التحذير من حراك ١٥ سبتمبر والموقف الشرعي من إيقاف من أخطأ من الدعاة

أبو المقداد الأثري
1438/12/23 - 2017/09/14 18:16PM

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن عليكم واجباً كبيراً ومهمة عظيمة وهي المحافظة على ما أنتم فيه _بنعمة الله وحده _ من الأمن والاستقرار واجتماع الكلمة. تحت راية هذه الدولة المباركة القائمة على التوحيد والسنة والحكم بما أنزل الله تعالى.

ولماذا يتأكد هذا الواجب اليوم؟

لكثرة الدعاة سراً وعلناً إلى الثورات والتمرد والخروج على ولاة الأمور عبر كل وسائل الإعلام المعاصرة.

عباد الله :

إنه لو اشتعلت نار الفتن لا قدر الله لأحرقت الأخضر واليابس ولفاضت الدماء وهتكت الأعراض ولعادت هذه البلاد الطيبة المباركة إلى مثل ما كان عليه حالها في الجاهلية من الفتن والقتل والسلب. وما البلاد التي ذاقت ويلات فتن الخروج على حكامها عنكم ببعيد.

إن حفاظكم على وحدتكم وحفاظكم على وطنكم وحفاظكم على ولائكم لولاة أموركم واجب شرعي يثيب الله فاعله ويعاقب الله تاركه لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). ولقوله صلى الله عليه وسلم عند وقوع الفتن (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).

وهو أيضاً مقتضى العقل السليم؟ فهل من عاقل يهدم بيته ليفترش الغبراء ويلتحف السماء؟ وهل من عاقل يريق ماءه ويتلف طعامه ليموت جوعاً وعطشاً؟ وهل من عاقل يمزق ثيابه وزينته ليبرز عاريا يَرى الناس سوءته؟ إنه لا يفعل ذلك إلا أشد الناس جنوناً وحمقاً وسفها.

فأنتم في نعم عظيمة نعم الدين والدنيا فكيف يسعى صاحب دين صحيح أو عقل سليم إلى إفساد هذه النعم واستنزال العقوبات والنقم.

عباد الله:

إن واجبكم الشرعي تجاه الدعوات إلى التمرد والثورة والخروج على ولاة أموركم هو أن تعلموا أن هذه الدعوة هي دين الخوارج الذين حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم فدعوتهم تقوم على الإفساد في الأرض والخروج على الجماعة، وأن تعلموا أنه لا يحل لكم منازعة ولي أمركم ولا الخروج عليه ولا مشاركة دعاة الخروج عليه بأي نوع من انواع المشاركة ولو بكلمة كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة.

وأن تجتهدوا في تحصين أهليكم وبيوتكم من هذه الفتن وذلك بتذكيرهم بعقيدة السلف الصالح في التعامل مع ولاة الأمور وأنهم يرون السمع والطاعة والدعاء لهم ويحرمون سبهم والدعاء عليهم والخروج عليهم.

ومن الواجب عليكم أيضاً أن تصغوا بآذان واعية وقلوب حاضرة لنصائح وفتاوى كبار أهل العلم الراسخين في العلم بالكتاب والسنة علماء أهل السنة لا دعاة الأحزاب والبدعة فإن في كلامهم الخير والرحمة وحسن العاقبة في العاجل والآجل لأنهم يفتون الناس بقال الله وقال رسول الله وقال السلف الصالح ولأنهم أهل نصح للأمة حكاماً ومحكومين.

أيها الإخوة الأكارم:

لقد رأى الناس عواقب فتاوى كبار العلماء في الفتن التي مرت بهذه البلاد كفتنة جهيمان في الحرم المكي وفتنة حرب الخليج وفتنة ثورات الإخوان المسلمين المسماة بثورات الربيع العربي

ورأوا أيضاً عواقب فتاوى أهل الفتن والتحزب من دعاة الحركات الحزبية المسماة بالإسلامية فكان الفرق في النتائج واسعاً والبون شاسعاً.

من أطاع نصائح العلماء وفتاواهم فلزموا السمع والطاعة وتمسكوا بالجماعة سلموا من فتنة التكفير وإراقة الدماء وتدمير البلاد وسلم لهم أمنهم واجتماع كلمتهم

انتهت فتنة الحرم فعلم الناس أن الحق كان مع ولاة الأمر وأهل العلم لا مع من دخل تلك الفتنة.

وانتهت فتنة غزو الكويت فعلم الناس أن الحق كان مع ولاة الأمر وأهل العلم لا مع من وقف منهم موقف المعارضة والمضادة.

