التحفيز على الأعمال الصالحة
د. محمود بن أحمد الدوسري
1442/05/02 - 2020/12/17 11:09AM
التَّحْفيز على الأعمال الصالحة
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده: التَّحْفيز مِنَ الحَفْزِ, وهو الحَثُّ والدَّفْع. ويُعَدُّ التَّحفيزُ من الأساليب التربوية الناجحة, التي تُحقق الأهدافَ التربوية المرغوبة, ويُعمِّق التَّفاعلَ بين المُربِّي ومَنْ يقومُ على تربيته.
ومَنْ تتبَّع آياتِ القرآن الكريم, وجَدَها تزخر بأسلوب التحفيز على طاعة الله وتقواه؛ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96]؛ وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2, 3].
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحفِّز الناسَ بالمُحفِّزات الأُخروية, والدُّنيوية, وأحياناً بالمُحفِّزات المعنوية, فمِنْ تحفيزه لهم بالمحفِّزات الأُخروية: تحفيزهم على التمسك بالتوحيد, وأداءِ أركان الإسلام, ووَعَدَهم على ذلك الجنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» رواه البخاري ومسلم.
ويُحَفِّزُهم على الصبر؛ ويَعِدُهم بدخول الجنة معه؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ, فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ, وَقَالَ لَهُمُ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ» رواه البخاري ومسلم. ويُحَفِّزُهم على التَّعفُّف عن سُؤالِ الناس, ويَعِدُهم الجنة؛ فعَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا؛ وَأَتَكَفَّلَ لَهُ بِالْجَنَّةِ». فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا. فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا. صحيح - رواه أبو داود.
ويُحَفِّزُهم على مرافقته في الجنة؛ كما حفزهم في غزوة أُحُدً؛ عندما اقترب المشركون منهم, فقال: «مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا؛ وَلَهُ الْجَنَّةُ, أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟» رواه مسلم.
ومن التحفيز بالأشياء الدُّنيوية المادية: التَّحفيز بطول العُمر, وسعة الرزق؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه البخاري ومسلم. وتحفيزُ المُجاهِدِ على أنَّ له سَلَبَ مَنْ يقتله؛ فعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم حُنينٍ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ». فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً, وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ. صحيح - رواه أبو داود.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَفِّزُ بالأشياء المعنوية؛ فمن التحفيز المعنوي: التحفيز بالثناء؛ فمن ذلك قوله: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ [يعني: عبدَ الله بنَ عمر] رَجُلٌ صَالِحٌ, لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. رواه البخاري. ومِنَ التَّحفيز بالثناء: عن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ [أي: أكثرَ القتلَ فيهم], فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْمِ؛ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». قَالَ: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ, فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ, فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ, فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ. رواه البخاري ومسلم. ففدَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأبيه وأُمِّه؛ تحفيزاً له على قتل هذا الكافر, شديدَ البأس, الذي أكثرَ القتلَ في المسلمين.
وقد يكون التحفيز المعنوي, بإثارة الحفِيظَة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». فقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ, يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» رواه البخاري ومسلم. فأثارَ حفيظةَ الصحابة على كَعْبٍ؛ بقوله: «فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ», فانتَصَبوا له, فأعانهم اللهُ عليه, فقتلوه. وكان كعبٌ هذا, قد لَهَجَ بسبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فاستحقَّ القتلَ - مع كُفرِه - بِسبِّه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون التحفيز المعنوي؛ باستدعاء البَسالَةِ والإِقْدام؛ فعَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ, فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟» رواه مسلم.
ويكون التحفيز المعنوي - أيضاً - بِذِكْرِ مَنقبةٍ عظيمةٍ, لِمَنْ يقوم بالعمل؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم - يوم خَيبرَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ». فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ؛ أَيُّهُمْ يُعْطَى؟ فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ. رواه البخاري. فتأمَّل كيف حفَّزهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم تحفيزاً معنوياً, دَفَعَهم إلى أن يرجو كلٌّ منهم أنْ يكونَ صاحِبَ الرايةِ؛ ليفوزَ بمحبَّةِ الله تعالى, ومحبَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم.
ومن التحفيز المادِّي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ, فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ, فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ, فَقَالَ: يَا قَوْمِ! أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ» رواه مسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ... عباد الله .. ويكون التَّحفيز بإثارة العاطفة, ومن ذلك: قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم للأنصار: «أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ, لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا؛ لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ» رواه مسلم.
ومن التحفيز باللَّقَب والمَنْزِلَةِ المُسْتَحقَّة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُلَقِّبُ بعضَ أصحابِه بألقابٍ تُناسِب شخصياتهم, وتبقى بعد مماتهم, وهي مَنْقَبَةٌ يَسْتحِقُّونها؛ فقد لقَّب أبا بكرٍ - رضي الله عنه - بالصِّديق, ولقَّب خالدَ بنَ الوليد - رضي الله عنه - بسيف الله. وقال عليه الصلاة والسلام: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ, وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ, وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ, وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ, وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا؛ وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» صحيح - رواه الترمذي.
ومن تحفيز العقولِ بالسُّؤال: تحفيز النبيِّ صلى الله عليه وسلم عقولَ أصحابِه عن طريق السُّؤال؛ كقولِه: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» رواه البخاري؛ وقولِه: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» رواه مسلم؛ وقولِه: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» رواه البخاري؛ وقولِه: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» رواه البخاري؛ وقولِه: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» رواه مسلم.
ومن التحفيز بالإقناع والحِوار: قِصَّةُ الشَّاب الذي أتى النبيَّ يستأذنه في الزنا, فزجره الناسُ, فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ». قَالَ: «فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ. فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ» صحيح - رواه أحمد في "المسند". فيجب على الآباء والأُمَّهات, والمُعلِّمين والمُعلِّمات, والمُربِّين والمُربِّيات؛ أن يكون للتحفيز والمحفزات نصيبٌ في حياتهم اليومية؛ أثناء تربيتهم وتوجيههم وتعليمهم.
المرفقات
التحفيز-على-الأعمال-الصالحة
التحفيز-على-الأعمال-الصالحة