التكبير في أيام التشريق، خطبة قديمة قد تناسب
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1436/12/01 - 2015/09/14 06:22AM
هذه من الخطب القديمة التي يناسب أن يخطب بها يوم الجمعة 11 - 12 -1436 لكونه أول أيام التشريق علما أن حواشي الخطبة موجودة في ملف الوورد لكون المنتدى لا ينشر الحواشي أو أنني ما عرفت أنشرها فيه
التكبير في أيام التشريق
12/12/1428
الحَمْدُ للهِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ؛ دَلَّ خَلْقُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَبَرْهَنَ عَطَاؤُهُ وَإِمْهَالُهُ عَلَى حِلْمِهِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) [الحج: 62]، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ العَظِيمِ؛ فَهُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ، الغَنِيُّ عَنِ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى، أَخْبَرَتْ عَنْهُ زَوْجُهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ، وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ، وَالْتَزِمُوا شَرِيعَتَهُ، وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ؛ (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة: 198].
أَيُّهَا النَّاسُ: عَظَمَةُ المَخْلُوقِ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا - رَأَى مِنْ عَجَائِبِ المَخْلُوقَاتِ مَا لَا يَعُدُّهُ العَادُّونَ، وَلَا يُحْصِيهِ المُحْصُونَ، وَفِي السَّمَاءِ عَجَائِبُ نَعْلَمُ قَلِيلًا مِنْهَا، وَيَخْفَى عَلَيْنَا أَكْثَرُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ؛ فَاسْتَحَقَّ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعَظَّمَ وَيُكَبَّرَ، وَيُفْرَدَ بِالعَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ؛ (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ) [الرعد: 9].
وَلِذَا كَانَ تَكْبِيرُ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ وَأَجَلِّهَا، وَأُمِرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ خِطَابَاتِ القُرْآنِ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى رَسُولًا، وَاقْتَرَنَ الأَمْرُ بِهِ مَعَ الأَمْرِ بِالنِّذَارَةِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِشَرَفِ مُهِمَّتِهِ، وَثِقَلِ رِسَالَتِهِ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَلْبِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مُقَابَلَةِ صُدُودِ المُشْرِكِينَ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَأَذَاهُمْ؛ (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدَّثر:1-3].
وَلِعَظِيمِ شَأْنِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَعَهُ فِي أَشْرَفِ المَوَاضِعِ وَأَعْلَاهَا؛ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالحَجِّ، وَالأَعْيَادِ، وَالجِهَادِ، وَغَيْرِهَا؛ فَالصَّلَاةُ يُنَادَى لَهَا بِالتَّكْبِيرِ؛ إِشْعَارًا بِأَنَّ الإِقْبَالَ عَلَيْهَا إِقْبَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ المُسْلِمُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَهْمَا كَانَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ شُغُلٍ، وَيُقْبِلَ عَلَى الكَبِيرِ المُتَعَالِ.
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ تُقَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَتُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَنْتَقِلُ المُسْلِمُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَمَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ فِيهَا أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ مَرَّةً، هَذَا عَدَا السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى وَالوِتْرِ وَالنَّفْلِ المُطْلَقِ، وَمُتَابَعَةِ المُؤَذِّنِ، وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، مَعَ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ، وَتَكْبِيرِهِ إِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَعْجَبُ مِنْهُ، وَتَكْبِيرِهِ إِنْ عَلَا مُرْتَفَعًا، وَتَكْبِيرِهِ فِي أَذْكَارِهِ المُطْلَقَةِ...
وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ أَكْثَرَ جُمْلَةٍ يُرَدِّدُهَا المُسْلِمُ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا هِيَ التَّكْبِيرُ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا.
وَمَا شُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي فَرِيضَةٍ عَظِيمَةٍ تَتَكَرَّرُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ إِلَّا لِعَظِيمِ مَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
وَبَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الصِّيَامِ شُرِعَ لِلْمُسْلِمِ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ العِيدِ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ؛ (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
وَالحَجُّ مِنْ أَعْظَمِ الشَّعَائِرِ وَأَظْهَرِهَا؛ فَشُرِعَ فِيهِ التَّكْبِيرُ فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ، مِثْلُ: التَّكْبِيرِ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ اسْتِلَامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى المَرْوَةِ، وَالتَّكْبِيرِ مَعَ رَمْيِ الجِمَارِ، وَالتَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203]، فَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَشْهَرُ الذِّكْرِ فِيهَا هُوَ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالمُقَيَّدُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ.
