التربية عن طريق ... مقالات في التربية للأستاذ محمد جابر

التربية عن طريق الالتزام بالعادات الإيجابية
محمد بن سالم بن علي جابر


العادة تعني: "تكْرير فعل الشَّيء الواحد مرارًا كثيرة، زمنًا طويلاً، في أوْقات متقاربة"[1]؛ ولهذا قيل: "العادة طبع ثانٍ"؛ وذلك لأنَّها تشبه الطَّبع الأوَّل - وهو الخُلُق الطَّبيعي - في شدَّة ثباتِها ورسوخها في النَّفس[2].

والإنسان عبارةٌ عن مجموعة من العادات، تكيِّف سلوكَه تجاه الحوادث والوقائع، وتساعده على مواجهة متطلَّبات الحياة، وسدِّ حاجاته، وتعزيز فطرتِه[3]، وهو ما يدل على الدَّور الهامِّ الذي تلعبه العادة في حياة الإنسان، فحين ينشأ الإنسانُ على العادات الحسَنة يدل ذلك على تكيُّفه وصحَّته النفسيَّة، ويؤهِّله ذلك للحصول على مكانة اجتماعيَّة راقية في المجتمَع، تُشْعِره باحتِرام ذاته داخل الهيْئة الاجتماعيَّة الَّتي ينتسب إليْها؛ ومن هنا تَظْهر أهمِّيَّة تربية العادات الحسنة لدى النَّاشئة في مرحلَتَي الطُّفولة والصبا؛ ليكون ذلك عونًا لهم بعد ذلك في مسيرة حياتِهم[4].

لهذا نجِد الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يَحرص على استِخْدام أسلوب التَّربية عن طريق العادات الصَّالِحة منذ الصِّغر؛ حتَّى ينشأ النَّشْء عليْها، وتلازمهم عند شبابِهم وشيخوختِهم، وفي نفْس الأمر لا تكلِّف شيئًا إلاَّ التَّوجيه السليم؛ فمَن شبَّ على شيءٍ شاب عليْه، ويدلُّ على ذلك ما رواه عمر بن أبي سلمة - رضِي الله عنْهما - قال: كنت غلامًا في حِجْر رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وكانت يدِي تَطيش في الصَّحْفَة، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكل ممَّا يليك))[5].

فالرسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هنا قد عمَد إلى تغْيير العادة السَّيئة الَّتي اتَّبعها هذا الطِّفْل في الأكل، وأحلَّ محلَّها عادة إيجابيَّة، وهذا هو منهج الإسْلام في التَّربية بالعادة، حيث يستبدل العاداتِ الحسنةَ بالسيِّئة.

ولهذا الاستِبدال طريقان:
أحدهما: طريق الحَسْم والإزالة، إذا كانت العادة تتَّصل بأصل التصوُّر والعقيدة والارتِباط المباشر، فإنَّ الإسلام يقطع هذه العادة قطعًا مباشرًا؛ لأنَّها كالورم الخبيث، لا بدَّ من أن يُجتثَّ ويُسْتأصل من جذوره؛ لأنَّه يتعارض مع الحياة النفسيَّة، ومثال ذلك: موقف الإسلام من عبادة الأوْثان، والكذب، والكِبْر... إلخ.

ثانيًا: التدرُّج البطيء، وذلك في العادات الاجتماعيَّة الَّتي لا تقوم على مشاعِر الفرد وحدها، بل ترتبِط بأحوال اجتماعيَّة واقتصاديَّة متشابكة، ومثال ذلك: موقف الإسْلام من الخمر، والربا، والرق ... إلخ.

وتغْيير العادات السلبيَّة يحتاج من المرْء إلى عزيمة ماضية قويَّة، لا تسمح بأي استثناءات أو عوارض، تتخلَّل ما عزم عليه الإنسان من ترْك العادة السيئة، وإحلال العادة الحسنة محلَّها، فمثلاً إذا عزم المرء على ترْك عادة التَّدخين، فيجِب عليْه ألاَّ يسمح لنفسِه ألبتَّة بتناوُل - ولو نفَسًا واحدًا - من الدخان، وكذلك إذا كان متواكِلاً أو متكاسِلاً، فلا يسمح لنفسِه بتأْجيل عملِه عن وقْتِه مهْما كانت الظُّروف؛ لأنَّه لو سمح لنفسِه بشيء من هذه الاستِثناءات، كان ذلك بمثابة الصَّدع في البنيان، فإنه لا يلبث بعده أن ينهدِم[6].

وحتى تتمَّ التربية بالعادة - أيضًا - فإنَّه لا بدَّ من تعاوُن جميع الأجهزة في ذلك، صغيرها وكبيرها: من الأسرة، والمؤسَّسات التعليميَّة، والثَّقافة الجماهيريَّة بأنواعها، وأنظِمة الحكم؛ وذلك بتهْيئة الظروف للعادات الحسنة لتحلَّ محلَّ العادات السيِّئة؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاشئة والشباب يعترف بخطئِه، وبارتِكابه للعادات السيِّئة؛ إلاَّ أنَّ وجود المناخ السيِّئ وإتاحة الفرصة لها يجذبه نحوها، ويجعلها تُلازِمُه وتعترض تفكيرَه[7].



ــــــــــــــــــــ
[1] - الدراسات النفسية عند المسلمين، د/ عبدالكريم العثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، ص (219).
[2] - الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر: أسبابه ومظاهره وعلاج الإسلام له، د/ مصطفى نصر أبو المكارم شريف، رسالة دكتوراه، كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا، جامعة الأزهر، 1410هـ- 1990م. ص (489).
[3] - علم النفس التربوي والتوافق الاجتماعي، د/ عبدالمجيد عبدالرحيم، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1981م، ص (147).
[4] - تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، محمد السيد محمد الزعبلاوي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 4، 1419هـ / 1998م، ص (342).
[5] الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر، مرجع سابق، ص (498)، والحديث أخرجه البخاري (9/521) كتاب الأطعمة، باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)، ومسلم (3/1599) كتاب الأشربة، باب: آداب الطَّعام والشَّراب (108/2022).
[6] تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، مرجع سابق، ص (366، 367).
[7] الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر، مرجع سابق، ص (488).

المصدر: الألوكة
المشاهدات 12455 | التعليقات 9

التربية عن طريق السلوك العملي


محمد بن سالم بن علي جابر



من أساليب التربية وطُرُقِهَا التي رَبَّى الإسلامُ والسنة النبوية بها المسلمين - التربية بالعمل، ويتجلَّى ذلك بصورة رائعة في فرائض الإسلام، وما تبعثه في المرء من قوة الإرادة، وتزكية النفس، والحرص على النظام والتوازن، وما تشيعه بين الناس من مساواة وتكامل وتضامن، وما تعكسه على المجتمع من تَمَاسُك وتكافُل، وعلى البيئة من جمالٍ وبهاء وصفاء.

فالصلاة رياضة جسمية، يُشْتَرَطُ فيها النظافة، التي تتحقق بالطهارة من الحَدَث الأكبر والأصغر، وطهارة الثياب والمكان؛ وبهذا يحافظ المُصَلِّي على نظافته الشخصية، وعلى نظافة وجمال المكان الذي هو فيه، والبيئة التي تضمه، وهذه هي (التَّربية الصِّحيَّة)، ثم إنه يتابع الحركات؛ قياماً، وركوعاً، وجلوساً، وسجوداً، فتلك (تربية جِسمِيَّةٌ وبدنيةٌ)، ثم إنه يقرأ القرآن الكريم؛ فَيَتَدَبَّره، ويَتَفَكَّر فيه، وتلك (تربية عقلية وفكرية)، ثم إنه يُسَبِّح الله - تعالى - ويمجده وينزهه، ويتوجه إليه وحده بالعبادة، وتلك (تربية إيمانية وعقائدية)، ثم إنه يدعو الله تعالى، وتطيب نفسه بالتوسل والتضرع إليه، وتلك (تربية روحية)[1].
والزكاة عبادة مالية يفرضها الله - تعالى - على الأغنياء من المسلمين؛ فَيُطَهِّر بذلك نفوسَهُم من الشُحِّ والبُخْلِ، ويُنَقِّي طباعهم من الأَثَرة، ويغرس في أخلاقهم الجود والإيثار والمواساة.

وهذه الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء تُصْرَف إلى فقراءِ المسلمين ومساكينهم؛ فتُزيل ما في نفوسهم من حقد أو حسد للأغنياء، فتطيب بذلك نفُوسُهُم، وتَصْفُو طَبَائِعُهُم، وتَتَرَقَّى أخلاقُهُم، ويشيع التآلف والتحابُّ بين المسلمين، أغنيائِهم وفقرائِهم، في مجتمعٍ متكافلٍ متوازنٍ، لا تتكدس فيه الثروات في أيدي البعض، ويبقى البعض فقيراً مُعْدَماً؛ وهو ما عبر عنه الحق - سبحانه - بقوله: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7].

وفي الصيام تربية لإرادة الفرد، وهو منهج فذّ في الإسلام في تربية الإرادة؛ حيث يدربها في ظلال الحظر، تدريباً ربانيّاً على أن تفعل أو لا تفعل، فتتحمَّلُ المَشَاقَّ، راضيةً مرضيةً، مراقِبةً لربها، مأمورةً بأوامِرِهِ، بلا سلطان لأي إنسان. وهذه سِمَةٌ لا توجد في أية مِلَّةٍ، ولا في أية نِحْلةٍ.

فليس هناك رقيبٌ أو رئيسُ عَمَلٍ يمسك سَوطاً يُلْهِبُ به ظهر الإنسان ليعمل، إنما هناك الرقيب الأعلى؛ الذي يعلم ما يَلِجُ في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها.

فالأثر التربوي للصيام يتلخص في تربية الروح وتربية الخُلُق، حيث يتعودُ الإنسان ضبطَ نفسه ومجاهدة شهواته؛ وبذلك تتقوى الإرادة فيه، وهي (تربية اجتماعية)؛ إذ يجعل الفردَ يفكر في حاجة الفقير والمحتاج، وفيه شعور بالمساواة والإخاء، وفيه (تربية جسدية)؛ إذ يروض الجسم، ويقويه، ويجعله قادراً على تَحَمُّلِ المَشَاقِّ، فضلاً عن الجوع والعطش[2].

ثم يأتي الحج ليكمل تلك المنظومة التربويَّة الإسلامية بطريق العمل، وبالرغم من أنه مفروض مرة واحدة في العمر؛ فإن أثره في النفوس والأرواح يدوم طويلاً؛ ولذلك قلما تجد امرأً أدى فريضة الحج، إلا وتراوده نفسه بمعاودة أدائه مرات ومرات، بل إنَّ شَغَفَ من أدى تلك الفريضة بإعادتها وتكرارها مرات أخرى أشدُّ - في كثير من الأحيان - من شغف من لم يتيسر له أداؤها.

فالحاجُّ يترك مالَهُ وأهلَهُ ووطنَهُ في أيام الحج، التي يتجَرَّد فيها من كل مُغْرِيات الدنيا، ويُقبِلُ بروحه وقلبه على خالقه سبحانه، فيشعر بالحياة الطيبة في كَنَفِ الله تعالى؛ فتتهذب مشاعره، ويترقى وجدانه، فما أعظمَها من تربية وجدانية ورُوحية!

ثم إنه يتجرد من ملابسه وجاهه وسلطانه؛ ليقف جنباً إلى جنب بملابس الإحرام إلى جوار غيره من المسلمين؛ فيزداد الاتحاد بينهم، ويشعر الجميع بأن الذي يربط بينهم جميعاً هو رباط الإيمان بالله تعالى، وحبله المتين الذي من تمسك به نجا، ومن تركه ضلَّ وغوى؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103].

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر: تربية الناشئة في ضوء السيرة، للشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، ص (244).
[2] ينظر: المؤتمر الرابع، ص (246).


التربية عن طريق القدوة الصالحة


محمد بن سالم بن علي جابر



إن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا ويعملُ بها، وبدون ذلك تظلُّ تلك المناهجُ والنظرياتُ حِبراً على ورق، لا تتحقق جدواها ما لم تتحول تلك المناهجُ إلى سلوكٍ عَمَلِيٍّ يسير عليه الأفرادُ في تَصَرُّفَاتِهِم وَمَشَاعِرِهم وأفكارِهم[1].

ولذا كان المنهجُ الإلهيُّ - في إصلاحِ البشريَّةِ وهدايتِها إلى طريقِ الحقِ - مُعتمِداً على وجودِ القُدْوَةِ التي تحوِّل تعاليمَ ومبادئَ الشريعةِ إلى سلوكٍ عمليٍّ، وحقيقةٍ واقعةٍ أمام البشر جميعاً؛ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القدوةَ التي تترجم المنهج الإسلامي إلى حقيقة وواقع، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، ولما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - عن خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - قالت: ((كان خُلُقُهُ القُرآنَ!))[2].

