الترف سبب الدمار والهلاك
إبراهيم بن سلطان العريفان
1438/05/06 - 2017/02/03 07:52AM
الحمد لله الذي يملي للظالمين، ويكفي من شر المستهزئين، وينتقم من المجرمين، كما قال عن سلفهم الغابرين (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) والصلاة والسلام على من شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل شخصه هو الأكمل والأطهر، ودينه هو الأظهر، وناصره هو الأعز الأكبر، وشانئه هو الأبتر، صلى الله عليه وعلى آله أولى النخوة والكرامة، وصحابته أولي الغيرة والشهامة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا هي رأس السعادة وسبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وهي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله.
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله سبحانه وتعالىفي كتابه العظيم ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) إن هذه الآية العظيمة تبين أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يهلك قرية ويقضي على أهلها، وينزل عذابه عليهم، أمر مسرفيها وفجارها وطغاتها أن يطغوا فيها، ويفسدوا بين جنباتها، فإذا انتشر شرهم، وانفجر فجورهم، وسكت الناس عنهم، حل بالجميع عذاب الله (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ).
إن أكبر دليل على اقتراب هلاك بلاد وحلول زوالها, حينما يكثر أشرارها ويزداد فساقها ويقوى الشر فيها؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى قضت أن الأمم التي تبطر معيشتها، وينهمك أهل الترف والمعاصي في شهوات الدنيا وملذاتها، ويقارف الآثام والذنوب فيها رموز الناس وكبارهم، فلابد أن يصيبها العقاب عاجلاً أو آجلاً، سواء كان عذاباً مادياً حسياً أو عذاباً معنوياً.
لقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن اليهود الذين يرون أنفسهم أعلى الناس وأفضل الخلق, أن هلاكهم النهائي وتدميرهم الكامل سيكون حينما يكثر فسادهم، ويرتفع عتوهم، ويزداد غرورهم، فإذا وصلوا إلى هذا الحد، وهبطوا إلى هذا المستوى الدنيء، سلط الله عليهم من يدمرهم تدميراً، ويسومهم سوء العذاب ( وقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُواً كَبِيراً * فَإذَا جَاءَ وعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْداً مَّفْعُولاً ).
فلنحذر أن نكون مثلهم ... طغى زعماؤهم، وفسد أحبارهم ورهبانهم، فسُلِّط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وعندما يصل فسادهم - وخاصة فساد قادتهم وكبارهم - إلى الحد الأسوأ، يسلط الله عليهم الدمار الشامل، فيدمرهم شر تدمير ويهلكهم شر هلاك.
هذه دول الغرب ودول الكفر عامة بسبب ما هم فيه من الترف والإسراف؛ استشعروا في أنفسهم التميز على بقية شعوب الأرض، فاستعبدوا الناس، وتسلطوا على الخلق، وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) فكما تصدى المترفون لأنبيائهم وما يحملونه من نور وحق، كذلك هو حال الغرب والكفر المترفين فإنهم يتصدون اليوم للحق وللإسلام في جميع أنحاء العالم، وهذا لا شك أنه سيعرضهم لعذاب الله وسخطه، بسبب بغيهم وترفهم ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
إن المقصود بالمترفين في الآيات السابقة هم أهل الزعامة والوجاهة ورموز الناس وكبراؤهم وسادتهم الذين بيدهم مقاليد الحكم، وإدارة الأمور، والتصرف في البلاد، ويعدون فيها ممن يشار إليهم، ويعتمد عليهم، ويرجع الناس إلى تعظيم أقوالهم وتصرفاتهم.
وهؤلاء اليوم في الأمة كثير وكثير جداً، فالحكام الطغاة، وأمراء السوء والهوى، والمسؤولون والمدراء المفسدون، والعلماء المضلون، وأرباب الأموال الفاسدون، والفنانون، والممثلون، وغيرُهم من المترفين، الذين يعارضون الدين، ويصدون الناس عن الحق المبين، كل هؤلاء يعدون من المترفين، ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ).
ويدخل في هؤلاء كل من جاملهم، وسكت على انحرافاتهم، وأعانهم على فسادهم، ونفذ سياساتهم ومخططاتهم، وشجعهم على عتوهم وظلمهم، ممن استخفوهم فأطاعوهم، وأغروهم فخضعوا لهم ورقصوا خلفهم، وكانوا أداة شر لتنفيذ ما يريدون منهم، كما قال الله عنهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ).
أيها المسلمون .. إن المترفين لا يكثرون في الأمة ويزدادون فيها إلا إذا تم السكوت على إجرامهم، والتغافل عن فسادهم، وتمريرُ شرورَهم وفجورَهم، حينما لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ولا يقول الناس للظالم يا ظالم، وللفاسد أنت مفسد، وللمجاهر بالمعاصي أنت مخطئ، فهنا يكثر الشر، ويزيد الفساد، ويستفحل الفجور، فيقع العذاب، ويأتي الدمار والهلاك.
