التشويق للحج | د. محمد العريفي
مكتب الشيخ د. محمد العريفي
التشويق للحج
الحمدُ للهِ الذي فرضَ على عِبادِهِ الحَجَّ إلى بيتهِ الحرام ، وجَعلَه مُطَهِّراً لنُفوسهم من الذُنوبِ والآثام ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الملكُ العظيمُ العَلَّام، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُه ورسولُه، أفضلُ من صلَّى وصام، وتعبّدَ وقام، ووقفَ بالمَشاعرِ وطافِ بالبيتِ الحرام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سارَ على نَهْجِهِ، واقْتَفى أثَرَهُ، واسْتَنَّ بسُنته إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الإخوةُ المسلمون :
فيَستقبِلُ الناسُ خِلالَ الأيامِ القادِمَةِ مَوسِماً من أعظمِ مواسمِ الخيرات، سبَقَهم إليهِ الأنبياءُ والمُرسلونَ والأولياءُ والصالحون، تُقبِلُ إليهِ قُلوبُهم وتَشتاقُ إليه نُفوسُهم ، وقد كتبَه اللهُ عليهم ، ليكونَ اجتماعاً عاماً للمؤمنين، فكانوا يُقبلونَ عليه من كلِّ فَجٍّ عميق، قال تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}.
وكان الناسُ في السابقِ يَقطعونَ الفَيافِيَ والقِفَارَ في سبيلِ أنْ يَصِلوا إلى هذا الموسِمِ العظيم.
رُوِيَ أنَّ محمد بن سيرين رحمه الله كان جالساً في الحرمِ، قال: فأقبلَ إليهِ رجلٌ ثم سأله، قال له: يا ابن سيرين! من أين أنت؟ قال ابن سيرين: أنا من بلادٍ بعيدةٍ، أنا من العراق.
فقال له ذلك الرجل: سبحانَ الله! أنت من جيرانِ الحرم، أنت من جيران الحرم!
قال له ابن سيرين: فأنتِ من أينَ ؟
قال: أنا من بلادِ ما وراءَ النهرِ [من أقصى بلادِ روسيا ] خرجتُ من عندِ أهلي مُنذُ خمسِ سنين، والآنَ وصلتُ إلى مكةَ.
فكيف أنَّ أولئِكَ يقضونَ مثلَ هذا الوقتِ الطويلِ خلالَ مجيئِهم إلى مكة؟! السببُ هو: أنَّ الرجلَ منهم يخرجُ من بيتهِ ثم يَظَلُّ سائِراً في طريقهِ، ولا يَحمِلُ معَه من الزَّادِ ما يَكفيهِ طِوالَ سَفَرِه ؛ خَوفاً من قُطَّاِع الطريق، أو شِدَّةِ الفقرِ، فيأخذُ معه من المالِ ما يكفيهِ لمُدَّةٍ يسيرةٍ فإذا فَنِيَتْ نفقتُه، اضْطُرَّ إلى أنْ يدخلَ إلى بلدةٍ ما في طريق سفره ، ليجمعَ المالَ ثم يُكمِلُ سفرَه.
كلُّ هذا وقد فارقَ الأهلَ والأولادَ، وتركَ البلادَ والأوطانَ، وقلبُه لا يزالُ مُعلَّقاً بالوصولِ إلى البيتِ العتيق.
أيها المسلمون :
ولا زالتْ القلوبُ إلى يومِنا هذا مُعَلَّقةً بزيارةِ البيتِ العتيق، ولقد كان نبيًّنا - صلوات ربي وسلامه عليه - يهفو قلبُه ويَـحِنُّ لزيارتِه؛ منذُ أنْ خرجَ إلى المدينةِ مُهاجِراً، ألمْ تَرَ أنهُ e لما خرجَ من مكةَ مُهاجِراً، التفتَ إليها ثم قال: (( وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَاخَرَجْتُ)) رواه الإمام أحمد والترمذي.