مواقفُ من السيرة النبوية تبيِّنُ أهميةَ القُدوة وأثرَها:
ولقد تجلَّى تأثيرُ القُدوة في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجَدوَاها الكبيرة - التي لا تتوافر لمجرد الدعوة النظرية - في كثير من المواقف التي كان لها ظروفُها الخاصَّة؛ حيث لا يُجدِي فيها مجردُ الأمر والكلام النظري، بل لا بد فيها من التطبيق العملي؛ ليتعمق أثرُها في النفوس، ومن ذلك ما يلي:

1- الزواجُ من امرأةِ الابنِ بالتَّبَنِّي:
كانت عادةُ التَّبَنِّي مُتَأَصِّلَةً بين العرب قبل الإسلام، وكانوا يعاملون الابن بالتبني معاملةَ الابن من الصُّلبِ؛ فيحرِّمون الزواجَ من امرأتِهِ، ويُعظِّمون هذا الأمر جدّاً، فلما جاء الإسلام وَحَرَّم التَّبَنِّي، وأراد اقتلاعَ آثار الجاهلية من نفوس المسلمين؛ لم يكتفِ - في ذلك - بالدعوة النظرية لتحريم التبني وهدم آثاره؛ بل دَعَمَ تلك الدعوةَ النظرية بالتطبيق العملي؛ فأُمِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتزوج من زينبَ بنتِ جحش - رضوان الله عليها - التي كانت زوجةً لزيدِ بن حارثة، الذي تَبَنَّاه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وكان يُدْعَى زيدَ بنَ محمد؛ قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب:37].

وهكذا أجرى الله - عز وجل - إبطالَ الآثار الجاهليةِ للتبنِّي "على يد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومولاهُ زيدِ بن حارثة، وابنةِ عمته زينب بنت جحش؛ ليكون درساً عمليّاً قويّاً، في تحقيق ما أمر الله - تعالى - به، وتنفيذه؛ مهما كانت الرَّغبةُ والهوى، ومهما كانت الآثارُ والنتائجُ.

وهذا شأن المؤمن دائماً مع اللهِ - تعالى - وأوامرِهِ؛ يسمعُ ويطيعُ، ويلبي ويستجيبُ، رَغِبَتْ نفسه في ذلك أم لم تَرْغَبْ، وافقَ المجتمع - مِن حولِه - أم لم يوافِق، رضي الناس عن فعله أم كرهوا!! فالأمر أولاً وأخيراً لله رب العالمين"[3].

2- النَّحْرُ والحَلْقُ للتحلُّلِ من عُمْرَةِ الحُدَيِبِيَةِ:
لما صدَّ المشركون الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش؛ كان وقع ذلك عظيماً على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أمرهم - عليه السلام - بنحر ما معهم من الهَدْي ليُحِلُّوا من إحرامهم؛ لم يستجب أحد من الصحابة لهذا الأمر، مع شدةِ حرصهم على طاعتِه، صلى الله عليه وسلم.

وهنا يتجلى الأثرُ العظيم للقُدوة؛ إذ أشارت أمُّ سَلَمَةَ - رضوان الله عليها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم هو أولاً فينحرَ بُدْنَهُ ويحلقَ شعرَه؛ لأن صحابته سيقتدون به عند ذلك لا محالة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نَحَرَ بُدْنَهُ، ودعا حالقَه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فَنَحَروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً!"[4].

ففي هذه القصة دلالة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل؛ ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث؛ فلم ينصاعوا للأمر؛ نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ؛ حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً. ولهذا يدعو الإسلام إلى دعم القول بالعمل، ومطابقة الأفعال للأقوال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف:2, 3].

ويطول بنا الأمر جدّاً؛ لو حاولنا استقصاء المواقف التي كان فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوةً لأصحابه، وإنما يمكن القول - إجمالاً - بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لأصحابه في كل شيء، وفي جميع المجالات..

ففي الغزوات يتقدمُ الصَّحابةَ، أو يوجِّههم من مركز القيادة، وكان في غزوة الخندق يربطُ الحجر على بطنه! ويحفر الخندق مع الصحابة، ويرتجز مثل ما يرتجزون؛ فكان مثالاً للمُرَبِّي القدوة، يتبعه الناس، ويعجبون بشجاعته وصبره، صلى الله عليه وسلم.

وكان قدوةً في حياته الزوجية، والصبرِ على أهله، وحُسن توجيهِهِنَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهْلِهِ، وَأَنا خَيْرُكُم لأَهْلِي))[5].

وكان قدوةً في حياته الأبوية، وفي حُسن معاملته للصِّغار، ولأصحابه، ولجيرانه، وكان يسعى في قضاء حوائجِ المسلمين، وكان أوفى الناس بالوعد، وأشدَّهم ائتماناً على الودائع، وأكثرَهم ورعاً وحذراً من أكل مال الصدقة، أو الاقتراب مما استرعاه الله من أموال المسلمين.

وكان أفضلَ داعيةٍ إلى الله - سبحانه - يصبرُ على الشدائدِ الناجمةِ عن كيد أعداء الله وأعداء الفضيلة وتواطئهم، وكان حازماً لا يفقد حزمَه في أشدِّ المواقفِ هولاً وهَلَعاً وجَزَعاً؛ لأن ملجأَهُ إلى الله -سبحانه - يستَلْهِمُ منه القوةَ والصبر، وموقفُهُ من ثقيفٍ في الطائفِ - عندما ذهب لدعوتهم - خير دليل على ذلك[6].

تأثيرُ القدوةِ الصالحةِ في الأطفال:
لا يَسْهُلُ على الطفلِ إدراكُ المعاني المجردة؛ لذا فهو لا يقتنعُ بتعاليمِ المربي وأوامره بمجرد سماعها، بل يحتاج مع ذلك إلى المثالِ الواقعيِّ المشاهَدِ، الذي يدعمُ تلك التعاليمَ في نفسِهِ، ويجعله يُقْبِلُ عَلَيها ويَتَقَبَّلُها ويعملُ بها.

وهذا أمرٌ لم يَغْفُل عنه السَّلَفُ الصَّالِحُ، بل تَنَبَّهُوا له، وأَرْشَدُوا إليه المربين، فها هو عمرُو بن عتبةَ يُرشِد مُعلِّمَ ولدِه قائلاً: "لِيَكُنْ أولَّ إصلاحُكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك؛ فإن عيونَهم معقودةٌ بعينك، فالحَسَنُ عندهم ما صَنَعْتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ!"[7]؛ وهذا يؤكدُ أنه لا سبيل إلى التربيةِ السليمةِ إلا بوجود قُدوةٍ صالحةٍ تغدو نموذجاً عمليّاً للامتثال للأوامر، والاستجابة لها، والانزجار عن النواهي، والامتناع عنها[8].

وقد كان شبابُ الإسلام وناشئوه في عصر النُّبوَّةِ يحرِصون على الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقليدِهِ ومحاكاتِهِ في جميع أمورِهِ؛ في وُضُوئِهِ، وصلاتِهِ، وقراءَتِهِ للقرآن، وقيامِهِ، وجلوسِهِ، وكرمِهِ، وجهادِهِ، وزهدِهِ، وصلابتِهِ في الحق، وأمانتِهِ، ووفائِهِ، وصبرِهِ... إلخ[9].

ومما يروى من ذلك: ما أخرجه البخاريُّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:
((بِتُّ عند خالتي ميمونةَ ليلةً، فقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فلما كان في بعض الليل، قام رسول الله فتوضَّأ من شَنٍّ معلَّقٍ[10] وُضوءاً خفيفاً، ثم قام يصلي، فقمتُ فتوضَّأتُ نحواً مما توضأَ، ثم جئتُ فقمتُ عن يساره، فحوَّلني فجعلني عن يمينِه، ثم صلى ما شاء الله...)) الحديث[11].

وأولُ المطالَبين بالقدوةِ الحسنةِ هما الوالدانِ؛ لأنَّ الطفلَ الناشئَ يراقبُ سلوكَهما وكلامَهما، ويتساءل عن سبب ذلك، فإن كان خيراً فخير.. فهذا عبدُ الله بن أبي بَكْرَةَ يراقبُ - وهو طفلٌ - أدعيةَ والدِهِ، ويسألُه عن ذلك، ويجيبُه والدُه عن دليلِ فِعْلِه هذا:
فعن عبدِ الله بن أبي بَكْرَةَ - رحمه الله - قال: (قلتُ لأبي: يا أبتِ، أسمعُك تقول كلَّ غَدَاةٍ : "اللهمَّ عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت"، تكرِّرُها ثلاثاً حين تصبحُ، وثلاثاً حين تمسي؟! فقال: يا بني، إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهن، فأنا أحب أن أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ)[12].
فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامرِ الله - تعالى - وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - سلوكاً وعملاً، والاستزادةِ من ذلك ما وَسِعَهم ذلك؛ لأنَّ أطفالَهم في مراقبةٍ مستمرَّةٍ لهم، صباحَ مساءَ، وفي كل آنٍ، "فقدرةُ الطفل على الالتقاطِ الواعي وغيرِ الواعي كبيرةٌ جدّاً، أكبرُ مما نظنُّ عادةً، ونحن نراه كائناً صغيراً لا يدرِك ولا يَعي"[13].

فوائدُ القدوةِ الصالحةِ في تربيةِ النشءِ:
تؤتي القدوةُ الصالحةُ فوائدَ تربويةً عظيمةً في تنشئةِ الصغارِ، نذكر منها:
• تحقيقُ الانضباطِ النفسيِّ، والتوازنِ السلوكيِّ للطفلِ.
• وجودُ المَثَلِ أو النموذجِ المُرْتَقَبِ في جانبٍ من الكمال (الخُلُقِي، والديني، والثقافي، والسياسي)؛ حيث يثيرُ في النفسِ قَدْراً كبيراً من الاستحسان والإعجاب والتقدير والمحبة.
• مستوياتُ الفهمِ للكلامِ عند الناس تتفاوتُ، لكنَّ الجميعَ يتساوى عند النظر بالعين؛ فالمعاني تصل دون شرح!
• القدوةُ - ولا سيما من الوالدين - تُعْطِي الأولادَ قَنَاعةً؛ بأنَّ ما عليه النموذجُ القدوةُ هو الأمثلُ الأفضلُ الذي ينبغي أن يُحتذَى.
الأطفالُ ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم نظراتٍ دقيقةً فاحصةً، ويتأثَّرون بسلوكهم دون أن يدركوا! ورُبَّ عملٍ - لا يُلْقِي له الأبُ أو الأمُّ بالاً - يكونُ عند الابنِ عظيماً![14].
ــــــــــــــــــــــ
[1] التربية على منهج أهل السنة والجماعة، جمع وترتيب: أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص (251).
[2] أخرجه مسلم (1/512-513) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل (139/746)، والبخاري في الأدب المفرد رقم (308)، والنسائي في الكبرى (6/412) كتاب التفسير، باب: تفسير سورة المؤمنون، وأحمد (6/91)، (6/112) من طريق آخر عن عائشة.
[3] دراسات في التفسير، د. محمد نبيل غنايم، دار الهداية، الطبعة الثالثة، 1415، 1995م، ص (112).
[4] الرحيق المختوم؛ صفي الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، ص (314). وهذا طرف من حديث صلح الحديبية الطويل، أخرجه البخاري (5/675، 679) كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد (2731، 2732)، وأبو داود (2/93، 94) كتاب الجهاد، باب: في صلح العدو (2765).
[5] أخرجه الترمذي (6/188) كتاب المناقب، باب: فضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو داود (2/692) كتاب الأدب، باب: في النهي عن سب الموتى (4899)، وابن حبان (3018، 4177)، والطبراني في الأوسط (6/187) رقم (6145)، والدارمي (2/159)، وأبو نعيم في الحلية (7/138)، والبيهقي (7/468). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285).
[6] أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبد الرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م، ص (206).
[7] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/271).
[8] مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، عدنان حسن باحارث، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ص (68)، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، ص (255).
[9] تربية (النَّاشِئة) في ضوء السيرة؛ الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، ضمن كتاب المؤتمر العالمي للسيرة والسنة النبوية، والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية، ص (252).
[10] شَنٍّ مُعَلَّقٍ: أي: السِّقَاء البالي. انظر: المنتقى شرح الموطأ (1/217).
[11] أخرجه البخاري (2/225) كتاب الأذان، باب: إذا لم يَنوِ الإمامُ أن يَؤُمَّ (699)، ومسلم (1/532) كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (192/763).
[12] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (2/745) كتاب الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح (5090)، والنسائي في عمل اليوم والليلة، رقم (22، 572، 651)، وأحمد (5/42)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد له ص (260).
[13] منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين، محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م، ص (90، 91).
[14] تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق، د. محمد عبد السلام العجمي وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م، ص (95).


التربية عن طريق التوجيه والإرشاد
محمد بن سالم بن علي جابر


الإنسان دائماً بحاجة إلى التوجيه والإرشاد والنُّصح، وتذكيره بما قد يَغفُلُ عنه، والمربي المُحِبُّ المخلِص هو الذي يوجِّه براعمَه -دائماً- وجهةَ الخير والحق، ويجنِّبهم -جاهداً- مزالقَ الخطر ومكامن الخطأ؛ بالنصيحة الذكية المؤثرة الهادئة الهادفة، والكلمة الطيبة.

إنَّ لِنُصْحِ المربي أثراً كبيراً في تصحيح بعض الأخطاء التي قد يقع فيها الطفل؛ من إساءة الأدب، أو عدم التحلي بالأخلاق الفاضلة، أو فعل حركات غيرِ لائقة[1]؛ ولهذا فرض الإسلام طريقَة التوجيه والإرشاد والتذكير طريقةً تربوية؛ يستغلها المربي مع من يربيه، والمعلم مع من يعلمه، والمسلم مع أخيه؛ ابتغاءً للخير، ونفوراً عن الشر؛ فقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]، وقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ))[2].

