التصدي لحيل تزييف الانتخابات* أبو يعرب المرزوقي
أبو عبد الرحمن
1432/05/15 - 2011/04/19 19:26PM
التصدي لحيل تزييف الانتخابات
أبو يعرب المرزوقي
تمهيد
من البين أن التلاعب بالعملية الانتخابية ليس مقصورا على التزييف الساذج المتمثل في تغيير النتائج أو في التدخل العنيف لحرف العملية الانتخابية تخويفا للناخب من أجل التأثير على مشاركته فيها (حضورا أو غيابا) أو على توجيه اختياره (تصويتا لزيد أو لعمرو). فهذا التزييف المفضوح من مميزات الأنظمة الغبية في ديموقراطيات العالم الثالث المختلفة. لكن بقايا هذه الأنظمة يمكن أن تلجأ إلى تقنيات أكثر خفاء تتجاوز بدرجة حيل الديموقراطيات الذكية في العالم المتقدم لتحقق أهداف الثورة المضادة.
كلامنا اليوم سيدور حول شروط التحرر من هذه الحيل والتغلب على دهاء أصحابها الحيل التي تحقق التزييف الخفي متخذة أشكالا تبدو في ظاهرها قانونية بل وشرعية لأنها تزايد على مطلب الحرية المسؤولة بحرية التسيب واللامسؤولية التي ذروتها ما نعنيه بــحيلة الحيل: تشتيت صوت الناخب إلى حد التذرير حتى تحول دون بلوغ التعبير الديموقراطي إلى الخيار المؤثر فيمتنع الجمع بين الخيار الديموقراطي والإرادة الفاعلة بصورة حاسمة.
ذلك أنه ليس من الصدفة أن كان ما يزعم من تحرير للحياة السياسية في بلادنا (في الجزائر قبل الردة على الديموقراطية وفي موريتانيا ثم في تونس) يؤول دائما إلى تذرير الساحة السياسة بالتضخيم المهول لعدد الأحزاب تضخما لا تجده في أي من الديموقراطيات العريقة مواصلة لما عملته الأنظمة الفاشية في بلادنا عندما فرقعت كل الحركات الموجود بالفعل لتولد منه أحزابا كرتونية تكون ديكورا وتبريرا لدعوى التدرج نحو الديموقراطية المسؤولة (وقد حصل ذلك في تونس وفي مصر بصورة متماثلة). وقد بالغوا في ذلك حتى كاد كل "بعبوس" يفتح دكانا سياسيا ويسميه حزبا ليحقق مآرب شخصية ليس لها أدنى صلة ببناء حياة سياسية سوية: وهكذا نرى الآن أن عدد الأحزاب في تونس قبل الانتخابات سيناهز الخمسين أو يفوقها.
وإذن فهذه الحيلة التي نطلق عليها اسم حيلة الحيل تخلتف تمام الاختلاف عما أشرنا إليه في المحاولة السابقة عندما أحصينا فنيات التلاعب بالعملية الانتخابية في البلاد الغربية إحصاء نسقيا. فهي تتلاعب بالناخبين ذاتهم وبصورة مباشرة ولا تكتفي بما أشرنا إليه إذ قلنا إن "هذا التلاعب لا يمكن أن يتأسس إلا على العبث بأحياز الوجود العيني للمواطنين:
1-التلاعب بحيز المكان من خلال تقسيم الدوائر
2-والتلاعب بحيز الزمان من خلال تحديد الآجال
3-والتلاعب بحيز السلم من خلال توظيف المال خاصة
4-والتلاعب بحيز الدورة المادية من خلال توزيع الثروة
5-والتلاعب بحيز الدورة الرمزية من خلال تزييف الإعلام " (انظر مقال التمثيل الجامع بين العدل والفاعلية(.
ومن ثم فما اقترحناه من علاج في نفس المقال على النحو التالي لم يعد كافيا. فـ"التغلب على هذه التلاعبات بالصورة التالية:
1-فالحائل دون التلاعب بالمكان هو التحرر من المركزية إلى أقصى حد بحيث إن تقسيم المكان يكون أعدل ما يكون.
2-والحائل دون التلاعب بالزمان هو التحرر من التحكم في تحديد الآجال وجعلها موضوع توافق من أقاليم الوطن.
3-والحائل دون التلاعب بالسلم هو الضبط الدقيق لدور المال في الانتخابات
4-والحائل دون التلاعب بالدورة المادية هو تحديد نسب الطبقات بالتوافق المستند إلى العلم بأجحامها في الدورة المادية.
5-والحائل دون التلاعب بالدورة الرمزية هو تحرير الإعلام من التبعية للسلطة التنفيذية وإضفاء التعددية عليه مع جعله خاضعا لسلطة حكماء وفضلاء متعالين على الانحيازات السياسوية.
ذلك أنهم لا يطمئنون إلى هذه الحيل التي لا يخلو منها نظام انتخاب حتى في البلاد الديموقراطية العريقة بل لا بد لهم من استعمال توق الناس إلى التعبير الديموقراطي التعددي فيحولوه إلى داء بدلا من الإبقاء عليه دواء: فالإفراط في التعددية يجعل الحكم المستقر شبه مستحيل فضلا عن التداول الذي يتحول إلى تقافز لا متناه للأحزاب الذرية التي تجعل الجماعة شيعا وفئات متقاتلة على تقاسم منافع الحكم بين النخب المستخدمة للناخبين بدلا من أن تكون في خدمتهم.