فالإنسانُ حينَ يزورُ البيتَ العتيقَ يتذكَّرُ من زارَهُ من الأنبياءِ عليهم السلام، يتذكرُ أبانا إبراهيمَ u يومَ تركَ أهلَه - زَوجَهُ ووَلَدَهُ الرضيعَ - وليسَ عندَهما إلّا قليلاً من تَمرٍ وسِقاءٍ فيه ماءٌ، ثم رفعَ يديهِ، وقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ }
ثم دعا إبراهيمُ ربَّهُ أنْ يجعلَ هذا الواديَ - الذي ليسَ فيه زرعٌ ولا جليسٌ ولا أنيسٌ- مَهْوَى أفئدةِ الناس، فيُقبِلونَ إليه من كلِّ مكان، فقال:{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } فأقبَلَ اللهُ تعالى بالأفئدَةِ إلى هذا البيتِ العتيق، فمن الأفئدةِ من زارَه، وسكنَ فيه، ومن الأفئدةِ من لا تزالُ تَهوي إلى البيتِ العتيق، يَهوَونَ إلى البيت العتيق، وإن لم يَصِلوا إليه إلى اليوم.
يزورُ أحدُنا تلكَ المشاعرَ، فيتذكرُ أمّنا هاجر وهي بينَ الصفا والمروةِ، تنظُرُ تارةً إلى صغيرِها (إسماعيلَ) وهو يتلَمَّظُ عَطشاً، ويَرفُسُ برجليهِ من شِدَّةِ الجُوعِ والعطشِ، وتنظرُ تارةً أخرى يميناً ويساراً، تبحثُ عمَّنْ يُنقِذُهم، أو يُعطيهم شَرْبَةَ ماءٍ، حتى يَسَّرَ اللهُ تعالى، فَفَجَّرَ ماءَ زَمْزَمٍ من عندِ قدَمي هذا الصغير ، فانبعثَ الماءُ الزُّلالُ ... ، رواها البخاري ، حتى أقبلَ الناسُ إليه من كلِّ مكان .
ويتذكرُ أحدُنا إبراهيمَ u عندما تركَ ولدَه إسماعيلَ في مكةَ، بعيداً عنه، حتى إذا بَلَغَ السَّعْيَ وصارَ غُلاماً يَجري يميناً ويساراً، يَشتاقُ إلى أبيه، والأبُ أيضاً يشتاقُ إلى ولدهِ، حتى إذا جاءَ الأبُ إلى ولدِه يَتقَطَّعُ قلبُه شَوقاً إليه، يريدُ أنْ يَضُمَّهُ إليهِ ويُقَبِّلَه .
فإذا بإبراهيم u يَرى في المَنامِ أنَّه يَذبَحُ وَلدَه، ورُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ، وإبراهيمُ u شيخٌ كبيرٌ، رُزِقَ بهذا الولدِ على كِبَرِ سِنِّهِ، فيقول إبراهيمُ u لولدِه: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}
فإذا بالغُلامِ البَطَلِ يقول: { قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين} فلما استَسْلَما لأمرِ اللهِ تعالى، ووضَعَ إبراهيمُ جبينَ ولدِه إسماعيلَ على الأرض{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِين}
وذلكَ أنَّه لما وضعَهُ على ظهرِهِ، التمَعَتْ عينا الصبيِّ الصغيرِ ينظرُ إلى أبيهِ والسكينُ بيدهِ، فحتى لا تأخُذُهُ الرَّأفةُ في تنفيذِ أمرِ اللهِ، وضعَهُ على وجههِ لكي لا يَراهُ.
فرأى اللهُ تعالى من إبراهيمَ وولدِه الاستِسْلامَ والانكسارَ والطاعةَ التامَّةَ، قال الله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيم}{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين}{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِين}{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}
فجعلَ اللهُ تعالى إبراهيمَ u قُدوةً للناسِ في ذَبْحِ ما يَتَقَرَّبونَ بهِ إلى ربِّهم جلَّ و علا من الهَدْيِ عندما يزورونَ ذلك البيتَ العظيم.
أيها الإخوةُ المؤمنون :
أمرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ إبراهيمَ u أنْ يَبنِيَ البيتَ الحرام، قال جلَّ و علا: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}
يقول وهبُ بن منبه رحمه الله تعالى: عَجباً لنبيِّ الله تعالى يَبني البيتَ الحرامَ بأمرِ الملكِ العَلَّامِ ويَخشى ألّا يَتقبَّلَ اللهُ منه.