واستخدامُ أسلوبِ التوجيه والإرشاد في التربية لا يجعله وَقْفاً على المربي، بل للتلميذ دورُه ورأيُه، ولِوَلِيِّ الأمر دورُه ورأيُه، ويكون للمجتمع كلِّه سُلطةُ التوجيه التربوي، فلا (ديكتاتوريةَ) لفرد، وإنما التربية جِمَاع اهتماماتِ القيادة والتلاميذ، أو أُولي الأمر والمجتمع؛ ولذا جعله الإسلام مبدأً حيويّاً من مبادئ التربية[3].

وطريقة التوجيه والإرشاد المباشر من أقرب الطُّرُق إلى مخاطبة عقل الطفل، وتبيين الحقائق له، وترتيب المعلومات الفكرية؛ ليحفظها مع فهمها؛ وهو ما يجعل الطفل أشدّ قَبولاً، وأكثر استعداداً للتلقي، أما اللفُّ والدوران فليس لهما في التعامل مع الطفل نصيبٌ، وهكذا علمَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخاطبَ الطفلَ -في كثير من المناسبات- خطاباً مباشراً، بصراحةٍ ووضوح[4].

وقد مضى كثير من الأحاديث التي رأينا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يستخدم فيها هذا الأسلوب في تربية الطفل، ومن ذلك -أيضاً- ما رُوِي عن أنس -رضي الله عنه- قال:
(قالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَا بُنَيَّ، إِذَا قَدِرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِي وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأحَدٍ، فَافْعَلْ)).

ثُمَّ قَالَ لِي: ((يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّني، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ)) )[5].

فالرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يعرِض توجيهاتِه ونصائِحَه للطفل، بأسلوب سهل مباشر، يتناسب مع قدرة الطفل على الفهم وتقبُّل الخطاب، معتمداً على كلمات مختصرة مفيدة، لا طول فيها ولا إملال، وهو ما ينسجم مع طبيعة الطفل الفكرية.

وأسلوب التوجيه والإرشاد في التربية يحتاج من المربي إلى شيء من الحرص؛ لكيلا تتحول توجيهاته وإرشاداته إلى فضائحَ وهتكٍ للستر!! فإنَّ مَن نَصَحَ أخاه سِرّاً فقد زانه، ومن نصحه جهراً فقد فضحه وشانه، وإن كان لا بد من الجهر بالتوجيه والنصيحة، فليكن ذلك بالإيماء والإشارة التي تكشف عن النصيحة المطلوبة محفوفةً بالستر، بعيداً عن الفضائح، وهو أسلوب حكيم اتَّبَعَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا رأى شيئاً من أصحابه أو بَلَغَهُ عنهم شيء، وأراد أن يدلَّهم وسائرَ أصحابِه على الحق فيه؛ فإنه لا يُصرِّحُ بأسمائهم ولكنه يُلَمِّحُ؛ فيسترُهم، ويحصلُ مقصودُه -صلى الله عليه وسلم- من النصح، فيقولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟!))[6].

كما في قصة (الثلاثةِ الَّذِينَ أَتَوْا بُيُوتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَأَلُوا عَنْ عِبَادَتِهِ، فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً. وَقَالَ الآخَرُ: وَأَنَا أَصُومُ فَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ الآخَرُ: وَأَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَداً..؛ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا؟!)) ثُمَّ قَالَ: ((وَلَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنَ سُنَّتِي؛ فَلَيْسَ مِنِّي)) )[7].

وعن أبي حُمَيْد الساعدي قال: (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ -يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّة- عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذا أُهْدِيَ لِي!! فَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ - أَوْ: بَيْتِ أَمِّهِ- فَيَنْظُرُ: أيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً؛ إِلاِّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ؛ إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ))!! ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَة إِبْطَيْهِ[8]: ((اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ!)). ثلاثاً)[9].

وهو في هذا يُرَبِّي أُمَّتَه بتوجيههم وإرشادهم إلى ما يُقَوِّم سُلُوكَهُم، ويهذِّب أخلاقهم.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين؛ عطا الله بن قسيم الحايك، دار هجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ، 2001م، ص:57.
[2] أخرجه مسلم (1/75) كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة (95/55)، والنسائي في السنن (7/157)، وأحمد في المسند (2/297)، والدارمي في السنن (2/311)، وأبو عوانة (1/37)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/188)، والحميدي (837)، والخطيب في التاريخ (14/207)، وابن حجر في المطالب العالية (1979) و(3284)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/267).
[3] المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية؛ والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر الشريف 18-24 صفر سنة 1406هـ، 1-7 نوفمبر سنة 1985م، ص:253.
[4] منهج التربية النبوية للطفل؛ مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين، محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ-1998م، ص:116.
[5] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، المرجع السابق، ص:117. وهذا طرف من حديث طويل عن أنس قد تقدم تخريجه.
[6] أخرجه أبو داود (2/665) كتاب الأدب، باب: في حسن العشرة (4788) من طريق عبد الحميد الحماني: ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة به، وفي إسناده عبد الحميد الحماني، وهو صدوق يخطئ، والأعمش مدلس. التقريب (ت: 3795، 2630).
[7] أخرجه البخاري (10/130) كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم (2/1020) كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مُؤَنَه (1400)، والنسائي (6/60) كتاب النكاح، باب: النهي عن التبتُّل، رقم (3217).
[8] أي: بَيَاضَهَما. انظر: طِلْبَةَ الطِّلْبَة، عمر بن محمد أبو حفص النسفي، مكتبة المثنى، بغداد، ص:5.
[9] التربية على منهج أهل السنة والجماعة، جمع وترتيب: أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص (234، 235)، والحديث أخرجه البخاري (2/468)، كتاب الجمعة، باب: مَن قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (25، 1500، 2597، 6636، 6979، 7174، 7197).


التربية عن طريق اللعب المباح
محمد بن سالم بن علي جابر


يؤكد علماءُ التربية حديثاً أهمية اللَّعب للطفل، فيَعُدُّ ((جان بياجيه)) اللعبَ مظهراً من مظاهر النمو العقلي للطفل؛ بحيث يُعَبِّر تطورُ ألعابه عن درجة نضجه العقلي والوجداني[1]، ويرى آخرون أن اللعب نشاطٌ إيجابيٌ للطفل؛ "يجدد القوى، ويقوم مقام الاسترخاء اللازم للعضلات"[2].

وتقول الدكتورة سهير كامل أحمد: "إن اللعب حتى مرحلة الطفولة المبكرة هو طريقة الطفل الخاصَّة للانفتاح على العالم المحيط به، وإن الطفل يعبر في أثناء اللعب عن إحساساته الكامنة حيالَ الأفراد المحيطين به؛ وتكشفُ لُعَبُ الأطفال عن حياتهم الوجدانية التخيُّليَّةِ، وعن مدى تأثرهم بعملية التطبيع الاجتماعي التي يَخَضعون لها"[3].

وتقول الدكتورة آمنة أرشد بنجر: "إن أسلوب اللعب هو استغلال واستنفاد لطاقة الجسم الحركية، كما أنه مصدر المتعة النفسية للطفل؛ لأنه يمنح الطفل السرور والمرح والحرية، ويعده «فروبل» النشاط الروحي النقي للإنسان، فهو يشتمل على كل منابع الخير"[4].

وترى الدكتورة وفاء محمد كمال عبد الخالق أن النشاط اللعبي محدِّد لنموِّ شخصيةِ طفلِ ما قبل المدرسة، وبغير هذا النشاط لا يمكنُ لهذه الشخصية أن تنتقل إلى المرحلة اللاحقة لها؛ ومن ثَمَّ لا يمكن أن تزوَّد شخصيتُه بالخصائص اللازمة لشخصيةِ طفلِ المدرسةِ الابتدائية إلا إذا قام النشاطُ اللعبي بدوره كنشاطٍ مُهَيْمِن على المرحلة السابقة[5].

وهذه الأهمية التربوية للعب لم تغب عن أذهان علماء التربية الإسلامية من السلف، بل قد عرَف السلف –رحمهم الله– أهميةَ اللعب للطفل، وأرشدوا الآباء والمربين إلى ضرورة السماح للأطفال بقسط من اللعب؛ فها هو ذا الغزالي يقول: "ينبغي أن يُؤْذَن للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستروحُ فيه من تَعَبِ المكتَبِ؛ بحيث لا يتعب في اللعب؛ فإنَّ مَنْعَ الصبي من اللعب، وإرهاقَه بالتعلم دائماً، يُميت قَلبَهُ، ويُبطِل ذَكَاءَهُ، وينغص عليه العيشَ حتى يطلب الحيلة في الخلاص من الكُتَّاب رأساً". وما أشار إليه الغزالي بالكُتَّاب هو ما يساوي المدرسة في عصرنا[6].

وقد سبقت السنة النبوية جميعَ هذه الآراء المنبهة على أهمية اللعب للطفل، إذ تضافرت النصوصُ التي تدل دلالة واضحة على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعطاء الأطفال حقَّهم من اللعب؛ فعن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه– أنه قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسنُ والحسينُ –رضي الله عنهما– يلعبان بين يديه أو في حِجْره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ فقال: ((وكيف لا أحبهما وهما رَيْحَانَتَىَّ من الدُّنْيَا أشمهما؟!))[7].

وعن جابر –رضي الله عنه– قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وهو يقول: ((نعم الجَمَل جملُكما، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أنتما!))[8].

وعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– قال: رأيت الحسن والحسين -رضي الله عنهما- على عاتِقَيِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: نِعمَ الفَرَسُ تحتكما! فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ونعم الفارسان هما!))[9].

وعن البَرَاء بن عَازِب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يصلي، فجاء الحسن والحسين، أو أحدهما -رضي الله عنهما- فركب على ظهره، فكان إذا رفع رأسه قال بيده، فأمسكه، أو أمسكهما، وقال: ((نعم الْمَطِيَّةُ مَطِيَّتُكُمَا!)) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ونعم الرَّاكِبان هما، وأبوهما خير منهما))[10].

ففي الأحاديث السابقة خير شاهد على تقديره -صلى الله عليه وسلم- لحق الطفل في اللعب، إلى الحد الذي جعله يلاعب الأطفال بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكتفي بذلك، بل كان يقرن ذلك بمدح الطفل والثناء عليه؛ ليزيد من نشاطه النفسي في اللعب؛ فيستمر بلا كلل أو تعب، ويتابع لعبه بحب وشغف؛ وبذلك يكون اللعب غذاء جسميا ونفسيا في آن واحد[11].

وكما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلاعب الأطفال بنفسه، كان يشجعهم أيضاً على اللعب معاً، فعن يَعْلَى بن مُرَّة -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدُعِينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم ثم بسط يديه فجعل حسين يمر مرة هاهنا ومرة هاهنا، حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حُسينُ مني وأنا منه، أحبَّ الله من أَحَبَّهُ، الحسن والحسين سِبْطَانِ من الأَسْبَاطِ))[12].
ولم يقتصر الإذن باللعب في الإسلام على البنين، فقد أجيز للبنات اللعب، شريطة أن يكون مناسباً للفتاة، وأن يكون مناسباً لعمرها، وألا يؤدي إلى إرهاقها كالرياضة الشاقة، وأن يرتقي اللعب بأخلاقها وصحتها.

روى أبو داود بإسناد صحيح عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: ((قَدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك أو حُنَيْن وفي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت ريحٌ فكشفت ناحية السِّتْرِ عن بنات لعائشة –أي: لُعَب– فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رِقَاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وَسْطَهُنَّ؟ قالت: فَرَسٌ، قال: وما الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرسٌ له جناحان؟! قالت: أما سمعت أن لسليمان خَيلاً لها أجنحة؟! قالت: فضَحِكَ حتى رأيت نَوَاجِذَهُ))[13].

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((تزوجني النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأنا بنتُ ستِّ سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فَوُعِكْتُ؛ فَتَمَزَّقَ شَعَرِي؛ فوفَى جُمَيْمَةً، فأتتني أمي أم رومان –وإني لفي أرجوحة ومعي صواحبُ لي– فصَرَخَتْ بي فأتيتُها، لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأَنْهَجُ حتى سكن بعض نفسي، ثم أَخَذَتْ شيئاً من ماء فَمَسَحَت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فَأَسْلَمَتْنِي إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يَرُعْنِي إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إليه، وأنا يومئذ بنتُ تسعِ سنين))[14].

