التشويق للجنه – لجنه رعاية السجناء –قصر الفتوى على كبار العلماء
عبدالله الجارالله
1431/09/10 - 2010/08/20 01:20AM
التشويق للجنه – لجنه رعاية السجناء –قصر الفتوى على كبار العلماء 10/9/1431هـ
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنة لعباده الصالحين وزينها لهم في شهر رمضان المبارك وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الجنة جزاء العاملين المخلصين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، ولا تُلهينَّكم الحياة الدنيا الفانية؛ فالمُوفَقُ من جدَّ وشمِّر، وفي مواطن الخيرات سعى وبها استبشر؛ ليحظى بالجنة وبالجنة يظفر.
أيها الصائمون، أيها المتعبدون، أيها الأوابون الأواهون:
بُشَارةُ الله لكم جنَّة الخلد دار السلام، ووُعْدُه لكم أعالي الجنان، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ويقول عليه الصلاة والسلام (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ.)
الحديثُ عن الجنَّة - أيها المؤمنون - سلوان وتشويق وإيمان، وعند العمل الصالح تهفو القلوب إلى موْعودِها، وترتجي الجنات من ربها ومعبودها، فالجنة مَوْعُود رب العالمين، وجائزته للمتقين العاملين، هي سلوى الصابرين ومحط رحال العابدين، هي منازل الأنبياء وسُكْنَى السعداء ومستقر الأولياء.
الحديث عن الجنة هو حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وبشارة أهل الإيمان والسنة بما أعدَّ الله لهم في الجنَّة؛ فإنهم المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}
يستقبل أهل الجنة بالأمن والبشارة والخلود، {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
في الجنَّة يُلقِي المؤمنُ عنه العناء، ويستريح من الوعثاء، ويحمد الله على هذا المستقر، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ))
ويقول عليه الصلاة والسلام -: قال الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، فاقرؤوا إنَّ شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
جناتُ عدنٍ غرفاتها من أصناف الجوهر كله، وخيامها من اللؤلؤ الصافي على شواطئ أنهارها البهيجة، عرش الرحمن سقفها، والمسك والزعفران تُرْبَتُهَا، واللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لَبِنَاتُهَا، غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت عن الأزواج فالحور العين خيراتٌ حسان جمعن جمال الباطن والظاهر، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، عُرُبًا متحببات لأزواجهن أبكارا، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ، لو اطَّلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحًا وعطرًا، ولطمس نورها وضياؤها ضياء الشمس.
هذا وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزَّه عن التمثيل والتشبيه كما تُرى الشمس في الظهيرة والقمرُ ليلة البدر، كما تواترَ عن الصادق المصدوق النقلُ فيه،فاستمع يوم ينادي المنادي: "يا أهل الجنة إنَّ ربكم تبارك وتعالى يَسْتَزِيرَكُم، فحيَّ على زيارته، فيقولون سمعًا وطاعةً، وينهضون إلى الزيارة مُبَادِرِين، فإذا بالنجائبِ قد أُعدَّت لهم، فيستوون على ظهورها مُسْرِعِين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأَفْيَحِ الذي جُعِلَ لهم مَوْعِدًا وجُمعوا هناك، فلم يُغَادر الداعي منهم أحدًا.
أَمَر الربُّ تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك، ثم نصبت له منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، وليس فيهم دني، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي:يا أهل الجنة إنَّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟! ألم يبيض وجوهنا؟! ويثقِّل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبَّار جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلامٌ عليكم، فلا تُردُّ التحية بأحسن من قولهم: "اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام تبارك يا ذا الجلال والإكرام"، فيتجلَّى لهم الربُّ تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟! فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة أن: قد رضينا، فارضَ عنَّا، فيقول: يا أهل الجنة، إني لو لم أرضَ عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الرب جل وعلا الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره وينسون كل نعيم عاينوه، ولولا أن الله سبحانه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في هذا المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته بالدنيا، فيقول: يا ربِّ ألم تغفر لي، فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه".
اللهمَّ إنَّا نسألك لذَّةَ النظرِ إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلَّة،
فهانحن عباد الله في زمن الحرث والعمل والكنز والأمل، وإنما الدنيا صبر ساعة ثم إلى الله المنقلب، فأَرُوا الله من أَنفسِكُم خيرا، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، فالله تعالى يناديكم: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} ، فهَلُمُّوا إلى الجنَّة والرضوان، وكونوا كمن وصف الرحمن: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.وإنَّ في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلَّى بالليل والناس نيام.
وها هو شهر رمضان موسم التوبة والإنابة، وموطن الدعاء والإجابة، شهر الصلاة والصيام والصدقة وصلة الأرحام، تزودوا من الصالحات واستكثروا من الحسنات إلى أن يُقال لكم غدًا في الدار الآخرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ.