فإنَّ إبراهيمَ كان يبني البيتَ وهو يقول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} وبعدَ أنْ أتَمَّ بناءَ هذا البيتِ أمرَه ُ رَبُّهُ جلَّ و علا: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق} قال إبراهيمُ u : (رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوتي في الناس ) فيقولُ اللهُ تعالى له: ( إنَّما عليكَ النداءُ ، وعلينا البلاغُ ) ، فَيَرقى إبراهيمُ على ثَنِيَّةٍ من الثنايا ثم يُنادي في الناس : أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَيُبَلِّغُ اللهُ تعالى صَوتَهُ في الآفاقِ، رواه ابن أبي شيبة في المصنف ، ويقول الله جلَّ وعلا في ذلك{ يَأْتُوكَ رِجَالاً} يعني على أرجلِهم { وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} على بعيرٍ مُضَمَّرٍ، أي راكبين { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق} يأتي الناسُ من كُلِّ فَجٍّ عميق .
وكذلكَ بقيَّةُ الأنبياءِ حَجُّوا هذا البيتَ، فنبيُّنا وحبيبُنا - صلوات ربي وسلامُه عليه- لما حَجَّ، مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: (( أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ )) فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: (( كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى u هَابِطًاً مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ )) ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى ، فَقَالَ: (( أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ )) قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: (( كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى u عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي )) رواه مسلم.
أيها الإخوةُ المسلمون :
ثمَّ يَمضي ذلكَ الرَّكبُ المباركُ من الأنبياءِ الأوَّلين، ويبعثُ اللهُ تعالى نبيَّنا عليه الصلاة والسلام في ذاتِ البلدِ، مَكَّةَ التي رفعَ فيها إبراهيمُ u قواعِدَ البيتِ ووَضَعَ الحَجَرَ الأسودَ الأوَّل فيه، وتَـمُرُّ الأيَّام فإذا بِشَابٍّ من ذُرِّيَةِ إبراهيمَ u، وهو (الصادقُ الأمينُ) عندَ قومِهِ، يمرُّ بهم يَوماً وهم يَبْنُونَ البيتَ ثمَّ يختلفونَ فيمَنْ يضعُ الحجرَ الأسودَ في مكانهِ، فيأتي النبيُّ e ليَحْكُمَ بينَهم ويأمُرَهم بأخذِ قِطْعَةٍ من قُماشٍ يَضَعونَ الحَجَرَ الأسودَ في وَسَطِها وتَحْمِلُ كُلُّ فَخِذٍ من قُريشٍ طَرَفاً من هذا الثوبِ، ثمَّ أخذَهُ e بيدِه الشريفَةِ، ووِضَعَهُ في مكانهِ، فكرَّمَه الله تعالى من قبلِ نُبُوَّتِهِ وبعدَها، بتعظيمِ وتَكريمِ هذا البيتِ العظيم.
ثمَّ لمْ يَلْبَثْ e أنْ بعثًهُ اللهُ تعالى نبياً، ثمَّ أذِنَ له بفتحِ مكةَ، فطهَّرَها الله تعالى على يديهِ وأيدي المؤمنين من الأصنامِ والأوثانِ التي كانت تُعبَدُ حولَها.
ثمَّ يَمضي النبيُّ e إلى مكةَ حَاجَّاً، مُنكسِراً، مُقبِلاً إلى ربِّنا جَلَّ في عُلاه، ويتجهُ إلى الحرمِ ليطوفَ بالكعبةِ، وقد ألصقَ ذَقْنَهُ على صَدْرِه انكِساراً وخُشوعاً لربِّ العالمين، لا تسمعُ منهُ إلّا الدَعَواتِ والعَبَراتِ، واللُّجُوءَ إلى ربِّنا جلَّ وعَلا، فيقِفُ عندَ الحجرِ الأسودِ، فلا يملكُ عبراتهِ، ثم يلتفتُ إلى عمرَ t فيقولُ : (( يَا عُمَرُ! هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ )) رواه ابن ماجه.
