التحذير من المخدرات 15شوال 1444
محمد بن عبدالله التميمي
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تقوى مَنْ تذكَّر الآجالَ، واستعدَّ للارتحال، ولم تخدعه زخارفُ الآمال؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
عباد الله.. أُسُّ الفضائِل، وينبُوعُ الآداب، العقل.. هو للدينِ أصلٌ، وللدنيا عِماد، اختَصَّ الله به الإنسانَ، وفضَّلَه به على سائرِ مخلوقاته، العقلُ نورٌ من الله يُميَّزُ به بين الحقِّ والباطل، والخطأِ والصواب، في الأقوالِ والأفعالِ والاعتقاداتِ والعلومِ والمعارفِ، وإدراكِ الغائِب من الشاهِد، والمصالحِ من المفاسد، والمنافعِ من المضار، والمُستحسَنِ من المُستقبَح، وإدراكِ المقاصدِ وحُسنِ العواقب.
عبادَ الله.. وقد جعَلَ اللهُ إعمالَ العقل وحُسنَ استخدامِه بيدِ الإنسان، بالتفكيرِ والتذكُّر، والاعتِبارِ والتدبُّر، والنظرِ والتبصُّر، والعلمِ والتَّعقُّل، وكلُّ ذلك جاء الأمرُ به في كتابِ الله عزَّ وجل فيه آيات كثيرة، كقوله عزَّ شأنه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}، وقوله – جلَّ ثناؤه: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وقالَ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
عباد الله.. وإنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عن حِفظِ عقلِه، واللهُ سائِلُه عما استرعَاه في نظرِه وفِكرِه، وحُسنِ استِخدامهِ لذلك كلِّه، شأنُه في ذلك كسائرِ النِّعمِ من عُمُرٍ وصحَّة، ومالٍ وبنين، وحفظِ حواسٍّ، قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
وإن هناك -عبادَ الله- حَرْبٌ يُرَادُ منها تَدْمِيرُ الإنسان، ليَهْلَكَ عَقْلُه، ويَتَشتَّتَ شَمْلُه، بل يَبذِلُ في ذلك روحَهُ ومُهْجَتَه، ومَالَهُ وأُسْرَتَه؛ إنها آفةٌ عظيمةٌ غالَتْ شبابَ الإسلام وذهبت بعقولهم وصحةِ أبدانهم وزَهرةِ حياتِهم وكرامةِ نفوسِهم، كَمْ دَمَّرَتْ مِنْ بَيْتٍ! وكم أَتْلَفَتْ من عقل! وكم ضيَّعَتْ من مُستَقبَل! إنَّها -يا عبادَ الله- آفَةُ المُخَدِّرَات، بتعاطيها وتناولها، بابتلاعها أو شَمِّها، أو حَقْنِها، أو تَدْخِينِها.
وإن فيها من الأضرار والتدمير ما لا يُحَدّ، ولا يُتوقَّعُ من متعاطيها إلا الإفسادُ والجريمة، ولا يُرْجى منه خيرٌ.
فمن ضررِ المخدرات: ذَهابُ عقل المتعاطي، فيُقْدِمُ على الجرائم، ويَتخلَّى عن الفضائل، إنها تُبَدِّل طبائع الإنسان، وتَمسَخُه إلى شيطان، وكم يُفسد شيطانُ الإنس ما لا يفسده شيطان الجان.
ومن أضرارها: السفه في التصرف، وفساد التدبير؛ وفَقْدِ الفكرِ الرشيد والرأي السديد، فيُحجب عن العواقب، ويُردُ المعاطب.
إنها تُلهِي عن ذكر الله -تعالى-، وتصدُّ عن الصلاة والصلاح، وتُفسِد العقولَ والأمزجةَ والطبائعَ والأخلاقَ، وتُذهِب الغيرةَ والحَمِيَّةَ والأَنَفَةَ، وتدعو إلى الزنا والفواحشِ وانتهاكِ المحارم، وتُفضِي إلى المخاصَمة والمقاتَلة والعداوة والبغضاء، وتُوقِع في التخنُّث والدياثة والفجور، وتُورِث الكآبةَ والدناءةَ والمهانةَ والخسةَ، وتغمس في الرجاسةِ والنجاسة، والانحلالِ والضياع، وتودي إلى فقدانِ الاتزان في الإدراك والشعور، والشذوذِ في التصرفات والفعول، وتقودُ إلى اليأسِ والأوهامِ والانفصام، والهلاوسِ والجنون، وتُوجِب السَّخَطَ والغَضَبَ والـمَقْتَ والعقوبةَ.
واعلموا أن مكافحة المُخدِّرات مسئوليةُ الجميع؛ لكي يَسْلَمَ الجميع، سلاحنا التثقيف والتوعية والتربية، وإن الترابطَ الأسري والمودةَ والتراحمَ بين الوالدين، والأُلْفَةَ بين الإِخْوةِ دِرْعٌ سابغة، تحمي الشباب والفتيات من العواقر والمخاطر.
