التلاعب بالميراث (تعميم )

يوسف العوض
1446/07/01 - 2025/01/01 14:34PM

الخطبة الأولى

أيّها المسلمون : أنزلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- تشريعهُ الحكيمَ، ولم يتركْ هذا التشريعَ شأنًا من شؤونِ حياةِ الإنسانِ إلّا ونظّمه وبيّنَ أحكامهُ، ومن الأحكامِ التي جاءت الشريعةُ الإسلاميّةُ على تنظيمها وبيانها: أحكامُ الميراثِ؛ والميراثُ هو ما يتركهُ الميتُ من تركةٍ لمن تربطهم به رابطةُ نسبٍ أو رحمٍ، وجاء التشريعُ الإسلامي بجملةٍ من الأدلةِ الشرعيّةِ في القرآنِ الكريمِ والسنّةُ النبويّةُ مبيِّنةً لمن هم ورثةُ الميّتِ، وشروط استحقاقهم للميراث، ومقدار حصّة كلّ وارثٍ من الميراث باختلاف صلة قرابته من المورِّث، وقد أكّد التشريع على ضرورة توزيع الميراث لمستحقّيه وإعطاء كلّ صاحب حقٍّ حقّه، وحذّر من التهاون في ذلك؛ لأنّه صورةٌ من صور الظلم.

أيّها المسلمون : إنّ أكل الميراث من كبائر الذنوب، ومن المعاصي التي يعاقب الله -عزّ وجلّ- عليها في الدنيا والآخرة؛ فالله -عزّ وجلّ- هو الحقّ والعدل قالَ الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"، وقد شرع هذا الميراث للورثة باعتباره حقًّا ثابتًا لهم، فمن حبسه عنهم بقصد الطمع وأكل ميراثهم، فقد احتمل زورًا وبهتانًا؛ لأنّه ظلم أصحاب الحقّ بمنعه لهم من حقّهم، والله -عزّ وجلّ- قد حرّم الظلم على نفسه كما حرّمه على العباد، وحذّر وتوعّد في كتابه كلّ من ظلم نفسًا بغير حقٍّ، أو بقصد الفساد، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)، وأداء الميراث أمرٌ من جملة الأوامر التي أمر الله -عزّ وجلّ- عباده بها، ووصيَّةٌ منه إلى ورثة الميّت؛ فمن طمع به وأكله على أصحابه؛ فقد حمّل نفسه ظلمًا ذنبًا من كبائر الذنوب، وتسبّب لنفسه باستحقاق غضب الله -عزّ وجلّ- وسخطه.

أيّها المسلمون : ثمّة أسبابٌ عديدةٌ قد تكون دافعًا ومحرّكًا للبعض نحو أكل الميراث وحرمان أصحابه منه، وآتيًا ذكرٌ لجملةٍ من هذه الأسباب والدوافع:

أولاً: حبّ الدنيا؛ فالمال جزءٌ من متاع الحياة الدنيا وزينتها، ومن تعلّق قلبه بالدنيا وأخلد إليها، وقدّمها على الحياة الآخرة والإعداد لها؛ سيحرص أشدّ الحرص على جمع متاع الدنيا والاستزادة والإكثار منه، ولو كان ذلك من خلال الاستيلاء والاعتداء على حقوق غيره؛ فيُعميه حبّ الدنيا عن مراعاة الحلال والحرام كما جاء في قول الله تعالى: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)، والتراث هو الميراث؛ ويقصد بالآية الذين يأخذون نصيبهم من الميراث ويجمعون إليه أنصبة غيرهم بأكلهم لها.

ثانيا : ضعف الوازع الديني؛ فمن ضاعت مخافة الله -عزّ وجلّ- من قلبه لن يكترث لعقابه وحسابه في الآخرة، مع علمه على قدرة الله عليه في الدنيا والآخرة، لكّنه لا يكترث لحساب الآخرة، ويسعى لتحصيل مكاسب في الدنيا دون أن يعلم أنّ موعد ردّ ظلمه سيكون في يومٍ تشيب منه الولدان؛ لهوله وعظمته.

ثالثا: الطمع والحقد بين الأقارب، فالله -عزّ وجلّ- قال في كتابه: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)؛ فالخلطاء هم الأقارب والقرناء؛ فإنّ بعضهم يستسيغ أكل حقوق أقاربه؛ لضعفهم، كأن يأكل ميراث المرأة أو الطفل الصغير الذي لا يقوى على أخذ حقّه، كما كان يفعل أهل الجاهلية مع المرأة؛ فيمنعونها من حقّها في التركة، ويورّثون الذكور منهم فقط.

الخطبة الثانية

أيّها المسلمون : بيّنت نصوصُ الشريعةِ عقوبةَ آكلِ الميراثِ جرّاء ظلمهِ وتعدّيهِ على حقوقِ غيرهِ، والميراثُ من الأمورِ التي حدّدها اللهُ عزّ وجلّ؛ فلا يجوزُ تعدّيها، قالَ اللهُ تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)، ويمكنُ إجمالُ ما يترتّبُ على آكلِ الميراثِ من عقوبةٍ بالآتي:

أولا : الحرمانُ من الجنّةِ؛ فذكر العلماءُ أنّ آكلَ الميراثِ إن لم يكن مستحلًّا لفعله هذا؛ فإنّه يُحرمُ من الجنّةِ بشكلٍ مؤقّتٍ؛ أي أن يدخل النارَ بسببِ ذنوبهِ، ثم يعودُ إلى الجنّةِ بعدَ أن تمّ عقابهُ على ذنوبهِ.

ثانيا : الطردُ من رحمةِ اللهِ، فمن يأكلُ ميراثَ رَحمِه من النساء، فقد ظلمَ نفسه، وظلم رَحمَه وقطعهُ، وقد بيّن اللهُ -عزّ وجلّ- أنّ صلتَه ورحمتَه تنزلُ على من كان واصلًا لرحمه، أمّا من قطعَ رحمه؛ فإنّ الله -عزّ وجلّ- يقطعُ صلته به، ويطرده من رحمته كذلك.

ثالثا : الإفلاسُ يومَ القيامةِ؛ لأنّه قد باعَ آخرته واشترى الدنيا ومتاعها، فلا يجدُ يومَ القيامةِ شيئًا ينتفعُ فيه، في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا ولدٌ، إلا العملُ الصالحُ فقط.

رابعا : الفضيحةُ يومَ القيامةِ، لأنّ أكلَ الميراثِ من الموبقاتِ السبعِ، فمن أكلَ ميراثَ غيرهِ؛ سيفضحهُ اللهُ تعالى يومَ القيامةِ على رؤوسِ النّاسِ.

المرفقات

1735798138_الارث.docx

المشاهدات 967 | التعليقات 0