التحذير من ظلم الورثة – ومن ظلم النفس في شهر رجب الحرام بالبدع والآثام

محمد بن عبدالله التميمي
1446/07/02 - 2025/01/02 10:57AM

الخطبة الأولى

الحمد لله أحمدُه سبحانه على ما لَهُ من الصفات الجليلة والنعم العظيمة، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وطاعتُه خيُر غنيمة. وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوث بالدين الحق وتتميم الأخلاق الكريمة، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وتابعيهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وراقبوه في السِّرِّ والنجوى، واعلموا أنَّ أجسادكم على النار لا تَقْوَى، وتذكروا ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾.﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾.

أيها المسلمون: الآخرةُ عند أهل الإيمان خيرٌ من كل مُستعاضٍ، فمن الدنيا عوض، وما عِوَضٌ عَن الدين، وفي فُسْحة الحياة الدنيا، قد حدَّ اللهُ الحُدُود، وأعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، ووعَد من أوفى بها، وتوعَّد من اعتدى عليها، فمَن مدَّ عينيه إلى ما ليس في يدَيه؛ أسرعَت الخيبةُ إليه، وإنه بقدْرِ تمسُّكِ المجتمعِ برعايةِ الإسلامِ للحقوقِ تكونُ قوَّتُه ولُحْمتُه، سِيّما ما كان للنفسِ فيه أَرَبٌ وحُبٌّ مفطورٌ والذي يأتي في مُقدَّمِه المالُ، كما قال اللهُ – تعالى -: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ ولَمَّا كانت الرحمُ سببَ شراكةٍ بين الورثةِ، ولِمَا خصَّ اللهُ به الرحمَ مِن متينِ المكانةٍ؛ فقد أبانَ اللهُ بنفسه جُلَّ أحكامِ الميراثِ تفصيلًا في كتابهِ الكريمِ؛ حَسْمًا للنزاعِ المؤدِّي للقطعيةِ والبغضاءِ، فقِسمةُ الترِكات شريعةٌ نازِلة، وفريضةٌ عادلة، ومَن بطلَت أمانتُه، وظهرَت خيانتُه، ولاحَ غدرُه ومكرُه؛ أساءَ القسمةَ، وخانَ الشريكَ وأكلَ سهمَه.

ومن حبسَ مالَ التَّرِكة، واستأثرَ بالتصرُّف فيها، وماطلَ في قسمتِها، ورام استِغلالها، وألجأَ الوارِثَ إلى التنازُل عن سَهمه، والرِضا بجُزءٍ من قَسْمِه؛ فقد تعدَّى حُكمَ الله وفريضتَه وقسمتَه وحُدودَه. قال الله -جلَّ في عُلاه- في آخر آيات الموارِيث من سُورة النساء: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ أي: هذه الفرائِض والمقادير هي حدودُ الله، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ أي: بمُضادَّة الله في قِسْمَتِه وفَرِيْضَتِه في المواريث، ﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

وفي العدلِ وصلٌ ومودَّةٌ واجتماع، وفي الظُّلم اختلافٌ وتباغُضٌ ونِزاع، على متاعٍ قليلٍ وأطماع. ورسولُ الله ﷺ يقول: «اللهم إني أُحرِّجُ حقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأة» أي: أُلحِقُ الحرجَ والإثمَ بِمَن أضاعَ حقَّ اليتيم والمرأة.

فاتَّقِ الله يا مَن أضاع، ولَعِبت به الأطماع، أعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، واعلم أنَّ لكل ظالمٍ مُهلتَه وحَدَّه، لا تَظلِم بالتسويفِ والمِطَال، واحذَر الإبطاءَ والإِمْهال؛ فإنَّ الآفاتِ تَعرِضُ وتَقْطَع، والحوائلَ تَمْنَع، ولستَ في الدنيا مخلَّد، فالموتُ يأتي ولا بُد، وهو يَفْجَأْ، فإياك والحال الأسوأ، ولستَ تُدْرِكُ حينَها استِعْتَابًا، ولا ردَّ حقوقٍ ومتَابًا، وقَدْ يَجْرِي عليك سَيِّءُ عَمَلِكَ، ولا يُعفيك الذي تأخَّرَ حقُّه أو ضاع، وقد يَخْلُفك من تسري معه الأطماع، فيأكل حقَّ من أَخَّرْتَ حقَّه، وقد لا يكون بيِّنَةٌ بنصيبه ومستحَقِّه. عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «اقسِموا المالَ بين أهل الفرائِض على كتابِ الله».

