التحرش الجنسي بالأطفال1-صالح الجبري-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1439/11/28 - 2018/08/10 00:27AM
أما بعد: فالوصيةُ بتقوى اللهِ، وَصِيَّةِ اللهِ لَلأَوَّلَيْنِ وَالآخَرِيْنِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
وبعد: فلعلَّ وقعَ كلمةِ التحرشِ على الآذانِ ثقيلٌ لدرجةِ أنْ يستبعدَها بعضُ الآباءِ، أو يعتقدوا أنَّ أبناءَهم بعيدونَ عنها، كما قدْ تسببُ تلك الكلمةُ الثقيلةُ الحرجَ للوالدينِ؛ فلا يسألونَ عما يحمي أبناءَهم ويُوَعِّيهم ضدَ التحرشِ، بلْ قدْ يمنعونَ أبناءَهم من الاقترابِ منْ مثلِ هذه الموضوعاتِ، ولكنْ رَغمَ ثِقَلِ وقعِها فإنها تفرضُ نفسَها على واقعِنا، فقدْ ذكرتْ إحدى الكاتباتِ أنَّ دراسةً أُعدتْ قد كشفتْ أنَّ نسبةَ التحرشِ الجنسيِ بالأطفالِ في مجتمعِنا مرتفعةٌ؛ إذْ يتعرضُ طفلٌ من بينِ أربعةِ أطفالٍ لهذا الاعتداءِ أو التحرشِ؛ مما يُوجِبُ على الجميعِ وقفةً جادةً لإعدادِ العُدةِ لحمايةِ أبنائِنا من ذلك الخطرِ عملًا بقولِه-تعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
أولًا: ما هو التحرشُ الجنسيُ بالأولادِ؟!
التحرشُ الجنسيُ هو كلُ إثارةٍ يتعرضُ لها الطفلُ أو الطفلةُ عن عمدٍ، مثلُ مشاهدةِ الصورِ أو المقاطعِ الجنسيةِ أو العاريةِ، أو تعمدِ ملامسةِ أعضائِه التناسليةِ، أو تشجيعِه على لمسِ أعضاءِ شخصٍ آخرَ، أو تعليمِه الاستمناءَ أو العادةَ السريةَ، وأحيانًا يصلُ الأمرُ إلى اغتصابِه والاعتداءِ الجنسيِ الكاملِ عليهِ، إضافةً إلى الأنواعِ الحديثةِ في أساليبِ التحرشِ الجنسيِ، ومنها: تناقلُ صورِ الأطفالِ على شبكةِ الإنترنت، أو استمالةِ الأطفالِ لرؤيةِ المواقعِ الإباحيةِ.
وقدْ ألقتِ الشرطةُ القبضَ على رجلٍ في الثلاثين من عمرِه، قامَ بشراءِ موقعٍ إباحيٍ على شبكةِ الإنترنتِ، بقصدِ التحرشِ بالذُكورِ القُصَّرِ الصغارُ، وصدق الله-سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
ثانيًا: مَنْ همُ الأطفالُ الذين يتعرضونَ للتحرشِ؟!
يقولُ الدكتورُ عليٌ الزهرانيُ-ورسالتُه للدكتوراه في الاضطراباتِ النفسيةِ الناتجةِ عن سوءِ معاملةِ الأطفالِ-يقولُ: "أظهرتِ الدراساتُ الغربيةُ أنَّ أغلبَ الأطفالِ الذي يتعرضونَ للتحرشِ هم دونَ السنةِ الخامسةِ، بينما الدراساتُ العربيةُ ومنْها دراسةٌ قامتْ بها الجهاتُ المختصةُ في المملكةِ تشيرُ إلى أنَّ الأعمارَ بين ستةٍ إلى اثني عشرَ عامًا هي الفئةُ العُمْرِيةَ التي غالبًا ما تتعرضُ لخطورةِ التحرشِ الجنسيِ، وأظهرتِ الدراسةُ أيضًا أنَّ الأعمارَ بين ثلاثةَ عشرَ وثمانيةَ عشرَ عامًا تُعدُ أيضًا معرضةً لهذا الخطرِ، متى توافرَ في الابنِ أو البنتِ الجاذبيةُ، أو الخجلُ، أو ضعفُ الشخصيةِ، أو ضعفُ الجسمِ، وكذلك ثقةُ الأهلِ الـمُفْرِطَةُ والزائدةُ في السماحِ لأبنائِهم بالخروجِ مع الأصدقاءِ للاستراحاتِ أو المقاهي أو الشاليهاتِ أو المنتجعاتِ، دون حسيبٍ أو رقيبٍ".
