التحذير من فتنة الخوارج ، والانتهازيين المتاجرين بمصائب الأمة

حاطب خير
1437/06/08 - 2016/03/17 04:40AM
بسم الله الرحمن الرحيم


التحذير من فتنة الخوارج


عباد الله
اذكُروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتُم في تفرُّقٍ وشَتات، وضغائِن وعداوات، وحروبٍ وغارات. فهداكم بعد ميلَة، وأغنَاكم بعد عَيلة،
وجمعَكم في دولة، هي وطنُ الإسلام ودوحةُ السلام،
الأَمْنُ والأمانُ، يا أهلَ الإيمانِ لا يُشتَرى بالأموالِ، ولا يُبتاعُ بالأثمانِ، ولا تَفْرِضُه القوَّةُ، ولا يُدرِكه الدَّهاءُ؛ وإنما هو مِنَّةٌ ومِنْحَةٌ من الملكِ الدَّيَّان:
قال الله تعالى :
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

بالأمنِ تُعْمَرُ المساجدُ،ويُنشَرُ الخيرُ، وتُحقَنُ الدماءُ، وتُصانُ الأعراضُ، وتُحفَظُ الأموال، وتَتَقَدَّمُ المجتمعاتُ،

وَفِي أَحْوَالِ الْفِتَنِ يَخَافُ النَّاسُ عَلَى أَمْنِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، فَيَخْشَوْنَ الْجُوعَ بَعْدَ الشِّبَعِ، وَالخَوفَ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَالتَّشْرِيدَ بَعْدَ الِاسْتِيطَانِ، وَالِاضْطِرَابَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ،
وَحُقَّ لَهُمْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَهَابَ الْأَمْنِ وَالرِّزْقِ وَالِاسْتِقْرَارِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْهَيِّنِ عَلَى النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ.


عباد الله
إِنَّنَا مُطَالَبُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى، وَنَبْذِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَتَعْظِيمِ الدَّمِ الْحَرَامِ فِي زَمَنٍ صَارَتْ فِيهِ الدِّمَاءُ أَرْخَصَ مِنَ الْمَاءِ؛
فَإِنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.

قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)
قال ابن كثير رحمه الله : "هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله تعالى في غير ما آية في كتاب الله .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يَزَالُ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ،
قال ابن العربي رحمه الله : الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره.


عباد الله
لقد ابتليتِ الأمةُ الإسلاميةُ عبرَ تاريخها الطويلِ - بفتن عظيمة، وكان من أشدها ضراوةً وفتكاً بالمسلمين :
- تلك الفتنة الكبرى - التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد كبير من الأحاديث الصحيحة الصريحة.

ألا وهي فتنة الخوارج

فمَن هؤلاء الخوارج ؟

وما صفاتهم؟

إن الخوارجَ هم الذين يكفرون المسلمين بالكبائر، ثم يستبيحون دمائهم وأموالهم ونساءهم، ويخرجون على ولاةِ أمورِ المسلمينَ بالسلاح ،
هم شرُّ الخلق والخليقة، وفتنتهم من أعظم الفتن؛ لأنهم يُلبسونها لباس الغيرة على الدينِ والجهادِ وإنكارِ المنكرِ ،
فتميل إليهم قلوبُ حدثاءِ الأسنان و سفهاءُ الأحلام فيوردونهم المهالك،
فكم جرُّوا على أمة الإسلامِ من المصائبِ والبلايا، فأفسدوا الدين والدنيا، وخربوا البلاد وروعوا العباد، وانتهكوا حرمات المسلمين .
قال تعالى :
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )
قال الحافظ ابن كثير : هم الحرورية - أي الخوارج -

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: اعْدِلْ فإنك لم تعدل !
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ
يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ ) متفق عليه

وفي حديث آخرعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
" إنَّ مِن ضِئضِئْ هذا قومًا يقرأون القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم . يقتلون أهلَ الإسلامِ . ويدعون أهلَ الأوثانِ . يمرُقون من الإسلام ِكما يمرُق السَّهمُ من الرَّميَّةِ . لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتلَ عادٍ " متفق عليه

وعن علي رضي الله عنه قال : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ
لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهُمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . متفق عليه .

