التَّعَاوُنُ وَالإِسْهَامُ فِي أَعْمَالِ التِّعْدَادِ السُّكَّانِيِّ

سعود المغيص
1443/10/11 - 2022/05/12 14:38PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

اتقوا الله تعالى واعلموا أِنَّ تَقْدِيرَ الأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا  ، يُسْهِمُ فِي زِيَادَةِ الفَائِدَةِ وَتَقْلِيلِ الضَّرَرِ وَالخَسَارَةِ ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ دِقَّةِ صَنْعَتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ ،أَنْ خَلَقَ الخَلْقَ بِقَدَرٍ وَحِكْمَةٍ ، قَالَ تَعَالَى (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ )  وَقَالَ سُبْحَانَهُ ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ ، فَالقَمَرَ قَدَّرَهُ مَنَازِلَ ، لِتَسْتَقِيمَ الشُّهُورُ وَالسِّنِينُ وَالِحسَابُ ، وَالغَيْثَ قَدَّرَهُ سُبْحَانَهُ ، وَأَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ بِقَدَرٍ ، لِيَنْفَعَ العِبَادَ وَالبِلَادَ ، وَقَدَّرَ الأَرْزَاقَ وَالآجَالَ ، لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ ، وَأَمَّا البَشَرُ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ، وَلَكِنَّهُمْ يَعْمَدُونَ إِلَى تَقْدِيرِ الأُمُورِ قَبْلَ وَقْتِهَا ، لِلْعِنَايَةِ بِشُؤُونِ حَيَاتِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَحْتَاجُ إِلَى إِحْصَاءَاتٍ وَمَعْلُومَاتٍ ، تُوصِلُ إِلَيْهِ ،  فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَبَّرُ عَنْ بَدْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَنَا أنَّ المُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَسَبَقَنَا المُشْرِكُونَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ ، رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَوْلًى لِعُقْبَةِ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا القُرَشِيُّ : فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَولَى عُقْبَةَ : فَأَخَذْنَاهُ ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ : كَمْ القَوْم ؟ قَالَ : هُمْ – وَاللهِ – كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ ، فَجَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ يُخْبِرَهُ : كَمْ هُمْ ؟ فَأَبَى ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ : كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الجُزُرِ؟ فَقَالَ : عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : القَوْمُ أَلْفٌ ، كُلُّ جَزُورِ لِمِائَةٍ ) فَالنَّاسُ دَاِئمًا يُقَدِّرُونَ أُمُورَ حَيَاتِهِمْ ، تَقْدِيرًا يَقُومُ عَلَى حِسَابَاتٍ وَإِحْصَاءَاتٍ ، بَلْ رُبَّمَا لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدِنَا أَيَّامٌ دُونَ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ ، كُلُّ ذَلِكَ تَحَاشِيًا لِلنَّقْصِ أَوْ الزِّيَادَةِ ، أَوْ طَمَعًا فِي الرِّبْحِ وَتَلَافِياً لِلْخَسَارَةِ ، أَوْ تَوْفِيرًا لِلْوَقْتِ وَالجُهْدِ وَالمَالِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ التَّخْطِيطِ السَّلِيمِ المَحْمُودِ ، الذِي يَحْفِظُ النِّعَمَ ، وَقَدْ اْعَتَنَتْ الدُّوَلُ وَالحُكُومَاتُ ، مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ ، بِالدِّرَاسَاتِ وَالإِحْصَاءَاتِ ، التِي تُعِينُهَا فِي وَضْعِ النُّقَاطِ عَلَى الحُرُوفِ ، وَتَسْيِيرِ أُمُورِ التَّنْمِيَةِ وَالتَّطْوِيرِ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ ، وَمَعَايِيرَ صَحِيحَةٍ ، وَلَقَدْ اْعْتَمَدَ وُلاَةُ الأَمْرِ حفظهم الله ، فِي هَذِهِ البِلَادِ حَرَسَهَا اللهُ ، خِطَطًا تَنْمَوِيَّةً ، تَقُومُ عَلَى الإِحْصَاءِ العَدَدِيِّ وَالنَّوْعِيِّ ، لِلسُّكَّانِ وَالمَسَاكِنِ ، كُلَّ عَشْرِ سَنَوَاتٍ ، فَالأَفْرَادُ هُمْ الرُّكْنُ الأَسَاسِيُّ فِي الحَيَاةِ ، ، وهُمْ الذِينَ تَقُومُ عَلَى كَاهِلِهِمْ مَصَالِحُ الحَيَاةِ كُلِّهَا ، فَهَذِهِ الدِّرَاسَاتُ وَالإِحْصَاءَاتُ ، تُعْطِي وُلاَةَ الأَمْرِ وَالمَسْئُولِينَ ، مُؤَشِّرَاتٍ دَقِيقَةً ، عَنْ احْتِيَاجَاتِ الأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَاتِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ ، وَعَلَى ضَوْئِهَا ، يَتِمُّ تَنْمِيَةُ المَوَارِدِ البَشَرِيَّةِ ، وَتَوْزِيعُ الخِدْمَاتِ ، وَإِقَامَةُ المَشْرُوعَاتِ ، وَإِعْدَادُ النَّفَقَاتِ اللاَّزِمَةِ لِذَلِكَ  ،