ففي إقراره -صلى الله عليه وسلم- لِلَعب عائشة ولُعبها التي كانت تلعب بها، ما يوضح تأكيدَ الإسلام أهميةَ اللعب للطفل، وجواز شراء اللُّعَب له؛ فعلى الآباء والمربين أن يراعوا ذلك، فيعطوا لصغارهم الفرصة للعب والترويح عن أنفسهم، ولكن مع توجيههم إلى أنواع اللعب الملائمة لهم؛ بحيث يمكن من خلالها تحقيقُ الفوائد المرجوة من اللعب، التي من أهمها:
• إزالة التوتُّر النفسي والجسمي عند الطفل.
• إدخال المتعة والتنوع في حياة الطفل.
• استكشاف الطفل لنفسه وللعالم المحيط به، وفي ذلك تعلُّم الطفل لأشياء جديدة.
• تعلم الطفل حلَّ مشكلاته الخاصة.
• تعبير الطفل من خلال اللعب عن حاجاته ورغباته التعبيرَ الكافي في حياته الواقعية.
• تمرين الطفل وتدريب عضلاته عن طريق ألعاب الحركة.
• الرغبة في التعلم؛ لأن اللعب نشاط مشوق لا إكراه فيه.
• استخدام الطفل جميعَ حواسه، وذلك يزيد قدرته على التركيز؛ ومن ثَمَّ زيادة الفهم.
• عمل اللعب على تطبيع الطفل اجتماعيّاً؛ لتقويم الخلق لديه والتضامن مع رفاقه، خاصة في اللعب الجماعي.
• القضاء على المَلل؛ إذ يوفِّر اللعب فرصة القضاء على (الروتين) اليومي لأحداث الحياة[15].
وعلى الوالدَيْن أن يشتريا للطفل من اللُّعَب ما يناسب عمره وقدرته، ويضعاها بين يديه وفي متناوله؛ وذلك ليبدأ تشغيل عقله وحواسه شيئاً فشيئاً.

وحتى تكون اللُّعبةُ مفيدةً وجيدة للطفل؛ لا بد للوالدين أن يطرحا على أنفسهما التساؤلات التالية حين شراء الألعاب لأطفالهم:
• هل هذه اللعبة من النوع الذي يستثير نشاطاً جسديّاً صحيّاً مفيداً للطفل؟
• أهي من النوع الذي يرضي الحاجة للاستكشاف، والتحكم في الأشياء؟
• أهي من النوع الذي يتيح التفكيك والتركيب؟
• أهي من النوع الذي يشجع تقليد سلوك الكبار وطرائق تفكيرهم؟

فإذا كانت الإجابة بـ(نعم) كانت اللعبة مناسبة ومفيدة تربويّاً، وإلا فلا[16].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر: نمو الشخصية (نظرية وتطبيق)؛ د. وفاء محمد كمال عبد الخالق، سنة 1999م، ص (93). سيكولوجية نمو الطفل؛ د. سهير كامل أحمد، مركز الإسكندرية للكتاب سنة 1999م، ص (81).
[2] ينظر: نمو الشخصية: نظرية وتطبيق؛ مرجع سابق، ص (93).
[3] ينظر: سيكولوجية نمو الطفل؛ مرجع سابق، ص (81).
[4] ينظر: أصول تربية الطفل المسلم: الواقع والمستقبل، د. آمنة أرشد بنجر، دار الزهراء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421هـ/2000م، ص (176).
[5] ينظر: نمو الشخصية: نظرية وتطبيق؛ مرجع سابق، ص (95).
[6] ينظر: المؤتمر الرابع للسنة النبوية؛ ص (824).
[7] أخرجه الطبراني في الكبير (4/155) رقم (3990) من طريق الحسن بن عنبسة: ثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن علي عن عبد الله بن عبد الرحمن الحزمي عن أبيه عن جده عن أبي أيوب الأنصاري به. وقال الهيثمي في المجمع (9/184): فيه الحسن بن عنبسة وهو ضعيف. قلت: وفيه أيضاً محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدّاً ذاهب، وقال الذهبي في الميزان (6/246): ضعفوه. فالحديث إسناده ضعيف جدّاً.
[8] ينظر: تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق؛ د. محمد عبد السلام العجمي، وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م، ص (88). والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (3/46) رقم (2661) من طريق مسروح أبي شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر به، وبهذا الإسناد أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/247)، وابن حبان في المجروحين (3/19) في ترجمة مسروح أبي شهاب، قال ابن حبان: شيخ يروي عن الثوري ما لا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بخبره لمخالفته الأثبات في كل ما يروي.
وقال أبو حاتم: يحتاج إلى التوبة من حديث باطل رواه عن الثوري، يعني هذا الحديث. الميزان (6/406).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/185): فيه مسروح أبو شهاب، وهو ضعيف.
[9] أخرجه البزار (293- البحر الزخار) من طريق الحسن بن عنبسة عن علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر... فذكره. قلت: إسناده ضعيف؛ لضعف الحسن بن عنبسة ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع كما تقدم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/185): رواه أبو يعلى في الكبير ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار بإسناد ضعيف.
[10] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ-1998م، ص (346). والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (3/65)، وفي الأوسط (3987)، وقال الهيثمي في المجمع (9/185): إسناده حسن.
[11] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ مرجع سابق، ص (346، 347).
[12] أخرجه ابن ماجه (1/152) في المقدمة، باب: فضل الحسن والحسين (144)، والترمذي (6/118) كتاب المناقب، باب: مناقب أبي محمد الحسن بن علي والحسين بن علي رضي الله عنهما (3775)، وأحمد (4/172)، وابن حبان (6971)، والطبراني في الكبير (3/21)، رقم (2587)، والحاكم (3/177)، من طريق سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة به.
وقال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قلت: في إسناده سعيد بن أبي راشد، وهو مقبول عند المتابعة، وإلا فلين، وقد توبع تابعه راشد بن سعد عن يعلى بن مرة به؛ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (364)، والطبراني في الكبير (3/20) رقم (2586)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/308-309)، من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن يعلى بن مرة. قلت: وهي متابعة ضعيفة؛ ففي الطريق إلى راشد بن سعد، عبد الله بن صالح، وهو كثير الغلط وكانت فيه غفلة. التقريب (ت: 3409). والحديث حسنه الألباني في الصحيحة (1227).
[13] أخرجه أبو داود (2/701) كتاب الأدب، باب: في اللعب بالبنات (4932)، والبيهقي (10/219) وإسناده صحيح.
[14] ينظر: تربية الطفل في الإسلام، مرجع سابق، ص (89). والحديث أخرجه البخاري (7/627، 628) كتاب مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم- عائشة (3894)، ومسلم (2/1038) كتاب النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة (69/1422).
[15] ينظر: أصول تربية الطفل المسلم: الواقع والمستقبل؛ مرجع سابق ص (176، 177).
[16] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ ص (106).


التربيةُ عن طريق جماعاتِ الأصدقاء
محمد بن سالم بن علي جابر


لِجماعات الأصدقاء والرفاق دورٌ كبير في حياة الفرد في مختلف مراحلِ عمره، ففي مرحلة الطفولة يُقْبِلُ الطفلُ بشَغَفٍ على مُشَاطَرة الأطفال الآخرين لعبَهم، والتعاون معهم، حتى أطلق البعض على مرحلة الطفولة مرحلةَ الاجتماعية الطبيعية؛ إذ يُحب الأطفالُ اللعبَ مع بعضهم بطريقة جماعية، ويتعاونون في نشاطاتهم المختلفة[1]، وقد وُجِدَ أن الطفل يحصل على أفضل النتائج من خلال مشاطرة الآخرين لعبهم والتعاون معهم[2].

وفي مرحلة المراهقة يرتبطُ المراهقُ ارتباطاً وثيقاً بمجموعة النُّظَرَاء (الشِّلَّة)، فيسعى إليها سعياً أكيداً، ويكافحُ في سبيل تثبيت مكانته بها، ويتبنَّى قِيَمَها ومعاييرَها ومُثُلَها السلوكية، ويتجه إليها -قبل غيرها من المجموعات الأخرى– بوجدانه وعاطفته وولائه؛ ذلك أن المراهق يشعر في وسط إخوانه بالمشابهة والمجانسة وبوحدة الأهداف والمشاعر، كما يشعر في الوقت نفسه بالهوة الواسعة التي تَفصِل بينه وبين الكبار في كثير من الأحيان[3].

كما تمارسُ جماعاتُ الأصدقاء والرِّفاق دورَها وأثرها في حياة الفرد فيما بعد مرحلة المراهقة من مراحل الحياة، وهنا تجدُرُ الإشارةُ إلى أن أماكن العمل -سواء أكانت رسميَّة أم تَطَوُّعيَّة- تُعَدُّ من جماعات الرفاق، إلا أنه يغلِب عليها الطابع الرسمي في العادة، وهي مؤسسات اجتماعية ذات تأثيرٍ مُهمٍ على تربية الإنسان بعامة؛ نظراً لما يترتب على وجوده فيها من احتكاك بالآخرين، إضافة إلى أنه يقضي فيها جزءاً ليس باليسير من وقته الذي يكتسبُ خلالَه الكثيرَ من المهارات والعادات والطباع والخبرات المختلفة.

والمعنى: أن جماعات الرِّفاق توجد وتمارس نشاطاتها المختلفة في المكان الذي يجتمع فيه أفرادُها، إذ تجمعهم –في الغالب– الاهتماماتُ المشتركة والنشاطات المرغوب فيها؛ كالنشاطات الرياضية، أو الترويحية، أو الثقافية، أو الاجتماعية، أو الوظيفية، أو التطوعية، ونحوها.

كما أنَّ لكل جماعة من جماعات الرفاق ثقافةً خاصة بهم، وهذه الثقافة تُعَدُّ فرعية ومتناسبة مع مستوياتهم العقلية والعمرية، وخبراتهم الشخصية، وحاجاتهم المختلفة، إلا أنها تختلف من جماعة إلى أخرى، تبعاً للمستويات الثقافية والتعليمية والعمرية، والأوساط الاجتماعية المتباينة[4].

وذلك الدور الكبير الذي تؤديه جماعاتُ الرِّفاق والأصدقاء في المراحل المختلفة من حياة الإنسان، يُلقِي الضوءَ على جانبٍ من جوانب التميُّز في التربية الإسلامية، التي عُنيت بجماعات الرفاق والأصدقاء؛ لأنها وسيلة مهمة من وسائل التربية؛ إذ حرَص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن يَنشأ الطفلُ بين الأطفال بعيداً عن العُزْلَةِ والانطواء؛ فقد مر -صلى الله عليه وسلم- بصبيان يلعبون فَسَلَّم عليهم، فعن أنس قال: ((انتهى إلينا رسول الله وأنا غلام مع الغلمان، فسلم علينا ...))[5].

وفي هذا تنبيه منه -صلى الله عليه وسلم- على السماح للطفل بالاتصال بالأطفال الآخرين، وخصوصاً في زمن الطفولة الأولى التي تترك آثاراً دائمة في شخصيته؛ لذا فالأطفال الذين يُعزَلون عن جماعاتهم الإنسانية لسبب أو لآخر، لا يستطيعون أن يكوِّنوا شخصياتٍ إنسانية؛ إذ إن هذا التكوين لا بد له من أشخاص آخرين يتفاعلون معهم[6].

ولكن لكي يؤتي هذا الاختلاطُ ثمارَه التربوية المرغوب فيها؛ فلا بد أن يُحسِن المُرَبُّون اختيارَ الصُّحْبَة التي يختلط بها الطفل، وكذلك لا بد أن يحسن الفردُ في كل مرحلة من مراحل حياته اختيارَ صحبته ورفاقه، وهو ما نبه عليه الحق -سبحانه وتعالى- بقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} [الفرقان: 27، 28]، ويقول سبحانه: {الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

كما نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهمية اختيار الصاحب والرفيق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المرءُ على دين خليله؛ فلينظرْ أَحَدُكُم من يُخَالِل))[7].

ويقول أيضا: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصالح والجليس السَّوء كحامل المسك وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فحاملُ المسك إما أن يُحْذِيَكَ، وإما أن تَبْتَاعَ منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيِّبة، وَنَافِخُ الْكِيرِ إما أن يُحرِق ثيابَك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة))[8].

وفيما رواه ابن عساكر: ((إيَّاكَ وَقَرِينَ السُّوء؛ فإنك به تُعْرَف))[9].

وكذلك أدرك السلفُ الصالح دورَ الرفاق والأصدقاء وتأثيرَهم في الفرد؛ فيقول الإمام علي –كرم الله وجهه-: "إياك ومخالطةَ السَّفِلة؛ فإن السَّفِلة لا تؤدي إلى خير"[10].

ويقول أيضا: "الأصدقاء نفس واحدة في جُسُومٍ متفرقة"[11].

وينصح ابنُ سينا في تربية الصغير أن يكون معه في مكتبه "صِبْيةٌ حَسَنَةٌ آدابُهم، مَرْضِيَّةٌ عاداتُهم؛ لأن الصبيَّ عن الصبيِّ أَلْقَن، وهو عنه آخذ، وبه آنس"[12].

وعلى الآباء والمربين أن يبادروا بتوجيه الصغار إلى أهمية الصحبة الصالحة، وأن يُرَغِّبوهُم في مرافقة ذوي الأخلاق الحسنة، وأن يُنَفِّرُوهُم من رُفقَةِ ذَوِي النُّفوس الخبيثة والأخلاق الذميمة منذ الصِّغَر، ولا يهملوا ذلك إلى مراحلَ تالية؛ لأنه مع تَقَدُّم العمر بالطفل يَكره تدخلَ الآباء في اختيار رفاقه وأصدقائِهِ، ويَرْغَبُ في أن ينفرد هو باختياره؛ ولا سيما في مرحلة المراهقة، إذ يختار المُرَاهِق من يريد من أصدقائه بنفسه، ويرفضُ أيَّ تَدَخُّل من والديه في ذلك الموضوع، بخلاف الطفل، الذي لا يمانعُ مطلقاً في أن يختار له الوالدان بعضَ الأصدقاء، ومعنى ذلك أن موقف الطفل من والديه في اختيار الأصدقاء إنما هو موقفٌ سلبيٌّ[13].

