّدَ وَتَرا» يُريدُ التَّميمة، أي أنها تدفعُ عنه الشر، وقولُه: «أو استنجَى برجيع دابَّة» أي بالرَّوْث «أو عَظْم» أي عظامَ ما يُؤكلُ لحمُه، ولَعَلَّ العِلَّةَ في ذلك ما وَرَدَ في صحيحِ مسلمٍ عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه مرفوعًا: «لا تَستنجُوا بالرَّوْثِ ولا العِظام؛ فإنه زادُ إخوانِكُم من الجن»([9])، وفي حديثِ أبي هريرةَ عند ابنِ خُزيمةَ والدارَقُطني([10]): «إنهما لا يُطهِّران».

وقد وَرَدَ الدعاءُ على مَن عَلَّقَ تميمةً أو وَدَعَة، فعن عُقْبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن ‌عَلَّقَ ‌تَميمةً فلا أتَمَّ اللهُ له، ومَن عَلَّقَ وَدَعَةً فلا وَدَعَ اللهُ له»، رواه أحمدُ([11]) وابنُ حِبَّان([12])، والتَّمِيمَةُ هي: ما يُعَلَّقُ بأعناقِ الصبيانِ من خَرَزاتٍ وعِظامٍ تَدْفَعُ العَين، وهذا مَنْهيٌّ عنه؛ لأنه لا دافعَ إلا الله، ولا يُطلَبُ دَفْعُ المُؤذياتِ إلا باللهِ سُبحانه، والوَدَعةُ: شيءٌ يَخرجُ من البحرِ يُشْبِهُ الصَّدَفَ يتَّقُون به العَين، وفي روايةٍ للحديث: «مَن عَلَّقَ تَميمةً فقد أشرك» رواه أحمد([13])، وقال الهيثمي: رجاله ثِقات([14])، وعن عبدِ اللهِ بنِ عُكَيمٍ مرفوعًا: «مَن تَعَلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه»، رواه أحمدُ([15]) والترمذي([16])، وقد وَرَدَ عن السلفِ فضلُ مَن قَطَعَ تَميمةً من إنسان، فعن سعيدِ بنِ جُبيرٍ قال: «مَن قَطَعَ تَميمةً عن إنسان كان كعِدلِ رَقَبة» أخرجه ابنُ أبي شَيبةَ في "المصنَّف"([17]).


 

والرُّقَى -أيُّها المسلمونَ- جمعُ رُقْية، وهي التي تُسَمَّى العزائم، وهي ممنوعة، وخُصَّ منها ما خَلا من الشِّرْك، فقد رَخَّصَ فيه رسُولُ اللهِ ﷺ من العَينِ والحُمَة، ففي حديثِ بُريدةَ بنِ الحُصَيبِ أنه قال: «لا رُقْيةَ إلا من عَينٍ أوحُمَة» رواه أحمدُ([18]) ومسلمٌ([19]) مرفوعًا، ومعناه: لا رُقْيةَ أشفى وأولى من رُقْيةِ العَينِ والحُمَة، ومعنى الحُمَةِ: سُمُّ العَقارِبِ ونحوِها، والعَينُ معلومة.

ولا بأسَ بالرُّقَى إذا كانت بحق، وهي ما اجتمع فيها ثلاثةُ شُروط:

أحدُها: أن تكونَ بكلامِ الله، أو أسماءِ اللهِ أو صِفاتِه، أو التَّعَوُّذاتِ الشرعيَّة.

والثاني: أن تكونَ باللسانِ العربِيِّ وما يُعْرَفُ مَعناه.

والثالث: أن يُعتقدَ أن الرُّقْيةَ سبب، وأنها لا تُؤَثِّرُ بذاتِها، بل بتقديرِ اللهِ تعالى.

فاتَّقوا اللهَ -أيُّها المسلمون- وحافِظوا على توحيدِكُم، وأخلِصُوهُ للهِ تعالى، وابتعِدُوا عَمَّا يَجرَحُهُ أو يُضْعِفُهُ أو يُنْقِصُه، وكونُوا كما قال سُبحانه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([20]).

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، وفي سنةِ سيدِ المرسَلين، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين، فاستغفِرُوهُ إنه هو الغفورُ الرحيم.

 


 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الذي بِيَدِهِ النَّفْعُ والضُرّ، أحمَدُهُ سُبحانه وأشكُرُه، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، عليه تَوكَّلْتُ وإليه مَتاب، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسُولُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه وصَحبِه ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعد:

فاتَّقُوا الله، واعلَمُوا أن النَّفْعَ والضُرَّ بِيَدِ الله، فاعْتَمِدُوا بِقُلُوبِكُم عليه، واسْأَلُوهُ رَفْعَ ما نزلَ بكم مِن شِدَّةٍ أو كَرْب، ولا مانعَ من فِعْلِ الأسبابِ الشرعيَّة، من التَّداوي والرُّقْيةِ الشرعيَّة.

عبادَ الله:

من التعاليقِ المُنتشرة ما يُعَلَّقُ على الدابةِ أو السيارة؛ اعتقادًا أنها تَدفَعُ البَلاء، أو تَجْلِبُ الرِّزق، كالقِلادةِ من الوَتَر، أو الخِرَقِ السوداء، أو القِرَبِ البالية، أو ما كان على شَكْلِ حِذاءٍ صغير، أو تِمثالِ حيوانٍ يُوضَعُ في مُقَدِّمةِ أو مُؤخِّرةِ السيارة، ومنها ما يُعَلَّقُ على الدارِ أو المَتْجَر، وهذه من التَّمائمِ الممنوعة، وعلى المسلمِ تَجَنُّبُ وَضْعِها.

صَلُّوا بعد هذا على النبيِّ المُصطفى، والرسولِ المُجتبى، وقُولُوا كما عَلَّمَكُم: (اللهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد).

 

 



([1]) أُلقيت في 26/1/1443ه.
([2]) الأنعام: 82.
([3]) (3615).
([4]) (3883).
([5]) (3530).
([6]) (8510).
([7]) (3005).
([8]) (16995) وجوَّد إسنادَه ابنُ الملقِّن في "البدر المنير" (2/352).
([9]) (450).
([10]) (152) وصحَّح إسنادَه.
([11]) (17404).
([12]) (6086) قال الحاكم: (حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه) "المستدرك" (7501).
([13]) (17422).
([14]) "مجمع الزوائد" (8399).
([15]) (18781).
([16]) (2072) وحسَّنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1407).
([17]) (23473).
([18]) (2448).
([19]) (220).
([20]) البقرة: 112.

المشاهدات 147 | التعليقات 0