التفاؤل

بندر المقاطي
1435/06/07 - 2014/04/07 20:38PM
التَفَاؤُل


الخطبة الأولى

خطبة الحاجة..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
أمَّا بَعْدُ عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جلّ وعزّ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين، وتفاءلوا بالخير تجدوه، وأحسنوا الظنَّ بربكم، فإن حسن الظن بالله عمل قلبي، عظيم المنزلةوالأثر في الدين، وله عاقبةحسنة، والعبد مفتقر إليه في سيره لربه، ومكابدته لأمور معاشه، وتعامله مع صنوف الخلق.
ففي مُعترَك هذه الحياةِ، وهمومها وغمومها، وعجزِ الإنسان، نُشاهِدُ بأعيُننا ونسمعُ بآذاننا المصائِبَ والأحزانَ لإخوانٍ لنا في الدين، أو جيرانٍ أو قرابةٍ، أو لنا نحن قبلَهم أو بعدهم -عافانا الله وإياكم منها-، فنقِفُ أمامَها مُحدِقِي الأبصار، نخبِطُ في التعامُل معها خبطَ عشواء، يغلِبُ علينا بسببها اليأسُ والقنوطُ والتشاؤُم، الذي لا يزيدُ الكربَ إلا ضيقًا، ولا الضيقَ إلا حرَجًا، كأنَّما يصَّعَّدُ أحدُنا في السماء، فلا يزيدُ الجُرحَ إلا إيلامًا.

إن أحسنَ أدويةِ المِحَنِ والمُلِمَّات، وأنفعها في الحالِ والمآل: هو حُسنُ الظنِّ بالله، من خلال وجود الفَأْلِ الحسن في داخِلَةِ المرء؛ إذ بالفَأْلِ يحسُنُ ظنُّك بربِّك وتقتدِي بهديِ نبيِّك e؛ لأنه e كان يُعجِبُه الفَأْلُ الحسنُ، ويكرهُ الطِّيَرَة -وهي التشاؤُم- لأنها سُوءُ ظنٍّ بالله تعالى.

عباد الله.. إنَّ من لُطفِ الله تعالى بعبادهِ، أنْ يُجرِي للعباد بالمصائِب الأجورَ، ويرفعُ الدرجات، ويُكفِّرُ السيِّئات، ثم يُتبِعُها الفرَجَ وحُسنَ العواقِبِ. فكم من المِحَنِ في طيَّاتها مِنَح!! وكم من العُسرِ أتبعَه اليُسرُ! (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن.

أيها المؤمنون..
إن من تأملَ في سيرة حبيبِنا وقُدوتنا محمدٍ، وسبَرَ حياته e وجدَها مليئةً بالفَأْلِ والتفاؤُل، وسيرى ويُدركُ عِظَمَ الفَأْلِ عنده e ومحبتهِ إليه، وحُسنَ ظنِّه بربه، لأنه لا يُريد لأمَّته أن تيأسَ أو أن تتشاءَم؛ لأنه لم يُبعَث إلا رحمةً للعالمين، يُقرِّبُهم إلى الله، ويُحيِي روحَ التفاؤُل، وحُسنَ الظنِّ به، حتى في حالِ الدعاءِ بين العبدِ وبين ربِّهِ.
فيُذكِّرُنا e بالفَأْل وهو يقول: "ادعُوا اللهَ وأنتم مُوقِنون بالإجابة". رواه الترمذي.

وإني لأدعُو اللهَ حتى كأنَّما ** أرَى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانِعُ


ويُربِّي أمَّتَهُ -صلوات الله وسلامُه عليه- حتى وإن اشتدَّت بهم المضائِق، بأنَّ الفرَجَ في الفأْل والسَّعَة في الأمل بالله عز وجل
.
إنك -أيها المرءُ- مُخيَّرٌ في حياتِك وما يَعتريكَ فيها، بين اليأسِ والأملِ، والتفاؤُلِ والتشاؤُم؛ فالأملُ والتفاؤُل لك مع الله، واليأسُ والتشاؤُم لك مع الشيطان: (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) المجادلة: 10، وفي الحديث القُدسيِّ يقول الله تعالى: "أنا عند ظنِّ عبدِي بي". رواه البخاري ومسلم.
فها هُما طريقان وبابَان أمامَك -أيها المرء-، فانظُر أيَّ الطريقين أو أيَّ البابَيْنِ تختارُ؟ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) المدثر: 38.


الفأْلُ -عباد الله- فيه معنى الصبرُ والرِّضا، والنصرُ والعِزَّةُ والرجاء. واليأسُ والتشاؤُم فيهما معنى السَّخَطِ والهزيمةِ والذِّلَّةِ والقلق.

الفأْلُ لا يعنِي تحقُّقَ الأشياءِ بالضرورة، لكنَّه أُسُّ عِلاجِ التشاؤُم واليأسِ، ففي جوِّ الفأل يتعافَى الفِكرُ والبدنُ، ويكونُ العبدُ أقربَ إلى الله ورسولِهِ e، لأنهما أمرَا به، وفي جوِّ اليأس يبعُدُ العبدُ عن الله تعالى، وعن رسولِهِ e؛ لأنهما قد نهَيَا عنه.