قدِّموا لأنفسكم، فإن في الناس الفقراء والمساكين، وأصحاب الديون العاجزين والغارمين، واليتامى والأيامى، ومن غيَّبَتهُم السجون، وأُسَرِ السجناء ومن يتكففون العيش ومن يتعففون، كلهم بحاجة إلى صدقاتكم وزكواتكم.
وفي البلاد لجانٌ وطنيةٌ لرعاية السجناء والمُفْرَج عنهم، ورعاية أُسَرِهِم، تقوم بحاجاتهم، وصَدَرَت الفتوى بصرف الزكاة لهم فأعينوهم، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. فاللهمَّ اجعلنا من أهل الجنَّة
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد أيها المسلمون::
الفتوى شأنُها عظيم, فإنها التوقيعُ عن الله, وإخبارُ المُسْتَفتِي بِأَن ما بَلَغَهُ إنما هو حُكمُ الله. وهذا ما جَعَلَ أهلَ العلم والخشية يتدافعونها بينهم يهابون التَّصَدِّي لها. لِعِظَمِ أمانتِها ومسؤوليتِها. مما يدل على أن من يَجْرُؤ عليها ويُزَاحِمُ العلماءَ عليها قليل العلم ضعيف الخشية. وهذا ما دعا وليا امرنا في هذه البلاد المباركة خادم الحرمين حفظه الله إلى القيام بحصر الفتوى في الأمور المعلنة على هيئة كبار العلماء, أو من يُعَيِّنُهم سماحةُ المفتي, فهو قرار حكيم, يََنُمُّ عن حرصه على تعظيم العلم, والعناية بمكانة العلماء وإظهارِ هَيْبَتِهِم وهَيبَةِ ما يحملونه من علم. وإغلاقِ باب الفوضى والجرأة على العابثين والمتعالمين, ولأن رَدَّ الأمور إلى أهلِ الإختصاص واجبٌ حتمٌ, خصوصاً ما يتعلق بأمور العقيدة والشريعة.
هذا وصلُّوا وسلموا على خير البريَّة وأزكى البشرية رسول الله محمد بن عبدالله، اللهمَّ صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، اللهمَّ أوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وارزقنا مرافقته في الجنَّة.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا،
اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ آمنهم وأرخص أسعارهم واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهمَّ فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
اللهمَّ تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وصالح أعمالنا.
{ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
اللهمَّ ما سألناك في هذا الشهر الكريم من مسألة صالحة فاجعل أوفر الحظ والنصيب منها لنا ولوالدينا ووالديهم وأزواجنا وذرياتنا، ومن أوصانا بالدعاء ومن أحبنا فيك وأحببناه فيك، ومن له حقٌ علينا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنة لعباده الصالحين وزينها لهم في شهر رمضان المبارك وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الجنة جزاء العاملين المخلصين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، ولا تُلهينَّكم الحياة الدنيا الفانية؛ فالمُوفَقُ من جدَّ وشمِّر، وفي مواطن الخيرات سعى وبها استبشر؛ ليحظى بالجنة وبالجنة يظفر.
أيها الصائمون، أيها المتعبدون، أيها الأوابون الأواهون:
بُشَارةُ الله لكم جنَّة الخلد دار السلام، ووُعْدُه لكم أعالي الجنان، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ويقول عليه الصلاة والسلام (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ.)
الحديثُ عن الجنَّة - أيها المؤمنون - سلوان وتشويق وإيمان، وعند العمل الصالح تهفو القلوب إلى موْعودِها، وترتجي الجنات من ربها ومعبودها، فالجنة مَوْعُود رب العالمين، وجائزته للمتقين العاملين، هي سلوى الصابرين ومحط رحال العابدين، هي منازل الأنبياء وسُكْنَى السعداء ومستقر الأولياء.
الحديث عن الجنة هو حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وبشارة أهل الإيمان والسنة بما أعدَّ الله لهم في الجنَّة؛ فإنهم المستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}
يستقبل أهل الجنة بالأمن والبشارة والخلود، {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
في الجنَّة يُلقِي المؤمنُ عنه العناء، ويستريح من الوعثاء، ويحمد الله على هذا المستقر، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ))
ويقول عليه الصلاة والسلام -: قال الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، فاقرؤوا إنَّ شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
جناتُ عدنٍ غرفاتها من أصناف الجوهر كله، وخيامها من اللؤلؤ الصافي على شواطئ أنهارها البهيجة، عرش الرحمن سقفها، والمسك والزعفران تُرْبَتُهَا، واللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لَبِنَاتُهَا، غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت عن الأزواج فالحور العين خيراتٌ حسان جمعن جمال الباطن والظاهر، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، عُرُبًا متحببات لأزواجهن أبكارا، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ، لو اطَّلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحًا وعطرًا، ولطمس نورها وضياؤها ضياء الشمس.
هذا وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزَّه عن التمثيل والتشبيه كما تُرى الشمس في الظهيرة والقمرُ ليلة البدر، كما تواترَ عن الصادق المصدوق النقلُ فيه،فاستمع يوم ينادي المنادي: "يا أهل الجنة إنَّ ربكم تبارك وتعالى يَسْتَزِيرَكُم، فحيَّ على زيارته، فيقولون سمعًا وطاعةً، وينهضون إلى الزيارة مُبَادِرِين، فإذا بالنجائبِ قد أُعدَّت لهم، فيستوون على ظهورها مُسْرِعِين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأَفْيَحِ الذي جُعِلَ لهم مَوْعِدًا وجُمعوا هناك، فلم يُغَادر الداعي منهم أحدًا.
أَمَر الربُّ تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك، ثم نصبت له منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، وليس فيهم دني، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي:يا أهل الجنة إنَّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟! ألم يبيض وجوهنا؟! ويثقِّل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبَّار جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلامٌ عليكم، فلا تُردُّ التحية بأحسن من قولهم: "اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام تبارك يا ذا الجلال والإكرام"، فيتجلَّى لهم الربُّ تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟! فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة أن: قد رضينا، فارضَ عنَّا، فيقول: يا أهل الجنة، إني لو لم أرضَ عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الرب جل وعلا الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره وينسون كل نعيم عاينوه، ولولا أن الله سبحانه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في هذا المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته بالدنيا، فيقول: يا ربِّ ألم تغفر لي، فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه".
اللهمَّ إنَّا نسألك لذَّةَ النظرِ إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلَّة،
فهانحن عباد الله في زمن الحرث والعمل والكنز والأمل، وإنما الدنيا صبر ساعة ثم إلى الله المنقلب، فأَرُوا الله من أَنفسِكُم خيرا، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، فالله تعالى يناديكم: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} ، فهَلُمُّوا إلى الجنَّة والرضوان، وكونوا كمن وصف الرحمن: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.وإنَّ في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلَّى بالليل والناس نيام.
وها هو شهر رمضان موسم التوبة والإنابة، وموطن الدعاء والإجابة، شهر الصلاة والصيام والصدقة وصلة الأرحام، تزودوا من الصالحات واستكثروا من الحسنات إلى أن يُقال لكم غدًا في الدار الآخرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ.
قدِّموا لأنفسكم، فإن في الناس الفقراء والمساكين، وأصحاب الديون العاجزين والغارمين، واليتامى والأيامى، ومن غيَّبَتهُم السجون، وأُسَرِ السجناء ومن يتكففون العيش ومن يتعففون، كلهم بحاجة إلى صدقاتكم وزكواتكم.
وفي البلاد لجانٌ وطنيةٌ لرعاية السجناء والمُفْرَج عنهم، ورعاية أُسَرِهِم، تقوم بحاجاتهم، وصَدَرَت الفتوى بصرف الزكاة لهم فأعينوهم، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. فاللهمَّ اجعلنا من أهل الجنَّة
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد أيها المسلمون::
الفتوى شأنُها عظيم, فإنها التوقيعُ عن الله, وإخبارُ المُسْتَفتِي بِأَن ما بَلَغَهُ إنما هو حُكمُ الله. وهذا ما جَعَلَ أهلَ العلم والخشية يتدافعونها بينهم يهابون التَّصَدِّي لها. لِعِظَمِ أمانتِها ومسؤوليتِها. مما يدل على أن من يَجْرُؤ عليها ويُزَاحِمُ العلماءَ عليها قليل العلم ضعيف الخشية. وهذا ما دعا وليا امرنا في هذه البلاد المباركة خادم الحرمين حفظه الله إلى القيام بحصر الفتوى في الأمور المعلنة على هيئة كبار العلماء, أو من يُعَيِّنُهم سماحةُ المفتي, فهو قرار حكيم, يََنُمُّ عن حرصه على تعظيم العلم, والعناية بمكانة العلماء وإظهارِ هَيْبَتِهِم وهَيبَةِ ما يحملونه من علم. وإغلاقِ باب الفوضى والجرأة على العابثين والمتعالمين, ولأن رَدَّ الأمور إلى أهلِ الإختصاص واجبٌ حتمٌ, خصوصاً ما يتعلق بأمور العقيدة والشريعة.
هذا وصلُّوا وسلموا على خير البريَّة وأزكى البشرية رسول الله محمد بن عبدالله، اللهمَّ صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، اللهمَّ أوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وارزقنا مرافقته في الجنَّة.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا،
اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ آمنهم وأرخص أسعارهم واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهمَّ فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
اللهمَّ تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وصالح أعمالنا.
{ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
اللهمَّ ما سألناك في هذا الشهر الكريم من مسألة صالحة فاجعل أوفر الحظ والنصيب منها لنا ولوالدينا ووالديهم وأزواجنا وذرياتنا، ومن أوصانا بالدعاء ومن أحبنا فيك وأحببناه فيك، ومن له حقٌ علينا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.