التحذير من مرض الغضب

عايد القزلان التميمي
1440/03/07 - 2018/11/15 13:26PM

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللَّهِبِوَصِيَّةِ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ والآخرينَ؛ إِذْ يَقُولُ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))

عباد الله يتحدث الكثير من الناس في هذه الأيام عن قضية قتل غريبة، بين شخصين , بسبب خِلافٍ على موقف سيارة حيث قام أحدهما وهو غضبان بطعن الآخر بسكين فأرداه قتيلا ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والسبب ليس موقف السيارة كما يظن البعض! بل السبب داء خطير ومرض انتشر في بعض النفوس وأدى إلى خروجها عن حالها الطبيعي وبدون فكر أو عقل  ، إنه مرض أدى إلى القتل، ويؤدي أحياناً إلى طلاق الزوجات وفراق الأولاد، ويؤدي إلى تنازع الأحبة وخلاف الإخوة والأقارب!

إنه داء ومرض الغضب .

عباد الله فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ بين يَدي السَّاعة الهرْج"، قالوا: وما الهرْجُ؟ قال: "القتلُ، إنَّهُ ليس بقَتْلِكم المشركين، ولكن قتلُ بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجلُ جارَهُ، ويقتل أخاهُ، ويقتل عمَّهُ، ويقتل ابن عمِّه"، قالوا: ومعنا عُقُولُنا يومئذٍ؟ قال: "إنَّهُ لتُنزعُ عُقُولُ أهل ذلك الزَّمان، ويُخلَّفُ لهُ هباءٌ من الناس، يحسبُ أكثرُهُم أنَّهُم على شيءٍ، وليسُوا على شيءٍ" (رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصحّحه على شرط الشيخين، وقال الألباني: إسناده صحيح، رجاله ثقات).
ودخل رجلٌ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني! قال: { لا تغضب } فردد مراراً قال: { لا تغضب } [رواه البخاري].

وأشمل وصف لحالة الغضب تلك، قول النبي  صلى الله عليه وسلم :  أَلاَ وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ...! }[رواه أحمد].

والغضب - والعياذ بالله - مرتبط بالكبر والاستعلاء والظلم والتعدي والقتل.

عباد الله واعلموا أن هناك أسبابا تسبب الغضب والعنف ثم القتل ومنها الجهل بالوعيد والعذاب الشديد لمن قتل أخيه المؤمن : ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 
وهناك أسبابا أخرى للعنف والقتل منها الحسد والمخدرات والمسكرات وأفلام الرعب والألعاب الالكترونية التي تحث وتشجع على القتل .

والبعض اليوم يكون مستعداً لنتائج الغضب الوخيمة، فتراه يجعل بجواره في السيارة مثلاً حديدةً او خشبة أو سكينا أعدها لهذه المواقف!

 عباد الله : ومن أسباب العنف والقتل أحياناً حكايات السلَف للخلف , يحكي الجَدُّ لأحفاده والأبُ لأبنائه، أن فُلانًا قَتَلَ فُلانًا ، ويتمثَّله بأبيات من الشعر، فيها مدحٌ وثناء ترفعه إلى الجَوزاء، فيقتدي السامعُ بسيرته، ويتمثَّل شخصيته، فيقتل أحدَ قرابته.
عباد الله : وقد قال صلى الله عليه وسلم  خلافاً لما تعارف عليه الناس اليوم (( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم (( وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )) متفق عليه

عباد الله وعلاج هذا الداء الخطير  الغضب يكون , أولاًبتنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم  في ذلك الأمر، لا تغضب  .

ومن علاج الغضب / معرفة فضل الله عز وجل لمن تجرع الغضب وكتمه، قال  صلى الله عليه وسلم (( «مَنْ كَظَمَ غَيظاً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ» . رواه أَبو داود والترمذي،

عباد الله ومن علاج الغضب: 

الوضوء، ومعرفة أن الغضب من الشيطان والاستعاذة بالله منه .

ومن علاج الغضب : السكوت وذكر الله والجلوس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ))

عباد الله واعلموا أن الله سبحانه وتعالى مدح المؤمنين بصفات كثيرة منها قوله تعالى:   الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

ولقد كان من روائع دعائه صلى الله عليه وسلم (( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا)) رواه أحمد.

بارك الله لي ولكم ..........
الخطبة الثانية

 الحمدُ لله وليِّ الصّالحين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه والتّابعين .

أما بعد فيا أيها المؤمنون : ومن تأمل أحوال الناس لم يجد أحداً غضب لغير الله إلا كان الندم حليفه، والعجب أن الكثير منهم يرى عواقب الغضب الوخيمة ثم لا ينتهي عنه.

ومما ينبغي أن يُعلم أن الغضب منه ما كان محمودًا وهو الغضب لله، وذلك عند انتهاك حرماته ومخالفة أوامره وفي جهاد أعدائه، قال تعالى عن نبي الله موسى عليه السلام: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ [الأعراف: 154]. قال ابن كثير: ولما سكن عن موسى الغضب - أيغضبه على قومه - أخذ الألواح التي ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل، غَيرَةً لله وغضبًا له.

وروى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها قَالَتْ ))مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

فعلينا عباد الله أن نتقي الله جل وعلا وأن نتحلى بآداب الإسلام الحميدة وأقواله الرشيدة لنُهدى إلى سواء السبيل .

 واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وصلوا وسلموا على إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب: ٥٦ ] وقال صلى الله عليه وسلم " من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا ".

المرفقات

التحذير-من-مرض-الغضب

التحذير-من-مرض-الغضب

المشاهدات 958 | التعليقات 0