ثم يمضي - عليه الصلاة والسلام - إلى عرفاتٍ ويقومُ بينَ الناس، فإذا بين يديه أكثرُ من مائةِ ألفِ حَاجٍّ، ما بين كبيرٍ وصغيرٍ، ورَقيقٍ وحُرٍّ، وعربيٍّ وأعجَميٍّ، وأبيضَ وأسودَ، ينظرُ النبيُّ e إليهم، وينظرُ إلى أطرافِ مكةَ التي طالما كُذِّبَ فيها وأوذِيَ، وسمعَ أقْذَعَ السِّبابِ، ثم يصعدُ في عُلُوٍّ على ثنيةٍ، فيخطُبُ فيهم خُطبةً عظيمةً، أحَلَّ فيها الحلالَ، وحرَّم فيها الحرامَ، وقال: (( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ )) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (( اللهُمَّ اشْهَدْ )) رواه البخاري ومسلم.
وينظرُ النبيُّ e إلى أصحابهِ، فإذا هم ما بينَ باكٍ تخنُقُه عبرَتُه، وما بين رَجُلٍ يَلْهَجُ بدعوتهِ، وإذا هم مُنكسرونَ لربهم جَلَّ وعلا، وهو ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ مُنْطَرِحٌ بين يدي ربهِ سائلاً وداعياً .
واللهُ تعالى ينظرُ إليهم من فَوقِهم، ويُباهي اللهُ تعالى بهم مَلائِكَتَه، ويقولُ اللهُ جَلَّ وعَلا لملائِكَتِه: ( انظُروا إلى عِبادي أَتَوني شُعْثَاً غُبْرَاً يَرجونَ رَحْمَتي ويَخافونَ عَذابي...) رواه عبدالرزاق في مصنفه.
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذْ حَضَرُوا *** مُمَتَّعُ الْقَلْبِ وَالأَسْمَاعِ وَالْبَصَرِ
وَأَنْثَني لِرَسُولِ اللَّهِ أَلْثُمُهُ *** عَلَى جَبِينٍ نَقِيٍّ طَاهِرٍ عَطِرِ
أُقَبِّلُ الْكَفَّ كَفَّ الْجُودِ كَمْ بَذَلَتْ *** سَحَّاءُ بِالْخَيْرِ مِثْلَ السَّلْسَلِ الْهَدِرِ
أَلُوذُ بِالرَّحْلِ أَمْشِي فِي مَعِيَّتِهِ *** وَأَرْتَوِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ بِالنَّظَرِ
أُسَرُّ بِالْمَشْيِ إِنْ طَالَ الْمَسِيرُ بِنَا *** وَمَا انْقَضَى مِنْ لِقَاءِ الْمُصْطَفَى وَطَرِي
أَمَّا الرِّدَاءُ الَّذِي حَجَّ الْحَبِيبُ بِهِ *** يَا لَيْتَهُ كَفَني فِي دُجَى الْحُفَرِ
يَا غَافِلاً عن مَزَايَاهُ وَرَوْعَتِهَا *** يَمِّمْ إِلَى كُتُبِ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ
يَا رَبِّ لا تَحْرِمَنَّا مِنْ شَفَاعَتِهِ *** وَحَوْضِهِ الْعَذْبِ يَوْمَ الْمَوْقِفِ الْعَسِرِ
فيغفرُ اللهُ تعالى لمن شاءَ من عبادِهِ في ذلك الموقفِ، يقول - عليه الصلاة والسلام - : (( مَامِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ )) رواه مسلم.
فيا للهِ كمْ على صَعيدِ عرفاتٍ من حاجةٍ مَقضِيَّةٍ، وأقوامٍ دَعَوا اللهَ تعالى فاستجابَ لهم، وكشفَ عنهم مُصابَهم .
ينظرُ اللهُ تعالى إليهم في ذلك الموقفِ العظيم، فيرى ضَعْفَهم وأحوالَهم، إنهم أقوامٌ من بِقاعٍ شَتَّى يَلجَؤون إلى ربِّهم جلَّ وعلا بقلوبٍ مُخبتةٍ، وكلُّ واحدٍ منهم يَطلُبُ مَسْألَتَه يَدعو بِلُغَتهِ، فهذا يدعو بالُّلغة العربيةِ، وهذا يدعو باللغة الإنجليزية، وهذا بالأوردية، وهذا بالصينية، وهذا بالسنهالية، قد اختلفتْ ألسنتُهم لكنْ اتفقتْ قُلوبُهم على طلبِ ما عندَ اللهِ من فضلٍ.
