الترغيب في التوبة

محمد المطري
1446/02/11 - 2024/08/15 14:01PM

الترغيب في التوبة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، يهدي من يشاء بفضلِه، ويُضلُّ من يشاء بعدلِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، سيدُ الأولين والآخرين، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آلِه الصالحين، وصحابته أجمعين.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد:

فإنَّ خير الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.

أيها المسلمون، أمرنا الله جميعًا بالتوبة فقال سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، فإذا أردنا الفوز بالجنة والنجاة من النار فلنتب إلى الله بإخلاص، توبة صادقة، نترك الذنوب والمنكرات الظاهرة والباطنة، ونعمل بالواجبات بقدر الاستطاعة، فالتوبة هي: تركُ الذَّنوب الظاهرة والباطنة، والنَّدمُ على الوقوع في المعصية والتفريطِ في الطاعة، والعزيمةُ على الاستقامة على عبادة الله، والتوبة هي حقيقة الإسلام، والدِّينُ كلُّه داخلٌ في مسمّى التّوبة، وبهذا استحقّ التائبُ أن يكون حبيب الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

والتوبة هي الرجوع عمَّا يَكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يُحبُّه ظاهرًا وباطنًا، فيكون التائب في جميع أحواله حتى في خلواته كما يحب الله، والتوبة غايةُ كلِّ مؤمن، وهي بدايةُ الأمر وآخره، فكل مسلمٍ مأمور بالتوبة وتجديدِها دائمًا ما دام حيًّا، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة، والذنوب نوعان: معاصٍ يقع الإنسانُ فيها، وواجباتٌ يتهاون بها أو لا يقوم بها كما يجب، وأكثر ذنوب الصالحين من النوع الثاني، فمهما قام العبد بطاعة الله فإنه ولا بد مقصِّرٌ فيما يستحقه الله من العبادة والتعظيم والخشية؛ ولذلك شُرِع لمن فرغ من صلاته أن يستغفر الله، وقال الله سبحانه: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [فصلت: 6]، فأمر الله بالاستقامة أولًا، ثم أمر بالاستغفار ثانيًا.

وإنَّ من الواجبات التي يُقصِّر فيها كثيرٌ من الصالحين فضلًا عن غيرهم: الإحسانُ إلى الوالدين في حياتهم وبعد موتهم، وصلةُ الأرحام، ونصرُ المظلوم، وإغاثةُ الملهوف، وإطعامُ المساكين، والحثُّ على إطعامهم، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، والجهادُ في سبيل الله، وغيرُ ذلك من الواجبات التي يقع فيها تقصيرٌ من كثير من الناس حتى من الصالحين، والله المستعان. 

أيها المسلمون، التوبةُ واجبةٌ على كل مسلم ومسلمة من كلِّ معصية، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله لا تتعلق بحقّ آدميٍّ فلها شروطٌ ثلاثة، وهي:

1- أن يُقلِع عن المعصية، سواء كانت أمرًا محرَّمًا يقع فيه، أو كانت أمرًا واجبًا يتهاون به، فيتوب إلى الله بترك المعصية وفعل الواجب.

2- أن يندم على فعل المعصية.

3- أن يعزم على أن لا يعود إلى المعصية أبدًا، فهذه شروط التوبة المقبولة، وهي ثلاثة شروط: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، ويُزاد شرطٌ رابع إذا كانت المعصية تتعلّق بحقّ آدميّ، وهي أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ فإن كان مالًا ردّه إليه، وإن كان غِيبةً استحلّه منها إن أمكن بلا مفسدة، أو أثنى على من اغتابه ودعا له وتصدق لنيته ونحو ذلك، ويجب على كل مسلم أن يتوب من جميع الذُّنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذَّنب، وبقي عليه التوبة من باقي المعاصي والمخالفات التي لم يتب منها، وإنما التوبة بالعمل، والرجوعِ من المعصية إلى الطاعة، وليست التوبة بالكلام، ولا بالاستغفار بلا إقلاعٍ ولا ندمٍ، ولا عزيمة على الاستقامة، قال الله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82]، ووصف الله عباده الصالحين بقوله: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112]، وقال سبحانه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: 112].

عباد الله، لا يقبل الله توبة العبد إذا حضره الموت، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 17، 18].

أيها المسلمون، الله يريد أن يتوب علينا، ومن أسمائه التوَّاب، فهو كثير التوبة على من تاب، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 27، 28].

يا عباد الله، من أراد الجنة فلا بد له من التوبة، فقد جعل الله التوبة شرطًا لدخول الجنة، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [التحريم: 8]، وقد رغَّبَنا الله في التوبة في آيات كثيرة من كتابه، ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 68 - 71]، ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الزمر: 53 - 61].

