التربية على التوحيد 19-5-1443

محمد آل مداوي
1443/05/19 - 2021/12/23 10:19AM

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هَادي مَنِ اسْتَهْدَاه، ومُجِيبُ مَنْ دَعَاه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، ومُصطَفاهُ ومُجْتَبَاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتَّقوا الله عبادَ الله حَقَّ التقوى؛ فمَنِ اتَّقى ربَّهُ نجا، ومَنْ أَعْرَضَ عنه هَوى.

أيّها المسلمون: أَقْسَمَ اللهُ في كِتَابهِ بالآبَاء، وأَقْسَمَ بالأَبْنَاء، وللهِ وَحْدَهُ أَنْ يُقْسِمَ بما شاء، قال تعالى: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) ، وذَكَرَ في آيَاتٍ كثيرة؛ أنَّهُ جَعَلَ الأبناءَ بُشْرَى للأنبياء: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) ، (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ) وقال عن إبراهيم: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ).

ولمَّا كانت هذه البِشَاراتُ نِعَمًا للآباء؛ كانَتْ لهم أيضًا: اختِبَاراتٍ وابتِلاءَات؛ لِيَنْظُرَ جلَّ وعلا: كيفَ يَشْكُرُ الآباءُ هذهِ النِّعَم، وكيف يُؤَدُّوا حَقَّ اللهِ فيها، ثم هو سُبحَانَهُ سَائِلُهُم عنها. قال r: (كلُّكُم رَاعٍ وكلُّكُم مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِه) متفقٌ عليه.

وإذا أهْمَلَ المُرَبِّي تربيةَ مَنْ تحتَ يَدِه؛ ولم يَبذُلِ الوَاجِبَ عليهِ مِنَ الأسباب؛ كانَ ذلك طريقًا إلى النار، وحِرْمَانِ الجنَّة، قالَ r: (ما مِنْ عَبدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رعيَّةً؛ يموتُ يومَ يموت؛ وهو غَاشٌّ لِرَعيَّتِه؛ إلاَّ حَرَّمَ اللهُ عليهِ الجنَّة) متفقٌ عليه.

والتربيةُ الحَسَنَةُ تكونُ بالتوجيهِ والنُّصْح، والوَعْظِ والتَّذكير، وتكونُ بالقُدوةِ الحَسَنَة.. ويَسْبِقُ ذلكَ ويُرافِقُهُ ويَلْحَقُه: دُعَاءُ اللهِ بصَلاحِ الذُّريَّة، معَ التَّحلِّي في كُلِّ ذلك بالصبرِ والمصابَرة.

وقد بيَّنَ اللهُ وصايا الأنبياءِ والصَّالِحينَ لِذُرِّيَّاتِهِم..

ذكَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ وَصِيَّةَ إبراهيمَ ويعقوبَ لِبَنِيهِمْ، فقال سُبحانه: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .

فكانَتْ وَصِيَّتُهُم لِبَنِيهِمْ؛ هي الوَصِيَّةُ بالتوحيد.. توحيدُ اللهِ بالطاعة، وإسْلَامِ الوَجْهِ له، والاستسلامِ لِحُكْمِه، وإفرادِه سُبحَانَهُ بسَائرِ أنواعِ العبادَة.

ونبيُّنا محمَّدٌ r كان يُرَبِّي على التوحيد، وتَعْليقِ القُلوبِ بالله، وكان يُعلِّمُ الناشئةَ بعضَ أفعَالِ اللهِ في خَلْقِه، وسُنَّتِهِ في عِبَادِه.. قالَ r لابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: (يا غُلام، اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْك، اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذا سَأَلْتَ فاسْألِ الله، وإذا استعنْتَ فاستَعِنْ بالله...) الحديث.

وأَذَّنَ r في أُذُنِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما؛ حينَ وَلَدَتْهُ فاطِمَةُ رضي الله عنها؛ وذلك لأجْلِ أنْ يكونَ أوَّلَ ما يُبَاشِرُ آذانَهُم: توحيدُ اللهِ عزَّ وجل.

قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله: "وإذا كانَ وقتُ نُطْقِهِمْ [أي: الأطفال] فَلْيُلَقَّنوا: لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله، ولْيَكُنْ أوَّلَ ما يَقْرَعُ مَسَامِعَهُمْ: معرِفَةُ اللهِ سُبحَانَهُ وتَوحِيدُه، وأنَّه سُبحَانَهُ فوقَ عَرْشِه؛ يَنْظُرُ إليهِمْ، ويَسْمَعُ كَلامَهُمْ، وهو معَهُم أينَما كانوا" انتهى كلامُه رحمه الله.

وبعدُ عبادَ الله: فالأبناءُ والبَناتُ والناشئةُ؛ هم مَعْقِدُ الآمال، ويتأكَّدُ على الآباءِ والمُرّبِّينَ نُصْحُهم وتَعلِيمُهم؛ إذا كَثُرَتْ عليهمُ الوسَائلُ التي تَصُدُّهُم عنِ الخير، والأسبابُ التي تَصْرِفُهُم إلى الشر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.. واستغفروا الله، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فإنَّ خيرَ ما تَتَزَكَّى بهِ أخلاقُ الناشئة، وأعظَمَ ما تَصْلُحُ بهِ قُلُوبُهم: تَعرِيفُهم بِخالِقِهِم جلَّ وعلا، وهذا هو سَبِيلُ الأنبياء، وطريقَةُ الصَّالحين؛ (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)

ألَا فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله؛ اصْبِرُوا وصَابِرُوا؛ على ما في تَوْجِيهِ النَّاشِئَةِ وتَربيَتِهِم؛ مِنْ رَهَقٍ وتَعَب، عَلِّقوا قُلُوبَهُم بِخَالِقِهِم، وأَحْيُوا في نُفُوسِهِمُ الإيمانَ به سبحانه، والإيمانَ بِكَرَمِهِ ورَحْمَتِه، وغَضَبِهِ وعِقَابِه، ومَعِيَّتِهِ ورَقَابَتِه، واسْألوا المولَى الكريمَ مِنْ فَضْلِه؛ وأَلِحُّوا على ربِّكُم؛ أنْ يَجْعَلَ ذُرِّيَّاتِكُمْ قُرَّةَ عَينٍ لكُمْ وللمُسْلِمين، هو سُبحَانَهُ أَكْرَمُ مَنْ سُئِل، جَعَلَ دُعَاءَ الوَالِدِ لِوَلَدِهِ؛ مِنَ الدُّعاءِ المُسْتَجَاب، وهو سُبحَانَهُ سَائِلُكُمْ عمَّا اسْتَرْعَاكُم، وهو سُبحَانَهُ يَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُون.

اللهمَّ يا حَيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجَلالِ والإكرام؛ هَبْ لنا مِنْ أزْوَاجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنا للمُتَّقِينَ إمَامًا، واجْعَلْنَا مُقيمي الصَّلاةِ ومِنْ ذُرِّيَّاتِنا، أَصْلِحِ اللهُمَّ قلوبَنا، واشْرَحْ صُدُورَنا، وأَصْلِحْ نِيَّاتِنا وذُرِّيَّاتِنَا، وبَلِّغْنَا فيما يُرضِيكَ آمَالَنا، بِرَحْمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمين.

 

 

 

 

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتَنَا فيمن خافك واتقاك واتبعَ رضاك يا رب العالمين.

اللهم أيّد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لهُداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيء لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.. اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصر جنودَنا، اللهم اِرْبِطْ على قُلُوبِـهم، وثَبِّتْ أقدامَهُم، وانصُرهم على القومِ المعتدين، واخْلُفْهُم في أهليهِم بخيرٍ يا رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

المشاهدات 1032 | التعليقات 0