التحلي بالذهب والفضة بين الرجل والمرأة

د. محمود بن أحمد الدوسري
1438/12/16 - 2017/09/07 23:09PM

 

        سلسلة "وليس الذكر كالأنثى" (2)

  التحلي بالذهب والفضة بين الرجل والمرأة

د. محمود بن أحمد الدوسري

13/1/1438

       الحمد لله ..

      من الفروق بين الرجل والمرأة في باب الزينة: التحلي بالذهب والفضة:

      فما حكم تحلِّي الرَّجل بالذَّهب؟

      الرَّجل لا يتزيَّن بِحُليِّ الذَّهب؛ لأنَّ التَّحلِّي به من زينة النِّساء، فإذا تحلَّى الرجل بالذَّهب فقد تجاوز ما أباحه الشَّرع، وتشبَّه بالنِّساء، وفي لُبس الرجل  للذهب نوعٌ من الخيلاء والمباهاة؛ ولذا لا خلاف بين أهل العلم أنَّ الرَّجل لا يجوز له التَّحلِّي بالذَّهب، ومن أهل العلم مَنْ حكى الإجماعَ على ذلك(1).

      واستدلوا: بما جاء عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حريراً بشماله، وذهباً بيمينه، ثمَّ رَفَعَ بهما يديه، فقال: «إنَّ هَذَينِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ»(2).

      وما جاء عن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ اللهَ عزّ وجل أحَلَّ لإِنَاثِ أُمَّتِي الحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا»(3). فالذَّهب والحرير مباحان للنِّساء، مُحرَّمان على الرِّجال. قال النَّوويُّ رحمه الله: «أجمع العلماء: على تحريم استعمال حُليِّ الذَّهب على الرِّجال»(4).

     ما حكم اتِّخاذ الرَّجل خاتماً من ذهب؟

     يحرم على الرَّجل أن يتَّخذ خاتماً من ذهب, وهو مذهب جمهور أهل العلم(5).

    واستدلوا: بما جاءَ عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما قال: «نَهَانَا النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ...» الحديث(6). وعند مسلمٍ: «... َنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ...» الحديث(7).

     فدلَّ هذان الحديثان على حرمة التَّختُّم بالذَّهب؛ لأنَّ النَّهي جاء صريحاً منه صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقتضي التَّحريم، ولا صارفَ له.

       وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رَسُول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَأَى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِه» فَقِيلَ لِلرَّجُلِ - بَعَدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لاَ، وَاللهِ! لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم(8).

       إخوتي الكرام .. في هذا الحديث فائدة عظيمة: وهي شدَّة المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, واجتناب نهيه, وعدم التَّرخُّص فيه بالتَّأويلات الضَّعيفة, وهذا الرَّجل تَرَكَ الخاتمَ على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء وغيرهم, لو أخَذَه صاحبه لم يَحْرم عليه الأخْذُ والتَّصرفُ فيه بالبيع وغيره, ولكن تَوَرَّعَ عن أخْذِه, وأراد الصَّدقة به على مَنْ يحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن التَّصرُّف فيه من كلِّ وجهٍ, وإنَّما نهاه عن لُبسه, وبقي ما سواه من تصرُّفه على الإباحة(9).

      إذاً؛ فاجتمع في تحريم خواتم الذَّهب على الرِّجال قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم وفعلُه؛ فقد طرح الخاتم بيده, وزيادةٌ في ذلك: التَّهديدُ الشَّديد - الذي في الحديث - لا يكون إلاَّ نهياً عن مُحرَّمٍ شديدِ الحُرمة.

       ما حكم تحلية الصَّغير بالذَّهب؟

        اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال متعدِّدة، الرَّاجح منها: أنَّ الوليَّ ليس له أن يُلبس الصَّغيرَ شيئاً من الذَّهب, قالت الحنفيَّة: يُكره ذلك كراهة تحريم, وصرَّح الشَّافعيَّة في أحد الأوجه، والحنابلة في أصحِّ الرِّوايتين: بالحرمة(10).

