الترف والبطر والمفاخرة والمهايطة

صالح العويد
1437/04/04 - 2016/01/14 15:42PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله أحبتي
ظهر مؤخرا ظاهرة البطر والمفاخرة مما يخشى
علينا بحدوث النقمة مما يفعله هؤلاء وهذه خطبة
جمعتها من عدة خطب ونالت اعجاب مستمعيها
فأحببت أن أضيفها هنا ليعم نفعها لا حرمني الله وإياكم الأجر
المشاهدات 2744 | التعليقات 2

الحمد لله، الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، أحمده - سبحانه - وأشكرُه وعدَ الشاكرين بالمزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الإخلاص والتوحيد، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنبياء وأشرفُ العبيد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابِه البرَرة الأخيار ذوي القول السديد والنهج الرشيد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد، وسلَّم التسليمَ الكثيرَ المزيد.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ بما كسبت وهم لا يظلمون. لك الحمدُ ربَّنا لك الحمدُ ربَّنا بالإسلام، ولك الحمدُ بالقرآن، ولك الحمدُ بالأهل والمال والمُعافاة. كبَتَّ عدوَّنا، وبسطْتَ رزقَنا، وأظهرتَ أمنَنا، وجمعتَ فُرقتَنا، وأحسنتَ مُعافاتَنا، ومن كل ما سألناك ربَّنا أعطيتَنا.فلك الحمدُ على ذلك كثيرًا، كما تُنعِمُ كثيرًا، لك الحمدُ بكل نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ، أو سرٍّ أو علانيةٍ، أو خاصَّةٍ أو عامَّةٍ، أو حيٍّ أو ميِّتٍ، أو شاهدٍ أو غائبٍ.لك الحمدُ حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضِيت، ولوجهِك الدائِم الباقي الحمدُ. فالحمدُ لله رب العالمين.
معاشر المسلمين: إن من أعظم العبادات، وأشرف المقامات: شكر الله تعالى على النعم والأُعطيات، إذ بالشكر تحفظ النعم، وتُدفع النقم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
أيها المسلمون: لقد عاش أهل هذه البلاد قبل ما يزيد على خمسين سنة، حياة الفقر والجوع، وقلة ذات اليد، وشظف المعيشة، وانتشار الأوبئة الفتاكة، والأمراض المعدية، التي ربما أتت على بلدة كاملة فلم يبق منها أحدًا، سنوات عانى منها أجدادنا قسوة الدنيا، وشدتها ولأواءها، فكان أحدهم يموت جوعًا وعطشًا، وربما لم يجد ما يأكله إلا الجيف والكلاب، وربما فكّر بعضهم حال سفره قتل صاحبه وأكله لشدة جوعه، قصصٌ كم سمعناها من أجدادنا!! وحدثنا بها كبار السن من آبائنا!! لا زالوا يذكرونها ويتألمون من شدتها، ثم انقلبت الأحوال، وتغيرت الأمور، وفتح الله على أهل هذه البلاد خيرات عظيمة، ونعم كثيرة، ضحكت الدنيا لهم فأنستهم ما كان، وغرتهم بمتاعها الفاني، فقادتهم إلى كُفرِ نعم الرحمن، فأصبحنا نرى في مجتمعنا سلوكيات غريبة، وتصرفات عجيبة، اشترك فيها الصغار والكبار، والرجال والنساء، والآباء والأبناء، أخلد الناس إلى الدنيا، وأكثروا من المشتهيات، وتوسعوا في مطالب الحياة، فظهر فيهم الترف، سرطان القلوب، وآفة أصابت الأفراد والشعوب.
الترف ذمّه الله في كتابه، وحذّر منه عباده، وجعل أهله أعداء رسله وأوليائه، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
الترف سبب هلاك الأمم، ونزول البلايا وحلول النقم، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً).
الترف طريق إلى النار، وسبيل إلى ورود العذاب والنكال، قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)، قال ابن كثير -يرحمه الله-: "أي كانوا في الدار الدنيا مُنعمين مقبلين على لذات أنفسهم".