ومن أشهر صفات الخوارج : الجرأة على علماء الأمة وسادتها ، بل الجرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال ذلك الرجل : يا محمد اعدل ،
و هذه الجرأةُ على عبادِ الله الصالحين واحتقارُهم وقلةُ الاحترامِ لأهلِ العلم هي شعارُ الخوارجِ على مر التاريخ
وبها استُبِيْحَتْ دماءُ أكابرِ الأمةِ وساداتِها - كما فعل الخوارج في قتال الصحابة رضي الله عنهم
فقد كفَّروا خيرةَ الصحابة رضي الله عنهم واستباحوا دماءَهم - فهم الذين تجرؤا على قتل خليفتين من الخلفاء الراشدين:
عثمانُ بنُ عفانٍ وعليُ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنهما
خيرةُ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الشيخين وأعظمُ ساداتِ هذه الأمة

فأيُ انحرافٍ أشدَ من هذا الانحراف - وأي خطرٍ على الإسلام والمسلمين أشدُ من خطر ِهؤلاءِ الخوارجِ البغاة.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرد كيد هذه الفئة الباغية ، وأن يهدي ضال المسلمين للحق
وأن يعصم شباب المسلمين من هذه الفئة وما تدعو إليه من فساد وضلال . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


الخطبة الثانية



(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )
فَبِالِاجْتِمَاعِ تَأْتَلِفُ الْقُلُوبُ، وَتَزْدَادُ الْقُوَّةُ، وَتُهَابُ الْأُمَّةُ، وَيَتَحَقَّقُ الْأَمْنُ.
وَبِالْفُرْقَةِ تَسْتَوْحِشُ الْقُلُوبُ، وَتَتَنَافَرُ النُّفُوسُ، وَتَذْهَبُ الرِّيحُ، وَيَتَحَقَّقُ الْفَشَلُ، وَتُسْتَبَاحُ الْأُمَّةُ، وَيَنْتَشِرُ الْخَوْفُ.


عباد الله.
إِذَا أُصِيبَتِ الْأُمَّةُ بِرَزِيَّةٍ مِنَ الرَّزَايَا، وَأُشْعِلَتْ فِيهَا فِتْنَةٌ مِنَ الْفِتَنِ؛ ظَهَرَ الِانْتِهَازِيُّونَ لِيَقْتَاتُوا عَلَيْهَا، وَيَنْفُخُوا
فِي نَارِهَا، وَيُصَفُّوا حِسَابَاتِهِمْ مَعَ مَنْ يَرَوْنَهُمْ أَعْدَاءً لَهُمْ عَلَى حِسَابِ وَطَنٍ لَطَالَما تَغَنَّوْا بِهِ، وَزَعَمُوا إِخْلَاصَهُمْ لَهُ،
وَهُمْ يَتَأَكَّلُونَ بِمُصَابِهِ وَأَزَمَاتِهِ وَمُشْكِلَاتِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَفِّي حِسَابَاتِهِ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُبَاشَرَةً، وَيَسْتَغِلُّ الْحَدَثَ لِلطَّعْنِ فِيهِمَا، وَصَرْفِ النَّاسِ عَنْهُمَا،
وَمِنَ الِانْتِهَازِيِّينَ مَنْ يُصَفِّي حِسَابَهُ مَعَ الدُّعَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالمَنَاهِجِ الشَّرْعِيَّةِ وحلق القرآن الكريم والمناشط الدعوية فيحَمِّلُونهم مَصَائِبَ الْعَالَمِ كُلِّهِ

إِنَّ هَؤُلَاءِ الِانْتِهَازِيِّينَ يَفْرَحُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ المُؤْلِمَةِ لِتَحْقِيقِ أَهْدَافٍ وَضِيعَةٍ، وَالْوُصُولِ إِلَى مَآرِبَ شَخْصِيَّةٍ حَقِيرَةٍ،
فَقَلْبُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ يَرْقُصُ طَرَبًا عَلَيْهَا، وَهُوَ بِلِسَانِهِ يَلْطُمُ وَيَنْدُبُ كَأَنَّهُ نَائِحَةٌ مُسْتَأْجَرَةٌ.

إن الوفاء للوطن يتعدّى جميع المهاترات السخيفة و البكائيّات الزّائفة ،التي يدندن حولها هؤلاء المتاجرون
الوفاء للوطن يحدونا للدعوة لوحدة الصفّ على الكتاب والسنة و التراصّ في جبهة واحدة ضدّ آفة وغول الإرهاب.





.
المشاهدات 2412 | التعليقات 3

تم تحديث الخطبة



.


للفائدة

خطبة الشيخ عبدالرحمن السديس عن الخوارج :


https://ia802300.us.archive.org/10/items/MakkahSadyas1910/Makkah_sadyas19-10.mp3






.


خطبة الشيخ صالح آل طالب (أنتم من الخوارج) :


http://ar.islamway.net/lesson/157011/%D9%85%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D9%85%D9%85%D9%8A%D8%B2-%D8%A3%D9%86%D8%AA%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AC#




.