الفأْلُ -عباد الله- أُولَى خُطواتِ العمل، والتشاؤُم أُولَى خُطوات الكسَل، والإخلادِ إلى الأرض واتِّباعِ الهوَى. الفأْل -عباد الله- كالمرهَم على الجُرح، والتشاؤُم كالمِلحِ على الجُرح.
فالفأل ثقةٌ بالله، وإيمانٌ بقضائِه وقدرِه، وفي التشاؤُمِ سُوءُ ظنٍّ بالله ورِيبةٌ في قضائِه وقدرِه. الفألُ حياةٌ، والتشاؤُم وفاةٌ.

الفأل نورٌ للفتى وسعادةٌ ** فاهنَأ بدربٍ يَستضِيءُ بفالِكَا


ما الشُّؤمُ إلا ظُلمةٌ وشقاوةٌ ** من نالَ منه الشُّؤمُ أصبحَ هالِكًا




فيا عبد الله:
تعلَّم فقه الرضا، وَمَارسهُ بقلبكَ ووجدانك، فالسعادةُ ثمرةٌ طبيعيةٌ للرضا، وكن متفائلاًلا متشائماً، وأحسن الظنَّ بربك، وكنْ متفائلاً مبتسماً، لكي تكون سعيداً هانئاً، ولا تكن متشائماً ولا تجزع وتذوبَ فيالفكر والتفكير، واعلم أن الله تعالى وليُّ التدبير؟! ولا تقلق من المجهول، وكلُّ شيءٍ عند الله معلوم؟! اطمئنْ فأنت في رعاية ربك ما دُمتَ تُحسنُ التوكلَ عليه، وقل بقلبكَ قبللسانك: (وَأُفَوِّضُأَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).

وليكنْ لسانُ حالكَ ومقالكَ:
إذا ابتليتَ فَثِقْ باللهِ وارضَ به ** إن الذي يَكشفُ البَلوىَ هوَ اللهُ


إذا قَضَى اللهُ فاستَسلِمْ لقُدرَتِهِ ** مَا لامرئٍ حِيلةٌ فِيمـا قَضَى اللهُ


اليَـأسُ يَقطَعُ أَحياناً بِصاحِبِهِ ** لا تيأسـنَّ فِنِعْـمَ القَـادرُ اللهُ


بارك الله لي ولكم في القرآن والسُنّة.. ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..


قد قُلتُ ما سمعتم.. وأستغفر الله لي ولكم..


فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..



الخُطْبَةُ الثَّانِيةُ

الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه.
اتقوا الله عباد الله .. ]وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (البقرة281.

عبدالله..
اعلم أنّ ما أخطأكَ لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرا.
واعلم أنَّ الفألَ لا يكون إلا من قلبٍ قد امتلأ بحسنِ التعبدِ لله وحُسنِ الظنِّ به، وتعظيمهِ وإجلاله والعلم به، ولا يكون الفأل إلا من قلبِ امتلأ رضاً بقضاء الله وقدره، وأنه سبحانه المقدم الذي يقدم لعبده الخير، والمؤخر الذي يُؤخر عن عبده الشر.

فتفاءلوا يا عباد الله وأحسنوا الظنَّ بربكم : واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد e، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
ثم اعلَموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( الأحزاب:56.
فاللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءاً وسائر بلاد المسلمين..

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان..
اللهم ولِّ عليهم خيارهم واكفهم شر شرارهم..
اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان..

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك.. اللهم كن لهم ولياً ونصيراً.. ومُعيناً وظهيراً.. اللهم عليك بمن بغى عليهم.. اللهم اقتلهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً.. يا ذا الجلال والإكرام..

اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، يا حيّ يا قيوم.

اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين يقولون بالحق وبه يعدلون.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اغثنا، اللهم اغثنا، اللهم اغثنا..

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين،
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله:


)..اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا (


الأحزاب 41-42.


ملاحظة: استفدت كثيراً من خطبة في التفاؤل للخطيب المفوه الشيخ الفاضل د. سعود الشريم إمام وخطيب الحرم المكي حفظه الله.
المرفقات

433.doc

المشاهدات 4019 | التعليقات 3

http://www.youtube.com/watch?v=PC0l1t1O0Xk


الله ينفع بك شيخ بندر ويزيدك من فضله

نعم التفاؤل في زمن الفتن التفاؤل في زمن الخذلان التفاؤل في زمن الهزيمة التفاؤل في زمن الانتكاسة أمر في غاية الأهمية الحديث عنه حث الناس عليه تفعيله واقعا في حياة الناس وهو يعني في الأخير (إحسان الظن بالله تعالى ).


اللهم آمين وإياك يا شيخ زياد