التفاؤل والتشاؤم(2)-13-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/01/12 - 2016/10/13 17:10PM
[align=justify]
فمنْ أجلِ مزيدٍ من الوضوحِ والإيضاحِ للخطبةِ السابقةِ، ولمزيدٍ من الابتهاجِ والفرَحِ، وحُسنِ الظنِّ باللهِ-عزَّ وجلَّ-والأملِ العريضِ للأمةِ، تأمَّلوا هذه المقارناتِ والموازنات:
المتفائلُ ينظرُ إلى الحلِ، والمتشائمُ ينظرُ في المشكلةِ، المتفائلُ مُجِدٌّ على الدوامِ، لا يعرفُ الإحباطَ ولا الضررَ، يرى الحياةَ حقًّا له وحقًّا للآخرينَ، والمتشائمُ جلاَّدُ نفسِه يرى غيرَه أسعدَ منه، ثم هو يريدُ أنْ يكونَ أسعدَ من الآخرينَ، وهل مثلُ هذا يُحقِّقُ السعادةَ؟!
المتفائلُ يرى ضوءًا لا يراه الآخرونَ، والمتشائمُ يعمَى أنْ يرى الضوءَ الذي أمامَ ناظرَيْه، المتفائلُ مستفيدٌ من ماضيه، مُتحمِّسٌ لحاضرِه، مُستشرفٌ لمُستقبَلِه، والمتشائمُ أسيرٌ لماضيه، مُحبَطٌ من حاضرِه، خَوَّافٌ على مُستقبَلِه.
المتفائلُ يطلُبُ المعاذيرَ والمخارجَ، لسلامةِ طوِيَّتِه، وانشراحِ صدرِه، والمتشائمُ يشتغِلُ بالعيوبِ، ويحشُرُ نفسَه في المضائقِ والمشكلاتِ لظُلمةِ باطنِه.
المتشائمُ يحسَبُ كلَّ صيحةٍ عليهِ، يجوعُ وهو شبعانُ، ويفتقِرُ وهو غنيٌ: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ].
المتشائمُ يذكُر النعَمَ المفقودةَ، ويعمَى عن النعَمِ الموجودةِ.
هل لاحَظتُم أنَّ التفاؤلَ لا يَحتاجُ الناسُ إليه في وقتِ الرخاءِ والأمنِ والنعيمِ؛ لأنَّ النهارَ لا تحتاجُ فيه إلى الشموعِ والمصابيحِ؛ بل إنَّ المصباحَ لا يُضيءُ إلا في الظلامِ، وشمعةٌ واحدةٌ كافيةٌ لتبديدِ الظلامِ، والفرجُ لا يكونُ إلا بعدَ الشِّدَّةِ، والنصرُ لا يكونُ إلا بعدَ الهزيمةِ، والفجرُ لا يكونُ إلا بعدَ ليلٍ مُدبِرٍ.
سعادةُ المرءِ ليست في تمنِّي ما ليسَ عندَه، ولكنَّها بحُسنِ الاستمتاعِ فيما عندَه، والسعادةُ ليست محطةَ وصولٍ، ولكنَّها مسيرةُ الحياةِ كلِّها، بالمالِ تشتري السريرَ، ولكنك لا تشتري النومَ، وتشتري الساعةَ، ولكنك لا تشتري الوقتَ، وتشتري المنزلَ، ولكنك لا تشتري الراحةَ والسعادةَ.
وقتلُ البَعوضِ لا يُجفِّفُ المُستنقَعَ، وتجفيفُ المُستنقَعِ يُنهِي مشكلةَ البعوضِ، ومن لا يستطيعُ أن يقِفَ على قدمَيْه يَعْسُرُ إنقاذُه، وأخطرُ الناسِ من عاشَ بلا أملٍ.
كتبَ عمرُ بنُ الخطابِ إلى أبي موسى الأشعريِّ-رضيَ اللهُ عنهما جميعًا-: "أما بعدُ: فإنَّ الخيرَ كلَّه في الرضا، فإنِ استطعتَ أنْ ترضى وإلا فاصبِرْ".
وبعدُ: فالتفاؤلُ لا يُنكِرُ الواقعَ، ولا يَستهينُ بالمُشكِلاتِ، ولا يُهمِلُ الأسبابَ، ولا يُلغي أخذَ الحزمِ من الأمورِ، والاحتياطَ في المسالِكِ، ولكنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ-لقِسطِه جعل الفَرحَ والرَوْحَ، والسرورَ وراحةَ النفس، وسكينتَها وسلامتَها في الرضا واليقينِ، وجعل الغمَّ والحَزَنَ في السُخْطِ والشكِ.
فلا تُفسِد-حفِظَك اللهُ-حاضِرَك حُزنًا على ماضيك؛ فالتفاؤلُ في المُستقبلِ هو الشاهدُ على صحةِ العقلِ، وصفاءِ النفسِ، وقد قالوا: "إنَّ البكاءَ لا يُعيدُ الميتَ إلى الحياةِ، ولكنْ يُعيدُه الدعاءُ والثناءُ، والذكرُ الحسنُ، والأثرُ الطيبُ".
ورأسُ التفاؤلِ الاتصالُ باللهِ العليِّ الأعلى، فالصلاةُ تفاؤلٌ، وذكرُ اللهِ تفاؤلٌ، والدعاءُ تفاؤلٌ، يُحيطُ بذلك: حُسنُ الظنِ باللهِ-عزَّ شأنُه-: [وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]، [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ*أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ].
والمؤمنُ ذو اليقينِ والرضا يعلمُ أنَّ اللهَ قد أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا، ووسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، ومِنْ حكمتِه في هذه الدنيا أنَّ في الناسِ من ينجحُ بذكائِه، وفيهم من ينجَحُ بذكاءِ الآخرينَ، وإذا وُجِد من ينجَحُ بعملِه فإنَّ هناك من ينجَحُ بكسلِ الآخرينَ، ورُبَّ ساعٍ لقاعدٍ؛ فما منعَك ربُّك إلا ليُعطِيَك، ولا ابتلاكَ إلا ليُعافِيَك ويُثيبَك، ولا امتحنَك إلا ليصطفِيَك.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمه اللهُ-: "مصيبةٌ تُقبِلُ بها على اللهِ خيرٌ من نعمةٍ تُنسيكَ رضا اللهِ"، أستغفر الله لي ولكم...

