التحذير من ظاهرة الترف

عايد القزلان التميمي
1446/01/26 - 2024/08/01 11:46AM
الحمد لله مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، ومسبل النعم على الخلق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مجيب الدعوات، وفارج الكربات، ومجزل النعم على البريات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأتقياء وأصحابه الأصفياء.
أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
 أيها المؤمنون : إن في المجتمع ظاهرة خطيرة جداً، عمت المجتمعات؛ أثرت على الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار، والرجال والنساء؛ حتى أنها أثرت على كثير من طلبة العلم، والعباد والزهاد،
والواقع بهذا ظاهر للعيان، إنه سبب لانغماس النفس في الدنيا وغفلتها عن الآخرة ، وإنه سبب  للتنافس والتباغض والتحاسد ،
و هذه الظاهرة أفسدت أطفالنا وكثير من نساءنا وضيعت أموالنا هذه الظاهرة هي ظاهرة التّرَف.
والتّرَفُ يا عباد الله هو مجاوزة حد الاعتدال بنعمة أو الإكثار من النِّعم التي يحصل بها الترف  والمترف هو من أشغلته النعمة وسعة العيش وألهته عن طاعة الله، فتراه حريصاً على زيادة أحواله من مأكل ومشرب ومسكن ومركب. وهذا الترف الذي أفسد القلوب، وأبعد الكثير من الناس عن علام الغيوب .
عباد الله : لا يذكر الله تعالى الترف إلا مقرونا بالشر فقد ذكر الله سبحانه و تعالى عِقَاب الدنيا وقَرَنَهُ بالترف «وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ* فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ* لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ»
وذكر سبحانه عذاب يوم القيامة وبين انه بسبب الترف فعندما ذكر أصحاب الشمال في سورة الواقعة قال: «إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ»
وذكر عموم العذاب الذي يجتاح الناس اجتياحا ويهلكهم إهلاكا فبين أن منشأه فساد المترفين فقد قال تعالى:«وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا». ذلك لأن الترف يحول بين الإنسان وبين اتباع الخير .
وقد بين سبحانه أن عاقبة التّرَف وخيمة في الدنيا والآخرة، فقال عن نبيه صالح، وهو يخاطب قومه ثمود،: ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ إلى أن قال: ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ الشاهد أنهم كانوا يعيشون حياة الترف، فكذّبوا رسولهم، فكان عاقبتهم الهلاك في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون : ومن مظاهر هذا الترف في وقتنا الحاضر: الإغراق في الكماليات بشكل عجيب، من أثاث وسيارات وجوالات وملابس وغيرها.
ومن مظاهر الترف سفر بعض الناس للسياحة سنويًا، ويدفعون في ذلك المبالغ الطائلة حتى لو كانت هذه المبالغ بالدين، وغير ذلك من مظاهر الترف.
أيها المسلمون : ومن المفاسد التي تنتج عن الترف: الأمراض الكثيرة في وقتنا الحاضر، وأنه يؤدي إلى الكسل، والراحة، والتعلق بالدنيا، .
وإن مما يؤسف له أن كثيرا من الناس حملهم الترف على عدم القيام بالواجبات الشرعية، وعدم الكف عن المحرمات، وعدم التقيد بما أباحه الله لهم، فلم يلتزموا بالتعاليم الإسلامية ولا الآداب الشرعية، وأهملوا أنفسهم، ومن تحت أيديهم فارتكبوا المناهي، وغرقوا في الملاهي، وضعفت فيهم الغيرة، وقلَّ فيهم الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
بارك الله لي ولكم ......
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي العزِّ والكرم، الذي أسبغ على خلقه النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له باري النَسَمَّ. وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بالنهج الأقوم. صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ذوي الخلق الأكرم.
أما بعد فيا عباد الله :هناك سبل وطرق لعلاج الترف ومنها : عدم تعويد النفس على الراحة والكسل : وكان صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل .
ومن علاج الترف أن يعود الإنسان نفسه على العمل حتى على خدمة نفسه وعدم الاعتماد على الآخرين في كل شيء .
ومن علاجات الترف أن ينظر الإنسان إلى من هو دونه في الدنيا ولا ينظر إلى من هو فوقه فيعرف نعمة الله عليه .
ومن علاج الترف القراءة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .
أيها المسلمون! إن الحديث عن الترف، لا يعني طلب ترك النِّعمة، ولا التباعد عنها، بل نقول كما قال الله (( كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ)). وإذا أردتَ أن تعرف هل أنت من المترفين المذمومين أم لا ، انظر كيف حالك مع أوامر الله ونواهيه؟ وانظر هل أنت ممن قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له»( مسلم
وإذا أردتَ معرفة دواء الترف فاعرف حقيقة الدنيا، وإياك والاغترار بها، وتأمل في هذه الوصية التي تختصر علاج الترف والتعلّق بالدنيا، تلك الوصية النبوية العظيمة التي أوصى بها عبدَالله بن عمر رضي الله عنهما فقال ((كُنْ في الدنيا كأنّك غَريب، أو عَابر سبيل"( البخاري
اللهم ارزقنا الزهد في الدنيا، والتعلّق بالآخرة، اللهم اجعل الدنيا بأيدينا لا في قلوبنا، واجعلنا ممن استعان بنعمك على طاعتك..
اللهم لا تجعلنا من (( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)).
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات

1722501947_التحذير من ظاهرة الترف.docx

المشاهدات 337 | التعليقات 0