التفاؤل الحسن

عبدالعزيز أبو يوسف
1445/02/15 - 2023/08/31 08:38AM

الخطبة الأولى

:إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين

 ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) 

  عباد الله: في هذه الدُنيا التي طُبعت على كدر، والإنسان الذي خُلِق في كبد، كم يقع من بعض الناس من طول سخط وضجر من الضيق الذي يعيُشه إما مادياً أو صحياً أو اجتماعياً أو غير ذلك من مناحي الحياة ومتطلباتها، وهذا حال من لم يحقق الإيمان صدقاً فملء التشاؤم قلبه وقتل اليأس والقنوط فيه كل أمل وفأل حسن، الفأل الحسن ذلك الذي يحمل صاحب الهم والحزن والمرض والوجع والفقد على الرضا والتسليم بالقضاء والقدر واحتساب الثواب العظيم بالصبر على ما أصابه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له" رواه مسلم

أيها المسلمون: إن أمر الله تعالى وقدره إذا وقع على العبد مما يكره فليس جزعه وتسخطه وطول حزنه مما يدفع ويرفع ما نزل به مما يكره ، بل قد يُحرم الثواب على صبره واحتسابه على ما أصابه مما يكره ، وربما ناله الإثم بسبب طول سخطه وضجره وجزعه على ما أصابه من الله تعالى، وليس هذا من عمل الموفقين بل من عمل المحرومين المخذولين؛ ذلك أن الموفق من عباد الله تعالى من إذا نزل به ما يكره استحضر حقيقة هذه الدنيا وأنها دار ابتلاء وتمحيص وعمل وهي دار نقص لا تمام فيها لأحد من العباد،  فلم تصفوا لأنبياء الله تعالى ورسله عيهم السلام والخُلص من عباده فكيف تصفوا لمن دونهم، ثم نظر إلى ما أنعم الله تعالى به عليه من النعم التي حُرم منها الكثير من عباد الله ، وقلب طرفه فيمن أُصيب بأعظم مما أصابه من المكروه ،  ثم بذل الأسباب المشروعة لرفع ما أصابه وأتبع ذلك اليقين بالفرج القريب عند ذلك تتحول معه المحنة إلى منحة، والألم إلى أمل، والضيق إلى سعة، والظلام إلى فجر مشرق،  واليأس إلى فأل حسن وانتظار لعطاء الله تعالى وفضله وكرمه ، وهذه المعاني الجميلة  لا تكون إلا بحُسن الظن بالله تعالى

إخوة الإيمان: لو استحضر أصحاب الهموم هذا الكنز الثمين والمورد العظيم وتعلقوا به لما حصل لهم حزن ويأس وقنوط، فإنه لا قنوط من فضل الله ورحمته إلا من الضالين عن الهدى  والمتبعين غير سبيل المؤمنين، كما قال تعالى: ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)، وحُسن الظن بالله تعالى من صفات المؤمنين الراغبين في فضل الله وإحسانه القائل في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي) رواه البخاري، أما التشاؤم والقنوط من الفرج والإحسان من الله تعالى إنما هو من صفات الضالين عن الهدى الذين أساؤوا الظن بالله تعالى كما حكى الله سبحانه حالهم في كتابه الكريم فقال ):ويُعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء)، لقد كان النبي ﷺ سيد المتفائلين المحسنين الظن برب العالمين، ومواقفه وقصصه في هذا الباب كثيرة جداً، كقلب الرداء بعد الاستسقاء، وتفاؤله بالنصر في غزواته، وفي الهجرة مع أبو بكر وسُراقة بن مالك ــ رضي الله عنهما  ــ وزيارته للمحزونين والمرضى وغيرهم من المصابين كثيراً ما ينبع لهم ويفيض من لسانه أزكى عبارات التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى وأن الفرج والخير قريب

أيها الفضلاء: حُسن الظن بالله تعالى في كل حال وخاصةً عند نزول ما يكره العبد ويتمنى زواله عنه  يُولِّد همة عالية وعزيمة ونشاطاً متجدداً، المسلم المتفائل متوكل على الله، يوقن بأن كل شدة بعدها فرج آت، فيتوقع الخير، ويبتسم للحياة، ويؤمن بأن الأمر كله لله تعالى وبيده مقادير الأمور، فقلبه مليء ثقة بأن الرحيم سيجعل له بعد العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً، وبعد الحزن سروراً، وأنى لمن يرجو  رحمة الله وفرجه ويطرق بابه ويتعلق بحبله المتين أن يُحبط أو يستسلم للشدائد والمحن، يقول ابن مسعود ــ رضي الله عنه ـــ : ( والذي لا إله غيره لا يُحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه عز وجل ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده):  فيا أيها المحزون المكروب أمّل في  الله جل وعلا الخير والرحمة والإحسان والرزق لك في معاملته ومجازاته لك بأحسن الجزاء في الدنيا والآخرة بإحسانك الظن به سبحانه، وهذه العبادة العظيمة التي تحمل في طياتها الفضائل والحياة الطيبة تكون في مقامات عِدة من أبرزها

.  الأول: إذا دعاء العبد ربه مستحضراً أسباب الإجابة فإنه يُحسن الظن بأن الله تعالى سُيجيب دعاءه كما قال النبي ﷺ: ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) رواه الترمذي

. الثاني: إذا تقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح قل أو كثُر مع استكمال شروط قبول العمل الصالح فإنه يُحسن الظن بربه تعالى أنه سيقبله ويرفعه إليه كما قال جل وعلا: ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)

.الثالث: إذا أذنب العبد وقصر في جنب الله تعالى ، ثم رجع وأناب واستغفر فإنه يُحسن الظن بربه أنه سيقبل توبته ويعفو عن سيئاته، وإذا تصدق بمال حلال وأخلصه لوجه الله تعالى فإن الله يقبل صدقته،  فهو جل وعلا القائل: ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات)

.الرابع: أن يوقن  بحسن لقاء الله تعالى وتجاوزه عنه ومجازاته بالحُسنى عند الاحتضار وسكرات الموت، كما قال النبي ﷺ: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم

الخامس: أن يوقن العبد عند نزول البلاء وضيق الحال والعسر في أموره ، أو تأخر ما يرجوا ويأمل بالفرج واليُسر من الله تعالى والرزق والكرم  العاجل أو الآجل إحساناً للظن بالله تعالى  القائل: ( فإن مع العسر يسراً* إن مع العسر يسراً )، قال أحد السلف: ( استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها، فإن ذلك أقرب بك إلى الفرج)

  .  اللهم أملء قلوبنا يقيناً بك وحُسن ظن بك يا كريم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفاراً

الخطبة الثانية

:الحمد لله عدد خلقه ، ورضى نفسه وزنة عرشة ومداد كلماته أما بعد

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل   عليماً: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا  تسليماً) ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وأرضى اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاء ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال ، ومُدهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا على القوم الظالمين، وأحفظهم واشف مريضهم وداوي جريحهم وتقبل ميتهم في الشهداء، وأدم على هذه البلاد أمنها وإيمانها وقيادتها ورخائها ، ومن أراد بها سوءً فأشغله في نفسه وأجعل كيده في نحره، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ، وحرم على النار أجسادنا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

.عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

 

 

المشاهدات 681 | التعليقات 0