التعاون على الخير وإنجاح التعداد السكاني
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، والطَّولِ والإنعامِ، حثَّنا على التعاونِ وجَعَلَه من الأخلاقِ العظامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ عظيمُ الشأنِ والإحسانِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المرسلُ للعالمينَ بمحاسنِ الأخلاقِ، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وصحبهِ وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعدُ: فاتقوا الله أيُّها المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء الآية 1].
عبادَ اللهِ: إنّ مِنْ سُننِ اللهِ الكونيةِ أَنْ يتفاوتَ النَّاسُ في قُدُراتِهم وطاقاتِهم، وتَتَباينَ مَلَكاتُهم وحاجاتُهم، فمنهم المستطيعُ ومنهم العاجزُ، ومنهم الأغنياءُ ومنهم الفقراءُ، وقد أخبرنا نبيُّنا ﷺ بأنَّ يدَ اللهِ تعالى على الجماعةِ ومعهم، وأنَّ الجماعةَ خيرٌ من الفُرقْةِ، وأنَّ الفُرقةَ والأثَرَةَ مدعاةٌ للمشقَّةِ والضَّياعِ والهلَكةِ.
ولقد حَرِصَ الإسلامُ على جَعْلِِ المسلمينَ أمةً واحدةً، يتكافلُ أفرادُها ويتعاونونَ فيما بينهم، يقولُ اللهُ جلَّ وعلا:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 2].
قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله في تفسيرِها: "اشتملتْ هذه الآيةُ على جميعِ مصالحِ العبادِ في معاشِهم ومعادهِم فيما بينَهم بعضِهم بعضًا، وفيما بينَهم وبين ربِّهم". زاد المهاجر (1/6ـ7).
أيُّها المؤمنونَ: يقولُ نبيُّنا ﷺ:(مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) رواه مسلم (2586).
فالتعاونُ على الخيرِ من الفطْرةِ التي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عليها، وهذا التعاونُ والتعاضدُ والتضامنُ يأتي بأضعافٍ مضاعفةٍ من النتائجِ الحسنةِ والثِّمارِ الطيبةِ في كلِّ عملٍ من الأعمالِ المفيدةِ، قال ابنُ خُلْدون: " قد عُرِفَ وثَبَتَ أنَّ الواحدَ من البشرِ غيرُ مستقلٍّ لتحصيلِ حاجاتِه في معاشِه، وأنَّهم متعاونونَ جميعًا في عُمْرانِهم على ذلكَ، والحاجةُ التي تحصلُ بتعاونِ طائفةٍ منهم تسُدُّ ضرورةَ الأكثرِ من عدِدِهم أضعافًا.." (مقدمة ابن خلدون: 1/360).
وقد أكَّد الرسولُ ﷺ على التعاونِ بين المسلمينَ وحثَّ عليه، وجَعَلَ ذلكَ من شعارهِم، ودليلاً على إيمانِهم؛ فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي اللهُ عنه قال: بينما نحنُ في سَفَرٍ مع النَّبيِّ ﷺ إذْ جاءَ رجلٌ على راحلةٍ له، فَجَعَلَ يصرفُ بَصَرَه يمينًا وشمالاً، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ:(مَنْ كانَ معهُ فضلُ ظَهْرٍ فليَعُدْ به على مَنْ لا ظَهْرَ له، ومن كانَ لهُ فَضْلٌ من زادٍ فليَعُدْ به على مَنْ لا زادَ له)، فَذَكَر مِنْ أصنافِ المالِ ما ذَكَرَ حتَّى رأينَا أنَّه لا حَقَّ لأحدٍ منَّا في فضلٍ (رواه مسلم (1728).
وكان أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ بَعْده يُعنَوْنَ بهذا الجانبِ المهمّ مِن الدِّين أيَّما عنايةٍ.
ومِنْ كَرمِ اللهِ على بعضِ خَلْقِه أَنْ سخَّرهم لبذلِ ما يستطيعونَ إحسانًا إلى عبادِه، وحرصًا على طَلَب مرضاتِه تعالى، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهمَا قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (إنَّ للهِ أقوامًا اختصَّهم بالنِّعمِ لمنافعِ العبادِ ، يُقرُّهم فيها ما بذلوها ، فإذا مَنَعُوهَا نَزَعَها منهم ، فحوَّلها إلى غيرِهِم) صحيح الترغيب والترهيب للألباني، رقم:2617).