وَالهَدَايَا وَالأَضَاحِي مِنَ الشَّعَائِرِ العَظِيمَةِ، وَالمَنَاسِكِ الكَبِيرَةِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا المُسْلِمُونَ لِرَبِّهِمْ، وَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ تَقْرِيبِهَا للهِ تَعَالَى، فَلَا تُذْبَحُ وَلَا تُنْحَرُ إِلَّا بِذِكْرِ اسْمِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَتَكْبِيرِهِ عَلَيْهَا؛ (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:37].
وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَشُرِعَ فِيهِ التكَّبِيرُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مُلَاقَاةِ العَدُوِّ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ثَبَاتِ القُلُوبِ وَقُوَّتِهَا وَجَسَارَتِهَا، وَإِقْدَامِ الجُنْدِ وَحَمَاسَتِهِمْ وَتَضْحِيَتِهِمْ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ أَعْجَبُ فِي زَعْزَعَةِ الأَعْدَاءِ، وَبَعْثَرَةِ جُمُوعِهِمْ، وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَدِينَةٍ تُفْتَتَحُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِلَا قِتَالٍ، وَإِنَّمَا بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ؛ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَكْبِيرِهِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِحَمْدِهِ، وَنَفَى الشَّرِيكَ وَالوَلَدَ وَالوَلِيَّ عَنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: (وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:111].
فَمَلِكُ المُلُوكِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَرِيكٍ أَوْ وَلِيٍّ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى صَاحِبَةٍ أَوْ وَلَدٍ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ الضُّعَفَاءُ المُفْتَقِرُونَ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَنَاسَبَ أَنْ يُكَبَّرَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَفَى عَنْ ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ الحَاجَةَ إِلَى أَحَدٍ.
قَالَ القُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)؛ أَيْ: عَظِّمْهُ عَظَمَةً تَامَّةً، وَيُقَالُ: أَبْلَغُ لَفْظَةٍ لِلْعَرَبِ فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ: (اللهُ أَكْبَرُ)؛ أَيْ: صِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ نَقَلَ القُرْطُبِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَوْلَهُ: قَوْلُ العَبْدِ: (اللهُ أَكْبَرُ)، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَفِي هَذَا الأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ بِتَكْبِيرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ العَبْدَ وَإِنْ بَالَغَ فِي التَّنْزِيهِ وَالتَّمْجِيدِ، وَاجْتَهَدَ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّحْمِيدِ، يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَرِفَ بِالقُصُورِ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ شَأْنَ اللهِ تَعَالَى أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِمَّا يَظُنُّهُ البَشَرُ، وَأَنَّ الصَّالِحِينَ مِنَ البَشَرِ مَهْمَا تَعَبَّدُوا للهِ تَعَالَى - فَلَنْ يُوَفُّوهُ حَقَّهُ، وَلَنْ يُكَافِئُوا نِعَمَهُ.
وَبِهَذَا تَتَبَيَّنُ مَكَانَةُ التَّكْبِيرِ، وَجَلَالَةُ قَدْرِهِ، وَعِظَمُ شَأْنِهِ، وَمَقَامُهُ مِنَ الدِّينِ، فَلَيْسَ التَّكْبِيرُ كَلِمَةً لَا مَعْنَى لَهَا، أَوْ لَفْظَةً لَا مَضْمُونَ فِيهَا، بَلْ هِيَ كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ تَتَضَمَّنُ مَعَانِيَ جَلِيلَةً، وَمَقَاصِدَ كَبِيرَةً.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ عَظَمَةَ التَّكْبِيرِ، وَجَلَالَةَ قَدْرِهِ: أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ يُعَدُّ تَفْصِيلًا لِكَلِمَةِ (اللهُ أَكْبَرُ)، فَالمُسْلِمُ يَقُومُ بِالطَّاعَاتِ جَمِيعِهَا، وَيَجْتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا؛ تَكْبِيرًا للهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَقِيَامًا بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ.
إِنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ تَعْظِيمُ الرَّبِّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَإِجْلَالُهُ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَكْبَرُ وَلَا أَعْظَمُ مِنْهُ؛ فَيَصْغُرُ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، وَيَتَضَاءَلُ أَمَامَ جَلَالِهِ كُلُّ جَلِيلٍ؛ فَهُوَ الَّذِي خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَلَانَتْ لَهُ الشِّدَادُ، وَدَانَتْ لَهُ الخَلَائِقُ، وَذَلَّتْ لَهُ الجَبَابِرَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَوَاضَعَتْ لِجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّهِ وَقُدْرَتِهِ المَوْجُودَاتُ، وَاسْتَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَقَهْرِهِ كُلُّ المَخْلُوقَاتِ.
وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَبِيرٌ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ اللهُ تَعَالَى عِنْدَ العَبْدِ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلَامِ: "يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ؟ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ عَدِيٌّ: فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ"؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: وَفِي قَوْلِهِ: (اللهُ أَكْبَرُ) إِثْبَاتُ عَظَمَتِهِ؛ فَإِنَّ الكِبْرِيَاءَ تَتَضَمَّنُ العَظَمَةَ، وَلَكِنَّ الكِبْرِيَاءَ أَكْمَلُ؛ وَلِهَذَا جَاءَتِ الأَلْفَاظُ المَشْرُوعَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالأَذَانِ بِقَوْلِ: (اللهُ أَكْبَرُ)، فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ: (اللهُ أَعْظَمُ)؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ"، فَجَعَلَ العَظَمَةَ كَالإِزَارِ، وَالكِبْرَيَاءَ كَالرِّدَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَاءَ أَشْرَفُ، فَلَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ أَبْلَغَ مِنَ التَّعْظِيمِ صَرَّحَ بِلَفْظِهِ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ؛ ا.هـ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا أَمَرَ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ؛ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِرْغَامًا لِمَنْ جَحَدَهُ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الغُرَرِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ العَرْضِ الأَكْبَرِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَانْتَهُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: تَكْبِيرُ اللهِ تَعَالَى فَضِيلَةٌ فُضِّلَتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَمَيْزَةٌ تَمَيَّزَتْ بِهَا، وَوَصْفٌ وُصِفَتْ بِهِ فِي الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ؛ كَمَا نَقَلَ أَصْحَابُ السِّيَرِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ زَبُورِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وَصْفِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُمْ "يُسَبِّحُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَضَاجِعِهِمْ وَيُكَبِّرُونَهُ سُبْحَانَهُ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ".
يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: وَهَذِهِ الصِّفَاتُ إِنَّمَا تَنْطَبِقُ عَلَى صِفَاتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ؛ فَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ؛ فِي أَذَانِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَهَذَا التَّكْبِيرُ يَمْلَأُ الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إِلَى غَرْبِهَا.
وَكَانَ النَّصَارَى فِي وَقْتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - يُسَمُّونَ عِيدَ المُسْلِمِينَ: "عِيدَ اللهِ الأَكْبَرِ؛ لِظُهُورِ التَّكْبِيرِ فِيهِ"؛ فَهُمْ يُوَافِقُونَ المُسْلِمِينَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالعِيدِ الأَكْبَرِ، أَوْ عِيدِ اللهِ الأَكْبَرِ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ - لَا أَهْلُ الكِتَابِ وَلَا غَيْرُهُمْ - غَيْرَ المُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُوسَى يَجْمَعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالبُوقِ، وَالنَّصَارَى شِعَارُهُمُ النَّاقُوسُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: لَقَدْ بَانَ بِمَا سَبَقَ مَا لِلتَّكْبِيرِ مِنْ فَضِيلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ المُبَارَكَةِ، فَلَا يَحْسُنُ بِالمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّطُوا فِيهِ، أَوْ يُشْغَلُوا عَنْهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى هُدُوا إِلَيْهَا، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي المَوَاسِمِ العَظِيمَةِ كَالأَعْيَادِ.
وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ مِنَ الأَعْيَادِ، بَلْ هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالعِيدِ الكَبِيرِ عِيدِ النَّحْرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ)؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا أَيَّامٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكْثَرَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالَى"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الذكْرِ: التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ، الَّتِي خُصَّتْ بِالتَّكْبِيرِ المُطْلَقِ فِي سَائِرِ الأَوْقَاتِ، وَبِالتَّكْبِيرِ المُقَيَّدِ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ.
فَاحْرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى - عَلَى التَّكْبِيرِ، وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، وَاشْكُرُوهُ سُبْحَانَهُ عَلَى آلَائِهِ وَنِعَمِهِ، وَاجْتَنِبُوا المُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّهَا جَالِبَةُ النِّقَمِ، رَافِعَةُ النِّعَمِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
التكبير في أيام التشريق
12/12/1428
الحَمْدُ للهِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ؛ دَلَّ خَلْقُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَبَرْهَنَ عَطَاؤُهُ وَإِمْهَالُهُ عَلَى حِلْمِهِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) [الحج: 62]، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ العَظِيمِ؛ فَهُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ، الغَنِيُّ عَنِ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى، أَخْبَرَتْ عَنْهُ زَوْجُهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ، وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ، وَالْتَزِمُوا شَرِيعَتَهُ، وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ؛ (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة: 198].
أَيُّهَا النَّاسُ: عَظَمَةُ المَخْلُوقِ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا - رَأَى مِنْ عَجَائِبِ المَخْلُوقَاتِ مَا لَا يَعُدُّهُ العَادُّونَ، وَلَا يُحْصِيهِ المُحْصُونَ، وَفِي السَّمَاءِ عَجَائِبُ نَعْلَمُ قَلِيلًا مِنْهَا، وَيَخْفَى عَلَيْنَا أَكْثَرُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ؛ فَاسْتَحَقَّ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعَظَّمَ وَيُكَبَّرَ، وَيُفْرَدَ بِالعَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ؛ (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ) [الرعد: 9].
وَلِذَا كَانَ تَكْبِيرُ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ وَأَجَلِّهَا، وَأُمِرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ خِطَابَاتِ القُرْآنِ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى رَسُولًا، وَاقْتَرَنَ الأَمْرُ بِهِ مَعَ الأَمْرِ بِالنِّذَارَةِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِشَرَفِ مُهِمَّتِهِ، وَثِقَلِ رِسَالَتِهِ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَلْبِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مُقَابَلَةِ صُدُودِ المُشْرِكِينَ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَأَذَاهُمْ؛ (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدَّثر:1-3].
وَلِعَظِيمِ شَأْنِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَعَهُ فِي أَشْرَفِ المَوَاضِعِ وَأَعْلَاهَا؛ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالحَجِّ، وَالأَعْيَادِ، وَالجِهَادِ، وَغَيْرِهَا؛ فَالصَّلَاةُ يُنَادَى لَهَا بِالتَّكْبِيرِ؛ إِشْعَارًا بِأَنَّ الإِقْبَالَ عَلَيْهَا إِقْبَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ المُسْلِمُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَهْمَا كَانَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ شُغُلٍ، وَيُقْبِلَ عَلَى الكَبِيرِ المُتَعَالِ.
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ تُقَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَتُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَنْتَقِلُ المُسْلِمُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَمَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ فِيهَا أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ مَرَّةً، هَذَا عَدَا السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى وَالوِتْرِ وَالنَّفْلِ المُطْلَقِ، وَمُتَابَعَةِ المُؤَذِّنِ، وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، مَعَ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ، وَتَكْبِيرِهِ إِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَعْجَبُ مِنْهُ، وَتَكْبِيرِهِ إِنْ عَلَا مُرْتَفَعًا، وَتَكْبِيرِهِ فِي أَذْكَارِهِ المُطْلَقَةِ...
وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ أَكْثَرَ جُمْلَةٍ يُرَدِّدُهَا المُسْلِمُ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا هِيَ التَّكْبِيرُ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا.
وَمَا شُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي فَرِيضَةٍ عَظِيمَةٍ تَتَكَرَّرُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ إِلَّا لِعَظِيمِ مَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
وَبَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الصِّيَامِ شُرِعَ لِلْمُسْلِمِ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ العِيدِ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ؛ (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
وَالحَجُّ مِنْ أَعْظَمِ الشَّعَائِرِ وَأَظْهَرِهَا؛ فَشُرِعَ فِيهِ التَّكْبِيرُ فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ، مِثْلُ: التَّكْبِيرِ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ اسْتِلَامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى المَرْوَةِ، وَالتَّكْبِيرِ مَعَ رَمْيِ الجِمَارِ، وَالتَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203]، فَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَشْهَرُ الذِّكْرِ فِيهَا هُوَ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالمُقَيَّدُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ.
وَالهَدَايَا وَالأَضَاحِي مِنَ الشَّعَائِرِ العَظِيمَةِ، وَالمَنَاسِكِ الكَبِيرَةِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا المُسْلِمُونَ لِرَبِّهِمْ، وَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ تَقْرِيبِهَا للهِ تَعَالَى، فَلَا تُذْبَحُ وَلَا تُنْحَرُ إِلَّا بِذِكْرِ اسْمِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَتَكْبِيرِهِ عَلَيْهَا؛ (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:37].
وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَشُرِعَ فِيهِ التكَّبِيرُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مُلَاقَاةِ العَدُوِّ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ثَبَاتِ القُلُوبِ وَقُوَّتِهَا وَجَسَارَتِهَا، وَإِقْدَامِ الجُنْدِ وَحَمَاسَتِهِمْ وَتَضْحِيَتِهِمْ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ أَعْجَبُ فِي زَعْزَعَةِ الأَعْدَاءِ، وَبَعْثَرَةِ جُمُوعِهِمْ، وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَدِينَةٍ تُفْتَتَحُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِلَا قِتَالٍ، وَإِنَّمَا بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ؛ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَكْبِيرِهِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِحَمْدِهِ، وَنَفَى الشَّرِيكَ وَالوَلَدَ وَالوَلِيَّ عَنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: (وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:111].
فَمَلِكُ المُلُوكِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَرِيكٍ أَوْ وَلِيٍّ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى صَاحِبَةٍ أَوْ وَلَدٍ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ الضُّعَفَاءُ المُفْتَقِرُونَ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَنَاسَبَ أَنْ يُكَبَّرَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَفَى عَنْ ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ الحَاجَةَ إِلَى أَحَدٍ.
قَالَ القُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)؛ أَيْ: عَظِّمْهُ عَظَمَةً تَامَّةً، وَيُقَالُ: أَبْلَغُ لَفْظَةٍ لِلْعَرَبِ فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالإِجْلَالِ: (اللهُ أَكْبَرُ)؛ أَيْ: صِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ نَقَلَ القُرْطُبِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَوْلَهُ: قَوْلُ العَبْدِ: (اللهُ أَكْبَرُ)، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَفِي هَذَا الأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ بِتَكْبِيرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ العَبْدَ وَإِنْ بَالَغَ فِي التَّنْزِيهِ وَالتَّمْجِيدِ، وَاجْتَهَدَ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّحْمِيدِ، يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَرِفَ بِالقُصُورِ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ شَأْنَ اللهِ تَعَالَى أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِمَّا يَظُنُّهُ البَشَرُ، وَأَنَّ الصَّالِحِينَ مِنَ البَشَرِ مَهْمَا تَعَبَّدُوا للهِ تَعَالَى - فَلَنْ يُوَفُّوهُ حَقَّهُ، وَلَنْ يُكَافِئُوا نِعَمَهُ.
وَبِهَذَا تَتَبَيَّنُ مَكَانَةُ التَّكْبِيرِ، وَجَلَالَةُ قَدْرِهِ، وَعِظَمُ شَأْنِهِ، وَمَقَامُهُ مِنَ الدِّينِ، فَلَيْسَ التَّكْبِيرُ كَلِمَةً لَا مَعْنَى لَهَا، أَوْ لَفْظَةً لَا مَضْمُونَ فِيهَا، بَلْ هِيَ كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ تَتَضَمَّنُ مَعَانِيَ جَلِيلَةً، وَمَقَاصِدَ كَبِيرَةً.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ عَظَمَةَ التَّكْبِيرِ، وَجَلَالَةَ قَدْرِهِ: أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ يُعَدُّ تَفْصِيلًا لِكَلِمَةِ (اللهُ أَكْبَرُ)، فَالمُسْلِمُ يَقُومُ بِالطَّاعَاتِ جَمِيعِهَا، وَيَجْتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا؛ تَكْبِيرًا للهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَقِيَامًا بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ.
إِنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ تَعْظِيمُ الرَّبِّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَإِجْلَالُهُ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَكْبَرُ وَلَا أَعْظَمُ مِنْهُ؛ فَيَصْغُرُ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، وَيَتَضَاءَلُ أَمَامَ جَلَالِهِ كُلُّ جَلِيلٍ؛ فَهُوَ الَّذِي خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَلَانَتْ لَهُ الشِّدَادُ، وَدَانَتْ لَهُ الخَلَائِقُ، وَذَلَّتْ لَهُ الجَبَابِرَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَوَاضَعَتْ لِجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّهِ وَقُدْرَتِهِ المَوْجُودَاتُ، وَاسْتَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَقَهْرِهِ كُلُّ المَخْلُوقَاتِ.
وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَبِيرٌ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ اللهُ تَعَالَى عِنْدَ العَبْدِ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلَامِ: "يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ؟ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ عَدِيٌّ: فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ"؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: وَفِي قَوْلِهِ: (اللهُ أَكْبَرُ) إِثْبَاتُ عَظَمَتِهِ؛ فَإِنَّ الكِبْرِيَاءَ تَتَضَمَّنُ العَظَمَةَ، وَلَكِنَّ الكِبْرِيَاءَ أَكْمَلُ؛ وَلِهَذَا جَاءَتِ الأَلْفَاظُ المَشْرُوعَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالأَذَانِ بِقَوْلِ: (اللهُ أَكْبَرُ)، فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ: (اللهُ أَعْظَمُ)؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ"، فَجَعَلَ العَظَمَةَ كَالإِزَارِ، وَالكِبْرَيَاءَ كَالرِّدَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَاءَ أَشْرَفُ، فَلَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ أَبْلَغَ مِنَ التَّعْظِيمِ صَرَّحَ بِلَفْظِهِ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ؛ ا.هـ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا أَمَرَ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ؛ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِرْغَامًا لِمَنْ جَحَدَهُ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الغُرَرِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ العَرْضِ الأَكْبَرِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَانْتَهُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: تَكْبِيرُ اللهِ تَعَالَى فَضِيلَةٌ فُضِّلَتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَمَيْزَةٌ تَمَيَّزَتْ بِهَا، وَوَصْفٌ وُصِفَتْ بِهِ فِي الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ؛ كَمَا نَقَلَ أَصْحَابُ السِّيَرِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ زَبُورِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وَصْفِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُمْ "يُسَبِّحُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَضَاجِعِهِمْ وَيُكَبِّرُونَهُ سُبْحَانَهُ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ".
يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: وَهَذِهِ الصِّفَاتُ إِنَّمَا تَنْطَبِقُ عَلَى صِفَاتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ؛ فَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ؛ فِي أَذَانِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَهَذَا التَّكْبِيرُ يَمْلَأُ الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إِلَى غَرْبِهَا.
وَكَانَ النَّصَارَى فِي وَقْتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - يُسَمُّونَ عِيدَ المُسْلِمِينَ: "عِيدَ اللهِ الأَكْبَرِ؛ لِظُهُورِ التَّكْبِيرِ فِيهِ"؛ فَهُمْ يُوَافِقُونَ المُسْلِمِينَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالعِيدِ الأَكْبَرِ، أَوْ عِيدِ اللهِ الأَكْبَرِ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ - لَا أَهْلُ الكِتَابِ وَلَا غَيْرُهُمْ - غَيْرَ المُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُوسَى يَجْمَعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالبُوقِ، وَالنَّصَارَى شِعَارُهُمُ النَّاقُوسُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: لَقَدْ بَانَ بِمَا سَبَقَ مَا لِلتَّكْبِيرِ مِنْ فَضِيلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ المُبَارَكَةِ، فَلَا يَحْسُنُ بِالمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّطُوا فِيهِ، أَوْ يُشْغَلُوا عَنْهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى هُدُوا إِلَيْهَا، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي المَوَاسِمِ العَظِيمَةِ كَالأَعْيَادِ.
وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ مِنَ الأَعْيَادِ، بَلْ هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالعِيدِ الكَبِيرِ عِيدِ النَّحْرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ)؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا أَيَّامٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكْثَرَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالَى"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الذكْرِ: التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ، الَّتِي خُصَّتْ بِالتَّكْبِيرِ المُطْلَقِ فِي سَائِرِ الأَوْقَاتِ، وَبِالتَّكْبِيرِ المُقَيَّدِ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ.
فَاحْرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى - عَلَى التَّكْبِيرِ، وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، وَاشْكُرُوهُ سُبْحَانَهُ عَلَى آلَائِهِ وَنِعَمِهِ، وَاجْتَنِبُوا المُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّهَا جَالِبَةُ النِّقَمِ، رَافِعَةُ النِّعَمِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
التكبير_في_أيام_التشريق_-_مشكولة.doc
التكبير_في_أيام_التشريق_-_مشكولة.doc
المشاهدات 4705 | التعليقات 4
جزاك الله خيراً د. إبراهيم، وجعله في ميزان حسناتك
ممتازة
جزاك الله خيرًا وأحسن إليك
جزاكم الله خير،
هل ثمة تعقيب للخطباء المباركين على (حادثة تدافع منى)
كتب الله لكم الأجر.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق