التداوي لا ينافي التوكل

الشيخ فهد بن حمد الحوشان
1446/04/14 - 2024/10/17 16:32PM
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد فإن أصـدق الحديث كتاب الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ ﷺ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وكلَّ ضلالةٍ في النارِ عباد الله التوكل على الله هو صدق الاعتماد على الله تعالى مع فعل الأسباب ولهذا كان أفضل المتوكلين نبينا محمد ﷺ يتعالج ويعالج وإذا قاتل العدو يلبس الدروع ويحتمي وقد وجه الإسلام إلى ضرورة التداوي من الأمراض والأوبئة والأخذ بأسباب الشفاء والأدوية التي يوصي بها الأطباء فَالشِّفاءَ مِن عندِ الله وأنَّ التداوِيَ ما هو إلَّا أَخْذٌ بالأسبابِ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال ( ما أنزل اللهُ داءً إلا أنزل له شفاءً علمَهُ من علمه وجهلَه من جهِله ) رواه البخاري وكلُّ ذلك يدُلُّ على أنَّ التداويَ لا ينافي التوكُّلَ لِمن اعتقد أنَّها تُبرئُ بإذنِ اللهِ تعالى وبتقديرِه لا بذاتِها وفي هذا الحديث بَيانُ رَحمةِ اللهِ بِعبادِهِ وأنَّهُ كَما أنزَلَ الدَّاءَ أنزلَ له الدَّواءَ
فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ( لكل داءٍ دواءٌ )
قال ابن القيم رحمه الله فيه تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه والتّطعيم ضِدَّ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ داخل في جنس العلاج المأمور به شرعا ويعتبر علاجاً وقائياً من المرض الذي يخشى منه قبل وقوعه وهو ما يسمى في عصرنا هذا بالطب الوقائي وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال ( من تصبح بسبع تمرات من تمر المدينة لم يضره سم ولا سحر ) أخرجه البخاري ودفع الأمراض بالتطعيم لا ينافي التوكل بل لا تتم حقيقة التوكل إلا بالأخذ بالأسباب المشروعة كما قرر ذلك أهل العلم قال العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : لما سُئِلَ عن تطعيم الحمى الشوكية قال رحمه الله : استعمال هذه الإبر ليس فيه بأس ولا ينافي التوكل بل هو من فعل الأسباب النافعة التي يدفع الله بها الشر فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على صِحَّتِكم وصِحَّةِ أَهلِيكم ومَن حَولَكم وعليكم بالوِقَايَةِ مِن الأمراض التي تَضُرُّ أَجسَادَكُم اللَّهُمَّ عافنا في أبداننا وفي أسماعنا وفي أبصارنا وفي صحتنا اللَّهُمَّ إِنَّا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة أَعُوذُ بِاللهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة أَقُولُ ما تسمعون وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وخطيئة فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحمدُ لله حمدًا طيّبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه كما يُحبّ ربُّنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدهُ ورسولهُ بلّغ الرّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ للأمّة وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلاّ هالكٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ آلِهِ وصحبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثيِرًا
أَمّا بَعْدُ فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ العافيةُ لا يعدلُها شَيءٌ أيُّها المؤمنونَ في هذه الأيام ومَع تَقَلُّبِ الأجواءِ وانتقالنا مِن فصل الصيف إلى فصل الشتاء تَنشَطُ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ وتَقُومُ وَزَارَةُ الصِّحَّةِ هَذِهِ الأَيَّامُ مَشْكُورَةً بِحَمْلَةٍ وَطَنِيَّةٍ لِلتَّطْعِيمِ ضِدَّ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ وهذه الحملةُ تَهدِفُ إلى أهميةِ أَخذِ اللقاح للوقاية مِن الإصابة بهذا المرض وهذا اللقاحُ مِن أسبابِ حِفظِ النَّفسِ التي أَوصى الدِّينُ بِحِفْظِهَا ولِمَا لَه مِن أَثَرٍ في مَنعِ انتشار العَدوى أو تَخفِيف شِدَّةِ المرض خاصة على الفئات الأشد عُرضَة لِلخَطَرِ مِثْلُ كِبَارِ السِّنِ وأَخذُ اللقاحِ يُسَاهِم بمشيئة الله في الوقاية مِن هذا المرض وهذا مِن اتخاذ الأسباب المشروعة وتَحقيقِ المَقَاصِدِ الشرعية قال ﷺ ( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) متفق عليه وإذا فَقَدَ المُسلِمُ صِحَّتَه عَجِزَ عن القيامِ بمَا أوجبَ اللهُ عليهِ والمسلمُ مُطالبٌ بِفِعلِ الأسباب التي يَدفَعُ بها الأذى عن نَفسِه وعن ما حَوله ما استطاعَ إلى ذلكَ سبيلا هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُم اللهُ عَلَى نَبِيّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيته الطيبين الطاهرين وَارْضَ للَّهُمّ عَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ بقية الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ ولِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ اللهمَّ احْفَظْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ عَلَى الحُدُودِ وثبِّتْ أَقْدَامَهُمْ اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ( عِبَاْدَ اَللهِ )) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (( واذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون ))
المرفقات

1729171905_خطبة الجمعة 15 ربيع الآخر 1446هـ.pdf

1729171936_خطبة الجمعة 15 ربيع الآخر 1446هـ.docx

المشاهدات 1325 | التعليقات 0