التزكية النفيسة والتنمية الروحية بين يدي رمضان
الشيخ السيد مراد سلامة
1442/08/17 - 2021/03/30 14:26PM
التزكية النفيسة والتنمية الروحية بين يدي رمضان
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد :كل عام أنتم بخير ............................................
أتى رمضان مزرعـــــة العبادِ --- لتطهير القلوب من الفسـادِ
فأدِّ حقوقَه قولاً وفــــــــعلاً --- وزادَك فاتخـــــذه إلى المعادِ
فمن زرع الحبوبَ وما سقاها --- تأوّهَ نادماً عند الحصـــــادِ
إن تزكية النفس، والارتقاء بالروح، وتطهير الجوارح؛ هي الثمرة من العبادات، سواء أكانت هذه العبادات قيامًا بالأوامر، أو اجتنابًا للنواهي. فليس عمل الجوارح إلا سبيلاً لعمل القلب، والعروج به في منازل السائرين و ها نحن أمة الإسلام بين يدي شهر رمضان و قبل أن ننغمس في نهر الخيرات و ننهل من معين البركات هيا لنزكي النفوس و ننمي الأروح في بوتقة الإيمان
أهمية التزكية: إخوة سلام :التزكية تطهير للنفس من أدرانها وأوساخها الطبعية والخلقية، وتقليل قبائحها ومساويها، وزيادة ما فيها من محاسن الطبائع، ومكارم الأخلاق. وتزكية النفس بإتباع الكتاب والسنة بالعمل الصالح، وإيتاء الزكاة والصوم، وإعطاء الصدقات، وتقوى الله خير تزكية للنفس لقوله تعالى: ﴿ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ﴾.وقال الله تعالى: ﴿ قد أفلح من زكاها ﴾[سورة الشمس الآية (9).]. وقال تعالى: ﴿ قد أفلح من تزكى ﴾[سورة الأعلى الآية (14).]. وقال الله تعالى: ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ . أولا: محاسبة النفس ودوام التوبة: تُعدّ المحاسبة والتوبة أيها الأحباب أولى خطوات التزكية للنفس و التنمية الروحية التوبة و الندم فالندم على الذنوب من أهم وسائل تزكية النفس، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".[٥] الاستغفار: يُعدّ التزام الاستغفار من أهم وسائل تطهير النفس وتزكيتها، حيث قال تعالى في سورة آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}،[٧] ففي الاستغفار تُغفر الذنوب وتُطهّر النفوس.[٨] مخالفة النفس وعدم تلبية رغباتها: إنَّ مجاهدة النفس وعدم تلبية أهوائها ورغباتها من أعظم وأهم وسائل تزكية وتطهير النفس في الإسلام، حيث قال الغزالي: اعلم أن أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلقتْ أمارةً بالسوء، مبالغة في الشر، فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك
ثانيا :تزكية النفس بالصدق على الفقراء و اليتامى ومن وسائل التزكية و التنمية للنفس و الروح أن يكثر المسلم من الصدقة على الفقراء و المساكين و المحتاجين و سد حاجتهم قبل رمضان
النفس مجبولة على حب المال والتعلق به والبخل في إنفاقه وطلب الزيادة منه، وقد قال تعالى واصفا هذه الطبيعة من طبائع النفس الإنسانية: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، والخير هنا بمعنى المال. فالزكاة طهارة من الشح والبخل، وتدريب عملي على البذل والعطاء وجب الخير للناس، وعدم التعلق بالدنيا والتنافس على حطامها، وإنما يكون ميدان التنافس في بذل المال وإنفاقه ابتغاء رضوان الله، وهذا هو الباقي الذي يجد العبد جزاءه يوم القيامة. والله سبحانه يحذرنا من آفة البخل والشح، ويجعل الفلاح مرتبطا بالتخلص من هذه الآفة وتطهير النفس منها. يقول تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. ويقول سبحانه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
النفس مجبولة على حب المال والتعلق به والبخل في إنفاقه وطلب الزيادة منه، وقد قال تعالى واصفا هذه الطبيعة من طبائع النفس الإنسانية: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، والخير هنا بمعنى المال. فالزكاة طهارة من الشح والبخل، وتدريب عملي على البذل والعطاء وجب الخير للناس، وعدم التعلق بالدنيا والتنافس على حطامها، وإنما يكون ميدان التنافس في بذل المال وإنفاقه ابتغاء رضوان الله، وهذا هو الباقي الذي يجد العبد جزاءه يوم القيامة. والله سبحانه يحذرنا من آفة البخل والشح، ويجعل الفلاح مرتبطا بالتخلص من هذه الآفة وتطهير النفس منها. يقول تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. ويقول سبحانه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