ما الحل في هذه الحالة؟
ليس من شك أن الحل ينبغي ألا يكون تحكميا بل ينبغي أن يكون نابعا من مصدرين مشروطين في كل نشاط عمومي يصطبغ بالصبغة القانونية التي تحددها طبيعته كما يعرف نفسه:
1-الشرط الأول هو المطابقة مع طبيعة الحزب السياسي وضرورة تمييزه عن جماعة الضغط الفئوي رغم أن الحزب من حيث هو حزب لا يخلو من بعض خصائص هذا المعنى: فجماعة الضغط جماعة تدافع عن مصلحتها من منظورها. والحزب مجموعة تدافع مصحلة الجماعة ككل وإن كان ذلك من منظورها هي.
2-الشرط الثاني هو التجربة التاريخية التي تبين أضرار التعدد الحزبي إذا تجاوز الحد الأدنى لفضيلة التداول الفاعل على الحكم: فالتعدد المشط يؤدي إلى تحويل الأحزاب إلى حرب على الديموقراطية بما ينتج عنها من عدم الاستقرار وكثرة المناورات والمجازفات بالصالح العام والحد الأدنى في جل البلاد الديموقراطية هو حتى في حالة تعددها المشط تحول الأحزاب إلى تجمعات أو جبهات متحالفة بصورة تجعل التداول بينها من حيث هي تجمعات تجعله ممكنا.
ولما كان منع تكوين الأحزاب الذي جوهر شكل التعبير الديموقراطية مناقضا لمفهوم الحرية السياسية فإن تحقيق الحرية السياسة يقتضي الحد منها لئلا تتحول إلى غاية هذه الحرية في حين أنها وسيلتها: والحد لا يكون تحكميا بل لا بد أن يخضع لشروط مستمدة من طبيعة التحزب في الحياة الديموقراطية ومن التجربة عمل الأشكال الحزبية في تحقيق التداول السليم. واستنادا إلى هاتين الخاصيتين يمكن أن نقترح علاجا لهذا الداء الدوي حلا ينافي التعدد اللامحدود ونفيه المطلق كما في العلاج الأكثر مرضية منه أعني نظرية الوحدة القومية النافية لكل تعدد ومن ثم لكل حياة سياسية: ذلك أن الوحدة القومية التي تتحول إلى حزب واحد يشغل "المضمار السياسي" بمفرده ينتهي حتما إلى غياب الحوار النقدي الممكن من تجويد الحاكمية وترشيدها فيقتل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وظيفته السياسية أعني وظيفة العناية بالشأن العام عناية تجعل الجميع راعيا ورعية في آن.
تمهيد
من البين أن التلاعب بالعملية الانتخابية ليس مقصورا على التزييف الساذج المتمثل في تغيير النتائج أو في التدخل العنيف لحرف العملية الانتخابية تخويفا للناخب من أجل التأثير على مشاركته فيها (حضورا أو غيابا) أو على توجيه اختياره (تصويتا لزيد أو لعمرو). فهذا التزييف المفضوح من مميزات الأنظمة الغبية في ديموقراطيات العالم الثالث المختلفة. لكن بقايا هذه الأنظمة يمكن أن تلجأ إلى تقنيات أكثر خفاء تتجاوز بدرجة حيل الديموقراطيات الذكية في العالم المتقدم لتحقق أهداف الثورة المضادة.
كلامنا اليوم سيدور حول شروط التحرر من هذه الحيل والتغلب على دهاء أصحابها الحيل التي تحقق التزييف الخفي متخذة أشكالا تبدو في ظاهرها قانونية بل وشرعية لأنها تزايد على مطلب الحرية المسؤولة بحرية التسيب واللامسؤولية التي ذروتها ما نعنيه بــحيلة الحيل: تشتيت صوت الناخب إلى حد التذرير حتى تحول دون بلوغ التعبير الديموقراطي إلى الخيار المؤثر فيمتنع الجمع بين الخيار الديموقراطي والإرادة الفاعلة بصورة حاسمة.
ذلك أنه ليس من الصدفة أن كان ما يزعم من تحرير للحياة السياسية في بلادنا (في الجزائر قبل الردة على الديموقراطية وفي موريتانيا ثم في تونس) يؤول دائما إلى تذرير الساحة السياسة بالتضخيم المهول لعدد الأحزاب تضخما لا تجده في أي من الديموقراطيات العريقة مواصلة لما عملته الأنظمة الفاشية في بلادنا عندما فرقعت كل الحركات الموجود بالفعل لتولد منه أحزابا كرتونية تكون ديكورا وتبريرا لدعوى التدرج نحو الديموقراطية المسؤولة (وقد حصل ذلك في تونس وفي مصر بصورة متماثلة). وقد بالغوا في ذلك حتى كاد كل "بعبوس" يفتح دكانا سياسيا ويسميه حزبا ليحقق مآرب شخصية ليس لها أدنى صلة ببناء حياة سياسية سوية: وهكذا نرى الآن أن عدد الأحزاب في تونس قبل الانتخابات سيناهز الخمسين أو يفوقها.
وإذن فهذه الحيلة التي نطلق عليها اسم حيلة الحيل تخلتف تمام الاختلاف عما أشرنا إليه في المحاولة السابقة عندما أحصينا فنيات التلاعب بالعملية الانتخابية في البلاد الغربية إحصاء نسقيا. فهي تتلاعب بالناخبين ذاتهم وبصورة مباشرة ولا تكتفي بما أشرنا إليه إذ قلنا إن "هذا التلاعب لا يمكن أن يتأسس إلا على العبث بأحياز الوجود العيني للمواطنين:
1-التلاعب بحيز المكان من خلال تقسيم الدوائر
2-والتلاعب بحيز الزمان من خلال تحديد الآجال
3-والتلاعب بحيز السلم من خلال توظيف المال خاصة
4-والتلاعب بحيز الدورة المادية من خلال توزيع الثروة
5-والتلاعب بحيز الدورة الرمزية من خلال تزييف الإعلام " (انظر مقال التمثيل الجامع بين العدل والفاعلية(.
