التَّحْذِيرُ مِنْ ظُلْمِ النَّفْسِ

مبارك العشوان 1
1446/01/26 - 2024/08/01 03:33AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ العَظِيمَةِ؛ الَّتَي جَاءَ تَحْرِيمُهَا وَالتَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ مِنْهَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الظُّلْمُ أَيًّا كَانَ نَوعُهُ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } وَقالَ: { أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } وَقَالَ: { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

وَقَالَ: { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } وَقَالَ: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ } وَقَالَ: { بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }   

وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( يَا عبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نفسي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا... ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

عِبَادَ اللهِ: وَلِلظُّلْمِ صُورٌ كَثِيْرَةٌ؛ أَعْظَمُهَا وَأَقْبَحُهَا: الإِشْرَاكُ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان 13

وَهُنَاكَ الظُّلْمُ بَيْنَ العِبَادِ؛ فِي الأَنْفُسِ والأَعْرَاضِ وَالأَمْوَالِ.

وَحَدِيثُ الْيَومِ عَنْ نَوعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ؛ أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الظُّلْمِ بِكَافَّةِ صُوَرِهِ.

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } فاطر 32   

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } وَهُوَ: المُفَرِّطُ فِي فِعْلِ بَعْضِ الوَاجِبَاتِ، المُرْتَكِبُ لِبَعْضِ المُحَرَّمَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: قَدْ يَظْلِمُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ؛ وَيُورِدُهَا المَهَالِكَ  وَيُعَرِّضُهَا لِغَضَبِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ.

يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَسُمِّيَ ظُلْمُ النَّفْسِ ( ظُلْمًا ) لِأَنَّ نَفْسَ العَبْدِ لَيْسَتْ مُلْكًا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيْهَا بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا هِيَ مُلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى؛ قَدْ جَعَلَهَا أَمَانَةً عِنْدَ العَبْدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى طَرِيقِ العَدْلِ، بِإِلْزَامِهَا لِلصِّرَاطِ المُسْتَقِيْمِ؛ عِلْمًا وَعَمَلًا؛ فَيَسْعَى فِي تَعْلِيمِهَا مَا أُمِرَ بِهِ، وَيَسْعَى فِي العَمَلِ بِمَا يَجِبُ؛ فَسَعْيُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيْقِ ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ وَخِيَانَةٌ وَعُدُولٌ بِهَا عَنِ العَدْلِ، الَّذِي ضِدُّه الجَوْرُ وَالظُّلْمُ... الخ

وَقَالَ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ...}[الآية البقرة 54] يَقُولُ الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَظُلْمُهُمْ إِيَّاهَا: كَانَ فِعْلُهُمْ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِهَا، مِمَّا أَوْجَبَ لَهُمُ العُقُوبَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى  وَكَذَلِكَ كُلُّ فَاعِلٍ فِعْلًا يَسْتَوجِبُ بِهِ العُقُوبَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى  فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بِإِيْجَابِهِ العُقُوبَةَ لَهَا مِنْ اللهِ تَعَالَى.. ( الخ

عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي الوَاجِبَاتِ، وَارْتِكَابَ المُحَرَّمَاتِ؛ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ؛ فَلْنَتَّقِ اللهَ فِي أَنْفُسِنَا، وَلْنَرْفَعْ عَنْهَا ظُلْمَنَا، بِاسْتِغْفَارِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالتَّوبَةِ النَّصُوحِ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [آل عمران  135 - 136]  وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء 110] وَقَالَ تَعَالَى: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } [البقرة 35]  وَفِي تَوبَتِهِمِا: { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف 23]  اِعْتَرَفَا بِالذَّنبِ، وَأَنَّهُ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ  وَسَأَلَا مِنَ اللهِ المَغْفِرَةَ؛ فمَنَّ سُبْحَانَهُ علَيهِمَا بِالتَّوبَةِ وَقَبِلَهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64   وَعَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ). 

فَيَا مَنْ وَقَعْتَ فِي المَعْصِيَةٍ؛ اسْتَغْفِرِ اللهَ، وَتُبْ إِلَيهِ تَوبَةَ صِدْقٍ يَقْبَلْهَا؛ قَالَ تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...}[التحريم 8]

نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَاعْلَمُوا أَنَّ تَرْكَ التَّوْبَةِ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمـُونَ }الحجرات 11

قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَالنَّاسُ قِسْمَانِ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ غَيْرُ تَائِبٍ، وَتَائِبٌ مُفْلِحٌ، وَلَا ثَمَّ قِسْمٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا. ا هـ .

جَعَلَنَا اللهُ مِنَ التَّائِبِينَ المُفْلِحِينَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ  وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ أَعْدَاءِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. 

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ  واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1722472407_التَّحْذِيرُ مِنْ ظُلْمِ النَّفْسِ.pdf

1722472425_التَّحْذِيرُ مِنْ ظُلْمِ النَّفْسِ.docx

المشاهدات 718 | التعليقات 0