ثالثا :لإقبال على القران الكريم قراءة وتدبرا يزكي النفس وينمي الروح أيها الأحباب إن لقراءة التدبرية لكتاب الله تعالى تَقِي الإنسان من أن يُخلد إلى الأرض ويَتبع هواه، وترتقي به، وتُزكيه وتُعلمه من العلم والحكمة ما لم يكن يعلم، وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:151]، وقال أيضًا: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2]. فهذا الترتيب البديع (تلاوة، تزكية، تعلم) ليس عبثًا، وإنما هو مقصود لذاته، أي أن الآيات تُلمح بوضوح إلى أن من تبعات التلاوة التدبرية: حصول التزكية، واستجلاب العلم والحكمة. فتحصل من خلال ما سبق كله أن الرقي الإنساني لا يتحقق إلا بالقراءة المتفحصة المتدبرة للقرآن الكريم، لأنها قراءة تتجاوز الحروف إلى المعاني، وتتجاوز الحناجر إلى القلوب، فتثمر فكرًا وحكمةً وسلوكًا، وانقيادًا مطلقًا لأحكام القرآن ومقرراته، وهذا ما بينه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: "والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله" وعن الحسن البصري رحمه الله قال: "والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى أن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل" إن تعليم الكتاب والحكمة، ناشىء عن تطهير الإنسان نفسه، باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فيعلمه إذ ذاك ويفهمه ما انطوى عليه كتاب الله تعالى، وما اقتضته الحكمة الإلهية وتنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما: التخلية، والتحلية. التخلية: يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة مثل : الرياء – الحسد – البخل – الغضب – الكبر … التحلية: هي ملؤها بالأخلاق الفاضلة مثل : التوحيد والإخلاص والصبر، والتوكل والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء حب الخير للغيروإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها........................................... سبب توبة الفضيل ابن عياض -وكان شاطرًا يقطع الطريق- فقد عشق جارية، فصار إلى بيتها في سكون الليل، فبينما هو يرتقي الجدار إليها إذ سمع رجلًا قائمًا من الليل يتهجد ويقرأ قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون} [الحديد:16]، فلما سمعها تجاوزت آذانه وبلغت جنانه، ففقه مبناها، وأجرى معناها آنا غير مسوف، فقال: "بلى يا رب قد آن، بلى يا رب قد آن، بلى يا رب قد آن". ثم قال: "اللهم إني تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام" (8). من لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا الأمر واضحاً، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب
الخطبة الثانية
أما بعد : .........................
رابعا :ذكر الله وتزكية النفس والتنمية الروحية
واعلموا أن ذكر الله له أثر كبير في تزكية النفس وله إثر عظيم في السمو الروحي فالذكر يتعلق بالمذكور فيتذكر هيبته وعظمته و يتذكر كرمه و عفوه و يتذكر ستره و رحمته فيتخلص الذاكر من العلائق الأرضية و يتطهر من الشوائب النفسية................ و لقد حثنا الله تعالى على الإكثار من ذلك فقال سبحانه: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {42} ]، (سورة الأحزاب). وفي قوله تعالى: [ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {41} ]، (سورة آل عمران).
إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ *** ونترك الذكرَ أحياناً فننتكسُ
إن عزمنا على تذكار غيركم*** لم نستطع واعترانا العيّ والخرسُ
يقول الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28]، وأولى هذه الثمار: سكينة النفس وطمأنينة القلب التي يشعر بها الذاكر ويحس بها تملأ أقطار نفسه، فلا يحس إلا الأمن إذا خاف الناس، والسكون إذا اضطرب الناس، واليقين إذا شك الناس، والثبات إذا قلق الناس، والأمل إذا يئس الناس، والرضا إذا سخط الناس، قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله -تعالى- ومعرفته وذكره". يقول يحيى بن معاذ: يا غفول يا جهول لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك مولاك لمِتَّ شوقًا إلى مولاك. أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ذكر الله -تعالى-يورث طمأنينة القلب، وراحة النفس، وانشراح الصدر؛ غاية يسعى إليها الكثير من الناس، ومن أجل تحقيقها قد ينفق عليها البعض أموالا، ويقطع من أجلها المسافات بحثاً عن أي وسيلة للسعادة في عالم تسيطر عليه الجاهلية، وقيمها، وثقافتها، ووسائل إعلامها، فلا تكاد تسمع ذكر الله. وقال أحد العارفين: "المؤمن يذكر الله -تعالى- بكلِّه؛ لأنه يذكر الله بقلبه فتسكن جميع جوارحه إلى ذكره؛ فلا يبقى منه عضو إلا وهو ذاكر في المعنى، فإذا امتدت يده إلى شيء ذكر الله فكف يده عما نهى الله عنه. وإذا سعت قدمه إلى شيء ذكر الله فغض بصره عن محارم الله. وكذلك سمعه ولسانه وجوارحه مصونة بمراقبة الله -تعالى-، ومراعاة أمر الله، والحياء من نظر الله؛ فهذا هو الذكر الكثير الذي أشار الله إليه بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب: 42]. الدعاء ...........................................
المرفقات
1617114400_التزكية النفيسة والتنمية الروحية بين يدي رمضان.pdf