التحول ..

عبدالله يعقوب
1437/08/06 - 2016/05/13 08:38AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...
في فَترَةٍ مَضَت، وَلأَشهُرٍ مَعدُودَةٍ خَلَت، كان الحديثُ كثيفا وكثيرا عن عملية التحول الوطني، عُقدت لقاءاتٌ على أعلى المستويات، ولجميع الفئات والتخصصات، للخروج برؤيةٍ مستقبلية نافعة، وبرامجَ عمليةٍ وتطويريةٍ مؤثرة، حتى كان قبل أيام.. حين أفصح المسؤولون عن أبرز نقاط هذه الرؤية المستقبلية وهذا التحول الوطني. نسأل الله أن يجعل فيها الخير والنفع والرشاد للبلاد والعباد.

وحديثنا اليوم أيها الكرام.. عن التحول... وفي النقاط التالية:


أولاً: لنعلم جميعاً.. أنه لا تحولَ من حالٍ إلى حال، ولا قوةَ ولا قدرةَ على ذلك التحول إلا باللهِ وحده، فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وما شاء اللهُ.. كان، وما لم يشأ.. لم يكن ولا يكون. فالأمر أمره، والعبد عبده، والحكم حكمه، والخلق خلقه، وهو اللهُ الملكُ الرءوفُ الرحيم.
فلا تعلّق آمالَك ولا تطلعاتك ولا قلبَك إلا بالله: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).

ثانياً: كان من هدي النبي r في قيادةِ الأعمال، استعمالُ الأكفاء، وإبعادُ الضعفاء، ولو بلغوا في الإيمان ما بلغوا.

جاءه الصحابيُ الجليلُ أبو ذر t، وطلب أن يوليه عملاً أو إمارة، ومَن مِثلُ أبي ذر في إيمانه وديانته، ومع ذلك.. امتنع النبي r عن توليته، ونصحه قائلاً: (يا أبا ذر.. إني أراك ضعيفا، وإني أحبُ لك ما أُحبُ لنفسي، لا تأمرنَّ على اثنين، ولا تولينَّ مالَ يتيم) رواه مسلم.

وعنه قال: قلتُ يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدي الذي عليه فيها) رواه مسلم.

ولذا فإنَّ كلَّ خطةِ نهضةٍ لا يقودها الأكفاء.. تظل حبراً على ورق... وكلَّ رؤية لا يتبعها تنفيذ.. تظل حُلُماً.. وكلَّ إصلاحٍ لا ينفضُ الفسادَ عن الكبارِ أولاً.. يظل سراباً.. وشريعةُ الإسلام.. يجب أن ينضوي تحتها كلُّ العلائق والقواعد المنظمة لذلك.

وحُسنُ الظن واجب، والتفاؤلُ مطلوب، ودعواتنا الصادقة وكلماتنا الطيبة.. سترافق كلَّ مسؤول يريد الخيرَ لبلادنا الكريمة بلاد الحرمين الشريفين، وجميعنا.. سنشارك في البناء، والنماء، والعطاء.. حتى يكون الدينُ كلُّه لله، ثم يكون للإنسان ما يستحقه من كرامة ورفعة ورفاهية... نسأل الله أن يعينَ ويوفقَ المسؤولين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد.

ثالثاً: رَأَينَا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يتكلمون عن التحول إلى المستقبل القريب، (2030) كما يقال، والقليلُ من الناس.. بل النادرُ.. من يتحدث عن التحولِ الأكبر.. والنقلةِ الأخطر.. من دار الفناء.. إلى دار البقاء: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

نعم أيها المسلمون.. لن ننسى نصيبنا من الدنيا.. وسنضرب في مناكب الأرض لطلب الرزق كما أمرنا ربنا.. ولكن لا يجوز أن ينسينا ذلك الحقائقَ الكبرى.. فالآجالُ محتومة، والأرزاق مقسومة، والأعمار محدودة، والأنفاس معدودة: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى)، (ما عندكم ينفد وما عند الله باق)، (والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع إليه).

وإنَّ المُؤمِنَ النَّاصِح، يُحَاسِبُ نفسّه، وَيَسعَى لتحويلِ أحوالها وتصحيحِ أَوضَاعِهَا... فَخَسَارَةٌ وَأَيُّ خَسَارَةٍ، أَن تَمُرَّ بِهِ الأَيَّامُ وَتَطوِيهِ السَّنَوَاتُ، وَيَسبِقُهُ المُشَمِّرُونَ إِلى اكتِنَازِ الحَسَنَاتِ وَالأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَتَمُرُّ بِهِ قَوَافِلُ الصَّالِحِينَ مَاضِيَةً إِلى رَبِّهَا، وَهُوَ عَاكِفٌ عَلَى دُنيَاهُ، غَارِقٌ في لعبه ولَهوِهِ..
صَلاةُ الفَجرِ لا يعرفها، وَالمَسَاجِدُ لا يدخلها، يُنفِقُ المُحسِنُونَ وَلا يُنفِق، وَيُعطُونَ وَيَمنَعُ، وَيَذكُرُونَ رَبَّهُم وَيَنسَى، وَيُبَادِرُونَ وَهُوَ يَتَقَاعَسُ، وَيَزدَادُونَ فِقهًا في الدِّينِ وفَهمًا لِلحَيَاةِ وَحُسنَ تَعَامُلٍ مَعَ مَن حَولَهُم... وَهُوَ في سُوءِ خُلُقِهِ يَتَقَلَّبُ، وَعَلَى هَوَى نَفسِهِ يَسِيرُ.