ومن ثم فما اقترحناه من علاج في نفس المقال على النحو التالي لم يعد كافيا. فـ"التغلب على هذه التلاعبات بالصورة التالية:
1-فالحائل دون التلاعب بالمكان هو التحرر من المركزية إلى أقصى حد بحيث إن تقسيم المكان يكون أعدل ما يكون.
2-والحائل دون التلاعب بالزمان هو التحرر من التحكم في تحديد الآجال وجعلها موضوع توافق من أقاليم الوطن.
3-والحائل دون التلاعب بالسلم هو الضبط الدقيق لدور المال في الانتخابات
4-والحائل دون التلاعب بالدورة المادية هو تحديد نسب الطبقات بالتوافق المستند إلى العلم بأجحامها في الدورة المادية.
5-والحائل دون التلاعب بالدورة الرمزية هو تحرير الإعلام من التبعية للسلطة التنفيذية وإضفاء التعددية عليه مع جعله خاضعا لسلطة حكماء وفضلاء متعالين على الانحيازات السياسوية.
ذلك أنهم لا يطمئنون إلى هذه الحيل التي لا يخلو منها نظام انتخاب حتى في البلاد الديموقراطية العريقة بل لا بد لهم من استعمال توق الناس إلى التعبير الديموقراطي التعددي فيحولوه إلى داء بدلا من الإبقاء عليه دواء: فالإفراط في التعددية يجعل الحكم المستقر شبه مستحيل فضلا عن التداول الذي يتحول إلى تقافز لا متناه للأحزاب الذرية التي تجعل الجماعة شيعا وفئات متقاتلة على تقاسم منافع الحكم بين النخب المستخدمة للناخبين بدلا من أن تكون في خدمتهم.
ما الحل في هذه الحالة؟
ليس من شك أن الحل ينبغي ألا يكون تحكميا بل ينبغي أن يكون نابعا من مصدرين مشروطين في كل نشاط عمومي يصطبغ بالصبغة القانونية التي تحددها طبيعته كما يعرف نفسه:
1-الشرط الأول هو المطابقة مع طبيعة الحزب السياسي وضرورة تمييزه عن جماعة الضغط الفئوي رغم أن الحزب من حيث هو حزب لا يخلو من بعض خصائص هذا المعنى: فجماعة الضغط جماعة تدافع عن مصلحتها من منظورها. والحزب مجموعة تدافع مصحلة الجماعة ككل وإن كان ذلك من منظورها هي.
2-الشرط الثاني هو التجربة التاريخية التي تبين أضرار التعدد الحزبي إذا تجاوز الحد الأدنى لفضيلة التداول الفاعل على الحكم: فالتعدد المشط يؤدي إلى تحويل الأحزاب إلى حرب على الديموقراطية بما ينتج عنها من عدم الاستقرار وكثرة المناورات والمجازفات بالصالح العام والحد الأدنى في جل البلاد الديموقراطية هو حتى في حالة تعددها المشط تحول الأحزاب إلى تجمعات أو جبهات متحالفة بصورة تجعل التداول بينها من حيث هي تجمعات تجعله ممكنا.
ولما كان منع تكوين الأحزاب الذي جوهر شكل التعبير الديموقراطية مناقضا لمفهوم الحرية السياسية فإن تحقيق الحرية السياسة يقتضي الحد منها لئلا تتحول إلى غاية هذه الحرية في حين أنها وسيلتها: والحد لا يكون تحكميا بل لا بد أن يخضع لشروط مستمدة من طبيعة التحزب في الحياة الديموقراطية ومن التجربة عمل الأشكال الحزبية في تحقيق التداول السليم. واستنادا إلى هاتين الخاصيتين يمكن أن نقترح علاجا لهذا الداء الدوي حلا ينافي التعدد اللامحدود ونفيه المطلق كما في العلاج الأكثر مرضية منه أعني نظرية الوحدة القومية النافية لكل تعدد ومن ثم لكل حياة سياسية: ذلك أن الوحدة القومية التي تتحول إلى حزب واحد يشغل "المضمار السياسي" بمفرده ينتهي حتما إلى غياب الحوار النقدي الممكن من تجويد الحاكمية وترشيدها فيقتل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وظيفته السياسية أعني وظيفة العناية بالشأن العام عناية تجعل الجميع راعيا ورعية في آن.
الحرز الأول ضد الإفراط في التعدد
وهو حرز سلبي لأنه يتعلق بشرط عدم المنع أي شرط الانتقال من الإباحة العامة إلى حق التأسيس بالشروط القانونية الشرعية المحققة لمصلحة البلد بإشراف طرف مستقل يمكن أن نطلق عليه اسم مجلس الحكماء الذي لا ينتسب أصحابه إلى الأحزاب كما في حالة الحكماء المراقبين لموضوعية الإعلام وعدم انحيازه لحزب على غيره في البلاد المتقدمة: فشرط عدم المنع هو ألا تكون جماعة الضغط متنكرة في شكل حزب سياسي.
