الترغيب في النفع المتعدي، د. صالح دعكيك

شادي باجبير
1446/04/22 - 2024/10/25 21:28PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: الترغيب في النفع المتعدي، د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر، المكلا، 31/5/2024م

*الحمد لله رب العالمين.

      لقد اختار الله أمتنا المرحومة لتكون خير أمة أخرجت للناس، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران:(110).

   وما ذاك إلا لخصائص وجدت في هذه الأمة، منها: أنها أنفع الأمم لغيرها ولنفسها، فهي أمة هادية لبقية الأمم، تهدى لها الإسلام بالدعوة والعمل، وما دخلت الأمم في أقاصي الأرض إلا لما رأت من حسنه، ومن حسن من يحمله ونفعهم للناس.

     كما أنها أنفع الأمم لنفسها لما تقدمه لأبنائها من النفع المتعدي، الذي يتجاوز النفع الشخصي، ليصل إلى الجماعة، وقد جعل ديننا الحنيف النفع المتعدي خيرا من كثير من العبادات التي تقتصر على الفرد، وجعل ذلك من أعلى العبادات، التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.

     إن العبادات تتفاضل، فليست هي في درجة  واحدة، وينبغي أن يحرص المسلم على الأعلى منها إثقالا لميزانه،   إن كثيرا من الناس قد يغفل عن تلك الأعمال ذات النفع المتعدي، فالعمل الذي فيه إحسان إلى الآخرين، والقيامُ بحوائجهم، والنفع العائد إليهم، والعملُ المؤدي إلى اجتماعهم على الخير، وإزالة أسبابِ الفرقة والعداوة ، مِن أفضل القُرَبات وأحبها إلى الله، كما قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ النساء: (1149).

     ومعنى الآية أنه لا خير في كثير من كلامهم وأحاديثهم، إلا ما يكون ما كانت منفعته متعدية للآخرين، من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، فتلك أعمال جليلة تجعل صاحبها خير الناس.

    وفي سنن الترمذي  (2509) وصحَّحه من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (ألاَ أُخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: (صلاحُ ذات البَيْن، فإنَّ فساد ذات البين هي الحالِقة). لما في إصلاح ما بين الناس من دفع الشر، وحلول الود، واستقرار البيوت والمجتمع، واجتماع الناس على الخير، وتحقق السكينة والمودة.

    إن العمل المتعدي الذي ينتفع به الناس هو العمل الذي يكون صاحبه أحب إلى الله ممن اقتصر في عمله على نفع نفسه.

     ولنستمع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كيف يشيد بمثل هولاء، ليحثنا على التبصر في هذا الباب، فقد أخرج الطبراني في المعجم الصغير(861) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ , وأي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال: ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا، أو يطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهرا ) . صحيح الترغيب 2623.

    إن العمل الذي يقوم به الـإنسان ويكون نفعه عاما للمجتمع، طريق من الطرق القصيرة الموصلة إلى الجنة، ففي صحيح مسلم  (1914) من حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد رأيت رجلاً يَتَقَلَّبُ في الجنة، في شَجَرَة قَطَعَها مِنْ طريق المسلمين، كانت تُؤذي الناس» .

     ورواه أبو داود (5245) بلفظ: «نَزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيرًا قطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عن الطريق، إمَّا كان في شجرة فَقَطَعَهُ، وإمَّا كان موضوعًا، فأماطه عن الطريق، فشكر الله ذلك له، فأدْخَلَه الجنَّة».

     إن أحدنا لا يدري أيَّ عمل من أعماله يكون ذا قبول عند الله عزوجل، فيكون سائقا له إلى جنات الخلود، لهذا لا تحقر من المعروف شيئا وإن قل، ما دام خالصا لوجه الله الكريم.

 عبادالله:    ما أجمل أن نعمق معنى النفع العام في نفوسنا ونفوس أبنائنا، وأن نتقرب إلى الله تعالى به، كما نتقرب إليه بالصلاة والصيام وغيرها، ما أجمل أن نستعذب خدمة الآخرين وقضاء حوائجهم، ونستشعر أننا في عبادة جليلة.

    وما أجمل أن يكون عندنا مجتمع  واع ينفع بعضه بعضًا، ويسعى كل فرد من أفراده إلى لخدمة إخوانه! فإن كان أحدهم موظفًا في مجال التعليم، وجدتَه حريصًا على تلامذته وطلابه، يعلمهم ويرشدهم، ويستفرغ وُسَعَه في النصح لهم، وإن كان موظفًا في مجال الخِدْمات الاجتماعية، وجدته منجزًا لأغراض الناس، متهلِّلًا في تعامله وناصحًا لهم، سعيدًا مبتسمًا لكل من يأتيه لحاجته، وإن كان يشتغل في مجال البيع والشراء وجدته ناصحًا لأخيه، لا يغُشُّه ولا يغالي بالثمن، وإن كان صاحب صنعة، وجدته جادًّا فيها متقنًا لها، حريصًا على تجويد عمله، يراقب الله في ذلك، المهم في ذلك كله أن يكون دافعه وهمه نفعَ الناس وقضاء حوائجهم، وإن تقاضى على عمله أجرا.... وهكذا في جميع مجالات الحياة.