وإِنَّ العَبدَ النَّاصِحَ لِنَفسِهِ، البَصِيرَ بِالغَايَةِ مِن خَلقِهِ، يَعلَمُ أَنَّهُ مَيِّتٌ يَومًا مَا، وَذَائِقٌ كَأسَ المَنُونِ طَالَ العُمُرُ أَم قَصُرَ، وَهُوَ مَقبُورٌ وَحدَهُ، وَمَبعُوثٌ وَحدَهُ، وَمُحَاسَبٌ وَحدَهُ، وَلَيسَ لَهُ في كُلِّ هَذِهِ المَوَاقِفِ العَظِيمَةِ مِن أَنِيسٍ وَلا جَلِيسٍ، إِلاَّ صَالِحُ عَمَلِهِ وَمَاضِي إِحسَانِهِ، قَالَ r: (يَتبَعُ المَيِّتَ ثَلَاثَةٌ: فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتبَعُهُ أَهلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرجِعُ أَهلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبقَى عَمَلُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ... إِنَّ العَاقِلَ الفَطِنَ يَعلَمُ أَنَّ مَعَ العِزِّ ذُلًّا، وَأَنَّ مَعَ الحَيَاةِ مَوتًا، وَأَنَّ مَعَ الدُّنيَا آخِرَةً، وَأَنَّ لِكُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا، وَعَلَى كُلِّ شَيءٍ رَقِيبًا، وَأَنَّ لِكُلِّ حَسَنَةٍ ثَوَابًا، وَلِكُلِّ سَيِّئَةٍ عِقَابًا، وَأَنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابًا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِن قَرِينٍ يُدفَنُ مَعَهُ، فَإِن كَانَ كَرِيمًا أَكرَمَهُ، وَإِنْ كَانَ لَئِيمًا أَسلَمَهُ، ثم لا يُحشَرُ إِلاَّ مَعَهُ، وَلا يُبعَثُ إِلاَّ مَعَهُ، وَلا يُسأَلُ إِلاَّ عَنهُ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ يَحرِصُ عَلَى أَنْ يَجعَلَهُ صَالِحًا، لأَنَّهُ إِنْ كَانَ صَالِحًا لم يَأنَسْ إِلاَّ بِهِ، وَإِن كَانَ فَاحِشًا لم يَستَوحِشْ إِلاَّ مِنهُ: (يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ ، مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. ونفعنا بهدي سيد المرسلين.





الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا.. والشكر لله تعالى شكر اشكرا..أَمَّا بَعدُ...
فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ، وراقبوه وَلا تَعصُوهُ، واعلموا أنَّ الدُّنيَا.. كَرَوضَةٍ طَابَ مَرعَاهَا، أَو حَدِيقَةٍ أَعجَبَت مَن يَراهَا، حَتى إِذَا بَلَغَ العُشبُ إناهُ، وَحَانَ مُنتَهَاهُ، يَبِسَ العُودُ وَذَوَتِ الوُرُودُ، وَتَوَلىَّ مِنَ الزَّمَانِ مَا لا يَعُودُ، فَحَنَتِ الرِّيَاحُ الوَرَقَ، وَفَرَّقَت مِنَ الأَغصَانِ مَا اتَّسَقَ، فَأَصبَحَ هَشِيمًا تَذرُوهُ الرِّيَاحُ، وَخَوَتِ الثِّمَارُ بَعدَ النُّضجِ والصَّلاحِ.
فَرَحِمَ اللهُ امرَأً جَعَلَ لِنَفسِهِ خِطَامًا وَزِمَامًا، فَقَادَهَا بِخِطَامِهَا إِلى طَاعَةِ اللهِ، وَعَطَفَهَا بِزِمَامِهَا عَن مَعصِيَةِ اللهِ، وَبَاعَ دَارَ الشقاءِ وَالنَّكَدِ.. بِدَارِ البَقَاءِ وَالأَبَدِ، قَبلَ أَن يَقُولَ: (يَا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَيَاتي)، أَو يَقُولَ: (يَا لَيتَني لم أُوتَ كِتَابِيَه , وَلم أَدرِ مَا حِسَابِيَه ، يَا لَيتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ ، مَا أَغنى عَنِّي مَالِيَه ، هَلَكَ عَنِّي سُلطَانِيَه).


ألا فاتقوا الله عباد الله.. وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ، وَتَرَحَّلُوا ؛ فَقَدْ جَدَّ بِكُمْ، وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ، فَقَدْ أَظَلَّكُمْ، وَكُونُوا قَوْمًا صِيحَ بِهِمْ، فَانْتَبَهُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارِ إقامة ولا قرار. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ).

وصلوا وسلموا على عبدالله ورسوله نبينا محمد.. كما امركم بذلك ربكم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد..
المشاهدات 1229 | التعليقات 0