فيجب على الآباء والمربين استغلالُ هذا الموقف السلبي من جهة الطفل، بتعويده اختيارَ الصديق الصالح؛ فإنه إن اعتاد ذلك في صغره شب عليه ثم استمر كذلك في باقي مراحل حياته.

وأما المراهقُ فإن دوره في اختيار الأصدقاء دورٌ إيجابيٌّ؛ ومن ثم فكثيراً ما يظهر على وجه المراهق مظاهرُ عدم الرضا عن الأسلوب الذي تتبعه الأسرة في التوجيه أو الأمر بعدم مصادقة شخص أو أشخاص معروفين بالسلوك الشاذ؛ فهو يرفض التَّدَخُّل بالأسلوب المباشر، على الرغم من قناعته بصحة وسلامة رأي الأسرة؛ لأنه يعُدُّ هذا التدخل إضعافا لشخصيته، وهذا يتطلب من المربين إذا أرادوا التدخل في اختيار أصدقاء المراهق أن يكون تدخلُهم بأسلوب غير مباشر، بأن يناقش الأب مثلاً مع ابنه قضايا الأخلاق والعلاقات الاجتماعية مناقشةً موضوعية، وأن يتحدث خلالَها عن الصفات التي يجبُ أن تتوافر في الأصدقاء، ويعطي فرصة للمراهق في الحديث الحر عن الصفات المُثْلَى للصديق[14].

ولا شك أن هذا المراهق إذا كان قد تَعَوَّد منذ الصغر اختيارَ الصديق الصالح، ونشأ على البعد عن أصدقاء السوء؛ فإن هذا سيسهل كثيراً على الأب مهمةَ توجيهه إلى ما يريد بالطريق غير المباشر.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر: الطفولة والمراهقة؛ ج.أ. هادفيلد، ترجمة: أحمد شوكت، وعدنان خالد، دار الكتب، جامعة الموصل، (ص42).
[2] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية؛ سهام مهدي جبار، سلسلة الكتاب التربوي الإسلامي، إشراف: د. محمد منير سعد الدين، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ/1997م، (ص507).
[3] ينظر: تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس؛ محمد السيد محمد الزعبلاوي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 4، 1419هـ/1998م، (ص175).
[4] ينظر: مقدمة في التربية الإسلامية؛ د. صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م، (ص111).
[5] أخرجه أبو داود (5205) باب فِى السَّلاَمِ عَلَى الصِّبْيَانِ، وابن ماجه (562) باب الْحِيَاضِ، وصححه الألباني.
[6] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية؛ مرجع سابق (ص508).
[7] أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (4/559) كتاب الزهد (2378)، وأحمد في المسند (2/303)، والحاكم في المستدرك (4/171) كتاب البر، باب: المرء على دين خليله وقال: صحيح إن شاء الله تعالى، ووافقه الذهبي.
[8] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية؛ مرجع سابق، (ص509). والحديث أخرجه البخاري (9/577) كتاب الذبائح، باب: المسك (5534)، ومسلم (4/2026) كتاب البر والصلة، باب: استحباب مجالسة الصالحين (146/2628).
[9] أخرجه ابن عساكر من حديث أنس بن مالك كما في كشف الخفاء (1/319)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (847): موضوع.
[10] ينظر: الأخلاق عند الإمام الصادق؛ محمد أمين زين الدين، منظمة الإعلام الإسلامي، قسم العلاقات الدولية، بيروت، سنة 1403هـ/1983م، (ص113).
[11] ينظر: ميزان الحكمة؛ محمد الري شهري، الدار الإسلامية للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1405هـ/1985م، (5/296).
[12] ينظر: مقالات فلسفية لمشاهير العرب، مسلمين ونصارى؛ لويس شيخو وآخرون، دار العرب بستاني، القاهرة، الطبعة الثالثة، سنة 1985، (ص13)، الطفل في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، (ص509).
[13] ينظر: تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس؛ مرجع سابق، (ص186).
[14] ينظر: السابق، (ص187).


التربية عن طريق الحوار والإقناع
محمد بن سالم بن علي جابر


الإقناع هو: "عملية إرضاء، يقوم فيها المربِّي باستخدام الطُّرُق المؤَثِّرة، التي تجعل نفس المتعلِّم ترضى - بكامل جوانبها - بالشيء المعتقَد، وتقتنع به، بعيدًا عن أيِّ عامل خارجي، ويأتي الاتِّباع نتيجة لهذا الإقناع"[1].

والتربية عن طريق حوار العقل والإقناع من الأساليب المهمة، التي حرص عليها القرآنُ الكريم والسنَّةُ النبوية في تربية الأمة الإسلاميَّة؛ ففي القرآن الكريم العديدُ من النصوص التي تسوق إلى البشر أدلَّةً فِطْريَّةً[2]؛ بهدف إقناعهم بوُجُود الخالق – سبحانه - وقدرته على إنشاء الخلق، وإعادة بعْثه، وغير ذلك من القضايا العَقَدية والإيمانية.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27]، ويقول تعالى في شأن مَن استنكر أمْر بعث الأجساد والعظام، بعد أن تَبْلَى وتصير رميمًا: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78، 79]، ويقول تعالى لِمَن استغرب أو تعجَّب تعجُّبًا إنكاريًّا أن يكونَ المسيح - عليه السلام - وُلِدَ بدون أب: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]؛ أي: أيها المنكرون لِولادة عيسى مِن أم دون أب، لماذا قبلتُم خلْق آدم، وهو الذي خُلِق من غير أمٍّ ولا أبٍ؟! فالأَوْلَى بكم أن تُنكروا خلق آدم؛ فهو أعظمُ مِن خلق عيسى[3].

وتؤكِّد السُّنة النبوية اهتمامَ الإسلام بأُسلوب التربية عن طريق العقل والإقناع؛ فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على تعليم أصحابه بطريق الحوار[4]، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُحاور في سبيل الإقناع وإقامة الحجة؛ فعن أَبي أُمامةَ رضي الله عنه: أَنَّ فتىً من قريشٍ أَتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلّم - فقالَ: يا رسولَ الله، ائْذَنْ لي في الزِّنا، فأقْبلَ القومُ عليهِ وزَجَروهُ، وقالُوا: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ادْنُهْ))، فَدَنا مِنهُ قريبًا، وجعل النبي - عليه الصلاة والسلام – يحاوره ويقول له: ((أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟))، قال الفتى: لا والله، جعلَني الله فِدَاكَ، قال: ((ولا الناسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِمْ))، قال: ((أَفتحِبُّه لابنتكَ؟))، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ((ولا الناسُ يحبُّونَهُ لِبَناتِهِمْ))، قالَ: ((أَفتحِبُّه لأخْتِكَ؟))، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ((ولا الناسُ يحبُّونَه لأخَواتِهم))، قال: ((أَتحبُّهُ لعمَّتِكَ؟))، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداكَ، قال: ((ولا الناسُ يحبونَهُ لعَمَّاتِهم))، قال: ((أَتحبهُ لخالتِكَ؟))، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداك، قالَ: ((ولا الناسُ يحبونَهُ لخَالاتِهِمْ))، قال: فوضَعَ يدَهُ عليه وقالَ: ((اللهمَّ اغفِرْ ذَنْبهُ، وطهِّرْ قَلبَهُ، وحَصِّنْ فرجَهُ))، قال: فلَمْ يكُنْ بَعْدَ ذلكَ الفَتى يلتفِتُ إِلى شيءٍ"؛ رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.

فنجد أن النبي صلى الله وسلم في هذا الموقف التربوي العظيم قد استخدم الحوار العقلي عن طريق قياس معاملة الآخرين من الناس على معامَلة النفس، لأن النفس البشرية بطبيعتها تحب لذاتها الخير وتكره لها الشر ، وعليه فيجب أن تتجب أذى الآخرين لتنجو من أذاهم .

فما لا يحبه الإنسان لنفسه لا يحبه الآخرون لأنفسهم أيضاً.

والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعتمد على أُسلوب الحوار للإقناع أيضًا مع الصغار، كما يعتمد عليه مع الكبار، مع الفارق - بالطبع - في كيفيَّة الحوار وطريقته؛ ومن ذلك ما يُروى عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: أُيِّمَت أمي، وقدمتْ المدينة، فخطبها الناس، فقالت: لا أتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم، فتزوجها رجل من الأنصار، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فيُلْحِق مَن أدرك منهم، قال: فعُرِضْتُ عامًا، فألحق غلامًا، وردَّني، فقلت: يا رسول الله، لقد ألحقتَه ورددتني، ولو صارعتُه لصرعته، قال: ((فصارِعْه))، فصارعته فصرعته، فألحقني[5].

وسار الصحابةُ بعد ذلك على منهاج النبوة؛ فهذا عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين - يشكو إليه أبٌ عقوق ولده، فما كان من عمر إلا أن استدعى الابن ليفهمَ الحقيقة، فقال عمر للابن: ما حملك على عقوق أبيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما حقُّ الولد على أبيه؟ قال: أن يحسن اسمه، وأن يحسن اختيار أمِّه، وأن يعلِّمه الكتاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، فالتفت عمر للأب وقال له: لقد عققتَ ولدك قبل أن يعقَّك.

وكان عمر يُحاور الصبيان، حتى إنه يستشيرهم في الأُمُور المهمَّة[6]؛ حيث كان يفعل ذلك مع ابن عباس - رضي الله عنهما.

وهكذا عُنِي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابتُه بأُسلوب الحوار، كأسلوب مِن أقوى أساليب الإقناع؛ وما ذاك إلا لأنه يُعَرِّف بالأساس العقليِّ والمنطقي لأية قضية تطرَح؛ ليرقى بالمتلقِّي من أسلوب التقليد الأعمى إلى أسلوب إعمال الفِكْر، وإيضاح الحقائق، والحرية في مناقشة أية فكرة تَعْرِض له، حتى يجد الحلَّ الذي يتمَشَّى مع الفطرة السليمة، والعقل الصحيح، دون أن يُفرض عليه بالقوة[7]، أو يكون مجرد تقليد أعمى لغيره.

وذلك لأن التقليد لا يخلق في الإنسان تلك الحركةَ، والتفاعُل، والطاقاتِ التي توجد عند مَن يؤمن بالشيء عن طريق العقل والاقتناع، وأوضح دليل على ذلك: ما نلمسه هذه الأيام مِن تحوُّلٍ في أداء كثير من المسلمين للعبادات؛ حيث أصبحوا يؤدُّونها كمُجرد طقوس وعادات، أكثر من أن تكون رُوحًا وإشْراقًا وصعودًا في معارج الترقِّي، ومواصلة التقرُّب إلى الله تعالى[8]؛ كما كان أداؤُها كذلك عند السَّلَف الصالح، وما الفرْق بين السلَف والخلَف في ذلك إلا أن إيمان الأَوَّلين كان نتيجةَ اقتناع حقيقي، أما إيمان أكثر الخلَف اليوم، فهو - للأسف - إيمان تقليدي.

وفي ضوء ما سبق، ينبغي على المربِّين اليوم أن يهتموا بالحوار مع أطفالهم؛ لأنَّ الحوار الهادئ ينمِّي عقل الطفل، ويوسِّع مداركه، ويزيد من نشاطه في الكَشْف عن حقائق الأمور، ومجريات الحوادث والأيام، وإن تدريب الطِّفل على المناقشة والحوار يقفز بالوالدَيْن إلى قمَّة التربية والبناء؛ إذ عندها يستطيع الطفلُ أن يعبِّرَ عن حُقُوقه، وبإمكانه أن يسأل عن مجاهيلَ لم يدْركها؛ وبالتالي تحدث الانطلاقة الفكرية له، فيغدو في مجالس الكبار، فإذا لوجوده أثر، وإذا لآرائه الفكرية صَدًى في نفوس الكبار؛ لأنه تدرَّب في بيته مع والديه على الحوار، وأدبه، وطرقه، وأساليبه... واكتسب خبرة الحوار من والديه[9].

ومما لا شك فيه أنَّ أُسلوب الحوار من الأساليب المحبَّبة في التدريس؛ فبه تثبت المعلومات، وترسخ المفاهيم؛ للأسباب التالية:
أولاً: أن الحوار يُعطي الموضوع حيوية؛ مما لا يدَع مجالاً للمَلَل، بل يدفع الطالبَ إلى الاهتمام والتتبُّع.
ثانيًا: أن الحوار يوقظ العواطف والانفعالات؛ مما يساعد في تربيتها وتوجيهها نحو المَثَل الأعلى، كما يساعد على تأصيل الفكرة في النفْس وتعْميقها.
ثالثًا: أنه عن طريق الحوار يُمكن عرْض الحجج عرْضًا فكريًّا، يُمكن من خلاله دحْض الحجج الباطلة، وإظهار الحقيقة ببراهينها.
رابعًا: أن الحوار يُعطي فرصة للطالب في الأخْذ والرَّد، وإثبات الحقائق، وتجلية الشبهات، كما يُعطيه فرصة في معرفة الحقائق، والاستفسار عنها، وإمكانية ترديدها.

وبهذه الأمور يستطيع الطالبُ أن يكتسبَ كمًّا كبيرًا من المعلومات والمعارف، التي تساعده في الحصول على مستوى أعلى بين زملائه[10].

وبالتربية عن طريق العقل والإقناع - أيضًا - يستطيع المربِّي والمعلِّم أن يرسخَ في نفس الناشئ والمتعلم الإيمانَ بالله تعالى؛ وذلك بأن يوجِّه المربِّي نظر من يُربِّيهم إلى الحقائق الكونية، ودلائل قدرة الله - تعالى - الظاهرة في الأنفس، والمأكولات، والحيوانات... إلخ، ويُريهم ما في ذلك كلِّه من دلالات على صناعة الصانع الحكيم؛ ليزيد إيمانهم كلما رأوا آية تدل على وجود الله المبدع الكريم، وذلك حسب نمو مداركهم، ومستوى ثقافتهم وتعليمهم؛ وذلك وفقًا لتوجيهات نظريَّة التربية والتعليم في الإسلام، التي تدعو إلى دراسة الحقائق من ناحيتَيْن: دراستها من حيث هي حقائقُ، ودراستها من حيث دلالتُها على الصُّنع والإبداع والتَّجميل[11].

ويُمكن الاستعانة في ذلك بما تقدِّمه العلوم الحديثة منَ اكتشافات عظيمة، تؤكِّد قدرةَ الخالق سبحانه؛ حيث كان للاكتشافات المذْهلة في العُقُود الأخيرة من هذا القرن دورٌ بارز في تأسيس انتصارات علمية فكرية لصالح الإيمان؛ ولذا جاءت الدعوةُ إليه على ألسنة علماء الفيزياء والكيمياء والفضاء، الذين أخرجوا لنا الكتابين المشهورين: "الله يتجلَّى في عصر العلم"، و"العلم يدعو إلى الإيمان"؛ لكربيس موريس.

كما أنَّ علمَ الطب قدَّمَ لنا دراساتٍ علمية، وكشوفًا مهمة، لها من القيمة الطبيَّة والعلميَّة الأهميَّة البالغة، ثم كان لها الأَثَر البارِز على قضية الإيمان[12].


ـــــــــــــــــ
[1] "الإقناع في التربية الإسلامية"؛ سالم بن سعيد بن مسفر بن جبار، دار الأندلس الخضراء، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1422هـ - 2001م، ص (30).
[2] "التربية الإسلامية للأولاد: منهجًا وهدفًا وأسلوبًا"؛ عبدالمجيد الحلبي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م، ص (186).
[3] المرجع السابق، ص (186).
[4] "الإقناع في التربية الإسلامية"، مرجع سابق، ص (90)، "أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع"؛ عبدالرحمن النحْلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م، ص (184 - 188). "التربية على منهج أهل السنة والجماعة"؛ جمع وترتيب: أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص (229)، "مقدمة في التربية الإسلامية"؛ د/ صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م، ص (77)، "أصول تربية الطفل المسلم"؛ آمنة راشد بنجر، دار الزهراء للنشر والتوزيع، 2001م، ص (168).
[5] الحديث أخرجه الطبري في "تاريخه" (2/61).
[6] "منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين"؛ محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م، ص (120، 121).
[7] "الإقناع في التربية الإسلامية"، مرجع سابق، ص (100).
[8] "التربية الإسلامية للأولاد: منهجًا، وهدفًا، وأسلوبًا"، مرجع سابق، ص (180).
[9] "منهج التربية النبوية"، مرجع سابق، ص (119).
[10] "الإقناع في التربية الإسلامية"، مرجع سابق، ص (190).
[11] "التربية الإسلامية للأولاد"، مرجع سابق، ص (187).
[12] المرجع السابق، ص (189).


التربية باستخدام المواعظ وضرب الأمثلة والقصص
محمد بن سالم بن علي جابر


من أساليب التربية في السنَّة النبوية: استخدام المواعظ، وضرْب الأمثلة والقصص؛ فقد روي عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنْه - أنَّه قال: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يَتَخَوَّلنا بالموعِظة في الأيَّام؛ كراهة السَّآمة عليْنا"[1].

ولهذا الأسلوب الَّذي أقرَّته السنَّة النبويَّة أثرٌ بالغ في تربية الإنسان، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لما فيه من ترْقيق للقلْب، ومخاطبة للنَّفس، واستثارة لعواطفها، ولاسيَّما أنَّ في النَّفس استعدادًا للتأثُّر بما يلقى إليْها من الكلام، وهو استعداد مؤقَّت في الغالب؛ ولذلك يلزمه التَّكرار، والموعظة المؤثِّرة تفتح طريقَها إلى النَّفس مباشرة عن طريق الوجْدان، وتهزُّه هزًّا، وتُثير كوامنَه لحظةً من الوقْت، كالسَّائل الَّذي تقلب رواسبه، فتملأ كيانه؛ ولكنَّها إذا تُرِكت تترسَّب من جديد[2].

وكذلك كان أسلوب ضرْب المثَل أحدَ الأساليب الإقناعيَّة الَّتي استخْدَمها القُرآن الكريم والرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في بيان الحقائق التي يهتدي بها النَّاس، وفي إقامة الحجَّة على مَن ضلَّ عن الهدَف الذي يَرمي إليْه القُرآن والسنَّة، وهو تحقيق العبوديَّة لله وحده[3]، وغير ذلك من أهْداف التَّربية الإسلاميَّة؛ كتربية العواطِف الربَّانيَّة بإثارة الانفِعالات المناسبة للمعنى من خِلال المثل المضْروب، وتربية العقل على التَّفكير الصَّحيح، والقِياس المنطقي السَّليم[4].

وقد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يستعين على توْضيح المواعظ بضرْب المثل ممَّا يشاهِدُه النَّاس بأمِّ أعيُنِهم، ويقع تَحت حواسِّهم وفي متناول أيديهم؛ ليكون وَقْع الموْعِظة في النَّفس أشدَّ، وفي الذهن أرْسَخ، ومن الأمثِلة على ذلك: ما رواه أنس بن مالك - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَثَل المؤمِن الَّذي يقرأ القُرآن كمثل الأُتْرُجَّة: ريحها طيِّب وطعْمُها طيِّب، ومَثَل المؤمِن الَّذي لا يقرأ القُرآن كمثَل التَّمرة: طعمُها طيِّب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الَّذي يقرأ القُرآن كمثَل الرَّيحانة: ريحها طيِّب وطعمها مرٌّ، ومثَل الفاجر الَّذي لا يقْرأ القُرآن كمثل الحنظلة: طعمُها مرٌّ ولا ريح لها))[5].

ومِن الأحاديث - أيضًا - الَّتي استخدم فيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أسلوب ضرْب الأمثال، وأسلوب إثارة الانتِباه، وطرْح السُّؤال على أصحابه؛ ليثير النَّشاط الذِّهْني، ويجذب انتباهَهم ويشوِّقهم لما سيقولُه لهم: ما جاء عن أبِي هُريرة - رضِي الله عنْه -: أنَّه سمِع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((أرأيْتُم لو أنَّ نهرًا بباب أحَدِكم يغتسل منْه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل يبقى من درَنِه شيء؟)) قالوا: لا يبْقى من درَنِه شيء، قال: ((فذلِك مثَل الصَّلوات الخَمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا))[6].


وترجِع أهمِّيَّة استِخْدام أسلوب ضرْب المثل في التَّربية إلى كوْنِه طابعًا خاصًّا، سواءٌ في إصابة المعْنى بدقَّة، أم في إيجاز اللَّفظ مع فصاحتِه، أم في أداء الغرَض الَّذي سيق من أجلِه الكلام، وهو أعظم من أسلوب التَّلْقين؛ لأنَّه يُثير في النَّفس العواطف والمشاعِر، وعن طريق ذلك يُدفع الإنسان إلى الالتِزام بالمبادئ عمليًّا، هذا إلى جانب أنَّه يُساعد على تصْوير المعاني، وتَجسيدِها في الذِّهْن، وعن طريق ذلك يسهل الفهْم وإثبات المعاني في الذَّاكرة، واستِرْجاعها عند الحاجة[7].

وقد استخدم رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أُسْلوب القَصَص الهادف في التَّربية؛ لما للقصَّة المشتمِلة على العِظة والعبرة من تأثيرٍ بالغٍ في النُّفوس؛ لأنَّ النَّفس بطبيعتِها تنجذب إلى القصَّة، وتأخذ القصَّة بِمجامع القلوب، فإذا أودعت فيها الحكمة والعِبرة كانت الغاية، والرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لا يَحكي القصص لمجرَّد أنَّه قصص للتَّسلية وتزْجية الأوْقات؛ ولكنَّه يقصُّ القصص من أجْل التَّربية، وترسيخ المعاني الإيمانيَّة، والأخلاق المرْضية[8].

وممَّا يُرْوى عنْه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في ذلك: ما رُوِي عن أبِي هُريْرة - رضِي الله عنْه -: أنَّه سمِع النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((إنَّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبْرص وأقْرع وأعْمى، فأراد الله أن يبتلِيَهم، فبعث إليْهم ملكًا، فأتى الأبْرص فقال: أيُّ شيء أحبُّ إليْك؟ قال: لون حَسَن، وجِلْد حسن، ويذهب عني الَّذي قد قذرني النَّاس، قال: فمسحَه فذهب عنْه قذره، وأُعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، فقال: فأيُّ المال أحبُّ إليْك؟ قال: الإبل، قال: فأُعْطِي ناقة عُشَرَاء، فقال: بارك الله لك فيها.

فأتى الأقرع فقال: أيُّ شيء أحبّ إليْك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنِّي هذا الَّذي قذرني النَّاس، قال: فمسحه فذَهَب عنه، وأُعْطي شعرًا حسنًا، قال: فأيُّ المال أحبُّ إليك؟ قال: البقر، فأُعْطِي بقرة حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها.

قال: فأتى الأعْمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرُدَّ الله إليَّ بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه فردَّ الله إليْه بصره، قال: فأيُّ المال أحب إليْك؟ قال: الغنم، فأُعْطِي شاة والدًا.

فأنتج هذَانِ وولَّدَ هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم.

قال: ثمَّ إنَّه أتى الأبْرص في صورته وهيْئته فقال: رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحِبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلاَّ بالله ثمَّ بك، أسألك - بالَّذي أعطاك اللَّون الحسن والجِلْد الحسن والمال - بعيرًا أتبلَّغ عليْه في سفري.

فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأنِّي أعرفك، ألَم تكُنْ أبْرص يقذرك النَّاس، فقيرًا فأعْطاك الله؟ فقال: إنَّما ورثت هذا المال كابِرًا عن كابر، فقال: إن كنتَ كاذِبا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ.

قال: وأتى الأقْرع في صورته، فقال له مثلَ ما قال لهذا، وردَّ عليه مثل ما ردَّ على هذا، فقال: إن كنتَ كاذِبًا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ.

قال: وأتى الأعْمى في صورته وهيْئته، فقال: رجُل مسكين وابنُ سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلاَّ بالله ثمَّ بك، أسألك - بالَّذي ردَّ عليْك بصرك - شاةً أتبلَّغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعْمى فردَّ الله إليَّ بصَري، فخُذْ ما شئت، ودَعْ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله.

فقال: أمْسِكْ مالك، فإنَّما ابتُليتُم، فقد رُضي عنك، وسُخِط على صاحبيك[9].

فبهذِه القصَّة استطاع الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يغرِس في نفوس أصحابه الكثير والكثير من القيم الإسلامية؛ كالصِّدْق، والكرم، وشُكْر النِّعمة ... إلخ، بأُسلوبٍ كلُّه تشْويق وإثارة، وطرافة في الموْضوع، وبساطة في الأسلوب[10].

ومن القصص المؤثِّرة والمقْنِعة الَّتي وردتْ في السنَّة أيضًا: قصَّة أصْحاب الغار، وقصَّة اختِصام الملائكة فيمن قتَل مائةَ نفْسٍ، ثمَّ توبته بعد ذلك، وغيرها كثير، ممَّا يجعل في عرْضها الفائدة الكبيرة في إنْجاح العمليَّة التَّربوية وتأكيد فاعليتها؛ وذلك لاشتِمالها على الفوائد التَّالية:
1- التَّشويق، وجذْب الانتباه، وترْكيز الذِّهن، وإثارة المشاعر، بِما يشدُّ السَّامع إلى مجْريات القصَّة؛ حتَّى يستجليَ أحداثَها ويعرف نتائجها.

2- تحفيز السَّامع أو القارئ إلى أخْذ العِبْرة من أبْطال القصَّة، واختيار السَّبيل المناسب.

3- دفع السَّامع أو القارئ إلى الاقتِداء بأبطال القصَّة في الأمور الخيِّرة، ونبذ ما سوى ذلك.

4- إشْباع حبِّ الاطِّلاع لدى السَّامع أو القارئ؛ لمعْرِفة مواقف وفواصل وتداخُلات القصَّة حتَّى يصِل إلى عُقْدة الحل.

5- التَّركيز على "عمليَّة الإيحاء"، الَّتي تُعْتَبر من أهمِّ وسائل الإقْناع في التَّربية والتَّوجيه[11].

وكل هذا وغيْره يَجعل للقصَّة أهمِّيَّة بالغة، تتمثَّل في تأْثيرها النَّفسي الكبير عند المتعلِّم، وهو ما يدفعه تلقائيًّا إلى تعْديل سلوكه وتغْيير ميوله[12].