إن المشكلة والمعضلة حينما يقع الفجور من خاصة الناس وليس من عامتهم، وتحدث المجاهرة بالمعاصي من قبل قادة الناس وكبارِهم وأشرافِهم، وهذا نذير خطر، وإشارة خوف ووجل، لأن هذا دليل على اقتراب موعد الهلاك والزوال ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
إن الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في الترف وتنهمك في الملذات، وتقارف الآثام والذنوب، لابد أن يصيبها العقاب ويحل عليها العذاب، يقول عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارُها أبرارَها، وساد القبيلةَ منافقوها.
أسأل الله العلي العظيم، أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يوفق ولاة أمورنا وأمور المسلمين لكل خير، ويجعلهم مغاليق للشر، مفاتيح للخير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ...
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المؤمنين ... لقد ورد ذكر الترف في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها في موضع الذم له والتحذير منه، كما وردت في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة تنهى عن الترف وتحذر من تعلُّق القلب به، وغلو الإنسان في الانغماس في متاع الحياة وملذاتها.
والنبي صلى الله عليه وسلم محذراً أمته من الترف الزائد عن المعقول، ومبيناً لها ما أكدته الآية الكريمة من أن الترف سبب الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام ( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ).
إن دعوة الإسلام إلى ترك الترف، ومحاربته له، لا تعني ترك التنعم بالملذات، وإنما المراد الاقتصاد في الإنفاق وعدم تعلق القلب بها والركون إليها، وإلا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حذر من الترف وأحوال المترفين قد قال ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ) وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ( اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ).
عباد الله ... إن النعم تدر علينا ليل نهار, ومن الناس من يتمادى في المعاصي، ويكثر من الذنوب، ويقصر في طاعة الله، وهذا – والله - ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم، لا سيما مع كثرة النعم, والانغماس في الترف.
يقول بعض علماء الحضارات: إن شيوع الترف وتفشي الانحراف الجنسي والتحلل الخلقي سبب لانهيار الحضارات، وهذا ما نجده في السنة الكونية المستخرجة من كتاب الله سبحانه وتعالى حيث قال ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
فعلى المسلم العاقل اللبيب أن يحذر من الترف الزائد، ويبتعد عن مظاهره وآثاره، لأنه يؤدي بالإنسان إلى مهاو سحيقة ودركات سفلى، وإذا كثر المترفون في الأمة وزاد ترفهم من المشروع إلى الممنوع، ومن المباح إلى الحرام، حل بالأمة العذاب، واستحقت غضب الله ومقته. روى البخاري ومسلم عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ ).
اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، ونعوذ بك من الترف، والإسراف، والكبر، والغرور. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا هي رأس السعادة وسبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وهي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله.
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله سبحانه وتعالىفي كتابه العظيم ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) إن هذه الآية العظيمة تبين أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يهلك قرية ويقضي على أهلها، وينزل عذابه عليهم، أمر مسرفيها وفجارها وطغاتها أن يطغوا فيها، ويفسدوا بين جنباتها، فإذا انتشر شرهم، وانفجر فجورهم، وسكت الناس عنهم، حل بالجميع عذاب الله (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ).
إن أكبر دليل على اقتراب هلاك بلاد وحلول زوالها, حينما يكثر أشرارها ويزداد فساقها ويقوى الشر فيها؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى قضت أن الأمم التي تبطر معيشتها، وينهمك أهل الترف والمعاصي في شهوات الدنيا وملذاتها، ويقارف الآثام والذنوب فيها رموز الناس وكبارهم، فلابد أن يصيبها العقاب عاجلاً أو آجلاً، سواء كان عذاباً مادياً حسياً أو عذاباً معنوياً.
لقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن اليهود الذين يرون أنفسهم أعلى الناس وأفضل الخلق, أن هلاكهم النهائي وتدميرهم الكامل سيكون حينما يكثر فسادهم، ويرتفع عتوهم، ويزداد غرورهم، فإذا وصلوا إلى هذا الحد، وهبطوا إلى هذا المستوى الدنيء، سلط الله عليهم من يدمرهم تدميراً، ويسومهم سوء العذاب ( وقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُواً كَبِيراً * فَإذَا جَاءَ وعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْداً مَّفْعُولاً ).
فلنحذر أن نكون مثلهم ... طغى زعماؤهم، وفسد أحبارهم ورهبانهم، فسُلِّط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وعندما يصل فسادهم - وخاصة فساد قادتهم وكبارهم - إلى الحد الأسوأ، يسلط الله عليهم الدمار الشامل، فيدمرهم شر تدمير ويهلكهم شر هلاك.