ثالثًا: منْ هم الذينَ يتحرشونَ بالأطفالِ؟!
أكثرُ فئاتِ المتحرشين خطرًا على الأطفالِ هم المنحرفون المهووسون جنسيًّا بالأطفالِ، والذينَ يتسكعونَ في الأماكنِ التي يسهلُ فيها الاحتكاكُ بالأطفالِ، مثلِ أماكنِ لعبِ الأطفالِ المعزولةِ، وهؤلاءِ-عادةً-يَستدرجونَ الولدَ ذكرًا أو أنثى، ويتحرشون به جنسيًّا في دوراتِ المياه، أو دَرَجِ العماراتِ في الأدوارِ العُليا منها، أو على أسطحِ المباني، أو في الأماكنِ المظلمةِ، أو في أي مكانٍ خالٍ متاحٍ لهم، وهؤلاءِ-عادةً-يُفضلونَ الذُكورَ خيارًا أولًا، والإناثَ خيارًا ثانيًا.
أما غالبيةُ المتحرشينَ فهمْ منَ الخدمِ، والمربينَ، والسائقينَ، والمعلمينَ، والمعلماتِ، وعمالِ البقالاتِ، والحلاقينَ، والجيرانِ، والأصدقاءِ، والأقاربِ، وخاصةً المراهقينَ، والأخطرُ أبناءُ الإِخوةِ، والخلاصةُ أنَّ 85 % من المتحرشين جنسيًّا همْ منَ المعروفينَ لدى الضحيةَ.
ونحنُ هنا لا نريدُ التشكيكَ في كلِّ أحدٍ، ولا نريدُ أنْ نظنَّ الظنَّ السيئَ بالنسبةِ للأصنافِ المذكورةِ سابقًا؛ لأنهم غالبًا-وللهُ الحمدُ- على خيرٍ وإلى خيرٍ، نحسبُهم ولا نُزَكِّي على اللهِ أحدًا، إنما نقصدُ قليلي الدينِ، وأهلَ الفتنِ والفسادِ منهم-وهم قليلٌ-، ولكنْ يجبُ الحذرُ منهم، فقدْ حَذَّرَ الرسولُ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-منِ أمثالِ هؤلاءِ بقولِه: "ألا أخبرُكم بخيرِكم من شرِكم؟! خيرُكم منْ يُرجى خيرُه ويُؤمنُ شرُه، وشرُكم منْ لا يُرجى خيرُه ولا يُؤمنُ شرُه".
رابعًا: ما هي وسائلُ التحرشِ الجنسيِ؟!
