التربية والتعليم سبيل التقدم والرقي (بتاريخ 23-10-1434هـ)
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان، الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفاض على عباده بنعمه الكثيرة وأعظمها نعمة الإسلام، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله علمه ربه فأحسن تعليمه وتأديبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
فيأيها المؤمنون والمؤمنات: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتعلموا من أمور دينكم ما ينفعكم في الآخرة والأولى، فبالعلم تنهض الأمم وتتقدم، وبه تنال الرفعة في الدنيا والآخرة:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: 282).
عباد الله: اعلموا أن العلم نعمة ومنّة من الله جل وعلا، يتفضل بها على من يشاء من عباده، فهو نور وهدى ورحمة للمؤمنين، وهو سبيل لصلاح شؤون أمر الدنيا والدين.
والعلم سببٌ لسعادة صاحبه في الدنيا والآخرة إن هو قام بحقه، وعمل به، ودعا إليه، وعلّمه غيره. قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(رواه البخاري)، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين)(رواه البخاري).
وهذا العلم يبقى أجره وثوابه لصاحبه حتى بعد موته، فكل أعمال العباد تنقطع بوفاتهم إلا من علّم علماً، أو تصدق بصدقة جارية أو أوقف وقفاً ينتفع به، يقول صلى الله عليه وسلم:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(رواه مسلم). وهو الطريق الذي من سلكه سار به إلى رضا الرب جل وعلا وجنات النعيم.
ولقد أمر الله جل وعلا عباده بالتبصر بأمور دينهم، وتعلم العلم الشرعي الذي ينير لهم الطريق لصلاح أمر الدنيا والآخرة، فقال جل وعلا مخاطباً له رسوله الكريم وهو لأمته من بعده:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ..}(المجادلة:11).
وقد أثنى الله جل وعلا على العلماء وبين فضلهم في كثير من آيات القرآن الكريم، فقال جل وعلا:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران: 18)، وقال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..}(فاطر: 28). وقال صلى الله عليه وسلم:(.. وإنَّ العالِمَ ليستغفر له مَن في السَّموات ومَن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه، أخذ بحظٍّ وافر)(رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني).
إن تعلم العلم يقوّم سلوك الإنسان، ويصلح زيغه وفساده، ويسدده ويعلي من شأنه، ويحقق همته وأمله، وينفع به مجتمعه ووطنه وأمته. قال علي رضي الله عنه: "العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم حاكم والمال محكوم، مات خزان الأموال وبقي خزان العلم، أعيانهم مفقودة وأشخاصهم في القلوب موجودة".
عباد الله: إن التربية والتعليم وظيفة هامة لإعداد الرجال، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، وتحقيق الأهداف؛ ليكون الإنسان قادرًا على تحقيق أهدافه النبيلة وغاياته السامية. وهي تجسد أهداف الأمة التي تعيش من أجلها وتموت في سبيلها، وتجسد العقيدة المستقرة في قلوب أفرادها، واللغة التي تنسج بها حضارتها، والمثل الأعلى الذي تتطلع إليه، والتاريخ الذي تغار عليه.
إن أمتنا بحاجة إلى نظام تربوي وسياسة تعليمية تناسب طبيعتها، وتسير مع مثلها العليا في عقيدتها وشريعتها؛ لتعود لها عزتها وتسترد أمجادها. هذه التربية الإسلامية وتلك المنهجية والسياسة التعليمية تكون واضحة تنتظم معها كل سنوات العمر ومراحل الدراسة، ويكون التغيير بها عمليًا إلى الصلاح والإصلاح واستعادة العزة وتثبيت الكرامة، وتُصلح القلوب والنفوس وتزكي العقول.
عباد الله: وفي هذه الأيام يستعد الطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات لاستقبال عام دراسي جديد، ينهلون فيه من مناهل العلم والمعرفة، ويشجعهم على ذلك أولياء أمورهم ببذل الأسباب التي تعينهم على طلبه.
فعلى الطلاب والطالبات أن يجددوا نيتهم عند طلبهم للعلم، وأن يخلصوا العمل لله وحده، لينتفعوا به، ويؤجروا عليه، ويعلموا أن العمل بالعلم هو أعظم ثمار طلبه، وأن يبذلوا الأسباب التي توصلهم إلى النجاح والتفوق.
وعليهم أن يتأدبوا مع معلميهم ويحترموهم ويوقروهم، وأن يعترفوا لهم بالفضل.
وأقول للمعلمين والمعلمات احمدوا الله واشكروه أن شرفكم بهذه المهمة العظيمة وهي مهمة الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين، وعليكم أن تضعوا نصب أعينكم تحقيق الأهداف الموصلة إلى صلاح الأبناء والبنات، وتفوقهم، وتقدمهم الدراسي، وأن توجهوهم إلى الالتزام بالأخلاق الإسلامية والآداب المرعية والتمثل بالمكارم والفضائل في المدرسة والبيت، وفي الشارع والسوق وفي ميادين الحياة كلها. وأن يكون ذلك من أهم مطالبكم، لتحققوا غرسًا يدين للإسلام أولاً وللأمة ثانيًا، وعليكم أن تبذلوا قصارى جهدكم لتربيتهم على الولاء الصادق والمحبة الحقيقية لدينهم ولنبيهم ولوطنهم.