هذه دول الغرب ودول الكفر عامة بسبب ما هم فيه من الترف والإسراف؛ استشعروا في أنفسهم التميز على بقية شعوب الأرض، فاستعبدوا الناس، وتسلطوا على الخلق، وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) فكما تصدى المترفون لأنبيائهم وما يحملونه من نور وحق، كذلك هو حال الغرب والكفر المترفين فإنهم يتصدون اليوم للحق وللإسلام في جميع أنحاء العالم، وهذا لا شك أنه سيعرضهم لعذاب الله وسخطه، بسبب بغيهم وترفهم ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
إن المقصود بالمترفين في الآيات السابقة هم أهل الزعامة والوجاهة ورموز الناس وكبراؤهم وسادتهم الذين بيدهم مقاليد الحكم، وإدارة الأمور، والتصرف في البلاد، ويعدون فيها ممن يشار إليهم، ويعتمد عليهم، ويرجع الناس إلى تعظيم أقوالهم وتصرفاتهم.
وهؤلاء اليوم في الأمة كثير وكثير جداً، فالحكام الطغاة، وأمراء السوء والهوى، والمسؤولون والمدراء المفسدون، والعلماء المضلون، وأرباب الأموال الفاسدون، والفنانون، والممثلون، وغيرُهم من المترفين، الذين يعارضون الدين، ويصدون الناس عن الحق المبين، كل هؤلاء يعدون من المترفين، ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ).
ويدخل في هؤلاء كل من جاملهم، وسكت على انحرافاتهم، وأعانهم على فسادهم، ونفذ سياساتهم ومخططاتهم، وشجعهم على عتوهم وظلمهم، ممن استخفوهم فأطاعوهم، وأغروهم فخضعوا لهم ورقصوا خلفهم، وكانوا أداة شر لتنفيذ ما يريدون منهم، كما قال الله عنهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ).
أيها المسلمون .. إن المترفين لا يكثرون في الأمة ويزدادون فيها إلا إذا تم السكوت على إجرامهم، والتغافل عن فسادهم، وتمريرُ شرورَهم وفجورَهم، حينما لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ولا يقول الناس للظالم يا ظالم، وللفاسد أنت مفسد، وللمجاهر بالمعاصي أنت مخطئ، فهنا يكثر الشر، ويزيد الفساد، ويستفحل الفجور، فيقع العذاب، ويأتي الدمار والهلاك.
إن المشكلة والمعضلة حينما يقع الفجور من خاصة الناس وليس من عامتهم، وتحدث المجاهرة بالمعاصي من قبل قادة الناس وكبارِهم وأشرافِهم، وهذا نذير خطر، وإشارة خوف ووجل، لأن هذا دليل على اقتراب موعد الهلاك والزوال ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
إن الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في الترف وتنهمك في الملذات، وتقارف الآثام والذنوب، لابد أن يصيبها العقاب ويحل عليها العذاب، يقول عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارُها أبرارَها، وساد القبيلةَ منافقوها.
أسأل الله العلي العظيم، أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يوفق ولاة أمورنا وأمور المسلمين لكل خير، ويجعلهم مغاليق للشر، مفاتيح للخير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ...
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المؤمنين ... لقد ورد ذكر الترف في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها في موضع الذم له والتحذير منه، كما وردت في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة تنهى عن الترف وتحذر من تعلُّق القلب به، وغلو الإنسان في الانغماس في متاع الحياة وملذاتها.
والنبي صلى الله عليه وسلم محذراً أمته من الترف الزائد عن المعقول، ومبيناً لها ما أكدته الآية الكريمة من أن الترف سبب الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام ( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ).
إن دعوة الإسلام إلى ترك الترف، ومحاربته له، لا تعني ترك التنعم بالملذات، وإنما المراد الاقتصاد في الإنفاق وعدم تعلق القلب بها والركون إليها، وإلا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حذر من الترف وأحوال المترفين قد قال ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ) وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ( اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ).
عباد الله ... إن النعم تدر علينا ليل نهار, ومن الناس من يتمادى في المعاصي، ويكثر من الذنوب، ويقصر في طاعة الله، وهذا – والله - ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم، لا سيما مع كثرة النعم, والانغماس في الترف.
يقول بعض علماء الحضارات: إن شيوع الترف وتفشي الانحراف الجنسي والتحلل الخلقي سبب لانهيار الحضارات، وهذا ما نجده في السنة الكونية المستخرجة من كتاب الله سبحانه وتعالى حيث قال ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
فعلى المسلم العاقل اللبيب أن يحذر من الترف الزائد، ويبتعد عن مظاهره وآثاره، لأنه يؤدي بالإنسان إلى مهاو سحيقة ودركات سفلى، وإذا كثر المترفون في الأمة وزاد ترفهم من المشروع إلى الممنوع، ومن المباح إلى الحرام، حل بالأمة العذاب، واستحقت غضب الله ومقته. روى البخاري ومسلم عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ ).
اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، ونعوذ بك من الترف، والإسراف، والكبر، والغرور. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
المرفقات
1243.doc