   ومن الأعمال الجليلة ذات النفع المتعدي الشفاعة للناس، وذلك بالسعي في قضائها لهم عند الآخرين، والتوسط لهم في أنجاز حاجتهم، أو السعي لقضاء ديونهم، أو إزالة كربتهم، ففي الحديث: (من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام): رواه ابن أبي الدنيا ، صحيح الجامع (176).

  والموظف في إي موقع كان، في قِطاع عامٍّ أو خاص، ينبغي أن يستحضر هذه العبادة الاجتماعية العالية، فيقوم بسرعة انجاز معاملات إخوانه، وتسهيل طرق خدمتهم لهم، وتذليل الصعاب، سواء بأن يقوم بها بنفسه، أو يدلهم على طرق سرعة إنجازها لهم.

       إن الموظف ينبغي له أن يتعبد الله تعالى من مكان وظيفته، فإن كان العمل المطلوب جزء من وظيفته، كان حقا عليه أن يؤديه بكماله دون تأخير، وإن كان ليس من اختصاصه فيستطيع أن يبصر الجاهل منهم بالتعليمات والأنظمة، تُبيِّن لهم الأفضل والأيْسَر.

   أنه ينبغي أخي المسلم أن تَنصح لإخوانك، كما تَنصح لنفسِك وأحبابك، فالنُّصح للمسلمين ممَّا كان يبايع النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليه بعضَ أصحابه؛ فعن جرير بن عبدِالله - رضي الله عنه – (قال بايعتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على النُّصحِ لكلِّ مسلم). رواه البخاري (57) ومسلم (56).

أيها الفضلاء:

     القُدْرة على الإحسان للناس ونفْعهم قد لا تتيسر دائما في كل وقت، فمَن كان عندَه مالٌ لا يدوم له هذا المال، ومَن له وجاهة عندَ المسؤولين قد لا يستمرُّ هذا الجاه، والمسؤول في وظيفتِه لا يستمرُّ  دوما في هذا العمل الوظيفي، فليتدارك الشخصُ وقتَ القُدرة على إيصال الخيرِ لإخوانِه المسلمين، ونفعهم ودفْع الشر عنهم قبل أن يتمنَّى ذلك ولا يستطيع،.

     إن بعض الشفاعات لا تحتاج إلا لاتصال هاتفي فتقضى الحاجة بعون الله، فكم مِن باتِّصالٍ هاتفي أو بخِطاب مكتوب يُفرِّج الله به كربة مكروب، أو يرْفَع الظلم عن مظلوم، أو يُيسِّر على مُعْسِر.

أحْسِنْ إِذَا كَانَ إِمْكَانٌ وَمَقْدِرَةٌ *** فَلَنْ يَدُومَ عَلَى الإِنْسَانِ إِمْكَانُ

  قال ابن القيم -رحمه الله- : "وقد دلّ العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجلبت نعم الله تعالى، واستُدفعت نقمه بمثل طاعته، والإحسان إلى خلقه". الجواب الكافي: 18.

     أسال الله أن يوفقنا لعمل الخير دائما،  أنه جواد كريم.

          أقول ما تسمعون ........

 ((الخطبة الثانية))

     لقد قسم الله تعالى المنافع  بين الناس كما قسم الأرزاق ، فمنهم من رزقه الله مالا ، ومنهم من رزقه سلطانا ومسئولية، ومنهم من رزقه الله جاها، ومنهم من رزقه الله صنعة، ومنهم من رزقه الله قبولا وإصلاحا بين الناس، ومنهم من رزقه الله مشورة ورأيا، وهكذا ، فكل من هؤلاء عليه منفعة لإخوانه ومجتمعه، فهو عطاء من الله يجب أن يبذل، ومن بخل عن إخوانه بما أعطاه الله، فقد عرض نعمة الله عليه للزوال.

    جاء عند الطبراني(5162) مرفوعا :( إنَّ لِلَّهِ قَوْمًا يَخْتَصُّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غيرهم) . صَحِيح الْجَامِع: 2164

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال).رواه الطبراني (8350) بإسناد جيد. صحيح الترغيب (2618)

     فابذلوا عبادالله نعم الله عليكم واحفظوها من الزوال.

      وهذه دعوة إلى الشباب لاستثمار جهودهم لنكون نافعة لهم، ونافعة لمجتمعهم، في القيام بخدمة المجتمع من خلال نواديهم وتجمعاتهم، سعيا على لأرامل والأيتام، وخدمة للمرضى والعاجزين، وتقديما للعون للطلاب في توفير من يراجع لهم، ودفعا للإضرار حال الطوارئ والكوارث، وسعيا لإزالة أماكن القمامات، وردما للحفر في الطرقات،  والتحذير من تجمعات السوء الضارة بالمجتمع، وممن يضر بالوطن والمواطن...الخ تلك الأعمال التي تريد سواعد فتيه، وإغانة من ذوي المسؤلية، والقدرة والمال، إنها أعمال جليلة، حري أن يتعاون الجميع عليها.

  قال تعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى).

  هذا وصلوا وسلموا علة نبي الرحمة والهدى ، كما أمركم ربكم بقوله : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صبوا عليه وسلموا تسليما) 

                      والحمد لله رب العالمين.

 

 

المشاهدات 189 | التعليقات 0