التفاؤل
تركي بن عبدالله الميمان
الْتَّفَاؤُل
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عِبادَ الله: إنَّهُ عُدَّةُ الصَّابِرِين، وَسَلْوَةُ المَحْزُوْنِين، إنَّها الرُّوْحُ الَّتِي تَبْعَثُ الأَمَل، وتَنْفُضُ غُبَارَ اليَأْسِ والكَسَل؛ إنَّه التَّفَاؤُل!
والتَّفَاؤُلُ الشَّرْعِي؛ هو الَّذِي يَصْحَبُه الإِيمانُ والعَمَل؛ ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً﴾.
وَمِنْ عَوامِلِ التَّفَاؤُلِ: حُسْنُ الظَّنِّ والرَّجَاء[1]، وكَثْرَةُ الدَّعَاءِ؛ قال U: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾، ويقول تعالى: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي)[2].
وَمِنْ عَوَامِلِ التَّفَاؤُلِ: تَحْدِيدُ الأَهْدَافِ المَنْشُودَةِ، وَتَرْكُ العَجَلَةِ المَذْمُوْمَةِ! قال ﷺ: (وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ!)[3].
وَمِنْ عَوَامِلِ التَّفَاؤُلِ: الثِّقَةُ باللهِ! فَالْوَاثِقُ بِرَبِّهِ، مُطْمَئِنٌ بِنَصْرِهِ، راضٍ بِحُكْمِهِ، ولو اجْتَمَعَتْ أَسْبَابُ الهَلاك! فَهَذَا مُوْسَى u: العَدُوُّ خَلْفَه، والبَحْرُ أَمَامَه، وأَصْحَابُه يُنَادُون: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، فَأَجَابَهُم موسى جَوابَ الوَاثِقِيْنَ المُتَفَائِلِيْنَ: ﴿كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِين﴾.
وَالكَلِمَاتُ الطيّبَةُ، والأَسْمَاءُ الحَسَنَةُ؛ تَزْرَعُ التّفَاؤُلَ؛ قال ﷺ: (لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ) قالوا: (وَمَا الفَأْلُ؟) قال: (كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ).
وَلَمَّا أَرْسَلَتْ قُرَيشٌ سُهَيْلَ بْن عَمْرٍو؛ لِيُفَاوِضَ النبيَّ ﷺ؛ تَفَاءَلَ بِاسْمِهِ قَائِلًا: (لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ!)[4].
وَمِنْ عَوَامِلِ التَّفَاؤُلِ: الحَذَرُ مِنَ اليَأْسِ والتَّشَاؤُم، والتَّحَرُّرُ مِنَ الوَهْمِ والتَّلاوُم! فَلا ﴿يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾، و﴿لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، يقول ﷺ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ؛ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ!)[5].
وَمِنْ عَوَامِلِ التَّفَاؤُلِ: تَجْدِيدُ الإِيمان، وَتَرْكُ الأَحْزَان! ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
قال ابنُ القيّم: (الحُزْنُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الشَّيْطَانِ: أَنْ يَحْزَنَ الْعَبْدُ؛ لِيَقْطَعَهُ عَنْ سَيْرِهِ!)[6].
وَإِذَا مَزَّقَ اليَأْسُ القُلُوبَ؛ فَتَذَكَّرْ قَولَ عَلَّامِ الغيوب: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَالرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وَالمُؤْمِنُ المُتَفَائِلُ؛ يَقْرَأُ الأَحْداثَ على أَحْسَنِ الوُجُوه؛ لأَنَّهُ يَثِقُ بِوَعْدِ اللهِ وَرَسُوْلِه! ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾، وفي الحديث: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ!)[7].
وَمِنَ التَّفَاؤُلِ عِنْدَ المَصَائِبِ: اِحْتِسَابُ الأَجْرِ، وتَوَقُّعُ الخَيرِ وَاليُسْر! قال U: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وَمِنْ خَصَائِصِ المُؤْمِنِ: أَنَّهُ إذا (أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ؛ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)[8]، قال السِّعْدِي: (اللهُ يَبْتَلِي أَوْلِياءَهُ بالشِّدَّةِ والرَّخَاءِ؛ لِيَمْتَحِنَ صَبْرَهَمْ وشُكْرَهُمْ، وَيَزْدَادَ إِيْمانُهُمْ ويَقِيْنُهُمْ)[9].