فكونوا يا عبادَ اللهِ من النافعينَ لإخوانِكم، السَّاعينَ لكلِّ خيرٍ، وكونوا يدًا واحدةً في كلِّ ما ينفعُ بلادَكم وإخوانَكم، فهذا من مطالبِ الإسلامِ وضروراتِه.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 2].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الخلائقَ لعبادتِه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات الآية 56]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وصحبِه وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعدُ:
فاعلموا باركَ اللهُ فيكم أنَّ الدولةَ ـ حَرسَها اللهُ ـ تقومُ كلَّ عامٍ ببذلِ جهودٍ جبارةٍ وكثيرةٍ مِنْ أَجْلِ الوصولِ لأفضلِ مراحلِ التخطيطِ والتنميةِ والنجاحِ في جميعِ المجالاتِ، وتَبذلُ كلَّ الوسائلِ والأسبابِ الممكنةِ، وتنفقُ الكثيرَ من الأموالِ، وتُسخِّرُ الكثيرَ من الجهاتِ الرسميةِ، حرصًا على مصلحةِ العبادِ والبلادِ، وكلُّ فردٍ منَّا عضوٌ في هذا المجتمعِ ينبغي أَنْ يهمَّه ما يهمُّه، لأنَّنا كالجسدِ الواحدِ يتفاعلُ بعضُه مع بعضٍ.
ومِنْ ذلكَ الجهودُ المبذولةُ في التَّعدادِ السكانيِّ الذي يُعتبرُ ركيزةً هامةً للتخْطيطِ المتكاملِ والتنميةِ الشاملةِ, ويُوفِّرُ القاعدةَ الأساسيةَ من البياناتِ والمعلوماتِ التي تَبْنى عليها الدولةُ خُطَطَها المستقبليةَ ليتمَّ التوزيعُ العادلُ للخدماتِ الأساسيةِ التي يحتاجُها الناسُ بين المناطقِ والمحافظاتِ في المجالاتِ التعليميةِ والصحيةِ والاجتماعيةِ وغيرِها، لا سيِّما أنَّ ولاةَ الأمرِ ـ حفظهم اللهُ ـ يَحرصونَ على تهيئةِ الأجواءِ للناسِ في أماكنِ إقامتِهم، وهذه جهودٌ تُذْكرُ فَتُشْكرْ.
عبادَ اللهِ: وتحقيقاً لأهدافِ التَّعدادِ التي يَرجُوها المسئولونَ عنه فإنَّ على كلِّ ربِّ أسرةٍ أن يتعاونَ مع اللجانِ العاملةِ ويُعطي المعلوماتِ بكلِّ دقةٍ دونَ مبالغةٍ أو تغييرٍ للحقائقِ لأنَّ بلادَنا وللهِ الحمدُ تقفزُ قفزاتٍ سريعةً نحو تحقيقِ التنميةِ الشاملةِ في جميعِ المجالاتِ.
والتَّعدادُ وسيلةٌ لمعرفةِ الكثافةِ السكانيةِ ومجالاتِ الاستثمارِ وأماكنِ النُّموِّ الاقتصاديِّ ومعرفةِ أعدادِ العاطلينَ عن العملِ وحَصْرِ الكفاءاتِ العلميةِ ونوعياتِها كلُّ ذلكَ وغيرُه يَتحقَّقُ من خلالِ التعدادِ إذا تَمَّ التعاونُ من الجميعِ لإنجاحه وتم بصورة سليمة حسب تخطيط الجهات المعنية.
فعلينا أن نسهم بقدر المستطاع في نجاحه كل فيما يخصه لا سيما أنه يشمل كل شخص موجود ومقيم سواء كان مواطناً أو وافداً لهذه البلادِ مدةً محددةً.
أيُّها الإخوةُ: وأُحبُّ التأكيدَ على مسألتينِ مُهمتينِ تمَّ التنبيهُ عليهما في الجمعةِ الماضيةِ، لكنْ كَثُرتْ الأسئلةُ حولَهما، وهما:
أنَّه لا يجوزُ الفطرُ في قضاءِ رمضانَ إلا من عذرٍ يبيحُ الفطرَ في رمضان.
والثانيةُ: أنَّه يلزمُ تبييتُ النيةِ من الِّليلِ في صيامِ القضاءِ دونَ صيامِ الستِّ من شوال.
أسألُ اللهَ التوفيقَ والإعانةَ والسدادَ لجميعِ الجهودِ المبذولةِ مِنْ أَجْلِ مصلحةِ البلادِ والعبادِ.
هذا وصلوا وسلموا على صاحبِ اللواءِ المعقودِ والحوضِ المورودِ محمدِ بِنِ عبدِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وصحبِه وسلَّم.
الجمعة: 12/10/1443هــ