القرآن يُذكِّرنا بالتوبة، ويحثنا على عبادة الله والاستقامة على طاعته وتقواه، ﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: 54 - 56]، فالله هو أهل التقوى وأهل المغفرة، هو أهلٌ أن نتقيه، وهو أهلٌ أن يغفر ذنوب من استغفره وتاب إليه، ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [سورة هود: 3]، استغفروا ربكم - أيها الناس - فاطلبوا منه ستر ذنوبكم ومحو آثامكم ثم توبوا إلى ربكم فيما تستقبلونه بالرجوع إلى عبادته وحده وطاعته وترك معصيته، فإنكم إن استغفرتم ربكم ثم تبتم إليه يمتعكم في الدنيا بالرزق الحسن وطمأنينة القلب وسرور النفس والعافية إلى وقت موتكم، ويثيب الله كل من أحسن إلى غيره ثواب تفضله بالرزق والسعادة في الدنيا وزيادة الثواب في الآخرة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا.

 


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله غافرِ الذنب، قابلِ التوب، شديدِ العقاب، والصلاة والسلام على رسول الله القائل: ((ويتوب الله على من تاب))، وعلى آله وصحبه التائبين الصالحين، أما بعد:

فيا أيها المسلمون، قد تكون المعصيةُ قلبيةً غير ظاهرة، كالرياء والحسدِ والحقدِ وحُبِّ الشهوات المحرمة والظنِّ السَّيِّء بالعلماء والصالحين، وكتمانِ الشهادة، واحتقارِ المسلم، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 283]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ))، وقد تكون المعصيةُ قوليةً كالسَّب والغِيبة والنميمة، وقد تكون المعصيةُ فعليةً كالسرقة والغش والظلم والربا والزنا وشرب الخمر والنظر الحرام ومجالس الفسوق، وقد تكون المعصيةُ تركيةً كتركِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركِ العدل بين الأولاد الزوجات، وتركِ النفقةِ على الأهل، وتركِ إكرامِ اليتيم، وتركِ الإحسانِ إلى المسكينِ وابنِ السبيل، وتركِ الحثِّ على إطعام المساكين، وتركِ عيادة المريض، وترك ردِّ السلام، وتركِ تشميت العاطس، وتركِ قضاءِ الدين أو المماطلةِ بقضائه مع السَّعة، وغيرِ ذلك من الواجبات التي يقع التهاون بفعلها، وتُشرع التوبةُ من فعل المكروهات، كمن يرفع صوته بلا حاجة، فيتوب إلى الله بغض صوته، وكمن يلتفت بنظره في صلاته، فيتوب إلى الله بالخشوع والنظر إلى موضع سجوده، وتُشرع التوبة من ترك المستحبات، كمن يترك البسملة في أكله وشربه، فيتوب إلى الله بقولها، وكمن يتركُ الصلاة في المساجد جماعة فيتوب إلى الله بالمحافظة على الصلاة جماعة، على أن بعض العلماء يُرجِّحون أن الصلاة في المساجد جماعةً واجبةٌ على كل رجل قادرٍ.

أيها المسلمون، لنتب إلى الله جميعًا توبة نصوحًا، توبةً من الذنوب الظاهرة والخفية، توبةً من المعاصي التي نقترفها، توبةً من الفرائض والواجبات والسنن التي نتهاون بها، توبةً من المكروهات التي نفعلها بلا حاجة، توبةً من سوء الأخلاق، فالمسلمُ من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، توبةً من إيذاء الجيران والضعفاء والتقصير في حقوقهم، توبةً من إيذاء الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها، والتقصير في حقوق الزوجية، فخير الرجال خيرهم لأهله، وخير النساء خيرهن لأهلها.

أيها المسلمون، التّوبةُ من أفضل مقامات السالكين؛ لأنها أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أبدًا، ولا يزال العبد الصالح مجدِّدًا للتوبة إلى أن يلقى ربَّه، فالتوبة بداية الاستقامة ونهايتها، وحاجة العبد إلى التوبة في النِّهاية ضروريّة، كما كانت حاجته إليها في بداية هدايتِه، وآخر سورة قصيرة أنزلها الله على رسوله هي سورة النصر، وفيها الأمر بالتوبة: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 3]، فالتوبة التوبة يا عباد الله، يجب علينا كلِّنا أن نحاسب أنفسنا، ونتوب إلى الله من ذنوبنا كلها، والله يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه، ويُبدِّل سيئاته حسنات إن تاب وأصلح عمله، قال ربنا الكريم الأكرم: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 89]، ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 146، 147]، ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 119]، فإذا وقعت أيها المسلم في معصية فبادر إلى التوبة، واعمل بعدها طاعة وعبادة، يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)).

اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلَّها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها، اللهمّ أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوءُ لك بنعمتك علينا، ونبوء لك بذنوبنا فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، وجنِّبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، واجعلنا من التوابين الصادقين، اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، ووفِّقنا للتمسك بسنةِ نبيك عليه الصلاةُ والسلامُ واتباعِ سبيلِ صحابتِه بإحسان، ونعوذ بك من الشرك والبدع والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعِنَّا على ذِكْرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتك، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم تُب علينا لنتوب، ووفقنا للتوبة النصوح، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمه يزدكم، وتوبوا إليه يغفرْ لكم.

 

المرفقات

1723719670_الترغيب في التوبة.docx

1723719670_الترغيب في التوبة.pdf

المشاهدات 161 | التعليقات 0