التستر التجاري

عبدالسلام الشبانة
1440/07/20 - 2019/03/27 11:47AM

التستر التجاري

الْخُطْبَةُ الْأُولَى 22/7/1440

الْحَمْدُ للهِ، أَعْظَمَ لِلْمُتَّقِينَ الْعَامِلِينَ أُجُورَهُمْ، وَشَرَحَ بِالْهُدَى وَالْخَيرَاتِ صُدُورَهُمْ، أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفَّقَ عِبَادَهُ لِلطَّاعَاتِ وَأَعَانَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ مَنْ عَلَّمَ أَحْكَامَ الدِّينِ وَأَبَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَهْلِ الهُدَى وَالْإِيمَانِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِيمَانٍ وَإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ الزَّمَانُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزيِدًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ- عِبَادَ اللَّهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ وَاعْلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ جَمَعَتْ شَرِيعَةُ الْإِسْلامِ المْحَاسِنَ كُلَّهَا، فَصَانَتْ الدِّينَ، وحَفِظَتْ الْعُقُولَ، وَطَهَّرَتْ الْأَمْوَالَ، وَصَانَتْ الْأَعْرَاضَ، وَأَمَّنَتْ النُّفُوسَ، وَحَذَّرَتْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ يُخِلُّ بِالْأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَكَانَتْ مِنْ دَعَوَاتِ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، فَالْأَمْنُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِه بَعْدَ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِه بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَاَل: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِه، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتِ يَوْمِه؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

وإِذَا ضَاعَ الْأَمْنُ سُفِكَتْ الدِّمَاءُ، وَانْتُهِكَتْ الْأَعْرَاضُ، وَالْحُرُمَاتُ، وَعَمَّتْ الْفَوْضَى، وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي فَقْرٍ، وَجَهْلٍ، وَخَوْفٍ، وَلَمْ يَهْنَؤُوا بِطَعَامٍ، وَلَا بِنَوْمٍ، وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ مَلَذَّاتِ الدُّنْيَا.

عِبَادَ اللهِ:

وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْبِلَاِد أَنْ رَزَقَهَا ، وَوَفْرَةً فِي الرِّزْقِ، فَلَيْسَ غَرِيبًا أَنْ يَحرِصَ بَاحِثُو الْعَمَلِ عَنْ الْعَمَلِ فِي بَلَدِنَا، وَمِمَّا يُخْطِئُ فِيهِ بَعْضُ الْأَفْرَادِ وَالشَّرَكَاِتِ، الَّذِينَ يَتَعَاوَنُونَ مَعَ بَعْضِ ضُعَفَاءِ الضَّمَائِرِ؛ من تمكــين الوافــد مــن اســتثمار أو ممارســة نشــاط تجــاري لحســابه ، أو بالاشــتراك مــع غــيره محظـور عليـه ممارسـته، أو لا يسـمح لـه نظـام اسـتثمار رأس المـال الأجنبـي أو غـيره مـن الأنظمــة والتعليمــات ممارســته، ويعتبر المــواطن متســتراً في حالــة تمكــين الوافــد مــن استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري لممارسة النشاط التجاري.فَمَا أَقْبَحَهُ مِنْ مَكْسَبٍ! وَمَا أَرْذَلَهُ مِنْ مَالٍ! فَبِأَيِّ سَبِيلٍ اسْتَحَلَّهُ؟!

عِبَادَ اللهِ:

يشترك المــواطن المتســتر, الوافــد ومن تستر عليهم فشغلهمبصفة الخيانة , خيانة الدين – وخيانة الوطن – وخيانة ولاة الأمر – وخيانة الشعب , وهذه الصفة بحد ذاتها كافية في قبح هذا الصنيع فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الخيانة قال الله تعالى (( يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .......)) , وقال صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " ويقابل خيانة الامانة الصدق قال الله تعالى (( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ))

