التستر التجاري
يحيى جبران جباري
الحمد لله جعل من أعظم أبواب الرزق التجارة ، أحمده سبحانه وعز وأشكر أفضاله ، يعين على تعويض كل خسارة ، ويهدي من شاء من الضلالة ، ويغفر لمن تاب إليه وقصد غفرانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما أجله تبارك وتعالى وما اعظم سلطانه ، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله ، أنزل عليه ربه رسالته وقرآنه ، ثم أمره بقوله : فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن أطاعه وأجتنب عصيانه .
ثم أما بعد : فأوصيكم ايها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله جل وعلا ، قولا وعملا ، خوفا من غضبه وابتغاء رضوانه ، فذا اللب من يرى الله أمامه ، في كل أمر من أموره ، وكل شأن من شؤون حياته ، فما هذه الحياة الدنيا الا ممر ، وفي الآخرة الجزاء والمستقر (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 18 (الحشر)
ايها المسلمون : اعلموا رحمي الله وإياكم ، بأن شريعتكم الإسلامية ، كاملة وافية ، أتمها ربكم ، وعلمها وفهمها لهذه الأمة نبيكم ، فهي صالحة لكل زمان ومكان ، دينا ودنيا ، قولا وعملا ، صفاتا وأخلاقا ، أخذا وعطاءا ، فسبحان من كملها ، وصلى وسلم على من تلقاها وبينها ، (اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ... الآية 3 (المائدة) وإن مما جاء في الشريعة وهدى الله إليه العالمين ، المعاملات التجارية ، بيعا و شراءَ ، وأخذا وردا ، وحاضرا ودينا ، وعرضا وطلبا ، وبنودا وشروطا ، ورضا وخيارا ، وتعاملا حلالا وآخر حراما ، يقول ربكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ... الآية 29(النساء) وقال سبحانه (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 188 (البقرة) ويقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : ما أكل أحد طعاما خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) وفي حل البيع والشراء وبيان ما فيهما يقول خاتم الأنبياء (البيعان بالخيار مالم يتفرقا ) وغير ذلك مما جاء في الحث على التجارة ، وبيان ما فيها من خير ونفع ، بل وحاجة ماسة ، وأنه لا غنا للبشرية عنها ما دامت السماوات والأرض .
ولما كان ذلك كذلك ، قام ولاة الأمر أعانهم الله في هذه الدولة المباركة أعزها الله ، بتوجيه جميع الجهات ذات الاختصاص ، بإطلاق برنامج لمكافحة الفساد والغش والتستر التجاري ، الذي يقع في كثير من الجهات التجارية ، واستغلال النفوذ ، وسلب النقود ، وعدم الالتزام بالشروط والعقود ، ولا يهتمون باتفاقيات ولا بنود ، ويبيعون سلعا مغشوشة مقلدة ، دون الخوف من الواحد المعبود ، وتريد الدولة ، أن تكثف على أمثال هؤلاء التفتيش والرقابة ، وأن تبعدهم عن التستر على التضليل والغش ، في كل مؤسسة وكل جهة ذات مسؤوليات وتجارة ، وحتى يلتزموا ، بما تفرضه عليهم الدولة من شروط ليصلوا الى مستوى التميز والريادة ، ويهدف هذا البرنامج ، إلى رفع مستوى التثقيف لدى المواطنين والمقيمين ، الذين لا يعرفون حقوق المستهلك ، وماله وما عليه ، فيقع لقمة سائغة سهلة ، لمن لا يكترثون للغش ، مع علمهم بأنه إثم وفعل فاحش ، يقول عليه الصلاة والسلام (من غش فليس منا ) ومن ضلل الناس من أجل مصلحة نفسه ، فقد أتى بما نهى الشرع عنه ، وأتى بصفة خارجة عن دينه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فليحذوا المتساهلون ، بمثل هذه الأمور من التجار ، فمن رزقكم وأغناكم ، قادر على سلب ما وهبكم وأعطاكم ، وقد ألقى رسول هذه الأمة تحذير وإنذار ، قال فيه (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة تعس وانتكس وإن شيك فلا انتقش .. الحديث ، رزقنا الله وإياكم الحلال ، وكفانا وإياكم الحرام وسوء المآل .
قلت ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطــــــــــبة الثانية
الحمد لله الذي قال بأن المال فتنة، له الحمد وله الشكر والمنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وان محمدا عبده ورسوله لا نبي بعده ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى من تبعه بإحسان وأقام نهجه، وبعد يا كل عبد قصد الله يريد فضله، اتق الله فمن اتق الله كشف همه وازال غمه (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم 29 (الأنفال)
عباد الله : إن المال فتنة والإنسان يطمع دوما فيه إلى الزيادة، ولا يوجد من لا يحبه، وقد شهد ربكم على ذلك بقوله (وتحبون المال حبا جما 20 (الفجر) ولا ضير، إن كان مصدر المال حلالا، والأصل في المسلم السلامة، من الغش والتستر على الإثم ، واكل الناس بالباطل، و الضرورة تلح وتدعو إلى طلب الرزق والسعي للكسب، وذلك مما حث عليه الشرع وفيه رغب، وما دعى الدولة إلى التشديد، ووضع أنظمة قاسية على المؤسسات والجهات التجارية، إلا انتشار الغش والمخالفات، والتستر على الأدوات والبضائع المقلدة والسيئة، التي يذهب ضحيتها المستهلك، دون مراعاة ولا اهتمام من بعض التجار، بإثم وحرمة ذلك، إنما همهم، زيادة أموالهم وتنمية تجارتهم واغراق الدولة و المنشئات والمجتمعات فيما لا يحمد عقباه، من خسائر وإشكالات، فعلى من هذا ديدنهم، ان يتقوا الله جل وعلا في أنفسهم، وأن يستبرؤوا لدينهم، وأن يتقصوا المصدر الحلال لأموالهم، فالحرام يمحق الحلال، ويعود أثره السيء حتى على النفس والعيال، نسأل الله الهداية لكل ضال، وعلى كل من يعلم عن أمثال هؤلاء، أو يتعرض لأي غش تجاري، كزيادة في اسعار، او تقليد لسلع، أو غير ذلك مما يفعله أهل التضليل والطمع، ان يبلغ الجهات ذات الاختصاص لما فيه وقع، وستقوم الجهة المسؤولة بأخذ حقه وتطبيق ما نص عليه النظام بحق المخالف ليرتدع، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، كتب الله لنا ولكم الأجر بما قيل وسمع.
وصلوا وسلموا على النبي المتبع ،،، من اصطفاه ربه وذكره رفع .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.....