التسوّل - شعبان
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ كما يُحِبُ ربُنا ويَرضَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه شهادةً تكونُ فرضًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ خيرُ أهلِ الأرضِ طُولاً وعَرْضًا، فصلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا هوَ بهِ أَحْضَى. أما بعدُ:فاتقُوا اللهَ-رحمكمُ اللهُ- واستعدُوا للرحيلِ، فقد جَدَّ بكم، فالأجلُ فاجعٌ، والأملُ خادعٌ.
معاشرَ المسلمينَ: إن الإسلامَ قَصَدَ من المسلمِ أن يكونَ عزيزَالنفسِ، يَسعى لقوتِ نفسهِ ومَن يَليهِ، ولا يكونَ عالةً على الآخَرينَ.
وإن ثمتَ ظاهرةً تُعارِضُ هذا القصْدَ النبيلَ، إنها ظاهرةٌ لها آثارٌسلبيةٌ على المجتمعِ، حيثُ إنها دخيلةٌ على مجتمعِنا السعوديِ، إنها ظاهرةُ التسولِ التي يستغلُها وافدُونَ يتظاهرونَ بالحاجةِ والعَوَزِ.
إن التسولَ لغيرِ ضرورةٍ نهَى عنه رسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حيثُقالَ: ما يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حتَّى يَأْتِيَ يَومَ القِيَامَةِ ليسَ في وجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ.
وإنما حثَّ الإسلامُ على العملِ، حتى ولو كانت أجرتُهُ قليلةً، فهو خيرٌ من سؤالِ الناسِ، وليس في العملِ زهيدِ الأجرةِ عيبٌ، بل العيبُ في إذلالِ النفسِ للناسِ، لتحصيلِ أوساخِ أموالِهِم.
ولذا قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأَنْ يَغْدُوَ أحَدُكُمْ، فَيَحْطِبَ علَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ به ويَسْتَغْنِيَ به مِنَ النَّاسِ؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَسْأَلَ رَجُلاً، أعْطاهُ، أوْ مَنَعَهُ ذلكَ، فإنَّ اليَدَ العُلْيا أفْضَلُ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ.
ويا مَن تتعرضُ للناسِ بسؤالهِم المالَ من غيرِ ضرورةٍ تذكرْ قولَالنبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشَوْصِ سِوَاكٍ(). أي ما يتفتَّتُ منه. أي استغنُوا ولو بأقلِ القليلِ.
واعلمُوا أيُها الإخوةُ أن القادرَ على العملِ والاكتسابِ لا تحلُ له الصدقةُ، ويَحرمُ عليه سؤالُ الناسِ، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تَحِلُّ الصدقةُ لغَنِيٍّ، ولا لِذِيْ مِرَّةٍ سَوِيٍّ.
فلنحذرْ من التعاطفِ مع المتسوِّلين، لاسيَّما أنهم يزدادونَ عند قُربِ شهرِ رمضانَ؛ لأن في التعاطُفِ معهم خطراً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، حيثُ إن كثيراً من هؤلاءِ المتسوِلينَ يتم استخدامُهم من أفرادٍوجهاتٍ خارجيةٍ بهدفِ جمعِ الأموالِ بطرقٍ غيرِ مشروعةٍ.
ويتساءلُ البعضُ عن هؤلاءِ المتسولينَ في الأسواقِ والمساجدِ؛ هل يُعطَونَ من الزكاةِ؟ والجوابُ: أنهم لا يُعطونَ؛ لأنك لم تتحرَ عن مدَى فقرِهم، ولأنهم قد يكونونَ من المتخلِفينَ نظاميًا، فتُعينُهم على فَعْلتِهم، ولأن نظامَ مكافحةِ التسولِ يمنعُ تمكينَهم.
فالواجبُ على المسلمِ ألا يدفعَ زكاتَه إلا لمن تحلُ له الزكاةُ، وليبذِلْغايةَ الجَهدِ في تحريْ المحتاجينَ للزكاةِ والصدقةِ، وليَخُصَّ الذينَيَمنعهُم الحياءُ والعفَّةُ من سؤالِ الناسِ، كما قالَ تعالى في وصفِهِم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا).
