التعليم والعام الدراسي الجديد

الحمدُ لله؛ أحَاطَ بكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا، عَزَّ جَاهُه، وتَقَدَّسَتْ أَسْماؤه، وتَعَالَتْ صِفَاتُه، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ في أُلوهيَّتِه ورُبوبيَّتِه، وأَسْمائهِ وصِفَاتِه، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسُولُه، وصَفِيُّهُ وخَلِيلُه، وأَكرَمُ عِبَادِهِ علَى رَبِّه، صَلَوَاتُ ربِّي وسَلامُهُ عَليهِ وعلى أَتْبَاعهِ بإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّين.

‎أمّا بعد: فاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله، فبالتَّقوى تُنَالُ الخيراتُ، وبالتَّقوى يُنَالُ العِلم، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) [البقرة:282].

عباد الله : بعد غدٍ نَسْتَقْبِلُ بِدَايَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ ، وَهي مُنَاسَبَةٌ جَدِيرَةٌ بِالْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ ، جَعَلَهُ اللهُ عَامًا دِرَاسِياً مُبَارَكًا ؛ فإن لِلْعِلْمِ مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ وَشَرَفٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي أنْ يُدْرِكَهُ كُلُّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ، وَكُلُّ طَالِبٍ وَطَالِبَةٍ، وَكُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ.

وتَعْلِيمُ النَّاسِ ، وَرَفْعُ الجَهْلِ عَنْهُمْ ؛ دَعْوَتُهُمْ لِلْخَيرِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنَ الشَّرِ؛ هِيَ المُهِمَّةُ العُظْمَى الَّتِي قَامَ بِهَا رُسُلُ اللهِ، عَلَيهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ، وَهِيَ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَجَالٌ خَصْبٌ لِكَسْبِ الحَسَنَاتِ وَمُضَاعَفَتِهَا؛ قال الله تعالى :( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164]

‎وأوَّلُ مُعَلِّمٍ في هذهِ الأُمَّةِ هو نبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، وأوَّلُ مَدْرَسَةٍ في الإسلامِ كانَتْ في نَاحِيَةٍ مِنَ المَسْجِدِ الحرام ، عندَ جَبَلِ الصَّفا : مَدْرَسَةِ دَارِ الأَرْقَم ، ومِنْ ذلكَ المُعَلِّم ، وفي تلكَ المَدْرَسَة ، ومِنْ أولئكَ التلاميذ ؛ صَاغَ المُسْلِمُونَ نَوَاةَ حَضَارَتِهم ، وبَنَوْا أَسْوَارَ نَهْضَتِهِم .

‎العِلْمُ -عبادَ الله- بهِ صَلَاحُ النَّاسِ ورِفْعَتُهُم ، واسْتِقَامَةُ نُفُوسِهِمْ وسَعَادَتُهم ؛ طَلَبُهُ طَاعَة ، وبَذْلُهُ قُرْبَة ، زِينَةٌ لأَهْلِه ، وأَمَانٌ لأصْحَابِه ، يُنِيرُ القلوبَ والبصائِر ، ويُقوِّي الأذهانَ والضمائِر ؛ وأمَّتُنا أُمَّةُ عِلم ؛ أَوَّلُ آيةٍ أُنْزِلَتْ كانَتْ في الحَثِّ عليه :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [العلق:1].

‎وإذا اقْترَنَ العِلْمُ بالإيمان ؛ فتِلكَ رِفْعَةُ الدُّنيا والآخِرَة :( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) [المجادلة:11]، وإذا كان العِلْمُ مُجَرَّدًا مِنَ التربيّة ، خُوَاءً مِنَ المَبادِئ ؛ فهو وَبَالٌ ونِقْمَة .

‎وإنَّ المَدَارِسَ ودُورَ التَّعليمِ في كَافَّةِ مُسْتَويَاتِها ؛ هيَ مَحَاضِنُ الجِيل ، وهيَ الحِصْنُ الحَصِين ؛ ‎فيَا أيُّها المعلمون المُرَبُّون : أنتُمْ مُؤتَمَنُونَ على تَربيةِ الجِيل ، وإعْدَادِ القَادَة ، وحِمَايَةِ الأخلاق ، وصِيَانَةِ المُروءات ، وصِيَاغَةِ المُستقبَل ؛ لَكُم أُجورُهمْ وأُجُورُ الصَّالِحَاتِ مِنْ أعمَالِهِم :( مَنْ دَعَا إلى هُدَى ، كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجورِهِمْ شيئا... ) الحديث ، رواه مسلم .