عباد الله / العاملُ المتسيبُ فلا تهمُّهُ بلادُكم ولا يهمُّهُ أهلُها ولا صلاحُها ولا فسادُها ، ولا عمارُها ولا دمارُها ، لا يهمُّهُ ذلك كلُّه إنما همُّهُ هو النهشُ من أموالِ وخيراتِ هذهِ البلادِ بأيِّ وسيلةٍ كانت ، وقدْ مرَّ عليكم في وسائلِ الإعلامِ وفي وسائلِ التواصلِ الإجتماعيِّ الكثيرُ منَ العبثِ والغشِّ والتلاعبِ ما وصلَ حدَّ الإستهتارِ بالناسِ وحياتِهم وبالقِيمِ والأخلاقِ مِن هذهِ العمالةِ سواءً في المحلاتِ أو في المطاعمِ أو غيرِها ، ومِن أخطارِهم الإجتماعيةِ تكدسُّهم في مناطقَ وتجمعاتٍ عشوائيةٍ فتنتشرُ جراءَ ذلكَ الفوضى والفسادُ والجريمةُ والمخدراتُ ، ومن أخطارِهم الصحيةِ انتشارُ الأمراضِ والأوبئةِ ، فهم وبحُكم تسيبِهم لا يخضعونَ لإجراءاتِ الوقايةِ والسلامةِ الصحيةِ التي تقدمُها الدولةُ للعمالِ جميعاً ، ومن هذه الأخطارِ مزاولتُهم أنشطةً تجاريةً وزراعيةً وصناعيةً غيرَ نظاميةٍ وقائمةٌ في غالبِها على الغشِّ التجاريِّ ومزاحمتُهم للعاملينَ النظاميينَ سواءً كانوا مواطنينَ أو عاملينَ في سوقِ العملِ واحتكارُهم للأسواقِ مما يُساهم في زيادةِ البطالةِ والإضرارِ بالمرافقِ العامةِ وتزايد أعداد العمالة الوافدة، ومزاحمة المواطنين في أعمالهم بصورة غير مشروعة واحتكار الوافدين لبعض الأنشطة التجارية و مشروع التستر ملائم لانتشار الجريمة والتجارة غير المشروعة وانتشار البائعين المتجولين والمتسولين من الوافدين أمام المساجد وفى الشوارع .

وَلَقَدْ نَهَى الْإِسْلَامِ عَنِ الْكَسْبِ الحَرَامِ؛ لِأَنَّه شُؤْمٌ وَبَلَاءٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَبِسَبَبِهِ يَقْسُو الْقَلْبُ، وَيَنْطَفِئُ نُورُ الْإِيمَانِ، وَيَحِلُّ غَضَبُ الجَبَّارِ، وَيَمْنَعُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ, وَيَمْحَقُ الْبَرَكَةِ, وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ – صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: بِأَنَّهُ سَوْفَ يَأِتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَهَاوَنُونَ فِي قَضِيَّةِ الْكَسْبِ، فلا يُدَقِّقُونَ وَلَا يُحَقِّقُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، قَالَ: – صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَقَالَ – صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ، كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: العِبَادَاتُ كُلُّهَا ضَائِعَةٌ مَعَ أَكْلِ الحَرَامِ، وَإِنَّ أَكْلَ الْحَلَالِ هُوَ أَسَاسُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، وَقَالَ: الْعِبَادَةُ مَعَ أَكْلِ الحَرَامِ كَالْبِنَاءِ عَلَى أَمْوَاجِ البِحَارِ.

نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يُنْزِلَ عَلَينَا بَرَكَةً مِنْ عِنْدِهِ تُسْعِدُنَا فِي دُنْيَانَا وأُخْرَانَا إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيهِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا

أيها المسلمون :

ان إنتشار هذه الظاهرة يعنى ان هناك فئة من المواطنين يتكاسلون عن العمل ويرضيهم جمع المال بأيسر الطرق بحيث يتحولون من فئة منتجة الى فئة اتكالية دون اعتبار للمصلحة العامة .

و التستر الذى يقوم به المواطن فيه انعدام الاحساس بالوطنية والمسئولية والولاء لأنه كسر الانظمة وهذا يترك اجملال لضعاف النفوس من الاضرار بالبلاد على مختلف الأصعدة سواء الاجتماعية، والاقتصادية.
أيها المسلمون : إنَّ الإلتزامَ بالأنظمةِ واللوائحِ الرسميةِ والقوانينِ من أعظمِ ما يدفعُ الضررَ عن المجتمعاتِ ، ودفعُ الضررِ من مقاصدِ الشريعةِ السمحةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضررَ ولا ضرارَ ) والتقيدُ بالأنظمةِ والقوانينِ واحترامُها أمرٌ يكفلُ للجميعِ حقوقَهم فالنظامُ هو عصبُ الحياةِ في المجتمعاتِ ، يسهِّلُ مسيرتَها اليوميةَ ويحققُ رقيَّها وازدهارَها ، فلنجعل احترامَنا للأنظمةِ قربةً للهِ وعادةً وثقافةً يتربى عليها الأجيال .
يجدرُ بنا جميعاً أن نتظافرَ مع الجهاتِ المسؤولةِ في سبيلِ القضاءِ على هذهِ المخالفاتِ نَسْأَلُ اللهَ – تَعَالَى – أَنْ يُوَسِّعَ لَنَا فِي أَرْزَاقِنَا، وَأَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مُبَارَكِينَ أيْنَمَا كُنَّا, إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
صلوا وسلموا على رسول الله

المشاهدات 1428 | التعليقات 0