وَمِنْ رَحِمِ المِحَنِ، تُوْلَدُ المِنَح! وَإنَّ النَّصْرَ مع الصَّبْرِ، وَإنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا![10]قال ﷻ: ﴿سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
وَفي وَقْتِ الفِتَنِ وَالمِحَنِ؛ يَزْدَادُ المُؤْمِنُونَ ثَبَاتًا وتَفَاؤُلاً، وَيَزْدَادُ المُنَافِقُونَ إِفْكًا وتَشَاؤُمًا؛ كما وَصَفَهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾.
قال ابنُ القيّم: (فَمَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُ دِينَهُ وَكِتَابَهُ، فَقَدْ ظَنَّ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ؛ فَإِنَّ عِزَّةَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ تَأْبَى أَنْ يُذَلَّ حِزْبُهُ وَجُنْدُهُ، وَتَأْبَى أَنْ تَكُونَ النُّصْرَةُ الدَّائِمُةُ لِأَعْدَائِهِ؛ فَمَنْ ظَنَّ بِاللهِ ذَلِكَ؛ فَمَا عَرَفَهُ، وَلَا عَرَفَ أَسَمَاءَهُ وَصِفَاتَهُ!)[11].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ اللهِ: لا تَطِيْبُ الحياةُ إلا بالإِيمانِ والتَّفَاؤُلِ! فالمُؤْمِنُ المُتَفَائِلُ: يَعِيشُ حَيَاةً طَيّبَة؛ لِأَنَّهُ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ: فَيَرْضَىبِقَضَائِه، وَيَقْنَعُ بِعَطَائِه، ويَشْكُرُهُ على نَعْمائِه، ويَصْبِرُ على بَلَاءِه! لَيْسَ عِنْدَهُ فَرَاغٌ أو مَلَل، ولا إِحْبَاطٌ أو كَسَل! يَرَى شُعَاعَ الأَمَلِ في ظُلُماتِ الأَلَم، وشِعَارُه في الحياة: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾.
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا
مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلا فُسْحَةُ الأَمَلِ
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *
d قَنَاةِ الخُطَبِ الوَجِيْزَةa
¨https://t.me/alkhutab©
* * * *
[1] قال الماوردي: (وَأَمَّا الْفَأْلُ: فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْعَزْمِ، وَبَاعِثٌ عَلَى الْجِدِّ، وَمَعُونَةٌ عَلَى الظَّفَرِ؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَفَاءَلَ: أَنْ يَتَأَوَّلَ الْفَأْلَ بِأَحْسَنِ تَأْوِيلَاتِهِ، وَلَا يَجْعَلَ لِسُوءِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا). أدب الدنيا والدين (316). مختصرًا
[2] رواه مسلم (2675).
[3] رواه البخاري (3612).
[4] رواه البخاري (2731). وكان ﷺ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ: "يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ!". رواه الترمذي وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ). سنن الترمذي (1616). وقال النووي: (وَمَنْ أَمْثَالِ التَّفَاؤُل: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَرِيضٌ، فَيَتَفَاءَلُ بِمَا يَسْمَعُهُ؛ فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ: يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونُ طَالِبَ حَاجَةٍ: فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُول: يَا وَاجِدُ؛ فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ رَجَاءُ الْبُرْءِ أَوِ الْوِجْدَانِ). شرح النووي على مسلم (14/220).
[5] رواه مسلم (2623).
[6] مدارج السالكين (1/501). باختصار
[7] رواه أحمد (16957)، قال الحاكم: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ). المستدرك (8324).
[8] رواه مسلم (2999).
[9] تفسير السعدي (407). باختصار
[10] رواه أحمد (2803)، والترمذي (2516)، وقال: (هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح).
[11] زاد المعاد (3/205). بتصرف
المرفقات
1700063113_الْتَّفَاؤُلُ.docx
1700063123_الْتَّفَاؤُلُ.pdf
1700063128_التفاؤل (للهاتف).pdf
1700063128_التفاؤل (وورد).doc
1700063129_التفاؤل (للطباعة).pdf