وسائلُ التحرشِ الجنسيِ ثلاثٌ: الإغراءُ أو استغلالُ الحاجةِ للمالِ أو للحبِ، أو التهديدُ بالقوةِ، تكونُ بالإغراءِ بتقديمِ الهدايا أو الحلوى أو النقودِ، أو بتعليمِ قيادةِ السيارةِ، خاصةً السيارةَ الرياضيةَ الفاخرةَ التي تجذبُ انتباهَ الأطفالِ أو المراهقينَ، وإما أنْ تكونَ باستغلالِ حاجةِ الضحيةِ للمالِ أو لأيِ شيءٍ، أو حاجته للحبِ والحنانِ بتكوينِ علاقةٍ حميمةٍ مع الولدِ لكسب ثقتِه وكسبِ ثقة الوالدين، ثم يبدأُ المتحرشُ بعد ذلك في تنفيذِ مخططِه ورغباتِه ولاسِيَّما في غيابِ الثقافةِ الجنسيةِ عندَ الطفلِ أو المراهقِ، وإذا فشلتِ الأساليبُ السابقةُ للمتحرشِ في الإيقاعِ بالضحيةِ، فربما يلجأُ للخيارِ الأخيرِ لديهِ، وهو التهديد باستخدامِ القوةِ إلى درجةِ التهديدِ بالأذى الشديدِ أو القتلِ للضحية.
الخطبة الثانية
أما بعد: فخامسًا: ما هي أسبابُ التحرشِ الجنسيِ؟!
هناك أسبابٌ كثيرةٌ لوقوعِ الأولادِ في التحرشِ الجنسيِ، ومنها: أخطاءُ الوالدينِ؛ كمداعبة الزوجين أحدهما للآخر، أو ممارسةِ الحقِ الزوجيِ-الجماعِ-أمامَ الأبناءِ، وتجاهلِ الصغارِ منهم بدعوى أنهم لا يفهمونَ، وهذا خطأٌ؛ لأنَّ هذه المناظرَ تتركُ أثرًا في نفس الولدِ ذكرًا كانَ أم أنثى، وتشجعُه على تقليدِ هذه الحركاتِ عندَ أولِ فرصةٍ سانحةٍ له، وقد أخبرَ أحدُهم أنه شاهدَ فيديو لطفلةٍ صغيرةٍ لا تتجاوزُ عامين وهي تقومُ بحركاتٍ جنسيةٍ رأتْها لوالديْها.
ومن الأسبابِ: مداعبةُ الأبناءِ في الأماكنِ الحساسةِ، ويظنون أن هذا الأمرَ سارٌ للطفلِ، فيتحولُ ذلك إلى إدمانٍ مع طولِ المدةِ.
ومنها: تبديلُ الملابسِ أمامَ الآخرينَ، وبعضُ الأمهاتِ قدْ تهملُ تبديلَ ملابسَ أطفالِها في مكانٍ خاصٍ، وتقومُ به أمامَ الآخرينَ، ومعَ الوقتِ يتعودُ الأبناءُ على خلعِ ملابسِهم أمامَ الآخرينَ؛ فيفقدونَ الغَيْرةَ على أنفسِهم، ويفقدون الخجلَ من الظهورِ أمامَ أخواتهِم أو إخوانهم أو أمام الغرباءِ بهذه الصورة.
ومن الأسبابِ: غيابُ البدائلِ التربويةِ لإشباعِ الحاجةِ العاطفيةِ للطفلِ أو الطفلةِ: كالتقبيلِ والاحتضانِ والتعاطفِ معه عند الحزنِ أو الشعورِ بالقلقِ أو الفرحِ أو التهدئةِ عندَ الغضبِ، وهذا أمرٌ خطيرٌ؛ لأنَّ الطفلَ المحرومَ من العاطفةِ قدْ يلجأُ للبحثِ عن هذهِ العاطفةِ خارجَ المنزلَ؛ ما قدْ يوقعه فريسةً للتحرشِ الجنسيِ من قبلِ الآخرينَ.