فهذا مَظلومٌ يسألُه نُصرَته، وهذا مريضٌ يسأله شِفاءَه، وهذا فقيرٌ يسألُه أنْ يرفعَ فقرَه، وهذا مُصابٌ يسأله أن يكشفَ مُصابَه، وهذا مَكروبٌ يسأله أن يكشفَ كُربَتَه، وهذا غائبٌ يسأله إلى أهلِه أنْ يَرُدَّه.
فيستجيبُ اللهُ لهم فيغفرُ ذنباً، ويستُرُ عَيباً، ويَشفِي مَريضاً، ويُعافِي مُبتلى، ويَنصُر مظلوماً، ويَقْصِمُ ظالِماً، ويرُدُّ غائِباً، ويَجْبُرُ كسيراً، فهو سبحانَه لا تَشتبِهُ عندَه اللغاتُ ولا تختلطُ عندهُ الأصواتُ، ولا يتبرَّمُ بكثرةِ المسائلِ مع كثرةِ السائلين، فمن فاتَه العتقُ في عرفاتٍ فمتى؟ ومن لم يقفْ مع الناسِ فيها فمتى؟ ومن لم يَلجأْ إلى الله تعالى فيها فمتى ؟
قال عبدُالله بن المبارك: رأيتُ سفيانَ الثوري في عرفاتٍ، قال: فلما انتهى من دعائِه، سألتُه وقلت له: يا سفيانُ من أسوأُ أهلِ هذا الموقفِ حالاً؟ فقال سفيان: أسوأُهم حالاً واللهِ من يرى أنَّ الله تعالى لا يَشمَلُهُ معَهم بالمغفرة ، وذلك من سِعَةِ رحمةِ الله تعالى في ذاك المَقام.
قال إسحاق - أحدُ أصحابِ الفضيل بن عياض-: رأيتُ الفضيلَ في عرفاتٍ، قال: فجعلتُ أحاولُ أن أقتربَ منهُ لأسمعَ شيئاً من دُعائِه، قال: فلما كادتْ أن تغرُبَ الشمسُ خفضَ يديهِ وهو يَبكي وأخذَ يمسَحُ دمعَه بيديهِ ويقول: " وَا سَوأتاهُ منكَ وإنْ غَفَرْتَ، وا سَوأتاهُ منك وإن غفرتَ، واسوأتاه منك وإن غفرت" .
وقال بعضُهم: رأيتُ أعرابياً في عرفاتٍ يبكي ويلجَأُ إلى الله تعالى بأنواعِ الدعاء، قال: فكان من دعائِه أن قال: اللهم إنَّ الناسَ يسألونَك حاجةً من حاجاتِهم، اللهم وإني أسألُك أن تَذْكُرَني عند البِلى، إذا نَسيَني الناسُ فيمن يُنسى ، أيْ أن تذكرَني برحمتكَ وفضلِك عندَ مَوتي، وعندَ قَبري إذا نسيَني الناسُ وتَولَّوا عني .
أيها الأحبَّةُ الكرام:
إنَّ الحَجَّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ له من الفضائلِ والمزايا ما تَكاثرَ ذكرُها في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومنها قوله e: (( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ )) رواه مسلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام مبيِّناً فضلَ التلبيةِ في الحَجِّ ومُحَرِّصاً على رفعِ الصوت بها: (( مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَاهُنَا )) رواه الترمذي وابن ماجه.
والتلبيةُ أنْ يقولَ العبدُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك ، ولبيك: تَعني أنَّا قد أجَبْنا نِداءَكَ وأقبَلْنا إليكَ، مُذْعِنينَ مُنْكَسِرينَ بينَ يَدَيكَ يا رَبَّ العالمين.