عَن أبي أُمَامَةَ البَاهِليِّ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :( إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمَوَاتِ والأرَضِينَ ، حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وحتَّى الحوتَ ، لَيُصَلُّونَ علَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَير ) روَاهُ التِّرمذِيُّ وصَحَّحَهُ الأَلبانِيُّ .

‎تذكروا عظم ما تَحَمَّلُوا مِنَ أمَانَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ ، قال الله تعالى :{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الأحزاب72 - 53].

فاللهَ اللهَ فِي بَذْلِ مَا يُصْلِحُ  الطُّلَّابَ ، قَدِّمُوا لَهُمُ العُلُومَ النَّافِعَةَ بِأَسْهَلِ طَرِيقٍ وَأَقْرَبِهِ لِلفَهْمِ ، رَبُّوا طُلَّابَكُم وَأَدِّبُوهُمْ بِأَفْعَالِكُمْ قَبْلَ أقْوَالِكُمْ .

وليقتدي كل معلم بِإمَامِ الْمُعَلِّمِيْنَ وَالْمُرَبِّيْنَ ﷺ ، قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حِيْنَمَا أَخْطَأَ فِي الصَّلَاَةِ : بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ﷺ، مَا رَأيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمَاً مِنْهُ ، فَوَاللهِ مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي . قَالَ :« إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

كَانَ ﷺ خَيْرُ الْمُعَلِّمِيْنَ ، حِيْنَمَا كَانَ طَلِيقَ الْوَجْهِ ، دَائِمَ الْبِشْرِ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:« مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَكَانَ ﷺ خَيْرُ الْمُرَبِّيْنَ ، حِيْنَمَا قَالَ :« يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونَفَعنا بما فيهما من الآيات والحكمة ؛ أقول قولي هذا ، وأستغفر الله تعالى لي ولكم .

‎الحمدُ للهِ على عَظِيمِ نِعْمَهِ ومِنَّتِه ، والصلاةُ والسلامُ على رَسُولِ اللهِ وأزواجِهِ وذُرِّيَّتِه ، أما بعد :

أيُّهَا الآبَاءُ وأولياءُ الأمور : إغْرِسُوا فِي قُلُوبِ أوْلَادِكُم حُبَّ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ ، و احترام المعلمين وَتَوقِيرِهِمْ وَالصَّبْرِ عَلَى قَسْوَتِهِمْ ، واحْتَسِبُوا الثَّوَابِ مِنَ اللهِ فِيمَا تُنْفِقُونَ ، عَلَى مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فِإِنَّهُ صَدَقَةٌ سَوَاءً أَكَانَ فِي الْمَأْكِلِ أَوِ الْمَلْبَسِ أوِ اللَّوَازِمِ الْمَدْرَسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا .

واعلموا أن التعليمَ مَسْؤُوْلِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بين المُعَلِّمِ والأُسْرَةِ والمُجْتَمَع ؛ فَكُلُّ مَنْ لَهُ رَعِيَّةٌ ؛ فَعَلَيِه مَسْؤٌوليّة! قال ﷺ :( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)(5).

وهذهِ هَمْسَةٌ للطُلَّابِ والطَّالبَات ؛ أَنْ أخْلِصُوا للهِ عزَّ وجلَّ في طَلَبِ العِلْم ، وعليكم بالجِدِّ والمُثَابَرَةِ في التَّحْصِيل ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهل الله له طريقاً إلى الجنة ).

نسأل الله الإعانة والتوفيق لأولياء الأمور والمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات .

اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا ، وأن ترزقنا علما نافعا وعملا صالحا، للهم اجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً وفلاحٍ ، يا ربَّ العالمين

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ ....

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى فِعْلِ الصَّالِحَاتِ ، وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ .

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَل . 

اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيِنَ .

اللهمَّ آتنَا في الدُّنيا حَسنةً ، وفي الآخرةِ حَسنةً ، وقِنَا عَذابَ النَّارِ ، اللهمَّ صَلِّ وَسلمْ عَلى عَبدِكَ ورَسولِكَ مُحمٍد وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ أَجمعينَ.