التعليق على جريمة قتل الداعشيين لأمهم، والحث على اغتنام ما بقي من رمضان

أبو المقداد الأثري
1437/09/26 - 2016/07/01 01:30AM
أما بعد:
فإن أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى هو حق الوالدين،ـ ولهذا يجيء في الكتاب والسنة الأمر ببرهما والإحسان إليهما بعد الأمر بتوحيد الله ويجيئ النهي عن عقوقهما والإساءة إليهما بعد النهي عن الإشراك بالله كما قال تعالى (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) وأمر بشكرهما مع شكره فقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وجلسَ وكان متكئا، فقال: “ألا وقول الزور" قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"
وفيهما من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور"
فكل هذه الأدلة من الكتاب والسنة جاء فيها حق الوالدين بعد حق الله تعالى وفي ذلك دليل واضح بيـّن على عظم شأن حق الوالدين في الإسلام.
بل جاء التأكيد على برهما والإحسان إليهما ولو كانا مشركين، بل أعظم من ذلك التأكيد على برهما وحسنِ عشرتهما ولو جاهداك أيها الولد على أن تشرك بالله كما قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة _ أي محتاجة_ ، أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك» متفق عليه.
وهذا بحمد الله حكم معلوم معروف لدى المتعلمين والجهال والرجال والنساء حاضرة وبادية فالمسلمون ينشؤون على احترام آبائهم وأمهاتهم وتوقيرهم والبر بهم. يحبون البار ويمدحونه ويمقتون العاق ويذمونه.
ولكننا ابتلينا في هذا الزمن بتنظيم خارجي باطني محارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مصادم معارض لشرع الله يأمر بقطع الأرحام وعقوق الآباء والأمهات ونقض عهد الله من بعد ميثاقه واستباحة الدماء المعصومة. وقد اغتر بهم بعض السفهاء فقطعوا أرحامهم في ذات الله _بزعمهم_ فهذا يقتل عمه وهذا يقتل خاله ثم حدث ما لم يكن في الحسبان فرأينا من يتقرب إلى الله بدم أمه وأبيه وأخيه في الثلث الأخير وقت التنزل الإلهي ، في ليلة جمعة من ليالي رمضان المبارك. فقضوا على أمهم ونجى الله اباهم وأخاهم فلم يحقق فيهما مناهم وإن كانوا مستحقين إثم قتلهم لحرصهم عليه وسعيهم فيه. والله المستعان.
إنها حادثة يعجز اللسان عن وصفها أو التعبير عن شناعتها لأنها جريمة يأباها كل مسلم بل يأباها كل ذي فطرة سوي من مسلم وكافر وعربي وعجمي. ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون:
إن هذه الحادثة توجب علينا جميعاً أن نحذر على أبنائنا وبناتنا من كل خارجي مارق ممن دينه تكفير الحكام وشعاره الجهاد مع الجماعات الضالة الإرهابية كتنظيم داعش وجبهة النصرة وأمثالها من التنظيمات الغالية التي تكفر حكامنا وعلماءنا ورجال أمننا وتستحل دماءنا وتتوعد أمننا وبلادنا.
تنبهوا لأبنائكم وبناتكم متى رأيتم تغيراً في سلوكهم كالتغيب الطويل عن المنزل والطعن في الدولة والطعن في كبار العلماء فهذه كلها مؤشرات تنبئ عن منهج منحرف ومقدمات لا تبشر بخير.
احذروا عليهم من أجهزة التواصل فإنها مملوءة بدعاة الفتن والفساد ودعوات الشر والضلال وذلك بحسن التربية والتوجيه وحثهم على لزوم السمع والطاعة، وتذكيرهم بنعمة الأمن والإيمان ونعمة العافية والرخاء. ذكروهم بأننا نعيش في جنة طيبة والناس من حولنا في يتلظون في أحوال مضطربة بل في نيران متقدة والله المستعان.
إن المرحلة التي نمر بها توجب علينا مزيداً من الحذر وذلك أن هذه التنظيمات الباطنية تستغل الدين في تحقيق مآربها فتستغل شبابنا وبناتنا عن طريق الشعارات الدينية التي نجلها ونحبها كالجهاد والدعوة ونحو ذلك من المشاريع الخيرية ثم إذا تسلموا فلذات الأكباد جندوهم ضد علمائهم وولاة أمرهم ورجال أمنهم بل سلطوهم على نحور آبائهم وأمهاتهم والعياذ بالله.
فكونوا على حذر شديد ويقظة تامة فإنه كما ينشط دعاة الإلحاد والإباحية والتمرد على العفاف والحياء ومكارم الأخلاق في رمضان خاصة فإن دعاة التكفير والفتن الدموية ينشطون أيضاً في هذا الشهر وهؤلاء أخطر من جهة أن الاغترار بهم أكثر.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه وأن يحفظ على بلادنا الأمن والاستقرار والطمأنينة والرخاء وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم إنه قوي عزيز أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا ما بقي من شهر رمضان فما بقي منه إلا أياماً معدودة وفيما بقي خير كثير فلا تزهدوا فيها بل اجتهدوا قدر طاقتكم وابذلوا جل استطاعتكم من إحياء لياليه واغتنام ساعات نهاره بالتلاوة والذكر والدعاء والصدقة وتحري ليلة القدر فإنه لا يعلم في أي ليلة تكون من هذه العشرِ إلا اللهُ تعالى.
واعلموا أنه يشرع في ختام الشهر التكبير وذلك عند رؤية هلال شوال أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً لقوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
ويشرع في ختامه أيضاً صدقة الفطر ولا تخرج نقوداً إنما تحرج طعاماً لحديث ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام) متفق عليه .
ولا بأس بإخراجها في اليوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو الثلاثين وأحسن أوقاتها بعد الفجر يوم العيد قبل الخروج إلى صلاة العيد لحديث ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» متفق عليه.
ولا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد من غير عذر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات» رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه المنذري.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين …

خطبة منقولة من موقع الشيخ الدكتور علي بن يحي الحدادي
المشاهدات 1505 | التعليقات 1

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال