التسول 1446 هـ

مبارك العشوان 1
1446/08/14 - 2025/02/13 05:00AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أمَّا بَعدُ: فَإِنَّ طَلَبَ الرِّزْقِ الحَلَالِ أَمْرٌ مَحْمُودٌ شْرْعًا وَطَبْعًا

يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك 15]

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: [ أَيْ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيَكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُيَسِّرَهُ اللَّهُ لَكُمْ...] الخ

وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:

( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ  فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ  فَيَبِيعَهَا؛ فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ ] يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: [ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا، وَلَوِ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ، وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ، وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى المَسْؤُولِ مِنَ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ ]

عِبَادَ اللهِ: المَالُ فِتْنَةٌ مِنْ أَشَدِّ الفِتَنِ وَأَخْطَرِهَا؛ وَالإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّهِ، وَحُبِّ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ خَطَرَ هَذِهِ الفِتْنَةِ: مَا نَرَاهُ مِنْ أحْوَالِ النَّاسِ اليَومَ وَسُقُوطِهِمْ فِي هَذِهِ الفِتْنَةِ؛ هَمُّ أَحَدِهِمْ؛ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى المَالِ أَيًّا كَانَتِ الطَّرِيقَةُ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَهُ: ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلَالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ ]

أَلَا وَإِنَّ مِنَ الأَمْوَالِ المُحَرَّمَةِ، وَالمَكَاسِبِ الخَبِيثَةِ: مَا يَأْخُذُهُ المُتَسَوِّلُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَـــالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ( يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ  وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ؛ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ؛ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ؛ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا )

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ  حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ اِتَّخَذَ المَسْأَلَةَ لَهُ كَسْبًا؛ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ التَّكَسُّبَ، لْيَتَّقِ اللهَ مَنْ تَرَكَ العَمَلَ؛ وَامْتَهَنَ مَدَّ اليَدِ إِلَى النَّاسِ؛ وَالتَّجَوُّلَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ؛ مُسْتَغْفِلًا لَهُمْ وَمُسْتَغِلًّا حُبَّهُمْ لِلخَيرِ.

أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ  فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ، فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )

مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ؛ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي النَّاسِ مُحْتَاجُونَ حَقِيقَةً؛ وَفِيهِمْ مُتَعَفِّفُونَ مُتَصَبِّرُونَ؛ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا؛ يَصْدُقُ عَلَيهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ  وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ  فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

فَيَنْبَغِي لِمَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ؛ أَنْ يَتَحَرَّى هَؤُلَاءِ، وَيُبَادِرَهُمْ بِالعَطَاءِ؛ سَوَاءً مِنَ الزَّكَاةِ الوَاجِبَةِ أَوِ مِنَ الصَّدَقَاتِ المُسْتَحَبَّةِ، وَاللهُ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءَ صَدَقَةً  وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة 60]

أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الفَقْرِ، وَكَفَانَا بِالحَلَالِ عَنِ الحَرَامِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ  وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِّيٍ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى  اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1739411973_التسول 1446.pdf

1739411994_التسول 1446.docx

المشاهدات 779 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا