التعامل مع الحكام

منهج الأئمة الأعلام في التعامل مع الحكام

الخطبة الأولى

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . أما بعد :-

فإنَّ خير الحديث كتابُ الله ، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

خطبتنا اليوم عن : ( منهج الأئمة الأعلام في التعامل مع الحكام ) .

 عباد الله : من المُجْمَع عليه بين جميع العقلاء أنه لا تستقيم حياةٌ بدون ولاة أمر ، يقيمون للناس شؤونهم ، ويحفظون أمنهم ، وينظمون مصالحهم . وولاة الأمر هم العلماء والأمراء الذين بهم يقوم الدين والدنيا . ولقد كان السلف الصالح يُولُون أمر الولاية اهتماماً خاصاً - لا سيَّما عند ظهور بوادر الفتن - نظرًا لما يترتَّب على الجهل به أو إغفاله ومعصية الله تعالى بشأنه مِن الفساد العريض في الدِّين والعباد والبلاد ، والانحراف عن سبيلِ أهل الرشاد ، فكانوا يُبيِّنون السُّنة في التعامل مع الولاة ، ويُحذِّرون من طرائق وتصرُّفات أهل الأهواء والبدع لما فيها من الفتن والشر ، فوجود الحاكِم صمامُ أمان للمجتمع ، به يتوفَّر الأمن العام ، ويندحر السُّرَّاق وقُطَّاع الطرق وأهل الفتن وأطماع الدول ، وتقام الحدود ويُحكم بشرع الله ، ويكون سبباً لوحدة الأمة ، وحفظ الهيبة ، وينتظم به الأمر ، وغيرها من المصالح ..  ولأئمة السلف الأعلام منهج واضح في التعامل مع الحكام ، مستمد من كلام الله تعالى ومن صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن منهجهم :-

1 - السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء:59] . قال الشيخ السعدي رحمه الله : " أمر بطاعة أولي الأمر ، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمرُ دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم ، طاعةً لله ورغبةً فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ا.هـ . وعن ابن عمر رضي اللَّهُ عنهما ، عَن النَّبيِّ ﷺ قَالَ : " عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكَرِهَ ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طاعَةَ " متفقٌ عَلَيْهِ . وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمامة ، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة " .

2 – الوفاء لهم ببيعتهم وعدم خلعها ونقضها وإن جاروا وإن ظلموا ، وعدم الخروج عليهم لا بالقول ولا بالفعل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتة جاهلية » رواه مسلم ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح : ( وفي الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة ، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه ، وإنه لا ينخلع بالفسق ) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميته جاهلية ) رواه مسلم . وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبراً ، فمات ، فميتةُ جاهلية ) رواه مسلم

 . قال الحافظ في شرحه : قال ابن أبي جمرة رحمه الله : ( المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء ، فكنّى بمقدار الشبر ، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق ) .

فالواجب على المسلم أن ينظر ما ذا سلك السلف الصالح تجاه ولاة الأمور ، فيحذوا حذوهم ، وأن يضبط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب ..

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ، أما  بعد :-

فمن منهج أئمة السلف الأعلام في التعامل مع الحكام أيضاً :-

3 – الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح والإعانة ، لأن صلاح ولاة الأمر مطلبٌ لكل مسلم غيور على دينه ، إذ صلاحهم صلاح للعباد والبلاد ، وعدم سبهم أو الدعاء عليهم أو الوقوع في أعراضهم . لأن الوقيعة في أعراضهم ، والاشتغال بسبهم ، وذكر معايبهم خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة ، نهى عنها الشرع المطهر، وذم فاعلها. وهي نواة الخروج على ولاة الأمر ، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نهانا كُبَراؤُنا مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَسُبُّوا أُمَراءَكم ولا تَغُشُّوهم ولا تَبْغَضوهم واتقوا اللهَ واصبِروا فإنَّ الأمرَ قريبٌ ) . وإسناده جيد . وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أهان سلطانَ اللهِ في الأرضِ أهانهُ اللهُ ) صحيح الترمذي وصححه الألباني . وعن ابي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : ( إن أوّل نفاق المرء طعنه على إمامه ) . أخرجه البيهقي في شعب الإيمان . وقد جاء عن بعضِ علماءِ السلفِ قولُه : ( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان ، فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله ) . وكان الفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهم يقولون : ( لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان ) . وأخرج الخلاّل في السنّة : أن الإمام أحمد قال عن الإمام : ( وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ، والتأييد ، وأرى ذلك واجباً عليَّ ) .

4 – مناصحة الحكام سراً وبنيّة خالصة وبالطرق المشروعة . فعن تميم الداري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) ، قلنا : لِمَن ؟ قال : ( لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ ) ، رواه مسلم . وروى عياض بن غَنْمٍ الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال : " مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطانٍ في أمرٍ فلا يُبدِهِ عَلانيةً ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ " صححه الألباني . وعن جُبَيرُ بنُ مُطْعِمٍ رَضِي اللهُ عنه أن رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال : " ثلاثٌ لا يُغِلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم " صحيح ابن خزيمة وصححه الألباني . وعن أبي وائل قال : قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه : لو أتيت عثمان فكلمته ، قال : إنكم لتـُرَوْنَ أني لا أكلمه إلا أُسْمِعُكم ، إني أكلمه في السر ، دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه . أخرجه البخاري ومسلم . وقال ابن باز رحمه الله : ( فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة ، وليس من النصح التشهير بعيوب الناس ، ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها ، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل ) . وقال ابن عثيمين رحمه الله : " الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وألا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلا لإثارة الناس ، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ، فهذا عين المفسدة ، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس ، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يُحدث الشر والفتنة والفوضى .. هذا وصلوا وسلموا عباد الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا " ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين الأئمةِ المهديين ، وعَن الصحابةِ أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشِّرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لهداك ، واجعل عملهم في رضاك ، وأعنهم على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم احفظ جنودنا المرابطين على حدودنا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ، ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ، عباد الله اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

( خطبة الجمعة 1/4/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

المرفقات

1727808196_منهج الأئمة الأعلام في التعامل مع الحكام.docx

المشاهدات 266 | التعليقات 0