عباد الله.. وإِذْ إنَّ المسلمين كالجسدِ الواحدِ؛ فإنَّ عليهم مسؤوليةً في علاجِ نزاعِ الورثةِ. والمبادرةِ بالإصلاحِ بينهم، وتَكرارِ عَرْضِ الصلحِ عليهم، والصبرِ على نَزَقِهم ونِفَارِهم، فذلك مِن الواجبات، وقد يتأكَّدُ الواجب بحسب قُرب الواحدِ منهم وعلمه بحاله، وحاله في العلم، ومنزلته في المجتمع.

عباد الله.. إنَّ على الوَرَثةِ واجبًا عظيمًا في حفظِ حقِّ الرحمِ بينهم؛ ولئن كان لهم حقٌّ في التركةِ؛ فإنَّ عليهم حقًا قد يعظمُ عن حقِّهم في الميراثِ؛ وذلك بألا تكونَ هذه التركةُ سببًا للشحناءِ والقطعيةِ بينهم. ومن توجيهاتِ الشريعةِ في ذلك إشعارُهم بوشيجةِ الرحمِ، وخَطَرِ قطيعتِها التي كثيرًا ما يُفْضي إليها نزاعُ الميراثِ، وأنْ يُفصحَ كلٌّ منهم عمّا في ذمتِه من أموالِ المورِّثِ.

وتعجيلُ قسمةِ التركةِ بعد وفاءِ الديونِ وإخراجِ الوصيةِ –إن وجدتْ-ممّا يُجَنِّبُ الورثةَ النزاعَ، وعلى الورثةِ المبادرةُ بقسمةِ التركةِ الجَلِيِّةِ الثابتةِ التي ليس فيها نزاعٌ، وتأجيلُ ما لم يَثْبُتْ أو ما فيه نزاعٌ.

عباد الله.. وإنَّ ميراثَ الأخلاق ينْتقِلُ من الآباء والأمهات إلى الأولاد والبنات، فيُحمَدون بهذا الميراث بين الناس إذا كانت من خير الصفات وكريمِ الشيم ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾.

اللهم اغفر لموتانا، وأصلح أحوالنا، واكفنا شرَّ أنفسنا، أقولُ ما تسمَعون، وأستغفِرُ الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفِرُوه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله ولِيِّ الصالحين، وخيرِ الوارثين -أي: الباقين-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من العالَمين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الأمين، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين.

أما بعد: فاتَّقوا الله - أيها المسلمون -، واعمِدوا إلى ما هو أخلَصُ للذمَّة، وأبعَدُ عن المَطل، وأرضَى للربِّ، وأمحَى للذنبِ.

ولَئِنْ كانَ ظُلْمُ النَّفْسِ مُحَرَّمًا فِيْ كُلِّ حِيْن، فهو في الأشهر الحرم أشدُّ حُرمةً؛ لأنه جامعٌ بين الجُرأة على الله -تعالى- بارتكاب الذنوب والخطايا، وامتهانِ ما عظَّم الله حُرْمَتَه، وأنتم عباد الله في شهرٍ حرام -شهر رجب- وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله اختص من الأشهر أربعة أشهر، جعلهن حراما، وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم" وهذه الأشهر الحرم بيَّنَها رسول الله ﷺ في خطبته العظيمة في حجة الوداع فقال: «السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ».

واعلموا أنّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، ومن البِدَعِ ما يتعلَّقُ بشهر رَجَب، وليس يَصِحُّ في فضله وصيامه وقيامه خَبَر، فكُن على مِمَّا يُنْشَر حذَرٍ.

المرفقات

1735804661_التحذير من الظلم في الميراث، وعن تعظيم حُرمة شهر رجب المحرّم.docx

1735804661_التحذير من الظلم في الميراث، وعن تعظيم حُرمة شهر رجب المحرّم.pdf

المشاهدات 1100 | التعليقات 0