وقد أكَّدت الدِّراسات الحديثة: أنَّ القصَّة مصْدر هامٌّ من مصادِر المعْرِفة، الَّتي يستمدُّ منها الطِّفْل إحساسَه بذاتِه بين البشر، ويستطيع من خِلالِها أن يسيْطِر على العالم من حولِه بما يملكُه من معارف، ومن خِلال القصَّة يستطيع الطِّفل أن يجِد الإجابة عن العديد من تساؤُلاته، ويحلَّ كثيرًا من الألْغاز الوجوديَّة التي يُجابِهها، ويجد الحلول لكثيرٍ من المشْكِلات الَّتي يصادِفُها انفعاليًّا، "بتقديم النَّماذج الإيجابيَّة من أبطال هذه القصَص التي يتعاطف معها الطفل، ويعرف مِن خلالِها كيف يحلُّ أزماته الانفعاليَّة، ويكون قادرًا على السَّيْطرة على عالمه الدَّاخلي، كما تشكِّل القصَّة ركنًا هامًّا من أرْكان تحديد الهُوِيَّة الاجتِماعيَّة للطِّفْل، وانتِمائه الثَّقافي من خلال موضوعاتِها ورموزها، المرتبطة بالواقع والمجتمع المحيط بالطفل من جهة، والمرتبطة بالثَّقافة العامَّة للمجتمع من جهة أخرى"[13].

وفي هذا كلِّه ما يؤكِّد على الأهميَّة التَّربويَّة لأسلوب القَصِّ؛ فعلى المربِّين أن يُكثروا من رواية القِصص والحكايات التي تزوِّد صغارهم بالخبرات، وتكون متضمِّنة ذكر الله - تعالى - وقدرته، ويفضَّل أن تُرْوَى للصَّغير القصص التي يكون فيها الحيوانات والطُّيور؛ لأنَّه يحبُّها، ولأنَّها توسِّع خياله وتَجعله يحب القصص والحكايات.

ويجب أن يخصَّص وقت من النَّهار (قبل النوم مثلاً)، وفي نهاية الأسبوع، وفي الرحلات؛ وذلك لسرْد القصص التي يستمدُّ منها الطِّفْل خبرات الآخرين، وتزْرع في نفسِه القِيَم وحبَّ الخير، وتُتِيح له فُرْصة الحوار مع والدَيْه أو أحدهما؛ لتفسير المواقف الَّتي مرَّ بها.

وتُرْوى له حكاية الإنسان على الأرْض (قصَّة سيِّدنا آدم - عليه السلام -)، ويوضَّح له أنَّ عدو الإنسان على هذه الأرْض هو الشَّيطان الذي يأمُر بالشَّرِّ، وأنَّ الإنسان يجب أن يعْمَل الخير، ويعبد الله؛ حتَّى يرجع إلى الجنَّة.

وتُرْوى له قصص الأنبِياء، ويُحَبَّب إليْه الأنبياء والصالحون، وتُرْوى له حكايات عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - توضِّح صفاتِه وأخلاقَه، ممَّا يحبِّب إليْه الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري (1/195) كتاب العلم، باب: كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يتخوَّلهم بالموعظة والعلم (68)، وفي (11/231) كتاب الدَّعوات، باب: الموعظة ساعة بعد ساعة (6411)، ومسلم (4/2172) كتاب صفات المنافقين، باب: الاقتصاد في الموعظة (82/2821).
[2] مقدمة في التَّربية الإسلامية، د/ صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م، ص (74، 75).
[3] الإقناع في التربية الإسلامية، سالم بن سعيد بن مسفر بن جبار، دار الأندلس الخضراء، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1422هـ-2001م، ص (107، 108).
[4] أصول التربية الإسلاميَّة وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبدالرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م، ص (201- 204)، والتَّربية على منهج أهل السنَّة والجماعة، أحمد فريد، ص (274- 276).
[5] التَّربية على منهج أهل السنَّة والجماعة، أحمد فريد، ص (276)، والحديث أخرجه البخاري (9/555) باب: ذكر الأطعمة (5427)، وفي كتاب فضائل القرآن، باب: إثم من راءى بقراءة القرآن (5059)، ومسلم (1/549) كتاب صلاة المسافرين، باب: فضيلة حافظ القرآن (243/797).[6] أصول تربية الطفل المسلم: الواقع والمستقبل، د/ آمنة أرشد بنجر، دار الزهراء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص (161، 162). والحديث أخرجه البخاري (2/11) كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفَّارة (528)، ومسلم (1/462 - 463) كتاب المساجِد ومواضع الصَّلاة، باب: المشي إلى الصَّلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدَّرجات (283/667)، والترمذي (1/418) كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضْل الصلوات الخمس (214)، وأحمد (2/484).
[7] الإقناع في التربية الإسلاميَّة، مرجع سابق، ص (109، 110).
[8] التَّربية على منهج أهل السنَّة والجماعة، مرجع سابق ص (266).
[9] أخرجه البخاري (7/178) كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل (3464)، ومسلم (4/2275-2277) كتاب الزهد والرقائق (10/2964).
[10] أصول التربية الإسلامية وأساليبها، مرجع سابق، ص (196، 197)، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، مرجع سابق، ص (273).
[11] الإقناع في التربية الإسلاميَّة، مرجع سابق ص (106، 107).
[12] أصول التربية الإسلامية وأساليبها، مرجع سابق، ص (196، 197)، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، مرجع سابق، ص (273).
[13] مدخل في قصص وحكايات الأطفال، د/ كمال الدين حسين، الطبعة الرابعة، سنة 2000/ 2001م، ص (23).


التربية عن طريق أسلوب الثواب والعقاب
محمد بن سالم بن علي جابر



فَطَرَ الله الإنسان على حبِّ المثوبة، وما فيها من لذَّة ونعيم؛ فإنه يَرْغَب في ذلك ويعمل من أجل تحقيقه، كما فطره - أيضًا - على بُغض العقاب، وما يَتَرَتَّب عليه من أَلَم وشقاء، فإنه يرهبه وينفر منه.

ولهذا عُنِي القرآن الكريم والسنة النبوية بالترغيب والترهيب، كأسلوب مهمٍّ من أساليب التربية.

والترغيب: وعْد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو لذة أو متعة آجلة، مؤكدة، خيِّرة، خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعَمَل صالح، أو الامتناع عن لذَّة ضارة أو عمل سيئ؛ ابتغاءَ مرْضاة الله، وذلك رحمة من الله بعبادِه.

والترهيب: وعيد وتهديد بعقوبة تترتَّب على اقتراف إثْم أو ذنب، مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فريضة مما أمَرَ الله به، أو هو تهديد من الله يقصد به تخويف عباده، وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية؛ ليكونوا دائمًا على حذر منَ ارتكاب الهَفَوات والمعاصي[1].

ويمتاز أُسلوب الترغيب والترْهيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، عن غَيْره من أساليب الثواب والعقاب في المناهج التربويَّة الأخرى - بأنه يعتمد على الإقناع والبرهان، ويكون مصحوبًا بتصوير فنيٍّ رائع للثواب المرغَّب فيه، المتمَثِّل في الجنة، وكذلك للعقاب المنتظر، المتمثل في جهنم - أعاذنا الله منها –كما يعتمد الترغيب والترهيب في القرآن والسنة - أيضًا - على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية؛ كعاطفة الخوف من الله تعالى، والتذلُّل والخشوع له – سبحانه - والطَّمَع في رحمته، والأَمَل في ثوابه[2].

ومن أساليب الثواب والعقاب التي يُمكن أن تستنبط منَ السنة النبوية ما يلي:
أولاً: من أساليب الثواب:
1- القُبلة:
تُعَدُّ القُبلة للطفل الصغير أسلوبًا مهمًّا من أساليب الإثابة؛ وذلك لأنَّ للقُبلة دورًا فعَّالاً في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، كما أن لها دورًا كبيرًا في تسكين ثَوَرانه وغضبه، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط الوثيق في تشييد علاقة الحب بين الكبير والصغير، وهي دليلُ رحمة القلب والفؤاد بهذا الطفل الناشئ، وهي برهان على تواضُع الكبير للصغير، وهي النور الساطع الذي يبهر فؤاد الطفل، ويشرح نفسه، ويزيد من تفاعله مع مَنْ حوله، ثم هي أولاً وأخيرًا السُّنة الثابتة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال.

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَدِم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتُقَبِّلون صبيانكم؟ فقال: ((نعم))، قالوا: لكنا والله لا نُقَبِّل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَوَأَمْلِك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟!))[3].

2- إدخال السرور على الطفل بمُداعبته ومُمازحته:
إحساس الفرح والسرور يلعب في نفس الطفل شيئًا عجيبًا، ويؤثِّر في نفسه تأثيرًا قويًّا، فالأطفال - وهم براعم البراءة والصفاء - يحبُّون الفرح، بل هم أداة الفرح للكبار، ويحبون الابتسامة حين يشاهدونها على وُجُوه الكبار.

وبالتالي فإن تحريك هذا المؤثِّر في نفس الطفل سيورث الانطلاق والحيوية في نفسه، كما يجعله على أُهْبَة الاستعداد لتلقِّي أي أمْر، أو مُلاحَظة، أو إرْشاد.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يُدْخل الفَرَح والسرور على نُفُوس الأطْفال؛ لما للسرور من بَراعة في إسعاد الطفل، ولما للفَرَح من قوَّة في التأثير[4].

3- الإثابة بالمدْح والثناء:
مدْح المربِّي للصغير وثناؤه عليه مِن أكثر الأُمُور التي تدخِل السرور على قلْبه، وتشعره بأهمية هذا العمل الذي مُدِح من أجْله، وتدفعه إلى تَكراره والاستكثار منه؛ وفي السنة النبوية ما يدلُّ على أهمية المدح والثناء، كوسيلةٍ من وسائل الإثابة والتشجيع على طَلَب العلم؛ من ذلك ما رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَن أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ظننتُ ألاَّ يسألني أحدٌ عن هذا الحديث أول منك؛ لما علمتُ من حرصك على الحديث...))[5].

فبهذا المدْح والثناء الرَّقيق يستثير الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أبي هريرة الرغبة والحرص على طَلَب الحديث، ويدفعه دائمًا لأن يكون سبَّاقًا في السؤال عنه.

4- الإثابة بالمكافَأة المادية (الهدية):
الهديَّة تُدخل السرور على النفوس، وتزيد أواصر المحبة بين المُهْدِي والمُهْدَى إليه، وهو ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((تهادوا تحابُّوا))[6].

ومن ثَم؛ فإن منَ الوسائل التربوية المُفيدة تقديمَ الهدايا والمكافآت المادية للمجيدين والمتفوِّقين من الناشئة والمتعلِّمين؛ فإن ذلك يثير نشاط المتعلِّم، ويبعث فيه الحماس، ويفجر فيه ينابيع الطموح والتنافُس والعزيمة، ويحرك فيه الجد والاجتهاد، والإخلاص والاستقامة[7].

ثانيًا: مِن وسائل العقاب:
1- الحِرْمان منَ التشجيع:
من وسائل العقاب التي أرشدت إليها السنة النبوية: الحِرْمان منَ التشجيع؛ حيث يعمد المربِّي إلى حرمان مَن يعاقبه مما كان قد عوَّده من تشجيع، أو مدح، أو ثناء، وما شابه ذلك؛ يدل لهذا من سنته - صلى الله عليه وسلم - ما ترويه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك من موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها حين مرضتْ، وأنه لم يكن يزيد على قوله: ((كيف تِيكُم؟))[8]، دون أن ترى منه - صلى الله عليه وسلم - ما كانت تراه من اللُّطْف الذي كانتْ تعرفه منه حين تمْرض.

وبهذه الطريقة في المعامَلة يضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمام المربِّين وسيلة من وسائل العقاب التربوي، قد تكون من أجدى أنواع العقوبات التي يُمكن أن يعاقب بها الطفل، وأكثرها ملاءمة لنفسيته في المراحل الأولى من دراسته[9].

2- اللَّوم والتوبيخ:
لا بأس أن يلجأ المرَبِّي إلى توبيخ الناشئ أو المتعلم إذا ما أخطأ خطأ يستوجب العقاب، ويمكن الزجْر عنه بالتوبيخ.

وقد استخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسلوب التوبيخ حيث دعت الحاجة إلى ذلك؛ حيث يُروى عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -: أنه عَيَّر رجلاً بسواد أمِّه، فوبَّخه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: ((إنك امرُؤٌ فيك جاهلية))[10].

لكن ينبغي للمربِّي ألاَّ يُفْرط في استخدام التوبيخ؛ لأن ذلك قد يكون له تأثير سلبي على الناشئ، فلا بد أن يراعي المؤدِّب حال الصغار، والفروق بينهم في الطباع والأخلاق، فمنهم مَن يكفي في لومه وإشعاره بخطئه نظرةٌ قاسية، ومنهم من يرتجف فؤاده بالتلميح، ومنهم مَن لا يردعه إلا التصريح باللوم والتوبيخ، وعلى المربِّي أن يحدِّدَ الطريقة الملائمة للتوبيخ مع كل منهم.

3- الهجْر والمقاطعة:
وقد لجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأسلوب في عقابه للثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك؛ حيث أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابته ألاَّ يكلِّموهم، فجرت المقاطعة بين المسلمين وبين هؤلاء الثلاثة؛ حتى ضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت[11]؛ قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 117 - 118].