وذكروهم ببعض القصص والنماذج والقدوات من سيرة سلفنا الصالح في كل مجال لتغيروا بعض السلبيات التي وقعوا فيها، فهي مسؤولية كبيرة تقع على عواتقكم، وواجب محتم نحو أمتكم، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
عباد الله: ومما لا يخفى عليكم أن أبناء اليوم هم رجال الغد، وهم الذين سيتولون في المستقبل توجيه سفينة المجتمع وإدارة شئونه؛ فإذا قمنا اليوم بتوجيههم الوجهة الصالحة التي أمر بها ديننا الحنيف؛ تخلصت مجتمعاتنا من أمراض اجتماعية خطيرة وسلبيات كثيرة مدمرة.
وأولياء أمور الطلاب والطالبات والمدرسون والمدرسات يقع عليهم العبء الأكبر لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاب؛ فالأب مع أبنائه في البيت، والمدرس مع طلابه في المدرسة؛ فينبغي أن يكون كل منهم متفهماً لرسالة الآخر، وأن يتعاونوا بقدر استطاعتهم على نفع الأبناء وتربيتهم وتوجيههم.
وحينما يكون الأب والمدرس كلاهما ملتزماً بسمت الإسلام سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق؛ يظهر أثر ذلك على الطلاب والطالبات ويستفيدون مما يرونه ويتعلمونه في حياتهم الدينية والدنيوية.
لقد سخرت قيادة بلادنا أيدها الله بالحق كل الوسائل الممكنة والمعينة على طلب العلم وتعلمه، ولم تبخل على جهات التعليم بداية من المرحلة التمهيدية حتى نهاية المراحل الدراسية بالجامعات بكل الإمكانات المتاحة، فليحرص كل واحد منا على عمله، وعلى حفظ الأمانة التي ولاه الله إياها، ويجتهد في بذل الأسباب التي تعينه على أداء واجبه نحو أبنائه ومجتمعه ووطنه وأمته.
بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: 1 ـ 3).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقوه، فمن أحسن فله الحسنى وزيادة، ومن أساء وحاد عن الصراط فله البوار والخسران وسكنى دار الندامة.
أيها المؤمنون والمؤمنات: اعلموا أن الأمن ضرورة عظمى يبحث عنها كل مجتمع من مجتمعات البشرية، وحيثما كان الأمن كانت السكينة والطمأنينة والحياة السعيدة، فبالأمن تقوم المصالح، وتستقيم الأمور، ويسعد الناس بحياتهم، وبفقده تضيع الحقوق، وينتشر الخوف، وتحصل الفوضى؛ فلا يأمن الإنسان على نفسه، ولا على أهله وعرضه وماله.
فنعمةُ الأمن هِبَةٌ مِن الله، ومنَّةٌ منْه تستوجب الشُّكر والحمد؛ لأنَّها إذا اختلَّت، فسدت حياة الناس، وحلَّ الشَّقاء مكانَ السَّعادة، والفوضى مكان النِّظام، والخوف مكان الاطمئنان، والجوع مكان الرَّغَد، والظُّلم والعدوان مكان العدل والرَّحْمة، وتعطيل الْمَصالِح مكان إقامتها، والتَّفْرِقة والتمزُّق مكان الوحدة والاستقرار، والهرج والمرج مكان السَّلامة والعافية، ففي رحاب الأمن يُحفظ الدِّين، والنْفُس، والعرض، والمال، والعقل.
عباد الله: لقد امتن الله جل وعلا على هذه البلاد المباركة بنعمة الأمن لما استسلمت لدين الله، وانقادت لأوامره ونواهيه، وحكّمت شرعه، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، ونشرت العلم والخير في ربوع العالم بأسره.
فعلينا أن نحفظ هذه النعمة لكي تدوم لنا، وأن نشكر المنعم عليها بأداء ما أمرنا به، والانتهاء عما نهانا عنه، وأن نتذكر قول الله جل وعلا:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}(قريش)، وقوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأنعام: 82). ولنكن ممن قال الله فيهم:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7). وأن نتذكر حال الناس من حولنا ممن أصابهم ضعف الأمن وكثرة القلاقل والمشاكل والمحن.
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وإيماننا، وعلمائنا وولاة أمرنا، وأن يوفق طلابنا وطالباتنا، وأن يجعل هذا العام عاماً دراسياً مباركاً يكون فيه الخير والتوفيق والسداد للأبناء والبنات وأولياء أمورهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
الجمعة:23- 10- 1434هـ