ألا فلنحذرْ أن نكونَ مشارِكينَ في انتشارِ هذهِ الظاهرةِ السلبيةِ، ألا وهيَ ظاهرةُ التسولِ عند الإشاراتِ وفي الأسواقِ والمساجدِ، ولا تأخذْنا العاطفةُ بإعانتِهم، بل لنوجِّهُّم للقنواتِ الخيريةِ الرسميةِ إن كانوا صادقينَ.
والواجبُ المعمَّمُ المؤكَّدُ على الأئمةِ والخطباءِ والمؤذنينِ منعُ أيِ شخصٍمن التسولِ داخلَ المسجدِ أو في محيطهِ، وعلى كلِ مواطنٍ ومقيمٍ إبلاغُالجهاتِ الأمنيةِ فوراً عندَ ملاحظةِ متسولٍ.
الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُنِجينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:
فيا أيُها الإخوةُ: أبشرُوا؛ فقد أعطانا ربُنا الكريمُ شهرًا مَوسِمِيًا أشبهَ ما يكونُ بدورةٍ تأهيليةٍ لرمضانَ، ألا وهو شهرُ شعبانَ الذي يَغفَلُ عنهُ الناسُ، فلا يَصومُونَهُ. وقد كانَ نبيُكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومُ شعبانَ كلَّه إلا قليلاً، كما في الصحيحينَ().
ولذلكَ فإنَ صيامَ شعبانَ آكَدُ من صيامِ شهرِ محرمٍ؛ لثلاثةِ أسبابٍ: (لمواظبتهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صومِ أكَثَرِهِ، ولأن صومَه يُشْبِهُ سُنَّةَ فرضِ الصلاةِ قبلَها.. ولأنهُ شهرٌ مغفولٌ عنهُ.
فاعقدِ العزيمةَ على أنْ تصومَ ما بقيَ منْ شعبانَ، فإنْ ضعُفْتَ فصُمِالاثنَيناتِ والخَمِيساتِ القادماتِ. وأما القرآنُ في شعبانَ؛ فقدْ قالَ سلمةُبنُ كُهيلٍ: كانَ يُقالُ شهرُ شعبانَ شهرُ القُرَّاءِ)().
ومما ينبغي التنبيهُ والتنبهُ له انتشارُ حديثِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ. رواهُأحمدُ وابنُ ماجةَ(). وهذا الحديثُ ضعَّفهُ (الأكثرونَ) كما قالَ ابنُ رجبٍ. وممن ضعّفهُ: البخاريُ والترمذيُ والقرطبيُ وابنُ القيمِ وابنُ بازٍ وابنُعثيمينَ.
ومن المسائلِ المهمةِ في شعبانَ التأكيدُ على مَن بقيَ عليهِ قضاءٌ من رمضانَ الماضيْ أن يُبادِرَ فيهِ؛ فلم يَبْقَ إلا القليلُ.
أما مَنْ كانَ عاجزاً عن الصيامِ فلا حرجَ عليهِ في التأخيرِ، ولو تأخرَ رمضانَين أو أكثرَ، ثم يقضِي فقطْ بلا إطعامٍ.
• فاللهم أقبِل بقلوبِنا على طاعتِك.
• اللهم سلّم لنا رمضانَ الفائتَ، وسلِمْنا لرمضانَ الآتي.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.
• اللهمَّ وَفِّقْنا للصَّالِحَاتِ قَبْلَ المَمَاتِ، وأرْشِدْنَا إلى اسْتِدْرَاكِ الهَفَواتِ مِنْ قَبْلِ الفَوَاتِ. وألْهِمْنا أَخْذَ العُدَّةِ للوَفَاة قَبْلَ المُوَافَاتِ، واعفُ عنَّا خَطَايَا الخُطُوَاتِ إلى الخَطِيْئَاتِ.
• اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا وجنودَنا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ، وبالسَّلامَةِ والإسلامِ.
• اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا مَلِكَنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ واجزهِمْ عنا خيرَ الجزاءِ، وَارْزُقْهُم بِطَانَةًصَالِحَةً نَاصِحَةً.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1739331189_التسول - شعبان.docx
1739331189_التسول - شعبان.pdf