فإذا ميزنا بين جماعة الضغط والحزب السياسي-بكون الأولى مجموعة تدافع عن مصلحتها من منظورها والثاني يدافع عن مصلحة الجماعة (واجب الأحزاب الذين يمكن أن تخرج منهم نواب الشعب) من منظوره (حرية الفكر)- أصبح من اليسير أن نحدد معايير الحزبية من منطلق فلسفة الأحزاب السياسية وبرنامج عملها التأسيسي. ومن ثم تستنتج شروط الإذن بالوجود من قبل السلطة العامة الشرعية: فهذا التمييز الدقيق بين نوعي النشاط العمومي السياسي والاجتماعي هو المعيار السليم للفصل في مسألة شرعية الحزب وعدم شرعيته. وذلك هو معنى الفرق الفلسفي الدقيق بين المجتمع المدني (مجال تناقص المصالح)والمجتمع السياسي (مجال توحيدها لعلو الصالح العام عليها) رغم أن هذا الفرق لم يعد بينا لدى الكثير ممن يريد أن يخلط بين الأمرين فتصبح النقابات مثلا اللاعب الأساسي في المضمار السياسي وهو من انحرافات الحياة السياسية التي تجعل النقابات أحزابا ويزول الفرق بين مؤسسات الدفاع عن المصالح الفئوية ومؤسسات الدفاع عن المصالح العامة للأمة:
إن النقابة والجمعية الثقافية وأي شكل من أشكال اللوبيات كلها من جنس واحد هو جنس منظومات المجتمع المدني الذي هو مجتمع تضارب المصالح الفئوية سواء كانت هذه المصالح مادية كالحال في النقابات وجماعات الضغط أو اللوبيات أو كانت المصالح معنوية كالحال في الجمعيات الثقافية أو جمعيات الرهانات القيمية.
أما المجتمع السياسي فهو مجتمع توحيد المصالح رغم تضارب المنطلقات الفلسفية لأصحابها. ومعنى ذلك أن السياسي من حيث هو سياسي حتى وإن كان ذا فلسفة طبقية فهو لا يكون سياسيا إلا بوصفه ينظر إلى مصلحة الجماعة من منظور فلسفة لا يقتصر همها على مصلحة حزبه بل همه هو مصلحة البلاد كلها.
وهو حرز سلبي لأنه يتعلق بشرط عدم المنع أي شرط الانتقال من الإباحة العامة إلى حق التأسيس بالشروط القانونية الشرعية المحققة لمصلحة البلد بإشراف طرف مستقل يمكن أن نطلق عليه اسم مجلس الحكماء الذي لا ينتسب أصحابه إلى الأحزاب كما في حالة الحكماء المراقبين لموضوعية الإعلام وعدم انحيازه لحزب على غيره في البلاد المتقدمة: فشرط عدم المنع هو ألا تكون جماعة الضغط متنكرة في شكل حزب سياسي.
فإذا ميزنا بين جماعة الضغط والحزب السياسي-بكون الأولى مجموعة تدافع عن مصلحتها من منظورها والثاني يدافع عن مصلحة الجماعة (واجب الأحزاب الذين يمكن أن تخرج منهم نواب الشعب) من منظوره (حرية الفكر)- أصبح من اليسير أن نحدد معايير الحزبية من منطلق فلسفة الأحزاب السياسية وبرنامج عملها التأسيسي. ومن ثم تستنتج شروط الإذن بالوجود من قبل السلطة العامة الشرعية: فهذا التمييز الدقيق بين نوعي النشاط العمومي السياسي والاجتماعي هو المعيار السليم للفصل في مسألة شرعية الحزب وعدم شرعيته. وذلك هو معنى الفرق الفلسفي الدقيق بين المجتمع المدني (مجال تناقص المصالح)والمجتمع السياسي (مجال توحيدها لعلو الصالح العام عليها) رغم أن هذا الفرق لم يعد بينا لدى الكثير ممن يريد أن يخلط بين الأمرين فتصبح النقابات مثلا اللاعب الأساسي في المضمار السياسي وهو من انحرافات الحياة السياسية التي تجعل النقابات أحزابا ويزول الفرق بين مؤسسات الدفاع عن المصالح الفئوية ومؤسسات الدفاع عن المصالح العامة للأمة:
إن النقابة والجمعية الثقافية وأي شكل من أشكال اللوبيات كلها من جنس واحد هو جنس منظومات المجتمع المدني الذي هو مجتمع تضارب المصالح الفئوية سواء كانت هذه المصالح مادية كالحال في النقابات وجماعات الضغط أو اللوبيات أو كانت المصالح معنوية كالحال في الجمعيات الثقافية أو جمعيات الرهانات القيمية.
أما المجتمع السياسي فهو مجتمع توحيد المصالح رغم تضارب المنطلقات الفلسفية لأصحابها. ومعنى ذلك أن السياسي من حيث هو سياسي حتى وإن كان ذا فلسفة طبقية فهو لا يكون سياسيا إلا بوصفه ينظر إلى مصلحة الجماعة من منظور فلسفة لا يقتصر همها على مصلحة حزبه بل همه هو مصلحة البلاد كلها.
الحرز الثاني مع تنظيم التعدد
لذلك فالعلاج يمكن أن يصاغ على النحو التالي إذا اعترنا النشاط المدني ممثلا لمرحلة تمهيدية تعد المواطنين للنشاط السياسي بحيث يعد المباشرين للشأن العام إعدادا ينقل مقترحي تكوين الحزب إلى مرحلة الأشخاص العموميين فيتجاوزونه المصلحة الفئوية بمعزل عن المصلحة العامة إلى النظر إلى المصلحة العامة باعتبارها مقدمة على المصلحة الخاصة دون أن يتخلى عن منظور الفلسفي الذي يصبح منطلق لا غاية. وهذا يفترض وجود تمثيلية معتبرة هي علامة التحول إلى شخص عام: فمهما كان مقدار الأقلية التي يمثلها الحزب المترشح للتأسيس لا بد أن تكون قد تكونت قبل هذا الطلب حول نشاط مدني معين أراد أصحابه أن ينتقلوا إلى نشاط أرقى هو النشاط السياسي يكون عددها ذا دلالة.
وبيان هذه الدلالة لا يكون -بعد الحرز الأول أعني حد الحزب من حيث هو تعبير عن المصلحة العامة من منظور خاص بجماعة بخلاف جماعة الضغط التي هي تعبير عن المصلحة الخاصة بجماعة أو فئة (الدفاع عن المصلحة العامة من منظور المنتسبين إلى الحزب المقترح) –إلا الممارسة السابقة في الحياة المدنية بأقسامها الأربعة الممارسة الدالة على خدمة الشأن العام بصورة تجعل القائم بها قد بلغ الحد الأدنى من معنى الشخص العام الذي بات ذا تمثيلية في المجتمع المدني التابع للمجالات التي تحدد الشأن العام والتي يسيمها ابن خلدون صورة العمران ومادته أعني:
الخدمة في قسمي صورة العمران= السياسة أو التربية.
أو الخدمة قسمي مادة العمران= الاقتصاد أو الثقافة.
فمن كان ذا نشاط معبر عن الانشغال بالشأن العام وانتقل إلى مفهومه الذي عرفنا به الحزب فميزناه عن جماعة الضغط الانشغال بالشأن العام في المجال السياسي أو التربوي أو الاقتصادي أو الثقافي وكانت نسبة الشاهدين على تمثيليته والمؤيدين لإنشاء الحزب نسبة محترمة بالقياس إلى عدد السكان يكون جديرا بالعمل السياسي الشرعي. ومن ثم فلا بد من السماح بوجوده: ولنقل مثلا واحد في العشرة آلاف من عدد المواطنين. فيكون الحد الأدنى في تونس ألف إمضاء ممثلين للمجال الذي ينتسب إليه مؤسسو الحزب على ألا يكون من أمضى لإنشاء هذا الحزب قد أعطى إمضاءه لإنشاء حزب آخر لأن ذلك يعني أنه ليس له منظور واضح لخدمة مصلحة البلاد.
لذلك فالعلاج يمكن أن يصاغ على النحو التالي إذا اعترنا النشاط المدني ممثلا لمرحلة تمهيدية تعد المواطنين للنشاط السياسي بحيث يعد المباشرين للشأن العام إعدادا ينقل مقترحي تكوين الحزب إلى مرحلة الأشخاص العموميين فيتجاوزونه المصلحة الفئوية بمعزل عن المصلحة العامة إلى النظر إلى المصلحة العامة باعتبارها مقدمة على المصلحة الخاصة دون أن يتخلى عن منظور الفلسفي الذي يصبح منطلق لا غاية. وهذا يفترض وجود تمثيلية معتبرة هي علامة التحول إلى شخص عام: فمهما كان مقدار الأقلية التي يمثلها الحزب المترشح للتأسيس لا بد أن تكون قد تكونت قبل هذا الطلب حول نشاط مدني معين أراد أصحابه أن ينتقلوا إلى نشاط أرقى هو النشاط السياسي يكون عددها ذا دلالة.
وبيان هذه الدلالة لا يكون -بعد الحرز الأول أعني حد الحزب من حيث هو تعبير عن المصلحة العامة من منظور خاص بجماعة بخلاف جماعة الضغط التي هي تعبير عن المصلحة الخاصة بجماعة أو فئة (الدفاع عن المصلحة العامة من منظور المنتسبين إلى الحزب المقترح) –إلا الممارسة السابقة في الحياة المدنية بأقسامها الأربعة الممارسة الدالة على خدمة الشأن العام بصورة تجعل القائم بها قد بلغ الحد الأدنى من معنى الشخص العام الذي بات ذا تمثيلية في المجتمع المدني التابع للمجالات التي تحدد الشأن العام والتي يسيمها ابن خلدون صورة العمران ومادته أعني:
الخدمة في قسمي صورة العمران= السياسة أو التربية.
أو الخدمة قسمي مادة العمران= الاقتصاد أو الثقافة.
فمن كان ذا نشاط معبر عن الانشغال بالشأن العام وانتقل إلى مفهومه الذي عرفنا به الحزب فميزناه عن جماعة الضغط الانشغال بالشأن العام في المجال السياسي أو التربوي أو الاقتصادي أو الثقافي وكانت نسبة الشاهدين على تمثيليته والمؤيدين لإنشاء الحزب نسبة محترمة بالقياس إلى عدد السكان يكون جديرا بالعمل السياسي الشرعي. ومن ثم فلا بد من السماح بوجوده: ولنقل مثلا واحد في العشرة آلاف من عدد المواطنين. فيكون الحد الأدنى في تونس ألف إمضاء ممثلين للمجال الذي ينتسب إليه مؤسسو الحزب على ألا يكون من أمضى لإنشاء هذا الحزب قد أعطى إمضاءه لإنشاء حزب آخر لأن ذلك يعني أنه ليس له منظور واضح لخدمة مصلحة البلاد.