وهذا يدل على أن مؤدب الناشِئِين يحق له - بل يجب عليه أحيانًا - أن يَحرم المخطئين من مُعاشَرة زملائهم فترة من الزَّمَن؛ عقوبة وردعًا لهم، حتى يشعر بندمهم وتوبتهم ورجوعهم إلى الصواب، أو يأخذ عليهم العهْد بذلك، شريطة أن يعرفوا أخطاءهم، وسبب إنزال هذه العقوبة بهم، وأن يتوسَّم فيهم الاستفادة من هذه العقوبة[12].

4- العقاب البدني:
أقرَّت السنة النبوية العقاب البَدَني كوسيلة من وسائل مُعالجة الأخطاء، إذا توقَّف العلاج على ذلك؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر))[13].

لكن لا بد منَ الحَذَر من المبالغة في العقاب البدني؛ بل لا بد أن يقتصرَ المربِّي منه على أقلِّ ما يؤدِّي الغرض؛ ومن ثم ينبغي أن يراعي المربي عند إقدامه على العقاب البدني ما يلي:
أولاً: الاكتفاء بإظهار أداة العقاب إن تم الزجْر بذلك؛ لأن كثيرًا من الصغار والأطفال يرتدعون وينزجرون بمجرَّد رؤيتهم للعصا أو السوط، ونحو ذلك من أدوات العقاب البَدَني، فإذا ارتدعوا وانزجروا، فقد حصل المقصود؛ فلا داعي إلى الإيقاع الفعلي للضَّرْب.

وقد أرشدت السنة النبوية إلى مجرَّد إظهار أداة العقاب، وهو في حدِّ ذاته وسيلة من وسائل التأديب؛ حيث يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((علِّقوا السوط حيث يراه أهل البيت؛ فإنه أدب لهم))[14].

ثانيًا: الاقتصار على شدِّ الأذن ونحو ذلك، دون لجوء إلى الضرب، حيث كان ذلك مجديًا؛ لأن الصغير يتعرَّف بذلك على ألم المخالفة، وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه، واستحقَّ عليه شدَّ أذنه؛ فقد قال النووي في "الأذكار": روِّينا في كتاب ابن السني عن عبدالله بن بسر المازني الصحابي - رضي الله عنه - قال: بعثتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقِطْف من عنب، فأكلْتُ منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذني وقال: ((يا غُدَر))[15].

ثالثًا: عند اللجوء إلى الضرْب ينبغي ألاَّ تقلَّ سنُّ المضروب عن عشر سنين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الصلاة: ((واضربوهم عليها وهم أبناء عشر))[16]، فإذا كانت الصلاة - وهي عماد الدين - لا يجوز الضرب عليها قبل سن العاشرة، فما عداها من الأمور أهون وأيسر؛ فلا يعاقب عليه الطفل بالضرب قبل العاشرة أيضًا.

كما ينبغي أن يتراوح عدد الضربات بين واحدة وثلاث فقط؛ فقد كان عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - يكتب إلى الأمصار: "لا يَقْرِن المعلم فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للغلام".

وعن الضَّحَّاك قال: "ما ضرب المعلِّم غلامًا فوق ثلاث، فهو قصاص"[17].

ولا بد من العدل في الضرْب بين الصبيان؛ فعن الحسن قال: "إذا لم يعدل المعلم بين الصبيان كُتِب من الظَّلَمة"[18].

ولا بدَّ - أيضًا - أن تكونَ أداة الضرب أداة مناسبة لسنِّ الصغير؛ فلا يضرب بأداة تؤلِمه إيلامًا شديدًا، أو تُحدث له كسورًا، أو جروحًا، أو عاهاتٍ؛ لأن الغرضَ - أولاً وأخيرًا - من هذا الضرْب هو التأديب، وليس التشفِّي والانتقام.

ويجتنب المربِّي عند الضرب الوجْه والرأس بما حوى، والمناطق الحسَّاسة من الجسم؛ لأن الضرب في هذه المواضع قد يؤدِّي إلى حدوث عاهات للصغير، وقد نَبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: ((إذا ضرب أحدكم فليتَّقِ الوجه))[19].

ومِن حُسْن الأَدَب مع الله - عزَّ وجَلَّ - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يرفع المؤدِّب يده عن الصغير إذا ذكر اسم الله - تعالى - أو النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو عادة كثير من الصغار عند تعرُّضهم للعقاب؛ يدل لذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: ((إذا ضرَب أحدكم خادِمه فذكَر الله، فارفعوا أيديكم))[20].

وقد يقول قائل: إن الطفل إذا علم بهذا قد يتخذها وسيلة للتهرُّب من العقوبة، والعَوْد إلى الخطأ، أو يتخذها حيلة للتخلُّص من الضرب، ويعاود فِعْلَه.

فالجواب عن ذلك: أنه يجب الاقتداء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تعظيم الله - تعالى - في نفس الطفل، وهو كذلك علاج للضارب من أن حالته الغضبية كبيرة جدًّا؛ مما استدعى من الطفل ذكر الله تعالى والاستغاثة به.

ولن نتكلم مع ضعاف الإيمان الذين إذا سمعوا مثل هذه الاستغاثات، ازدادوا حمقًا وتعسُّفًا وضرْبًا، فهؤلاء بحاجة أن يذكروا ذنوبهم، وتقصيرهم مع ربهم، وحِلم الله - تعالى - عليهم، مع قدرته عليهم في كل آنٍ[21].

وهذا يقودنا إلى أمر مهم، وهو أنه يجب على المربِّي ألاَّ يُقْدمَ على عملية الضرب والتأديب وهو في حال غضب شديد؛ فقد كتب عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - إلى أحد عماله: "لا تعاقب رجلاً عند غضبك عليه؛ بل احبسه حتى يسكن غضبك، فإن سكن فأخرجه، فعاقبه على قدر ذنبه".

هذه قاعدة تربوية يجب ألاَّ يحيد عنها المربُّون، ولا ينساها الآباء والأمهات: "لا تؤدِّب وأنت غضبان"؛ لأن الغضب يفقد صاحبه الحكمة والبصيرة والروِيَّة في الحكم، والأناة في بحْث الأمور بحثًا عقليًّا من جميع جوانبها، وحينئذ يأتي الخطأ، ويحدث الظُّلم، ويعيش صاحبه في حالة غضبية، لا يفرق بين الانتقام والتأديب، فالانتقام يصدر عن مبغض كاره، والتأديب يصدر عن قلب رحيم[22].

5- التشهير:
مع أن الإسلام يؤكِّد على أهمية ستْر العيوب، والستر على المسلمين وعدم التشهير بهم، فإنه في بعض الأحيان يوجد مَن يصرُّون على ارتكاب الأخطاء، ولا يرتدعون إلا بفضْح أمْرهم والتشهير بهم؛ فحينئذ يجوز ذلك؛ لأن الضرورة قد دعت إليه؛ وقد لَجَأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأسلوب من العقاب، فيما يروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، إن لي جارًا يؤذيني، فقال: ((انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق))، فانطلق فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق))، فجعلوا يقولون: "اللهم العنه، اللهم أخْزِه"، فبلغه فأتاه، فقال: ((ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك))[23].

وفي هذا دليل على أن النقد الاجتماعي اللاذع من أساليب التربية الاجتماعية في الإسلام؛ ولكن لا يُلجَأ إليه إلا عند الضرورة القصوى[24].



ــــــــــــــــــــــــ
[1] "أصول التربية الإسلامية، وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع"؛ عبدالرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م ص (230، 231).
[2] المرجع السابق، ص (231 - 237).
[3] "منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين"؛ محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م، ص (310، 311)، والحديث أخرجه البخاري (10/440)، كتاب الأدب، باب: رحمة الولد وتقبيله (5997)، ومسلم (4/1808 -1809) كتاب الفضائل، باب: رحمته - صلى الله عليه وسلم (65/2318).
[4] "قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين"، عطا الله بن قسيم الحايك، دار هجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ، 2001م، ص (238، 239).
[5] أخرجه البخاري (1/233) كتاب العلم، باب: الحرص على الحديث (99، 6570)، وأحمد في "المسند" (2/373).
[6] أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "نصب الراية" (4/121)، والدولابي في "الكنى" (1/143)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (125)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (653)، كلهم من طريق المثنى أبي حاتم العطار عن عبيدالله بن العيزار عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابُّوا، وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدًا، وأقيلوا الكرام عثراتهم)).
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/149)، وقال: وفيه المثنى أبو حاتم ولم أجدْ من ترجمه، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام.
ومن هذا الوجْه ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص (165)، وعزاه للطبراني في "الأوسط"، والحربي في "الهدايا"، والعسكري في "الأمثال".
وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عمر، وعطاء مرسلاً.
[7] "قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين"، مرجع سابق ص (271).
[8] أخرجه البخاري (5/601-604)، كتاب الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضًا (2661)، ومسلم (4/2129 - 2138) كتاب التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (56/2270).
[9] مجلة المعرفة، وزارة المعارف السعودية، العدد (31)، شوال سنة 1418هـ، ص (12).
[10] أخرجه البخاري (1/114) كتاب الإيمان، باب: المعاصي من أمر الجاهلية (30)، ومسلم (3/1282) كتاب الإيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل (1661).
[11] وهو حديث كعب بن مالك: أخرجه البخاري (8/452 - 455) كتاب المغازي، باب: حديث كعب بن مالك، وقول الله - عز وجل -: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (4418)، ومسلم (4/2120 - 2128) كتاب التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (2769)، وأبو داود (1/670) كتاب الطلاق، باب: فيما عنى به الطلاق والنيات (2202)، والنسائي (2/53) كتاب المساجد، باب: الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة.
[12] "أصول التربية الإسلامية وأساليبها"، مرجع سابق، ص (146).
[13] أخرجه أبو داود (1/334) كتاب الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة، حديث (495)، وأحمد (2/187)، والدارقطني (1/230) كتاب الصلاة، باب: الأمر بتعليم الصلوات والضرب عليها، حديث (2،3)، والحاكم (1/197)، وابن أبي شيبة (1/347)، والدولابي في "الكنى" (1/159)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/167 - 168)، وأبو نعيم في "الحلية" (10/26)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/278) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص.
[14] أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4382)، و"الكبير" (10/345) رقم (10673)، من طريق سلام بن سليمان قال: نا عيسى بن علي وعبدالصمد بن علي، عن أبيهما علي بن عبدالله بن عباس عن ابن عباس به.
وأخرجه عبدالرزاق (9/447) رقم (17963)، والطبراني في "الكبير" (10/345) رقم (10670)، من طريق داود بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن جده به.
[15] "منهج التربية النبوية"، مرجع سابق، ص (192)، الأذكار، للنووي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1399هـ - 1979م، ص (256)، والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/213، 214) في ترجمة الحكم بن الوليد الوحاظي، وقال: والحكم بن الوليد هذا ليس له رواية إلا اليسير، وروى عنه يحيى الوحاظي؛ فهذا الحديث لا أعرفه إلا عنه عن عبدالله بن بسر، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/349) في ترجمة الحكم بن الوليد: أورد له ابن عدي حديثًا استنكره.
[16] تقدم تخريجه.
[17] أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيال" (1/532).
[18] "منهج التربية النبوية"، مرجع سابق، ص (195).
[19] أخرجه البخاري (5/215) كتاب العتق، باب: إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه، رقم (2559) بلفظ: ((إذا قاتل))، ومسلم (4/2016) كتاب البر والصلة والآداب، باب: النَّهي عن ضرْب الوَجْه، رقم (112/2612) بنحوه، وأبو داود (2/574) كتاب الحدود، باب: في ضرب الوجه في الحد، رقم (4493)، والنسائي في "الكبرى" (4/325) كتاب الرجم، باب: الأمر باجتناب الوجه في الضرْب، رقم (7350)، وأحمد (2/244، 251).
[20] أخرجه الترمذي (4/297) كتاب البر والصلة، باب: في أدب الخادم (1950)، وابن حجر في "المطالب العالية" (3/257) باب: عظم ذكر الله (3423)، وفي إسناده أبو هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، قال الذهبي في "الميزان": كذّبه حماد بن سلمة، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف لا يصدق في حديثه، وقال الحافظ في "التقريب": متروك، ومنهم من كذبه، شيعي.
انظر: "الميزان" (3/173)، "التقريب" (2/49).
[21] "منهج التربية النبوية"، مرجع سابق، ص (201).
[22] "قبسات من التأديب التربوي"، مرجع سابق ص (105).
[23] أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (124)، وأبو داود (2/760)، كتاب الأدب باب في حق الجوار (5153)، وصححه الشيخ الألباني كما في "الأدب المفرد" ص (71).
[24] "أصول التربية الإسلامية وأساليبها"، مرجع سابق ص (145).



أحسنت يا مازن ...
هذه المقالات من الأهمية بمكان .

وموضوع مثل موضوع التربية أرى أن يلتفت له الخطباء، خصوصاً إذا عرفنا أن المتعين على الناس في عصر العولمة التضلع في علم التربية لكي يواكبوا هذه التحديات ويتغلبوا عليها.
ولا يسوغ للخطيب أن يكتفي بالخطبة عن تربية الأولاد مرة في السنة أو السنتين دون أن يفصل في علوم التربية للمستمعين له والمستفيدين منه.
ولذلك أرى أن كل مقالة من هذه المقالات يمكن أن تحول مادتها إلى خطبة متكاملة.