فيا أيها المسؤول أنت على ثَغْرٍ كبير، فإياك أن يَدْخُلَ الشرُّ والدمارُ مِنْ قِبَلِك.
أيها الوالدُ والأخ والوَصِيُّ والمعلِّم.. أحسنوا الرعاية على من ولَّاه اللهُ أمركم، امنعوهم من أماكن الفساد، احذروا عليهم رُفقة السوء، وقد تنوَّعت صور الرُّفقة، فقد يكون جليسُه عبر مواقع التواصل أكثرُ مجالسة، وأخطرُ معاشرة، وأجرأُ على ما لا ينبغي، وأبعدُ عن نَظَرِ الرَّقيب والحسيب من أهله، فاللهَ اللهَ بالمتابعة، وغرس أصول الإيمان والمراقبة، وانظُرُوا عباد الله كيفَ كان لُقْمَانُ الْحَكِيمُ يَغْرِسُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِ ابْنِهِ، وَيُعَرِّفُهُ بِالطَّاعَةِ، وَيُحَذِّرُهُ الْمَعْصِيَةَ؛ {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
اعلموا أنه حِينَ تُقَصِّرُ الْأُسْرَةُ فِي وَاجِبِ التَّرْبِيَةِ يَقَعُ بَعْضُ أَبْنَائِهَا فَرِيسَةً للمُتصيِّدين المُفسدين، فَوَاجِبٌ على الأَوْلِيَاءِ رِعَايَةُ الأَبْنَاء، والاهتِمامُ بِتَرْبِيَتِهِمُ التّربيةَ الصَّالحةَ، والحَيْلُولَةُ بينهم وبينَ ما يُفْسِدُ أخلاقَهُم، وتَجْنِيبُهُمْ رُفَقَاءَ السُّوءِ، وتَنشِئتُهُمُ التَّنشِئَةَ الصَّالِحَة.
إن المسؤولية علينا جميعًا.. «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن والسنة، ووفقنا وإياكم للبصيرة والحكمة، وأعاذنا من الزيغ والضلال، وحَفِظَنا في أنفسنا وأهلينا من الأشرار، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحلَّ لنا الطيبات، كما حرَّم الخبائثَ وحذَّر من مساويها، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له أسبَغ علينا نِعَمًا لا نُحصيها، وأشهد أن نَبِيِّنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أبلَغ الشريعةَ حتى أشرقت معانيها، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما استترت النجوم وبدَا باديها. أما بعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ الله، واجتنبوا سُبُلَ الردى، وإنَّ على من اكتشف شيئًا من البلاء في أهل بيته، أن يُبادِرَ إلى المعالجة، ولْيَسْعَ في ذلك بطريق الحكمة والبصيرة، وليراجِعْ أهل الخبرة والاختصاص، فالمخدراتُ آفةٌ لا تقتصر شرورها وأضرارها على المتعاطي، إنه يسعى لكل ضرر، ويبذل كل جُهد في الإفساد لنيل مآربه ومقاصده، وإنَّ رجال الأمن يبذلون جهدًا واسعًا في محاصرة هذه الشرور والإيقاع بأهلها، وإنقاذ مَن يستطيعون إنقاذه ممن تورَّط فيها.
ولِكَثْرَةِ مفَاسِدِ وأضرارِ المخدرات؛ حَارَبَتِ الدَّولَةُ -أعزَّها الله- هذهِ الآفة، وأَعَدَّتْ كافَّةَ التَّجهيزاتِ لإحْبَاطِ عملياتِ التَّهرِيب، وأوْقَعَتْ أقسى أنواعِ العُقوبةِ على المُجرِمين.. فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وواجبُنا تجاهَ هذهِ القضية: التَّصَدِّي لها بكُلِّ قوة، ولْنَكُنْ جميعًا رجالَ أمن، وحُرَّاسَ ثُغور، لِبَتْرِ الأيادي الآثِمَةِ التي تَتَسَلَّلُ في الظلامِ لِزَرْعِ الآفَةِ في مُجتمَعِنا، ولْنَتَعَاوَنْ معَ الأجهزةِ المَعْنِيَّةِ لِفَضْحِ أوكارِ المُفسِدين، وكَشْفِ أستَارِهم، والتَّبليغِ عنهم.
اللهم اكفنا شَرَّ كُلِّ ذي شَرٍّ أنت آخذٌ بِنَاصِيَتِه، اللهم احفَظْ علينا ديننا، وعقولنا، وأنفسنا، وأموالنا، وأهلينا، وبلادنا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وَفِّق وليَّ أمرنا ووليَّ عهده إلى ما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبِرِّ والتقوى، وسدِّدْهما في القول والعمل، واجعل لهما من لَدُنْكَ سلطانًا نصيرًا.
*مجموعة لا مرقومة
المرفقات
1683177246_التحذير من المخدرات 15شوال 1444.docx
1683177248_التحذير من المخدرات 15شوال 1444.pdf