أسألُ اللهَ سُبحانَه وتعالى أنْ يَرزُقَنا الحجَّ إلى بيتهِ الحرام، وألّا يَحْرِمَنا دُعاءَ الداعين في المَوقِفِ العظيم، وأنْ يُشْرِكَنا في دُعائِهم وأنْ يَعُمَّنا معهم في المغفِرَةِ والرحْمَةِ، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريم.
أقولُ ما تَسمعون، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذنبٍ، فاستغفروهُ وتوبوا إليه، إنهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانه، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيماً لشأنه، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وإخوانِه وخِلَّانهِ، ومن سارَ على نَهْجِه، واقْتَفى أَثَرَهُ، واستَنَّ بسُنَّتِه إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الإخوة الكرام:
لقد ذكرَ اللهُ جلَّ وعلا البيتَ الحرامَ في كتابهِ الكريم، وقال مُتَوَعِّداً من أرادَهُ بسوءٍ: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} قال ابنُ عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: لو أنَّ رجُلاً في عَدَنْ أبْيَنْ - يعني في أقاصي اليَمن- هَمَّ بمَعْصِيَةٍ في البيت الحرام؛ لأذاقَهُ اللهُ من العذابِ الأليم وإنْ لم يَفعلْها، لأنَّ الله تعالى قال:{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} فإنَّه من يأتِ قاصداً مكةَ لأجلِ أنْ يَعصيَ فيها، أو أنْ يصنعَ شيئاً من الإفساد {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}.
وكان عبدُالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قد جعلَ بيتَه خارجَ حُدودِ الحرم، وجعلَ مسجدَه داخلَ حدودِ الحرم، فقال له بعضُهم: لو نقلتَ بيتَك بجانبِ مسجدِك، أو نقلتَ مسجدَك بجانبِ بيتِك فإنه أرفقُ بك؟ - أي أسهلُ عليك-
فقال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- : الحسنةُ فيه - أي الحرم- أفضلُ، لكنَّ المعصيةَ فيهِ أعظمُ.
يقصدُ t أنَّ الإنسانَ في بيتهِ قد يقعُ منه شيءٌ من معصيةٍ، من غيبةٍ أو سِبابٍ أو ما شابَهَ، فلا أريدُ أنْ تقعَ مني هذه المعصيةُ وأنا داخلَ حدودِ الحرم، بلْ أريدُها أن تكونَ خارجَ حدودِ الحرم.
وكانت قريشٌ مع كُفرِها وضلالها تعرفُ قدرَ ومَنزِلَةَ الحرم، حتى أنَّ المرأةَ منهم كانت تقول لولدِها الصغير وهي تُلاعِبُه:
أُبُنَيَّ لا تَظْلِمْ بِمَكَّةَ لا الصَّغِيرَ ولا الكَبير
أبُنَيَّ مَنْ يَظْلِمْ بِمَكَّةِ يَلْقَى آفَاتِ الشُّرُور
أبُنَيَّ قَد جَرَّبْتُها فَرَأيْتُ ظَالِمَها يَبُور
ولما جاءَ أبْرَهَةُ لِيَهْدِمَ الكَعبَةَ، وَقَفَتْ أمَامَهُ جُموعُ قُريشٍ يَتَقدَّمُهم عبدُالمطلب، فقالَ لأبرَهةَ بِكُلِّ ثِقَةٍ: أنا رَبُّ الإبِلِ - أيْ أنا صاحِبُ الإبِلِ - فأعِدْهَا لي ، ولِلْبَيْتِ رَبٌّ يَحْميهِ.
ويَحْمي اللهُ تعالى الحرمَ، ويُرسِلُ على أبرهةَ وجُندِهِ طَيراً أبابيلَ، لا تزالُ عِبْرَتُهم في كتابِ الله تعالى إلى يومِنا هذا .
أيها الأحبَّةُ الكرام:
قد جاءَ من كلامهِ e ما يَدُلُّ على شِدَّةِ تَعظيمِ الحرمِ:
فقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - عن مكة: (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَايُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يَأْخُذُ لُقْطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ )) رواه ابن ماجه بهذا اللفظ وأصله في الصحيحين. فمُنذُ أنْ خُلِقَتْ الأرضُ ومكةُ في هذا المَوطنِ الصغيرِ مُحَرَّمةٌ عندَ رَبِّ العالمين.