الفهم الفلسفي والانتروبولوجي للمضمار السياسي التونسي
كيف يمكن أن نقسم مضمار التنافس السياسي المعقول في تونس بالاعتماد على هذين المعيارين ؟ سبق لي أن أشرت إلى أن الطيف السياسي يحدد بصورة كلية تصح على كل المجتمعات بصورة عامة (فهم فلسفي) وبصورة إضافية تصح على خصوصيات المجتمعات بصورة خاصة (فهم انثروبولوجي). وكلا الطيفين مخمس الأبعاد بصورة حتمية بمقتضى طبيعة التنافس في المجتمع الإنساني:
القسمة الأولى:
فبمقتضى طبائع العمران كل المجتمعات تنقسم الخيارات السياسية فيها إلى صنفين بحسب صنفي المناظير الفلسفية للحلول الملائمة لطبيعة العمران:
الصنف الأول يقدم القانون الطبيعي (حيوانية الإنسان) على القانون الخلقي (عقلانية الإنسان) فيعتبر الجماعة رغم كونها ذات بعد إنساني تبقى خاضعة للتنافس من أجل البقاء ومن ثم فهي في صراع وتنافس حول المصالح أو شروط الحياة. وهذا هو المنظور الغالب على الليبرالية بمعناها الاقتصادي خاصة.
الصنف الثاني يقدم القانون الخلقي (عقلانية الإنسان) على القانون الطبيعي (حيوانية الإنسان) فيعتبر الجماعة رغم كون إنسانيتها لا تنفي حيوانيتها تتجاوز المنظور السابق وترى أن التضامن بين أفراد الجماعة والتآخي ينبغي أن يتقدم على الصراع من أجل الحياة والتنافس على شروطها وأدواتها. وهذا هو المنظور الغالب على المنظور الديني واليساري رغم ما قد يبدو من تناقض بينهما لأن الثاني يخلط بين الديني والمؤسسة الدينية والأول يخلط بين فلسفة اليسار وواقع الناطقين باسمها.
لكن الصنفين اضطرهما التاريخ إلى تغيير نظرتهما لامتناع حصول الصنف الأول على الرضا والقبول من الجماعة أو معيار النجاح الاجتماعي وحصول الصنف الثاني على الفاعلية والنجاح من الواقع أو معيار النجاح الاقتصادي ومن ثم لتحقيق شرط النجاح السياسي في الحالتين: فبات الأول يطلب بعض ما يطلبه الثاني والعكس بالعكس وبتنا أمام حزبين آخرين هما:
يسار اليمين ويجمع بين القانون الطبيعي مقدما والقانون الخلقي شرطا في تحقيق الرضا والقبول الاجتماعيين.
ويمين اليسار ويجمع بين القانون الخلقي مقدما والقانون الطبيعي شرطا في تحقيق النجاح والقاعلية الاقتصادية.
وإذن فكلاهما أصبح يأخذ بعين الاعتبار القانون الطبيعي (ضرورة الحرية والتنافس للفاعلية والنجاح الاقتصادي)والقانون الخلقي (ضرورة التضامن والتعاون للفاعلية والنجاح الاجتماعي). ويوجد بين هذه الأحزاب الأربعة (أقصى اليمين وأقصى اليسار ويسار اليمين ويمين اليسار والوسط بين ذلك كله)دائما حزب خامس أو حزب الانتهازية أعني الوسط الذي يؤدي دور الضميمة لأي من هذه الأحزاب في المناورات الانتخابية. ولعل هذا الحزب الانتهازي رغم ما قد يعاب على أصحابه خلقيا لتمثيلهم عين الفساد الخلقي في الجماعة أشبه بالاحتكاك الذي لا يمكن أن نلغيه من الآلة التقنية رغم أن السعي الواجب هو للحد منه فيها.
القسمة الثانية:
وبمقتضى تاريخ الثقاقة العربية الإسلامية (وكل ثقافة فيها حتما ما يجانس هذا البعد) انقسمت الخيارات السياسية إلى صنفين بحسب الترجمة الثقافية للقسمة بمقتضى طبائع العمران:
صنف الحركات الإسلامية التي تقدم بعد الجماعة الروحية على الجماعة الثقافية والمصلحية مع ميل إلى يسار اليمين.
وصنف الحركات القومية التي تقدم الجماعة الثقافية والعرقية على الجماعة الروحية والمصلحية مع ميل إلى يمين اليسار.
وهنا كذلك لا بد من وجود وسط ضروري لتحقيق الاغلبيات مع هذا الصف أو ذاك بصورة انتهازية لا شك فيها.
كيف يمكن أن نقسم مضمار التنافس السياسي المعقول في تونس بالاعتماد على هذين المعيارين ؟ سبق لي أن أشرت إلى أن الطيف السياسي يحدد بصورة كلية تصح على كل المجتمعات بصورة عامة (فهم فلسفي) وبصورة إضافية تصح على خصوصيات المجتمعات بصورة خاصة (فهم انثروبولوجي). وكلا الطيفين مخمس الأبعاد بصورة حتمية بمقتضى طبيعة التنافس في المجتمع الإنساني:
القسمة الأولى:
فبمقتضى طبائع العمران كل المجتمعات تنقسم الخيارات السياسية فيها إلى صنفين بحسب صنفي المناظير الفلسفية للحلول الملائمة لطبيعة العمران:
الصنف الأول يقدم القانون الطبيعي (حيوانية الإنسان) على القانون الخلقي (عقلانية الإنسان) فيعتبر الجماعة رغم كونها ذات بعد إنساني تبقى خاضعة للتنافس من أجل البقاء ومن ثم فهي في صراع وتنافس حول المصالح أو شروط الحياة. وهذا هو المنظور الغالب على الليبرالية بمعناها الاقتصادي خاصة.
الصنف الثاني يقدم القانون الخلقي (عقلانية الإنسان) على القانون الطبيعي (حيوانية الإنسان) فيعتبر الجماعة رغم كون إنسانيتها لا تنفي حيوانيتها تتجاوز المنظور السابق وترى أن التضامن بين أفراد الجماعة والتآخي ينبغي أن يتقدم على الصراع من أجل الحياة والتنافس على شروطها وأدواتها. وهذا هو المنظور الغالب على المنظور الديني واليساري رغم ما قد يبدو من تناقض بينهما لأن الثاني يخلط بين الديني والمؤسسة الدينية والأول يخلط بين فلسفة اليسار وواقع الناطقين باسمها.
