التفكّر

عبدالله القاضي
1442/06/30 - 2021/02/12 08:20AM

الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعرّف إلى عباده بآياته ومخلوقاته، ففي كل شيء له آية، تدل على وحدانيته وعظمته، فأبى الظالمون إلا كفورا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

أما بعد:

فـ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون﴾.

عباد الله:

﴿إن في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، لآيات﴾ لآيات، ليست آية. آيات، ولكن لمن؟ من المنتفع بهذه الآيات؟ ﴿لآيات لأولي الألباب﴾، ﴿لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض﴾. أولو الألباب، أصحاب العقول الرزينة، من شأنهم: التفكر في خلق السماوات والأرض، فليسوا من الغافلين الذين عابهم الله تعالى بقوله ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾.

التفكر.

التفكر عبادة.

التفكر عبادة العقل.

قال الحسن البصري رحمه الله: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وقال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه.

وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله أفضل العبادة.

والمؤمن إذا اعتاد التفكر والاعتبار، رأى في كل منظر يشاهده عبرة وآية وتذكرة، قال بعض العلماء: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة.

وأنشد بعضهم:

إذا المرء كانت له فكرةٌ


 
ففي كل شيء له عبرةٌ


عباد الله:

التفكر النافع، الذي يحيى به القلب، وتزكو به النفس، يدور على خمسة أنواع:

النوع الأول: التفكر في آيات الله المنزلة، آيات القرآن، وتعقّلها، وفهم المراد منها، ولذلك أنزلها الله تعالى، لا لمجرد تلاوتها، بل التلاوة وسيلة.

النوع الثاني من التفكر: التفكر في مخلوقات الله المشاهدة، والاعتبار بها، والاستدلال بها على أسمائه وصفاته، وحكمته وإحسانه، وبره وجوده، وقدرته، وقد حض سبحانه عباده على التفكر في آياته وتدبرها وتعقلها، وذم الغافلين عنها.

النوع الثالث: التفكر في آلاء الله وإحسانه، وإنعامه على خلقه بأصناف النعم، وسعة رحمته ومغفرته وحلمه.

وهذه الأنواع الثلاثة من التفكر، تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه.

النوع الرابع: التفكر في عيوب النفس وآفاتها، والتفتيش عن نقائصها، وذلك من أجل محاسبتها واستصلاحها.

وهذا النوع من التفكر من أفضل ما يكون علاجا لأمراض الكبر والإعجاب بالنفس والاغترار بالعمل. قال الحسن البصري: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.

النوع الخامس من التفكر: الفكرة في واجب الوقت، ووظيفته، فيتفكر العبد: ماذا يريد ربي مني في هذا الوقت، وما التصرف الذي يرضي ربي عني في هذا الموقف.

وبعد عباد الله:

فالقلب، لا بد له من حركة، لا بد له من عمل، فإن اشتغل بالتفكر النافع، والتأمل فيما يحتاج إليه، وإلا سرح القلب في خيالات، وأوهام، ووساوس، لا آخر لها، ولا ثمرة لها.

ــــــ

الحمد لله، حمد معترف بالنعمة من ربه، ومقر بالذنب على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

فلقد كان بعض الصالحين يخرجون من بيوتهم، حتى يأتوا الحدادين فينظرون إليهم وهم يوقدون النيران، فيقفون، وينظرون، ويتذكرون بذلك النار، ويبكون، ويستجيرون بالله من النار.

يا عبدالله!

هل نظرت يوما إلى التنور، والنار فيه تضطرم، فذكّرك ذلك نار الآخرة؟

هل شربت يوما شَربة حارة، أو ابتلعت لقمة حارة، فتذكرت الحميم؟

وهل نظرت يوما إلى الربيع، وقد أخذت الأرض زينتها، وازدانت بخضرتها وأزهارها، وطاب هواؤها، فذكرك ذلك نعيم الجنة؟

هل كنت يوما على طريق سفر، فرأيت سيارة قد نفد وقودها، فانقطعت عن السير، فنبهك ذلك على حال من يسافر إلى الدار الآخرة بغير زاد من العمل الصالح، فأنى له الوصول!

قال بعض العلماء: كل ما في الدنيا يذكر الآخرة.

أيها المسلم، يا عبد الله!

هل لفت نظرك، وأثار فطنتك، كثرة الآيات في القرآن، التي تدعوك إلى التفكر، وتحثك على التأمل؟

وهل وقفت بقلبك عند تلك الآيات، وحاولت استنباط ما فيها من العظات.

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟!

قال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، وما فهم امرؤ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل.

﴿وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾.

 

المرفقات

1613118015_التفكر.doc

المشاهدات 737 | التعليقات 0