التَّقْليدُ الْأعْمَى

سعود المغيص
1444/04/12 - 2022/11/06 21:52PM

اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى  :

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أما بعد عباد الله :-

اتقوا الله واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من التقليد الأعمى ، لأنه يقود إلى ضياع الهوية، والتبعية والانهزامية، وبه تتميع شخصية المسلم وقيمه ومعتقداته، وتنحطّ أخلاقه، ويتوقف عقله عن الإبداع والتفكير ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه )؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( فَمَن؟!) ؛

وخطورة التقليد الأعمى للكفار كونه إلغاءً للشخصية ، وإذابة لمقومات الاستقلالية ، التي هي من لوازم التكريم الإلهي للإنسان ، والمقلد لا يحس أنه ضال مرتكس في حمأة الباطل ، بل يرى نفسه مُتَطوّراً مُتَحضّراً.

عباد الله : التقليد الأعمى يؤدي إلى التهاون بالدين، والانسلاخ منه شيئا فشيئا، ومحبة من يقلدهم من الكافرين ؛ ولا شك أن هذا الأمرَ خطيرٌ ، يجب المسارعةُ في تلافيه ، وتوعيةِ الأمةِ بخطورته ، والبحثِ عن أسبابه والتحذيرِ منها ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )  ويقول عدي بن حاتم رضي الله عنه : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي: اطرح هذا الوثن من عنقك ، قال: فطرحته، قال: وانتهيت إليه، وهو يقرأ من سورة براءة ، وقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم؟ فقال: أليس يُحرّمون ما أحَلَّ الله، فتُحرّمونه، ويحلون ما حرم الله، فتستحلونه ؟ قال: قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم"  

ولقد ظهرت موجة من التقليد السيء ، لدى بعض شباب المسلمين ، رجالا ونساءً ؛ مسايرةً للموضة، ومواكبةً للحداثة ، فيلهثون وراء سلوكيات غريبة ، دون معرفة أصولها ، ولا الهدف من اتباعها.

إن المسلم ليصاب بالأسى، ويتملكه الحزن ، على أحوال بعضٍ من أبنائنا ، الذين يلهثون خلف العادات الوافدة من الأعداء ، فَقَبِلها بعضهم بسبب ضَعفِ الإيمان ، ويظنون أنهم يفعلون أمرًا غير مُنكر، من متابعةٍ للكفارِ في أعيادِهم ومناسباتِهم الدينيةِ والدنيويةِ ، ومُشاكلةٍ لهم في اللباس والهيئة ، مما تَعافه الأذواق السليمة ، استهوتهم حياة الغرب وانحلالاته ، فمضوا يقلدونهم في عاداتهم وملابسهم وقصاتهم وحركاتهم ، ويحاكونهم في أعيادهم ومناسباتهم ، ويسيرون على خطاهم ، ظانّين أن ذلك من المدَنية والتَحضّر، وهم بذلك يخالفون أوامر الشرع، وأحكام الدين، وفضائل القيم والأخلاق.

ومثل ذلك ما وقع فيه بعض بنات ونساء مجتمعنا ، من محاكاة للكافرات في ألبسة الشهرة والتعري ، حتى نسيت المرأة جوهرها وقيمتها ، ولم تتذكر سوى شكلها ، فراحت تغيّر خلق الله ، فتنمص شعرها ، وتطيل أظافرها ، وتشق ملابسها من الأسفل والجانبين في تحدٍّ صارخ للفطرة ، واستجابة محمومة ، لمصانع أدوات التجميل والمساحيق والأصبغة والألبسة الغربية.

فاربأوا بأنفسكم أيها الشباب ، أن تعيشوا أذلاء مقلِّدين، تابعين لغيركم من الكفار، مفتونين بباطلهم، بل عيشوا مؤثرين لامتأثِّرين،قدوةً معتزّين بهويتكم الإسلامية، يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ياذالجلال والإكرام

 

أقول قولي هذا، وأسْتَغْفِرُ الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ  

فاتقوا لله عِبَادَ اللهِ: وتخلَّقوا بأخلاق الإسلام ، وتأدبوا بآداب خير الأنام ، واعلموا أننا أعزاء بإسلامنا ، وأقوياء بعقيدتنا ، وأغنياء بتراثنا ، ولسنا بحاجة إلى أن نقلد غيرنا ؛ بل غيرُنا هو المحتاج إلى أن يقلدنا فيما نتصف به من تعاليم ديننا السامية ، وأخلاقنا العالية ، والخير كله والعز كله ، في السير على منهج الله ، والاهتداء بهداه ، والتمسك بآدابنا وأخلاقنا الإسلامية.

ولن يكمل إيمان العبد ، حتى يَصدُق في ولائه ومحبته للمؤمنين ، وبراءته ومجانبته للمشركين وأخلاقهم.

اللهم علمنا ماينفعنا ..

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

اللهمَّ أصلِح أحولنا وأَحوالَ المسلمينَ في كلِّ مَكانٍ ، اللهمَّ رُدَّنا إلى دينِنا ردًّا جميلاً ، اللهمَّ من أَرادَنا وأَرادَ دينَنا ، أو أرادَ شبابَنا ، أو أَرادَ نساءَنا، بسوءٍ فاخزِه في هذه الدنيا قبلَ الآخرةِ ، اللهمَّ اجعل عَملَه في بَوارٍ ، اللهمَّ أَرِنا فيه عجائبَ قُدرتِك .

اللَّهُمَّ َاحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْا وَأَعِنْهُمْا، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ يارب العالمين

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من كيد الأعداء.

اللهم بارك لنا فيما أنزلت علينا من نعمة الغيث

اللهم أرسل السماء علينا مدرارا

اللهم أنزلْ في أرضِنا ربيعَها وسَكَنَها. واجعلنا لكَ شاكرينَ.

اللهم أنت الله لا إله الا أنت ، أنت الغني ونحن ..

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 720 | التعليقات 0