لكن الصنفين اضطرهما التاريخ إلى تغيير نظرتهما لامتناع حصول الصنف الأول على الرضا والقبول من الجماعة أو معيار النجاح الاجتماعي وحصول الصنف الثاني على الفاعلية والنجاح من الواقع أو معيار النجاح الاقتصادي ومن ثم لتحقيق شرط النجاح السياسي في الحالتين: فبات الأول يطلب بعض ما يطلبه الثاني والعكس بالعكس وبتنا أمام حزبين آخرين هما:
يسار اليمين ويجمع بين القانون الطبيعي مقدما والقانون الخلقي شرطا في تحقيق الرضا والقبول الاجتماعيين.
ويمين اليسار ويجمع بين القانون الخلقي مقدما والقانون الطبيعي شرطا في تحقيق النجاح والقاعلية الاقتصادية.
وإذن فكلاهما أصبح يأخذ بعين الاعتبار القانون الطبيعي (ضرورة الحرية والتنافس للفاعلية والنجاح الاقتصادي)والقانون الخلقي (ضرورة التضامن والتعاون للفاعلية والنجاح الاجتماعي). ويوجد بين هذه الأحزاب الأربعة (أقصى اليمين وأقصى اليسار ويسار اليمين ويمين اليسار والوسط بين ذلك كله)دائما حزب خامس أو حزب الانتهازية أعني الوسط الذي يؤدي دور الضميمة لأي من هذه الأحزاب في المناورات الانتخابية. ولعل هذا الحزب الانتهازي رغم ما قد يعاب على أصحابه خلقيا لتمثيلهم عين الفساد الخلقي في الجماعة أشبه بالاحتكاك الذي لا يمكن أن نلغيه من الآلة التقنية رغم أن السعي الواجب هو للحد منه فيها.
القسمة الثانية:
وبمقتضى تاريخ الثقاقة العربية الإسلامية (وكل ثقافة فيها حتما ما يجانس هذا البعد) انقسمت الخيارات السياسية إلى صنفين بحسب الترجمة الثقافية للقسمة بمقتضى طبائع العمران:
صنف الحركات الإسلامية التي تقدم بعد الجماعة الروحية على الجماعة الثقافية والمصلحية مع ميل إلى يسار اليمين.
وصنف الحركات القومية التي تقدم الجماعة الثقافية والعرقية على الجماعة الروحية والمصلحية مع ميل إلى يمين اليسار.
وهنا كذلك لا بد من وجود وسط ضروري لتحقيق الاغلبيات مع هذا الصف أو ذاك بصورة انتهازية لا شك فيها.
الحصيلة العامة لهذا التحليل النظري
والحصيلة هي أن تونس لا يمكن بصورة صحية أن يوجد فيها أكثر من خمس جماعات كبرى ممثلة لأطيافها السياسية هي على النحو التالي:
1-طيف يسار اليمين أو ليبرالي بالمعنى الحديث فيكون متصالحا مع الإسلام المستنير والقومية اللاعرقية فتكون علمانيته متحررة من اليعقوبية خاصة والشعب التونسي سني لا يقول بالحق الإلهي في الحكم لأي كان. وأظن أن هذا الطيف سيستوعب كل من لم يفسده الحكم من الحزب الدستوري السابق على حقبة ابن علي.
2-طيف يمين اليسار متصالح اشتراكي بالمعنى الحديث فيكون متصالحا مع مع القومية اللاعرقية والإسلام المستنير فيكون كذلك ذا علمانية من نفس الجنس السابق. وأظن أن هذا الطيف يمكن أن يضم كل المعارضات التي انشقت على الطيف السابق خلال العهد البورقيبي.
3-طيف الديموقراطية الإسلامية بالمعنى الذي اقتنعت به نخب الحركات الإسلامية بعد تجاربها المريرة وبعد العيش في الغرب وتعلم معنى حرية الضمير والمعتقد أعني القيمتين الجوهريتين في القرآن واللتين أفسدهما سوء فهم الفقهاء والمتصوفة عندما خلطوا بين واقع الخلافتين المتأثرتين ببيزنطة وفارس في طور نشأة الحكم الإسلامي: فهي جميعا باتت مقتنعة بما يجري في الإسلام السياسي التركي.
4-حزب الديمقراطية القومية بالمعنى الذي توصلت إليه الحركات القومية بعد تجارب الانقلابات المريرة الحكم العسكري الفاشي الذي تبنته محاكاة تجارب الفاشية التي ورتثها عن حقبة مابين الحربين. فأول الأحزاب القومية العربية (البعث) متأثرة خاصة بالنزعةالقومية الأوروبية وخاصة بفكر فشته وبرجسون وهيجل. وثانيها شعبوي أفسد من الأول (الناصرية) لجمعه بين هذا الفكر ونظرية مصر الفتاة التي يتصور واضعو كتاب الثورة المزعوم أن العالم العربي مجرد مجال حيوي لمصر.
وليس من شك في أن هذه الأطياف ليست متحدة فكل منها يمكن أن يكون إطارا لعدة أحزاب. لكنها قابلة لأن تكون تجمعات أو جبهات لتقاسم المجال السياسي التونسي وحكمها في شكل تداول بين جبهتين:
أولاهما تجمع الطيفين الأولين.
والثانية تجمع الطيفين الثانيين.