[/align]
[align=justify]
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فاعلمْ أنَّ المرءَ ربما يفشَلُ إذا خاطَرَ وأقدمَ، ولكنْ مِنَ المُؤكَّدِ أنَّه سوفَ يفشَلُ إذا لم يُقدِمْ، وأعظمُ الفشلِ ألا تعملَ.
وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: "المُشكلاتُ والمِحَنُ لم تأتِ لِتُهلِكَ الناسَ؛ بل لِتمتحِنَ صبرَهم وإيمانَهم وعملَهم، والأجرُ عندَ ربِك مربوطٌ بالعملِ والاجتهادِ، وليس بالنتائجِ والثمارِ، وقاعدةُ التوازنِ: اعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبدًا، واعملْ لآخرتِك كأنَّك تموتُ غدًا"، وقدْ قالَ رجلٌ لأبي بكرٍ-رضي اللهُ عنه-: "واللهِ لأسُبَّنَّك سبًّا يَدخُل معك في قبرِك"، فقالَ أبو بكرٍ-رضي اللهُ عنه-: "بل يدخلُ معك في قبرِك أنتَ"، وإذا ضاقَ صدرُك، وهَجَمَ عليك همُّك فالزَمِ التسبيحَ؛ فقدْ قالَ اللهُ لنبيِه وحبيبِه محمدٍ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ]، وقالَ له-عزَّ شأنُه: [فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ]، إنَّ التفاؤلَ الحقَّ هو التصديقُ بوعدِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-في قولِه-عزَّ شأنُه-: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ]، وقولِه-جلَّ في عُلاه-: [وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ*الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ].
[/align]
المرفقات

التفاؤل والتشاؤم(2)-13-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.docx

التفاؤل والتشاؤم(2)-13-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.docx

التفاؤل والتشاؤم(2)-13-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.pdf

التفاؤل والتشاؤم(2)-13-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1367 | التعليقات 0