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوّفِّقَ الجَمِيعَ لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ وَعَمَرَ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَعَصَمَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّيْغِ وَالخُسْرَانِ وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا 

أَمَّا بَعْدُ عباد الله :

اتقوا الله تعالى واعلموا أنَّه يَجِبُ التَّعَاوُنُ فِيمَا بَيْنَنَا ، وَالإِسْهَامُ فِي أَعْمَالِ التِّعْدَادِ السُّكَّانِيِّ ، وَالإِدْلاَءُ بِالمَعْلُومَاتِ الصَّحِيحَةِ ، التِي يَطْلُبُهَا مُوَظَّفُ التِّعْدَادِ ، فَهُوَ مِنَ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالوَاجِبَاتِ الوَطَنِيَّةِ ،  التِي يَدْعُوا إِلَيْهَا الدِّينُ ، وَالمَصْلَحَةُ الوَطَنِيَّةُ ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ ، وَمَصَالِحِهِمْ وَأُمُورِ حَيَاتِهِمْ ، ، كَمَا أَنُّهُ يَجِبُ أَيْضًا عَلَى مَنْ كُلِّفَ بِأَعْمَالِ التَّعْدَادِ ، أَنْ يَكُونَ أَمِينًا يُنَفِّذُ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ ، بِأَمَانَةٍ وَصِدْقٍ ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَسْرَارَ الأَفْرَادِ وَالأُسَرِ وَالبُيُوتِ وَالعَوَائِلَ  ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إِطْلاَقاً ، البَوْحَ بِهَا ، لِغَيْرِ المَعْنِيِّينَ فِي الهَيْئَةِ العَامَّةِ لِلْإِحْصَاءِ ، وَأَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الإِسْلاَمِ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ النَّاسِ ، فَلاَ يَزُورُ البُيُوتَ إِلاَّ فِي الوَقْتِ المُنَاسِبِ ، وَأَنْ يُحْسِنَ القَوْلَ وَالعَمَلَ ، وَهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ كَذَلِكَ ،

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفّقه وولي عهده لهداك، اللهم أعزّهم بطاعتك، وأعل بهم كلمتك، وانصر بهم دينك، واجمع بهم كلمة المسلمينَ يا رب العالمين.

اللَّهُمَّ أصلح قلوبَنا، واشرح صدورنا، ويسِّر أمورَنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، وانصُر جُنُودَنا المُرابطينَ علَى حُدودِ بلادِنا، اللهم اِرْبِطْ علَى قُلُوبِـهِم، وثَبِّتْ أقدامَهُم، واحفظْهُم بحفظِك، واخْلُفْهُمْ في أهلِيهِمْ بخيرٍ يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1030 | التعليقات 0