ومنها: نشأةُ الولدِ على الميوعةِ والدلالِ والترفِ، إلى حدِ الإسرافِ والتبذير والملالِ، فيصبحُ كسولًا متكبرًا متعجرفًا مزاجيًا غضوبًا لا يُعجبه شيءٌ ولا يُرضيه شيءٌ، وربما كفرَ أو أَلــْحَدَ، قالَ-تعالى-عن الكفارِ مبينًا بعضَ أسبابِ تكذيبِهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾، ولتلافي ذلك يقولُ المربون: يجبُ إعطاءُ الأولادِ جرعاتٍ وسطٍ من فيتامين (لا)؛ فـ (لا) لما يطلبونه-وخصوصًا إذا كان غيرَ ضروريٍ، و(لا) إذا كان المطلوب غاليًا، ويوجدُ بديلُه الجيدُ بسعرٍ مناسبٍ، و (لا) إذا كانَ المالُ غيرَ موجودٍ، و (لا) في بعض الأحيانِ دونَ سببٍ؛ ليعلموا ويتعلموا أنه ليس في وقتٍ تنفذُ طلباتهم ويقالُ: لهم (نعم)، وأنهم يجب عليهم احترامُ من قال: (لا) بسببٍ أو بغيرِ سببٍ لمصلحتِهم.
ومنها: تركُ الأولادِ للخدمِ، والاعتقادُ بأنَّ ذلك كافٍ في القيامِ بواجباتِهم، وقدْ أكدتْ دراسةٌ لمكتبِ التربيةِ العربيِ لدولِ الخليجِ: أنَّ ظاهرةَ الخدمِ والمربياتِ خَلَّفَتْ وراءَها كثيرًا من أصنافِ الخطرِ في شتى الميادين، ولاسِيَّما الاعتقاديةِ والثقافيةِ.
ومنها: جهلُ بعضِ الآباءِ والأمهاتِ بما هو مسموحٌ؟ وما هو ممنوعٌ؟، وما المباحُ؟ وما المحرمُ؟، وما المقبولُ؟ وما المرفوضُ؟، وما هو لباسُ الابن؟ وما هو لباسُ البنتُ؟، وخاصةً في هذا الزمانِ الذي اختلطَ فيه الحابلُ بالنابلِ، فصرنا نرى الأبناءَ يلبسونَ ملابسَ البناتِ، فيزيدُهم ذلك جمالاً على جمالهِم، وصرنا نرى بناتٍ صغارًا ولكنْ قدْ يكونُ لهنَّ أجسامٌ كبيرةٌ نوعًا ما، فيلبسنْ الضيّقَ أو العاري؛ فيغري ضعفاءَ النفوسِ بالتحرشِ بهنّ.
ومن الأسبابِ: ضعفُ الرقابةِ من الأهلِ مع وجودِ الفضائياتِ والإنترنتِ ووسائلِ التقنيةِ ومقاطعِ البلوتوثِ، فقدْ أصبحتْ هذه الموادُ في متناولِ الصغيرِ قبلَ الكبيرِ، والمشكلةُ في عقولِ أبنائِنا الصغيرةِ التي لا تستوعبُ حرمةَ ما يشاهدون، ولا نتائجَه المدمرةَ لحاضرِهم ومستقبلِهم.
ومنها: عدمُ الوعيِ الثقافيِ والتربويِ منذ الصغرِ، وخجلُ الأبوينِ من الإجابةِ على تساؤلاتِ الأبناءِ، ووجودِ فجوةٍ بين الأهلِ والأبناءِ تمنعُ الحوارَ الدائمَ، فمشكلةُ مجتمعِنا الخلطُ بين الحياءِ والعيبِ، والأغلبيةُ لا تستطيعُ أنْ تُناقشَ الأهلَ في شكواهم، وبعضُ الأبناءِ يخشى من عقابِ أهلِه فلا يقوم بالشكوى.
ومن الأسبابِ: التفككُ الأُسْريُ، وفقدانُ الحبِ والحنانِ بسببِ قسوةِ الوالدينِ وتسلطِهما.
ومن الأسبابِ: الانفلاتُ والانحلالُ الأخلاقيُ للوالدينِ، وبالطبعِ سينعكسُ ذلك على الأبناءِ، فينشؤون سيئين كوالديهم.
للحديثِ بقيةٌ...
المرفقات
الجنسي-بالأطفال1-صالح-الجبري-الملتقى-ب
الجنسي-بالأطفال1-صالح-الجبري-الملتقى-ب