ورأى الناس عواقب الثورات فعلموا أن الحق كان مع أهل العلم الذين أنكروها من أول يوم اشتعلت فيه شرارتها.

ثم انتهت الفتن بأصحابها الذين دخلوها عن جهل أو علم إلى غير ما كانوا يحسبون ويتوقعون انتهت بهم إلى سفك الدماء وخراب الديار وتسلط الأعداء والعمالة للرافضة الصفوية وتنفيذ مخططاتهم ومخططات أعدائنا من صهاينة ويهود ونصارى وغيرهم. وانتهت بكثير منهم إلى أن صاروا هم من حطبها المصطلين بنارها والعياذ بالله.

عباد الله:

إن الله قد حذركم من هذا الصنف من الناس الذي يفسد الدين والدنيا بمعسول الكلام فاحذروهم قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من واجبات ولي الأمر حماية الرعية مما يضرهم في دينهم أو دنياهم لأن الشريعة جاءت بالمنع من الضرر والإضرار. وكما أن الواجب على الحاكم منع اللصوص وقطاع الطرق من العدوان على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم فكذلك عليه أن يمنع المفسدين للدين بنشر البدع والمحدثات التي تغير معالم الدين والشريعة، وأن يمنع الدعوات والحركات التي تخطط لنشر الفوضى والتآمر مع الأعداء ضد الوطن وأهله لأن فسادهم أعظم وأعم من فساد اللص والسارق.

وليس ذلك من تكميم الحريات ولا العدوان على الكرامات بل ذلك من إقامة حدود الله في الأرض ومن وقاية الناس عما يضرهم ويفسد استقرار أحوالهم.

فعمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد صَبيغ بن عِسْل جلداً عظيما لما كان يثير الشبهات حول بعض الآيات من كتاب الله ثم منع الناس من محادثته ومجالسته.

وعلي رضي الله عنه ناصح الخوارج فتاب من تاب منهم وأصر من أصر منهم فقاتل الذين أصروا حتى أفناهم مع أن عامتهم عُبّاد أهل قيام وصيام وقرآن لكن مع عقيدة فاسدة.

ولم يزل الصالحون وأهل الحمية للشريعة من خلفاء المسلمين وحكامهم _بتقرير وتأييد من أهل العلم_ يمنعون أهل البدع والأهواء الذين يخشى ضررهم وخطرهم على المسلمين وينزلون بهم العقوبات المناسبة لما يمثلونه من خطر على العقيدة أو السلم والأمن.

وهكذا علماؤنا اليوم يفتون ويقررون بأن ولي الأمر له أن يوقف عن النشاط الدعوي من يستحق الإيقاف أو عقوبة من يستحق العقوبة إذا ارتكب ما يوجب عقوبته. وليس للرعية أن تتخذ هذه القرارات التي يراد منها المصلحة للبلاد والعباد وسيلةً للطعن فيهم والإثارة والتحريض عليهم. ومن كلام علمائنا في هذا الموضوع ما يلي:

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “كل إنسان يلزم الطريق ويستقيم على الطريق السوي لا يمنع، إذا منع أحد أو أوقف أحد لأجل أنه خرج عن السبيل في بعض المسائل، أو أخطأ حتى يتأدب ويلتزم، ومن حق ولاة الأمور أن ينظروا في هذه الأمور، وأن يوقفوا من لا يلتزم بالطريقة التي يجب اتباعها، وعليهم أن يحاسبوا من خرج عن الطريق حتى يستقيم، هذا من باب التعاون على البر والتقوى. على الدولة أن تتقي الله في ذلك، وعليها أن تأخذ رأي أهل العلم وتستشير أهل العلم، عليها أن تقوم بما يلزم، ولا يترك الحبل على الغارب، كل إنسان يتكلم، لا، قد يتكلم أناس يدعون إلى النار، وقد يتكلم أناس يثيرون الشر والفتن" اهـ .

وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان جواباً على سؤال حول إيقاف بعض الدعاة “الدولة مهمتها أنها توقف الشر عن المسلمين فإذا حصل من أحد مخالفة وخطأ فللدولة أن تمنعه وأن توقفه حتى يرجع عن خطئه ويعتدل في طريقه فهذا من باب الاصلاح وهو مسئولية ولاة الأمور" اهـ .

نسأل الله أن يحفظ علينا بلادنا وأمننا واجتماع كلمتنا إنه سميع مجيب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادك الموحدين.

اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

موقع د. علي بن يحيى الحدادي

 

المشاهدات 808 | التعليقات 0