وقالَ عن حُرْمَةِ الصَّيدِ أو التَّعَرُّضِ للشجرِ فيها: (( فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا )) ــ فالنباتُ يَأمَنُ فيها ــ (( ولَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَايَأْخُذُ لُقْطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ )) فحتى لو رأى الإنسانُ لُقَطَةً، خمسةَ ريالاتٍ أو عشرةً لا يجوزُ لكَ أنْ ترفعَها إلّا إذا كنتَ سَتَبْحَثُ عن صاحِبِها، أو دَعْها في مكانِها.
ثم انتبِه إلى قوله e: (( فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) فقد حرَّمَها اللهُ منذُ أنْ خلقَ السماواتِ والأرضَ وجعلَ الله تعالى حُرمَتَها إلى يوم القيامة .
إنَّ البيتَ الحرام أوَّلُ من وضعَ قواعَدَه الملائكَةُ، ثُمَّ تَهَدَّمَ ثم بناهُ من جديدٍ بعضُ أبناءِ آدمَ، ثم تَهَدَّمَ ثم جاءَ إبراهيمُ u وبناهُ من جديد؛ لذلك قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} يعني القواعدَ مَوجودة.
وقال الله تعالى عن إبراهيمَ لما أسْكَنَ زَوجَه وإسماعيلَ وهو في مهدهِ قال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}
إذن كانَ البيتُ مُحَرَّماً ومُعظماً وليسَ هُناكَ كَعْبَةٌ، فالكعبةُ قد هُدِمَتْ، وهي مَطْمورَةٌ تحتَ الأرض، ومع ذلك فالمكانُ مُحَرَّمٌ ومعظمٌ وليس هنالك آدميٌ عندَه، ثم بُنيّ مِراراً ولا يزالُ تعظيمُه من لَدُنْ أولئكَ الأنبياء إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.
و قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} فيجبُ على الإنسانِ أنْ يَتَأدَّبَ إذا ذهبَ إلى مكةَ حاجَّاً أو مُعتمراً أو كانَ من المقيمينَ فيها، فيتأدبَ بأدبِ الله تعالى له في غَضِّ بصرِهِ، وحِفْظِ فَرْجِه، وحفظِ أموالِ الناسِ، ويعلمَ أنَّ اللهَ حرَّمَ أموالَهم ودماءَهم وأعراضَهم عليه، فيحفظُ كلَّ ذلك، أو يُغادِرُ من ذلك البلدِ العظيم ، فمكةُ تنفي خَبَثَها، فالذي لا يستطيعُ أنْ يَلتَزِمَ بالضوابطِ الشرعيةِ في مكةَ فليَخرُجْ منها حتى لا يتعرَّضَ لعذابٍ أليم.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يزيدَ بيتَه تعظيماً وتشريفاً، نسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزُقَنا الحجَّ إلى بيتهِ الحرامِ والطوافَ والصلاةَ عندَ المَقامِ يا رَبَّ العالمين.
اللهم إنا نسألُك أنْ تُسَلِّمَ وتَحفظَ حُجَّاجَ بيتِكَ الحرام، اللهم أوصِلْهم إلى مكةَ سالمين، اللهم كُنْ معهم يا رَبَّ العالمين.
اللهم من أرادَهم بسوءٍ فَرُدَّ كيدَه في نَحْرِهِ، اللهم احْمِهم من الحَرَائِقِ واحمِهم من كُلِّ أذى يا رَبَّ العالمين.
اللهم من أرادَ ضُيوفَكَ بشيءٍ من السوءِ فرُدَّ كيدِهُ في نَحرِه يا قَويُّ يا عزيز.
اللهم اجزِ خَيرَ الجزاءِ من كانَ يرعَى حُجاجَ بيتك الحرام، اللهم اجزِهم خيرَ الجزاء، اللهم قَوِّهم على ذلك، وأعِنهم عليه وارحَمهم يا ذا الجلالِ والإكرام.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما بارِكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حميدٌ مَجيد.
سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمّا يَصِفونَ وسَلامٌ على المُرسلينَ ، والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.