       واستدلوا: بما تقدم من أحاديث, وأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حرَّم الذَّهب على الذُّكور، دون تفريقٍ بين صغيرٍ وكبير، فدلَّ على تحريمه في حقِّ الصَّغير. وأنَّ الزَّكاة لمَّا حُرِّمت على أهل البيت شمل التَّحريم الصَّغيرَ والكبير، فكذا هنا لما حُرِّم الذَّهبُ على الذُّكور شمل الصَّغيرَ والكبير.

       والسؤال هنا: ما الحكمة في تحريم الذهب على الغلام الصغير؟

       الحكمة في تحريم إلباس الطِّفل الصَّغير للذَّهب، أن فيه تعويداً له على الطَّاعة وتعظيماً لأوامر الله تعالى، فينشأ على ذلك. ولو قيل: إنَّ علَّة تحريم الذَّهب هو السَّرَف، ففي إلباسه الغلمان غاية السَّرَف، وقيل: إنَّ العلَّة هي كسر قلوب الفقراء، ففي إلباسه الصِّغار كسر لقلوبهم أكثر ممَّا لو لبسه الكبار.

      الخلاصة: أنَّ التَّحلِّي بالذَّهب حرام في حقِّ الذُّكور؛ صغاراً وكباراً، يستوي في ذلك كثيره وقليله، سواء أكان في خاتم، أو سلسال، أو ساعة، أو نظَّارة، أو قلم، أو مفتاح(11). قال الشَّيخ ابن باز رحمه الله: «أمَّا الأقلام المطليَّة ريشتُها بالذَّهب، فالأحوط للمؤمن الذَّكر تركُها»(12). وقالت اللَّجنة الدَّائمة: «عند الضَّرورة يجوز استعمال الذَّهب، سِنّاً، أو أنفاً، أو نحو ذلك، إذا لم يقم غيرُه مقامَه»(13).

      ما حكم تحلِّي الرَّجل بالفضَّة؟

       اتَّفقت المذاهب الأربعة على أنَّه يباح للرَّجل أن يتَّخذ خاتماً من فضَّة، وأنْ يُحلِّيَ سيفه بالفضَّة(14). وهناك أحاديث كثيرة تدلُّ على جواز اتِّخاذ الرَّجل خاتماً من فضَّة، منها:

      ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: «اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ(15).

      ما الفرق بين الذَّهب والفضَّة للرَّجل؟

       حرَّم النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قليلَ الذَّهب وكثيرَه على الرَّجلِ، في الأواني، ولُبس الخواتم وغيرها. ولم يرِدْ في الفضَّة نهيٌّ عامٌّ إلاَّ في الأواني فقط، والحكمة في تحريم آنية الذَّهب والفضَّة على الرِّجال والنِّساء ما فيه من السَّرف والخيلاء.

      وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النَّصُّ: باتِّخاذ الخاتم، وقبيعة السَّيف(16)، والضَّبَّة في الإناء من فضَّة (17)؛ لذا يجوز تحلية آلات الحرب بالفضَّة، واتِّخاذ الحُلِّي الأخرى من فضَّة، إذا كانت ممَّا يجوز للرَّجل لبسه, وهو ما رجَّحه ابن تيميَّة رحمه الله(18).

الخطبة الثانية

        الحمد لله ..

        ما حكم تحلِّي المرأة بالذَّهب والفضة؟

       اتَّفق أهل العلم على أنَّ المرأة يُباح لها التَّحلِّي بالذَّهب والفضَّة، فيجوز لها كلُّ ما جرت عادتها بلبسه - ولو كثر - سواء كان محلَّ لُبسه الآذان، أو الأعناق، أو الصُّدور، أو المعاصم، أو الرُّؤوس، أو الأصابع، من الخُرْص (19)، والسِّخاب (20)، والأقراط، واللآلئ، والجواهر، والفَتَخ (21)، والخواتم، والخَلاَخِل (22), (23).

       فجمهور العلماء من السَّلف والخلف يرون أنَّه يُباح للنِّساء التَّحلي بالذَّهب والفضَّة والجواهر، لا فرق بين مُحَلَّقٍ وغيره، وقد حكى عدد من أهل العلم الإجماعَ على ذلك(24).

        واستدلوا: بما جاء عن عائشةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم حِلْيةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ أَهْدَاهَا لَهُ، فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ؛ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بِعُودٍ مُعْرِضاً عنْهُ، أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ ابْنَةَ أَبِي العَاصِ ابْنَةَ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: «تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ»(25).