الترف يدعو إلى الإجرام، وفعل الموبقات والآثام، أهله أكثر الناس نشرًا للفساد، وأشدهم في الفسق والعناد، يُقاومون أهل الصلاح، ويُنابذون دعاة الإصلاح، قال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).
الترف ظاهرة خطيرة، فشت في مجتمعنا، وبلية نزلت في حياتنا، فلم يسلم منها شأن من شؤوننا، شهد بذلك واقعنا، وأسلوب حياتنا، في مساكننا ومراكبنا، وطعامنا وشرابنا، وملابسنا وطريقة تعاملنا، بل شمل الترف حفلاتنا ومناسباتنا، حفلة تخرج تكلف عشرات الألوف، ومناسبة زواج يُنفق عليها بمئات الألوف، يستأجر لها أفخم قصور الأفراح، وتطبع لها أرقى بطاقة الدعوات، ويُحضَر لإحيائها المغنون والمغنيات، ويعد لها من الطعام والشراب والمقبلات ما يكفي أممًا عظيمة، هذا الطعام يؤكل بعضه ويرمى أكثره بالنفايات، كل ذلك يحصل والمجاعات من حولنا، وكم سمعنا ورأينا صور المجاعة بأرض الشام واليمن والصومال وغيرها من البلدان وكيف أن الأطفال هياكل عظمية!! يموتون جوعًا وعطشًا!! والكبار يخرجون من قُراهم وهجرهم لا طعام لهم غير ورق الشجر! فرحماك ربي رحماك. بهم وعليك بعدوك وعدوهم إِنَّهُ قَدْ وَصَلَ عِنْدَنَا التَّرَفُ وَالْبَذَخُ فِي الْأَمْوَالِ حَدّاً لا يَكَادُ يُوصَفُ , فَبَعِيرٌ يُبَاعُ بِعَشَرَاتِ الْمَلَايِينِ , وَسَيَّارَةٌ تُشْتَرَى بِمَلْيُونِ رِيَالٍ , وَتَيْسٌ يُبَاعُ بِعَشَرَاتِ الآلافِ , وَرَقْمُ لَوْحَةِ سَيَّارَةٍ يُعْرَضُ لِلْمَزَادِ بِمِئَاتِ الآلافِ ,!!! وَمَعَازِيمُ يَغْسِلُونَ أَيَادِيَهَمْ بِدُهْنِ الْعُودِ الْمَلَكِيِّ الذِي ثَمَنُهُ يَتَجَاوُزَ الْحَدَّ ,وكم من تلك الحوادث مايعلمه الكثير منا بل َكُلُّ هَذَا يحصل بمفاخرة بِه أَمَامَ أَعْيُنِ الْمَلَأِ.
الترف ياعباد الله غرق فيه شبابنا، وفلذات أكبدانا، قلّب بصرك في حال كثير من أبنائنا، لترى الدلع والرعونة، وتشاهد النعومة والميوعة!! ترى ميلاً إلى الكسل والبطالة، وحبًا للاسترخاء والراحة، شاهد ذلك في ملابسهم ذات الألوان الزاهية!! وقصّات شعورهم المقززة!! ستجد منهم من يستخدم أدوات التجميل ويسرف في استعمال العطور!! بل حتى في كلامهم وطريقة مشيتهم ترى فيها ما يقضي على الشهامة والرجولة، التي هي من مقومات الجهاد ومواجهة الصعاب، عن عبد الله ابن مغفل -رضي الله عنه- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الترجل إلا غبّاً" (رواه أبو داود وحسنه العلامة الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة). قال السندي معنى غِبَّاً: أي أن يسرح شعره يوماً ويترك يوماً، والمراد كراهة المداومة على ذلك. الترف سلب من شبابنا العزيمة والقدرة، وقوة التحمل، فصار أحدهم ضعيف العزم، خائر القوى، منهزم الإرادة، مشغولاً بالتوافه من ملبس ومركب ومأكل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البذاذة من الإيمان"، ويحذّر من المبالغة في التنعم فيقول لمعاذ -رضي الله عنه-: "إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين". وعن عبد الله بن بريدة: أنَّ رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- رحل إلى فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- وهو بمصر فقدم عليه ورآه شعثاً، فقال له: ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد؟ فقال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، ورآه حافياً فقال: مالي أراك حافياً؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن نحتفي أحياناً. (أخرجه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني وعمر -رضي الله عنه- يقول: "اخشوشنوا، وانزوا على الخيل نزوًا، واقطعوا الركب وامشوا حفاة". فالشدة هي التي تصنع الرجال، وترويض النفس يحتاج إلى زجرها، وكفها عن شهواتها،
عباد الله: للترف أسباب لابد من معرفتها، وبواعث توقع المرء فيه، وتؤدي إليه، أعظمها الجهل بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف والتكلف؛ قال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)، وكذلك طول الأمل، ونسيان الموت، فيظن المرء أنه بتعدد النعم، ووفرة المال، قد أمِن الموت، وضمن الخلود في الدنيا، وأن ماله وغناه يطيل عمره، ويؤخر أجله، قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ)، فطول العمر إنما يكون في طاعة الله، والعمل برضاه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حسن الخلق، وحسن الجوار، وصلة الأرحام، تعمران الديار، وتزيدان في الأعمار". والموت يأتي فجأة، وينزل بغتة، قال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، والغريب لا يملك متاعًا في بلد غربته، وقلبه متعلق بوطنه، يجمع المال ليبني في وطنه، ويحسب الأيام ليرجع إلى بلده، ونحن موطننا الجنة، فلابد لنا من جمع الحسنات، والاستكثار من الأعمال الصالحات: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
ومن أسباب الترف: حب الظهور والتصنع أمام الناس، استكبارًا في الأرض، ورياءً وسمعة على الخلق، ولقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم "عائل مستكبر"، وهو الفقير المستكبر، جاء عن عبد الله بن حميد قال: مَرَّ جدي على عمر وعليه بردة، فقال له عمر: بكم اشتريت بردك؟! فقال: بستين درهمًا. فقال له عمر: وكم مالك؟! قال: مائة درهم. فقام إليه عمر بدرته فجعل يضربه ويقول: رأس مالك مائة درهم، وتشتري ثوبًا بستين درهمًا!! فأنكر عليه عمر وضربه على فعله، وأنه ركب مركبًا ليس من أهله، وتصنع حالاً ليست موافقة لحاله.فكم نحن بحاجة إلى درة عمر؟! وكم في الناس اليوم من يحتاج إلى الضرب لركوبهم مركبًا ليسوا من أهله؟! كان عبد الرحمن بن عوف يلبس البردة أو الثوب بأربعمائة أو خمسمائة درهم، وابن عباس اشترى ثوبًا بألف درهم فلبسه، ولم ينكر عليهم أحد، لكنهم كانوا من أغنياء الصحابة، فالقضية تختلف من شخص إلى آخر، وتُراعى فيها الأحوال والأزمان والبلدان، ومصيبتنا في هذا الزمن أن يطلب الإنسان ما ليس له، ويعيش الفقير ومتوسط الدخل حياة الأغنياء!! فيركبون مراكبهم ويلبسون ملابسهم حتى لو كان ذلك بالدين وبيوع التقسيط، "والمتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور".
ومن أسباب الترف: الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا، وما ينبغي أن تكون عليه؛ ذلك أن طبيعة الدنيا لا تثبت ولا تستقر على حالة واحدة؛ أرسل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في خلافته وفدًا إلى اليمن، فمرُّوا بقرية عظيمة وإذا بها قصور مشيدة، ومواشٍ عظيمة، وعُرْسٌ لقوم، وبالعرس فتاة بيدها دُف، وهي تغني وتقول:
معاشر الحُسّاد موتوا كََمدًا *** كذا نعيشُ ما بقينا أبدًا
ثم سافر بعض ذلك الوفد في زمن معاوية -رضي الله عنه-، فمرّوا بالقُرب من تلك القرية فإذا القصور قد خربت!! والمواشي قد فنيت!! ولا ماء ولا أنيس إلا دار خربة، وبها عجوز عمياء، فدخلوا عليها وسألوها عن أهل القرية، وعن العرس الذي شاهدوه قبل خمسين سنة، فقالت: هلكوا جميعاً، وكان العرس لأختي وكنت أنا المغنية!!فيا سبحان الله!! تغيرت الأحوال، وتبدلت الأمور، وذهب الفرح والسرور!! وللأسف كم من الناس في زمننا هذا من يتناسون هذه الحقيقة؟! وأن الدنيا تتقلب بأهلها؟! ولا تثبت على حالها، ضحكت الدنيا لكثير من الناس، فنسوا ما كانوا فيه قبل سنوات ليست بالطويلة، وخُدعوا بالأماني العريضة، إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ التِي تُعَانِي الْيَوْمَ مِنَ الْفَقْرِ الْمُطْبِقِ , وُجِدَ فِيهَا غِنَىً فَاحِشٍ , فَفَسَقَ السُّفَهَاءُ وَبَذَرُوا الْأَمْوَالَ وَأَسْرَفُوا فَنَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَاتُ وَحَلَّتْ بِهِمُ الْمَثُلَات , فَهَلْ نَحْنُ أَمِنَّا العُقُوبَة ؟
إِنَّ بِلَادَ الصُّومَالِ كَانَ الْأَغْنَيَاءُ فيها يَذْبَحُونَ الْخَرُوفَ لِيَأْكُلُوا كَبِدَهُ فَقَطْ وَيَرْمُونَ بِبَاقِيهِ فِي الزِّبَالَةِ , وَالآنَ فِي مَجَاعَةٍ مُنْذُ عُقُودٍ .. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا يَقُولُونَ : ﻻ فَقْرَ فِي حُضُورِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ , وَالآنَ فِي حروب وفَقْرٍ مَعَ وُجُودِ النِّفْطِ وَالتَّمْرِ ... وَفِي لُبْنَانَ كَانُوا يَرْكُلُونَ الْخُبْزَ كَالْكُرَةِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ وَالآنَ فِي فَقْرٍ وَبَطَالَةٍ وَغَلَاءٍ وَتَهْجِيرٍ وَبَلاءٍ ... وَأَفْغَانِسْتَانَ كَانَتِ الْفَوَاكِهُ الْمُلَوَّنَةُ وَأَنْواعُ الأَطْعِمَةِ تُجْلَبُ لَلْبِلَادِ , حَتَّى تَغَطْرَسُوا وَلَمْ يَشْكُرُوا اللهَ عَلَى النِّعَمِ فَأَصَابَهُمُ الْجَفَافُ وَالْحُرُوبُ .
بل وُجِدَتْ وَثَائِقُ وَمَخْطُوطَاتٌ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ كَانَ عُلَمَاءُ الصُّومَالِ يَحُثُّونَ النَّاسِ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى التَّبَرُّعِ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَمَا حَوْلَهَا , بَلْ وَيُفْتُونَ الْأَغْنِيَاءَ بِجَوَازِ نَقْلِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلَادِنَا , ثُمَّ انْقَلَبَتِ الْحَالُ وَتَغَيَّرَتِ الدِّيَارُ , فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ ؟
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَجْدَادِنَا الْقَرِيبِينَ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَالْبَاكِسْتَانِ , وَهَا نَحْنُ نَرَدُّ لَهُمُ الْكَيْلَ وَنُوفِي لَهُمُ الصَّاعَ , فَهَلْ أَمِنَّا مِنَ رُجْوعِ أَحْوَالِنَا إِلَى مَا سَبَقَ ؟؟؟
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ , وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوهُ , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ











الحمد لله الذى أسبغ علينا نعمه ظاهرة و باطنة (وإن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كرّم بني آدم وحملهم في البر والبحر وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله وخيرته من خلقه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد اعلموا عباد الله أن الترف داءُ عضال، ومرض قَتال، إن استشرى في أمّة ذهب بعزها وأورثها كسلاً وخمولاً، وركونًا إلى الدنيا ومحبةً لها وحرصًا عليها.
