التحذير من مرض التعود على النعم وعدم شكرها

عايد القزلان التميمي
1445/10/10 - 2024/04/19 06:42AM
الْحَمْد لله ذِي الْمَنّ وَالْعَطَاء  يُوَالِي عَلَى عِبَاده النَّعْمَاء  وَأَشْكُرهُ عَلَى حَال السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء  وَأَشْهَد أَنْ لَا إلَه إِلَّا الله وَحْدهُ لَا شَرِّيُّكَ لَهُ  تَنَزَّهَ عَنِ الْأَنْدَاد وَالشُّرَكَاء  وَأَشْهَد أَنَّ نَبِيّنَا مُحَمَّدا عَبْد الله وَرَسُوله  إمَام الْحُنَفَاء وَسَيِّد الْأَصْفِيَاء  صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آله الْأَوْفِيَاء وَصِحَابَتهِ الْأَتْقِيَاء  وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعهُمْ بِإحْسَان مَا دَامَت الْأَرَضُ وَالسَّمَاء  وَسَلَّم تَسْلِيما كَثِيرا  
أَمَّا بَعْدُ  فَاتَّقَوْا الله تَعَالَى  حَقّ التَّقْوَى ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنْ اَلْعَادَاتِ اَلسَّيِّئَةِ فِي هَذَا اَلزَّمَنِ هُوَ تَعُودُ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلنَّاسِ عَلَى اَلنِّعَمِ إِلَى تِلْكَ اَلدَّرَجَةِ اَلَّتِي لَمْ يَعُودُوا يَشْعُرُونَ بِقِيمَتِهَا وَيُؤَدُّونَ حَقَّ اَللَّهِ بِشُكْرِهَا وَالْإِحْسَاسِ بِالِامْتِنَانِ لِوُجُودِهَا فِي حَيَاتِهِمْ ، هَذَا اَلزِّحَامِ مِنْ اَلنِّعَمِ اَلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ اَلَّذِي يَتَنَعَّمُ فِيهِ أَجْيَالُنَا يَجِبُ عَلَيْنَا كَآبَاءِ وَأَوْلِيَاءِ أُمُورِ وَمُرَبِّينَ أَنْ نَزْرَعَ مُقَابِلُهُ أَهَمِّيَّةَ اَلشُّكْرِ لله وَالِامْتِنَانِ فِي نُفُوسِهِمْ .
عِبَاد اَللَّهِ إِنَّ اَلتَّعَوُّدَ عَلَى اَلنِّعَمِ حَتَّى تَأْلَفَهَا اَلنَّفْسُ وَتَظُنُّ أَنَّهَا حَقٌّ مُكْتَسَبٌ دَائِمٌ هُوَ كَارِثَةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَسْتَدْعِي اَلتَّوَقُّفَ لِلتَّفْكِيرِ ،
وَاعْلَمُوا أَنْ نَعِمَ اَللَّهُ اَلظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ عَلَى عِبَادِهِ كَثِيرَةً لَا تُحصى ، قال تعالى (( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ))
و قال تعالى)) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه ))
وَإِنْ مِنْ أَعْظَمِ اَلنِّعَمِ نِعْمَةَ اَلْإِسْلَامِ وَإِكْمَال اَلدِّينِ إِذْ بِهَا صَلَاح اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَمِنْ اَلنِّعَمِ عَلَيْنَا نِعْمَتَا اَلْأَمْنِ مِنْ اَلْخَوْفِ ، وَالْإِطْعَام مِنْ اَلْجُوعِ ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَاتَيْنِ اَلنِّعْمَتَيْنِ إِلَّا مِنْ فَقَدَهَما ، قالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))  رواه الترمذي وحسنه الألباني
عباد اللَّه : وَيَعْجَب الْبَعْض لَوْ عَلِمَ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ لَا تَنْفَكَّ عَنَّا حَتَّى فِي الْمَصَائِبِ فَمِنْ نِعَمِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْمُصِيبَةِ إنِ اتَّصَفْنَا بِصِفَات الصَّابِرِين رَفَعَ الْاجِر، وَوَضَع الْوِزْر، وأنَّها لَيْسَتْ فِي الدَّيْنِ، ويَدْفَعُ الله بِهَا بَلَاء أَعْظَم مِنْهَا، وأنها قضاء وقدر وَقَدْ وَقَعَتْ وَانْتَهَتْ .
عِبَادَ اَللَّهِ نَعِمَ اَللَّهِ عَلَيْنَا كَثِيرَةً فَنَحْنُ لَا نَشْعُرُ بِالنِّعَمِ إِلَّا فِي غِيَابِهَا ، فَالْعَقِيمُ يَرَى اَلْحَيَاةَ كُلَّهَا أَوْلَادٌ ، وَالْعَاطِلُ يَرَى اَلْحَيَاةَ كُلَّهَا وَظِيفَةً ، وَالْأَعْزَبُ يَرَى اَلْحَيَاةَ كُلَّهَا زَوَاجٌ ، وَالْمُتَشَرِّدُ يَرَى اَلْحَيَاةَ كُلَّهَا مَأْوًى وَمَنْزِل ، وَالْمَرِيضُ يَرَى اَلْحَيَاةَ كُلَّهَا صِحَّةً وَعَافِيَةً . جَمِيعُهَا نَعِمَ وَهَبَهَا اَللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَمَنَعَهَا بِحِكْمَتِهِ عَنْ مَنْ يَشَاءُ .
 أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : إِنَّ كَثْرَةَ اَلنِّعَمِ ، وَالِانْغِمَاسَ فِيهَا ، يُوَرِّثُ اَلْغَفْلَةَ عَنْهَا ، وَلَا يَعْرِفُ قِيمَتَهَا حَتَّى يَفْقِدَهَا ، إِنَّهُ إلْفُ اَلنِّعَمِ وَالتَّعَوُّدُ عَلَيْهَا ، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ نَتَقَلَّبُ فِيهَا صَبَاحَ مَسَاء ، وَلَا نَعْرِفُ قِيمَتَهَا وَلَا نَشْكُرُهَا بَلْ نَتَذَمَّرُ مِنْهَا أَحْيَانًا ، وَلَا نَعْرِفُ قِيمَتَهَا إِلَّا حِينَ فَقْدِهَا .قال تعالى ((لإِيلاَفِ قُرَيْش * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف ﴾
ولنا في سبأ آية وعبرة وموعظة ، كما ذكر الله في كتابه (لقد كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى
أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّاالْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ))
وَأَسْأَل اَللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِشُكْرِ نِعَمِهِ قَوْلاً وَعَمَلاً وَعَقِيدَةً مَعَ اَلثَّبَاتِ عَلَى اَلْحَقِّ .
بَارَكَ اَللَّهُ لِي وَلَكُمْ . . .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَيَّ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعْمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أما بعدُ فيا عباد الله :
فَلِنَعْقِد مُقَارَنَةً بَسِيطَة بَيْنَ أَصْنَافِ اَلنِّعَمِ اَلَّتِي نَتَمَتَّعُ بِهَا وَبَينَ مَا كَانَ عَلَيْهِ اَلرَّسُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُشُونَةِ اَلْعَيْشِ لِنَشْعُرَ بِعِظَمِ اَلنِّعَمِ وَنَشْكُرُ اَللَّهَ عَلَيْهَا ، وَنُشْعِرُ  أَبْنَاءَنَا ومَن حَولَنَا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ اَلرَّسُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ اَلْأَجْدَاد مِنْ اَلْفَقْرِ وَالْجُوعِ حَتَّى يَعْرِفَ أَبْنَاءَ هَذَا اَلْجِيلِ حَجْمَ تِلْكَ اَلنِّعَمِ وَرَغَدَ اَلْعَيْشِ وَيَعْرِفُوا قَدْرَهَا وَيَشْكُرُوا اَللَّهَ عَلَيْهَا .
مصداقا لقوله تعالى: (إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)
فَمِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا شُكْرَ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ،  .
وأعظم الشكرِ المبادَرةُ إلى العبادة )) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ((
وَمِنْ أَسْبَابِ دَوَامِ اَلنِّعَمِ دُعَاءَ اَللَّه لِيَحْفَظَهَا، قال صلى الله عليه وسلم (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ )) رواه مسلم.
وَاعْلَمْ يَا عَبْدَ اَللَّهِ أَنَّ اَلشُّكْرَ لِلَّهِ أَنْ تَسِيرَ حَيَاتُكَ كُلَّهَا وِفْقَ مُرَادِ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا مَا يُرْضِي اَللَّهُ ، وَلَا تُبْصِرُ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ ، وَلَا تَنْطِقُ إِلَّا بِمَا يُقَرِّبُكَ مِنْهُ .
وَالشُّكْرُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، أَلَمٌ تَسْمَعُوا قَوْلَ رَبِّكُمْ وَمَوْلَاكُمْ:  ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ  .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....    
المرفقات

1713498077_التحذير من مرض التعود على النعم وعدم شكرها.docx

المشاهدات 1029 | التعليقات 0