        وما تقدَّم من قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في الحرير والذَّهب: «إنَّ هَذَيْنِ حَرامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ»(26).

       فكلُّ ما جاز التَّحلِّي به من الذَّهب للنِّساء، يجوز التَّحلِّي به من الفضَّة من باب أولى؛ لأنَّها أخفُّ حرمةً منه(27).

       وقد حكى الإجماعَ النَّوويُّ رحمه الله بقوله: «أجمع المسلمون: على أنَّه يجوز للنِّساء لُبس أنواع الحُليِّ، من الذَّهب والفضَّة جميعاً؛ كالطَّوق، والعِقْد، والخاتم، والسِّوار، والخَلْخَال، والتَّعاويذ، والدَّمالج، والقلائد، والمخانق، وكلِّ ما يَعْتَدْنَ لُبسَه، ولا خلاف في شيء من هذا»(28).

ــــــــــــــ

 (1) انظر: المجموع, (4/441)؛ (التمهيد), (17/97).

(2) صحيح – رواه ابن ماجه، (2/1189)، (ح3595).

(3) صحيح – رواه النسائي, (8/190)، (ح5265).

(4) المجموع, (4/383).

(5) انظر: بدائع الصنائع (5/132)؛ التمهيد (14/249)؛ فتح الباري (10/317)؛ المغني (3/15).

(6) رواه البخاري، (4/1867)، (ح5863).

(7) رواه مسلم، (3/1635)، (ح2066).

(8) رواه مسلم, (3/655), (ح2090).

(9) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي, (14/64).

(10) انظر: حاشية ابن عابدين (6/362)؛ المجموع (4/435)؛ انظر: الإنصاف, (1/480).

(11) انظر: فتاوى إسلامية، جمع وترتيب: محمد بن عبد العزيز المسند (4/248).

(12) المصدر نفسه (4/253).

(13) المصدر نفسه (4/248).

(14) انظر: بدائع الصنائع (5/133)؛ المجموع (4/444)؛ روضة الطالبين (2/262)؛ المغني (3/15).

(15) رواه البخاري، (4/1870)، (ح5873)؛ ومسلم، (3/1656)، (ح2091).

(16) قَبيعَةُ السَّيف: هي الثُّومة التي فوق المقبض، وقيل: هي التي تكون على رأس قائم السَّيف. انظر: عون المعبود (7/178).

(17) الضَّبَّة: حديدة تَجمع بين طرفي المنكسر إذا انكسرت الصحفة من الخشب يَخرزونها بهذه خرزاً. لسان العرب، مادة: (قبع) (11/17).

(18) انظر: مجموع الفتاوى (25/65).

(19) الخُرْص: بالضمِّ والكسر، وهو حلقة صغيرة من الحُليِّ، وهي من حليِّ الأُذن. انظر: لسان العرب، مادة: (خرص) (7/22).

(20) السِّخاب: على وزن كتاب، وهي القلادة، والجمع سُخُبٌ، والسِّخاب عند العرب: كلُّ قِلادةٍ كانت ذات جوهرٍ، أو لم تكن. انظر: لسان العرب،               مادة: (سخب) (6/201).

(21) الفَتَخ: جمع فَتْخَة، قيل: خاتم كبير يكون في اليد. والأظهر أنَّه: حَلَق من فضَّة يكون في أصابع الرِّجلين. انظر: لسان العرب، مادة: (فتخ)               (10/173).

(22) الخَلاَخِل: حُليٌّ يُلبس في السَّاق، والمُخَلْخَل: موضع الخَلْخَال من السَّاق. انظر: لسان العرب، مادة: (خلخل) (4/205).

(23) انظر: لسان العرب، (7/22)؛ (6/201)؛ (10/173)؛ (4/205).

(24) انظر: المجموع, (6/40)؛ فتح الباري, (10/317).

(25) حسن - رواه أبو داود (4/92)، (ح4235).

(26) صحيح – رواه ابن ماجه، (2/1189)، (ح3595).

(27) انظر: بدائع الصنائع (5/133).

(28) المجموع, (6/40).

المشاهدات 553 | التعليقات 0