لا فضلَ لأمةٍ أن تضعَ على موائِدها ألوانًا من الأطعمة مُختلفات، ولا أن تمتلِك أصنافًا من المراكِب مُمتطيَات، ولا أن تقتنِيَ ألوانًا من الملابِس مُكتسَيَات؛ وإنما الفضلُ كل الفضلِ - بعد الإيمان بالله وتوحيده - أن يكون لها رجالٌ سليمةٌ أبدانُهم، مُضيئةٌ أبصارُهم، مضَّاءةٌ عزائِمُهم.
الترف ماذا استفدنا منه؟! وماذا جنى على مجتمعنا إلا شهوات البطون والفروج والتي لا يضبطها ضابط!!
الترف قطع صلتنا بربنا، وأضعف الإيمان في قلوبنا، قادنا إلى التكاسل عن الطاعات، والمسابقة إلى العبادات، فأصبحت طاقاتنا الجسدية والروحية لا تتحمل أي مشقة وعناء، الصلاة أصبحت شاقة على كثيرين، وثقيلة حتى على الخيرين، بذل المال لشراء أفخر الأثاث وأحدث الأجهزة، فتجد الصغار يحملون أجهزة اتصال بمبالغ كبيرة، السفر والسياحة ينشط الناس لها، ويبذلون المال من أجلها بل قد يستدينون لأجلها، لكن إذا جاء البذل لأجل الله، والتصدق على الفقراء والمعوزين، فيشح ويبخل!! ويأتي بالأعذار، ويتعلل بالديون والأقساط.
وأخيرا عباد الله: كثرة المال، وصحة البدن، وما نعيش فيه من نعم، ليس دليل على كرامتنا عند ربنا، ونجاتنا من عذابه، فلقد عاب الله على المنافقين قولهم: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، فكثرة المال، وتتابعُ النعم، تزيد في الحساب، ويعظم عنها السؤال، ويطول الموقف أمام الكبير المتعال، قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ)، كان السلف إذا قرؤوا هذه الآية وطعامُهم في أغلب أيامِهم الأسودَيْن: التمر والماء بكوا، وقالوا: نخشى أن نكون ممن عُجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. فماذا عسانا أن نقول وقد فتحت علينا الدنيا بزينتها ومباهجها؟! وقد تنافسنا عليها وقطعنا صلتنا بربنا من أجلها!!
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك هذا وصلوا وسلموا على سيد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الشاكرين كما أمركم رب العالمين فقال في محكم التنزيل إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].اللّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمَّ عن خلفائه الأربعة ، وعن سائر الآلِ والصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوِك وكرمك وإحسانك يا أكرمَ الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ،وأذل الشرك واخذل المشركين، وانتصر لعبادك المظلومين ،واجعل الدائرة على الظالمين يا رب العالمين اللهم آمنافي أوطانناوأصلح أئمتناوولاة أمورناوأيدبالحق ولي امرناواجعله هاديامهدياواهدي اللهم ولاة المسلمين واجمعهم على كلمة الحق والدين واجعلهم رحمة على رعاياهم يارب العالمين اللهم كن لنا ولا تكن علينا، وأعنا ولا تعن عليناوانصرنا ولا تنصر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا ربنا اجعلنا لك ذاكرين.. لك شاكرين.. لك أوابين.. لك مخبتين اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حُجتنا، واهدِ قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلُلْ سخائم صدورنا اللهم يا وليَّ المؤمنين، ويا ناصر المُستضعَفين، ويا غِياثَ المُستغِيثين، يا عظيمَ الرجاء، ويا مُجيرَ الضُّعفاء، اللهم أغِث أهلَنا في سُوريا وفلسطين والعراق واليمن وفي كل مكان ، اللهم اكشِف كربَهم، وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قلوبِهم، اللهم مُدَّهم بمدَدك، وأيِّدهم بجُندك، وانصُرهم بنصرِك.اللهم ارحم الأطفال الرُّضَّع، والشيوخَ الرُّكَّع.اللهم عليك بالطُغاة الظالمين،اللهم عليك باليهود الغاصِبين اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ربناآتنافي الدنياحسنة وفي الآخرة حسنة وقناعذاب الناراللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك سبحان ربك رب العزة عمايصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين وأقم الصلاة


جزاك الله خيرا