فتكون الجماعتان متقاربتين من حيث الحجم وتمثيل الشعب ما يولد تداولا سويا من جنس ما يحدث في بريطانيا أو أمريكا أو حتى في جمهورية فرنسا الخامسة. ويبقى طيف الأقليات الحزبية أعني الوسطين بالمعيارين اللذين وصفنا ممثلين لـ"ـلنيِّف"الترجيحي في حالة التقارب المشط بين الجبهتين.
لن أجادل في أن أي بناء عقلي نظري للواقع يبقى مجرد خطاطة لا يمكن أن تستنفد كل تضاريسه وأنه لا يصلح إلا عند فهم قصده وحدوده لكونه مجرد منطلق للفاعل السياسي المؤمن بالجدل المثمر بين النظر والعمل. فذلك هو شرط الفهم والتأويل وتأتي بعد ذلك الملاءمة الضرورية عند الانتقال من النظرية إلى الممارسة بحسب التجارب والمناسبات التي هي ظرفية دائما ولا يمكن أن ترد إلى التحليل البنيوي لأن أي شأن إنساني لا يقبل الرد إلى صوغه النظري إلا بمعنى الدليل الهادي للعمل مهما كان ضئيلا ناهيك عن الشؤون المعقدة التي من جنس التنظيم الحزبي المحقق لشرط الفاعلية السياسية والعدالة التمثيلية من أجل البناء السوي للحياة السياسية.
[URL="http://http://www.alfalsafa.com/atassaddi.html"]المصدر[/URL]
والحصيلة هي أن تونس لا يمكن بصورة صحية أن يوجد فيها أكثر من خمس جماعات كبرى ممثلة لأطيافها السياسية هي على النحو التالي:
1-طيف يسار اليمين أو ليبرالي بالمعنى الحديث فيكون متصالحا مع الإسلام المستنير والقومية اللاعرقية فتكون علمانيته متحررة من اليعقوبية خاصة والشعب التونسي سني لا يقول بالحق الإلهي في الحكم لأي كان. وأظن أن هذا الطيف سيستوعب كل من لم يفسده الحكم من الحزب الدستوري السابق على حقبة ابن علي.
2-طيف يمين اليسار متصالح اشتراكي بالمعنى الحديث فيكون متصالحا مع مع القومية اللاعرقية والإسلام المستنير فيكون كذلك ذا علمانية من نفس الجنس السابق. وأظن أن هذا الطيف يمكن أن يضم كل المعارضات التي انشقت على الطيف السابق خلال العهد البورقيبي.
3-طيف الديموقراطية الإسلامية بالمعنى الذي اقتنعت به نخب الحركات الإسلامية بعد تجاربها المريرة وبعد العيش في الغرب وتعلم معنى حرية الضمير والمعتقد أعني القيمتين الجوهريتين في القرآن واللتين أفسدهما سوء فهم الفقهاء والمتصوفة عندما خلطوا بين واقع الخلافتين المتأثرتين ببيزنطة وفارس في طور نشأة الحكم الإسلامي: فهي جميعا باتت مقتنعة بما يجري في الإسلام السياسي التركي.
4-حزب الديمقراطية القومية بالمعنى الذي توصلت إليه الحركات القومية بعد تجارب الانقلابات المريرة الحكم العسكري الفاشي الذي تبنته محاكاة تجارب الفاشية التي ورتثها عن حقبة مابين الحربين. فأول الأحزاب القومية العربية (البعث) متأثرة خاصة بالنزعةالقومية الأوروبية وخاصة بفكر فشته وبرجسون وهيجل. وثانيها شعبوي أفسد من الأول (الناصرية) لجمعه بين هذا الفكر ونظرية مصر الفتاة التي يتصور واضعو كتاب الثورة المزعوم أن العالم العربي مجرد مجال حيوي لمصر.
وليس من شك في أن هذه الأطياف ليست متحدة فكل منها يمكن أن يكون إطارا لعدة أحزاب. لكنها قابلة لأن تكون تجمعات أو جبهات لتقاسم المجال السياسي التونسي وحكمها في شكل تداول بين جبهتين:
أولاهما تجمع الطيفين الأولين.
والثانية تجمع الطيفين الثانيين.
فتكون الجماعتان متقاربتين من حيث الحجم وتمثيل الشعب ما يولد تداولا سويا من جنس ما يحدث في بريطانيا أو أمريكا أو حتى في جمهورية فرنسا الخامسة. ويبقى طيف الأقليات الحزبية أعني الوسطين بالمعيارين اللذين وصفنا ممثلين لـ"ـلنيِّف"الترجيحي في حالة التقارب المشط بين الجبهتين.
لن أجادل في أن أي بناء عقلي نظري للواقع يبقى مجرد خطاطة لا يمكن أن تستنفد كل تضاريسه وأنه لا يصلح إلا عند فهم قصده وحدوده لكونه مجرد منطلق للفاعل السياسي المؤمن بالجدل المثمر بين النظر والعمل. فذلك هو شرط الفهم والتأويل وتأتي بعد ذلك الملاءمة الضرورية عند الانتقال من النظرية إلى الممارسة بحسب التجارب والمناسبات التي هي ظرفية دائما ولا يمكن أن ترد إلى التحليل البنيوي لأن أي شأن إنساني لا يقبل الرد إلى صوغه النظري إلا بمعنى الدليل الهادي للعمل مهما كان ضئيلا ناهيك عن الشؤون المعقدة التي من جنس التنظيم الحزبي المحقق لشرط الفاعلية السياسية والعدالة التمثيلية من أجل البناء السوي للحياة السياسية.
[URL="http://http://www.alfalsafa.com/atassaddi.html"]المصدر[/URL]