التفاؤل سمة المؤمنين العاملين
أ.د عبدالله الطيار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصية الله للأولين والآخرين [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ].
وقد أمر الله بها عباده المؤمنين [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
عباد الله: حينما تشتد الكروب وتعظم الخطوب وتفزع القلوب ينقسم الناس إلى قسمين: فمنهم من يصاب بالإحباط والضعف ويقعد عن العمل ويعلق عجزه على شؤم الأيام وأذية الأعداء، وهذا الصنف لم يذق طعم العبودية في الضراء لأن الله يبتلي عباده في حال الرخاء وفي حال الشدة.
وأما المؤمنون الصادقون فيعلمون أن هذا ابتلاء من الله ولذا يقابلون ذلك بالصبر والعزيمة والعمل المتواصل ومنه الدعاء ليرفع الله ما نزل بهم، وهنا يتحقق لهم مكسبان الأول صدق العبودية باللجوء إلى الله والانطراح بين يديه، والثاني العمل الجاد المثمر الذي يخرجهم من المحنة ويحولها إلى منحة وهذا أمر يشاهد في حياة الناس.
عباد الله: لقد اشتدت العداوة في العصور المتأخرة، وتسلط الأعداء على المسلمين، وأذاقوهم صنوف العذاب، واشتدوا في غزو عقولهم وأفكارهم، ولو لم يكن من غزوهم إلا هذه القنوات الفضائية التي تبث سمومها ليل نهار لكفى ذلك، ونحن نلمس آثارهم على الأفراد في ضعف سلوكهم واهتزاز قناعاتهم في أمور مسلَّمة تتعلق بالثوابت التي كانت لا تقبل النقاش عند كثير من المسلمين مما يتعلق بالدين والأخلاق والمقدسات والعلاقات بين الناس.
وإن ما يصيب المسلمين اليوم حدث ما هو أكثر منه في فترات ماضية لكنه لم يزد سلف هذه الأمة إلا عزيمة وإصراراً وثباتاً ورباطة جأش حيث دفعهم ذلك التحدي إلى العمل وبذل الأسباب، بل إن من كان قبلنا حدث لهم مثل ذلك فقابلوه بالعمل.
وقد قص الله علينا نبأ موسى وقومه حينما قال لهم موسى يعدهم بالنصر ويؤملهم بالفرج ويبشرهم بالظهور، قال تعالى: [اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ].
عباد الله: ويبلغ الفأل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغاً كبيراً وهو يرى المحن والشدائد تتوالى عليه من الأعداء، فأهل مكة يؤذونه وأهل الطائف يطردونه، ومع ذلك يعلن ثقته بخالقه في أحلك الظروف وأقساها، فعند رجوعه من الطائف قال: له زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم يا رسول الله وقد أخرجوك؟ فقال: (يا زيد إن الله جاعل لما ترى مخرجاً وفرجاً، وإن الله مظهر دينه وناصر نبيه).
بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك حينما حاصر المشركون بيته وخرج مهاجراً مع صاحبه أبي بكر ووقفت أقدام المشركين على فم الغار، ويقول له أبو بكر يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا فيجيبه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم بلهجة الواثق من ربه المعتمد عليه الذي قطع كل سببٍ دون الله سبحانه (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
وجاء القرآن يصور هذه الواقعة، قال تعالى:[ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا].
فإلى كل من ظنَّ أن الدنيا أظلمت في وجهه وإلى كل من تتابعت عليه المصائب وإلى كل من ابتلي بحبيب أو قريب أو خسارة أو عداوة منافق أو حسد حاسد نقول تفاءلوا فالأمر أمر الله والصبر خير وسيلة لتحمدوا العاقبة، وحذار حذار من الاستعجال للنتائج واليأس من نصر الله؛ فكل شدة يعقبها رخاء، ومن الظلماء ينبعث النور، وإن مع العسر يسراً، وإذا ضاقت واستحكمت حلقاتها جاء الفرج سريعاً، وصدق الله العظيم: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أمر عباده بالصبر عند البلاء، وأوجب عليهم الشكر عند السراء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على الخير في كل شئونكم، واعلموا أن أهم ما تقابل به الشدائد الإيمان الصادق واليقين الجازم والتسليم المطلق وصدق اللجوء إلى الله، والصبر في كل الأحوال والتضرع إلى الله وسؤاله الفرج، مع العزم الأكيد والعمل المتواصل في تهذيب النفوس وتصفية القلوب من التعلق بغير الله والاعتماد على الآخرين، وإذا صدق الناس في ذلك وارتبطوا بخالقهم وأصلحوا عيوبهم كانوا أهلاً لنصر الله.
وهكذا نتعلم الدروس من حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم والثلَّة المؤمنة معه، قال الله جل وعلا يصور أحوالهم [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً](الأحزاب).
أجل أيها المؤمنون لقد رمى الكفار والمنافقون واليهود المدينة عن قوس واحده، اجتمع الشر من أطرافه وحدثت الخيانات ونقض العهود، لكنَّ ذلك ما زاد المؤمنين إلا إيماناً وتسليماً وثقة بوعد الله، قال تعالى [وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً](الأحزاب).
ونحن اليوم نعيش في ظل الأمن والأمان والطمأنينة والسلامة نجتمع على كلمة الحق ونتعاون عليها الحاكم والمحكوم، العالم والمتعلم وهذه النعمة العظيمة جعلت الكثيرين يحسدون هذه البلاد على ما تنعم به من استقرار ورغد عيش ولذا يبذلون كل ما يستطيعون من تكدير الصفو والتنغيص على الناس بشتى الوسائل والطرق عبر الشائعات والأراجيف وعن طريق القنوات والصحف وسائر وسائل الإعلام وإذا عجزوا عن كشف أنفسهم لجأوا إلى الإنترنت ليصبوا فيه حماقاتهم والمطلوب المأمول من كل مسلم صادق مخلص ألا يلتفت لمثل هذه الترهات وأن يكون سداً منيعاً لحماية دينه ونفسه وأهله ومجتمعه وبلاده وأن يدافع بقدر استطاعته مع التفاؤل ببشائر الخير والصلاح ومع وضع يده في يد العلماء وولاة الأمر لقطع الطريق على هؤلاء المفسدين الذين أعمى الحقد قلوبهم فخدموا الأعداء من حيث لا يشعرون.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا واجتماعنا وأن يزيدنا من الإيمان والهدى.
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله محمد بن عبد الله خاتم الرسل أجمعين صلى الله عليه وآله وصحبه.