التحذير من اللعن مستفادة من خطب المشائخ الكرام
Abosaleh75 Abosaleh75
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله :ان تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، ونشْر المحبة والأُلفة والإخاء بين المسلمين؛ مقصد من مقاصد دين الإسلام، روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثْت لأُتَمِّم صالحَ الأخلاق))، كما جاء الدين الحنيف بالنهي عن كل خلق يُورِث الأحقاد والضغائن والعَداوة والبغضاء؛ ومن ذلك النهي عن الأقوال الساقطة المشينة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾، ألا وإن من أسوء الأخلاق اللسانية الداعية إلى التقاطع والتدابر، سباب المسلم، ونهاية السباب اللعن، واللعن دعاء على الملعون أن يبعده الله ويطرده عن رحمته، ولذلك فهو في غاية القبح والشناعة. وخطيئة اللعن والإكثار منها خصلة ذميمة وعادة قبيحة وسيئة بل كبيرة، بل التسبب في اللعن قد عده النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، في الصحيحين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن والديه؟ قال: يسب أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» وجاء عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بسند جيد، قال: «كنّا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أنه قد أتى باباً من الكبائر»، إن كثرة اللعان معصية قبيحة شنيعة موجبة لدخول النار، في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ". وقد يؤخذ من الحديث أن كثرة اللعان دليل نقص العقل وضعفه، حيث تتصف به النساء في الغالب، إن كثرة اللعن ليس من صفات المؤمنين الصادقين، في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا»، وفي رواية للترمذي وحسنها «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء».
فالمؤمن الصادق رحمة للخلق ومقرب للبعيد والطريد من رحمة الله، واللاعن طارد لهم وطالب لبعدهم من الرحمة، فكيف يكون مؤمناً من كان بهذه الصفة. لقد جعل النبي صلوات الله وسلامه عليه لعن المؤمن شبيهاً بقتله في الحرمة والإثم، ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لَعْنُ المؤمن كقتله)) وقد قيل إنما كان لعن المؤمن كقتله لأن القاتل يقطعه من منافع الدنيا وهذا يقطعه من نعيم الآخرة ورحمةِ الله تعالى، وقيل بل المعنى أنه كقتله في الإثم. وإذا كان المسلم يشفع عند الله يوم القيامة في أهله وأقاربه ومن شاء لمن شاء الله، فإن كثير اللعان لا تحق له هذه الشفاعة، فهو محروم منها بسبب سوء فعله وكثرة لعانه، روى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)). المكثرون من اللعان لا يشفعون، حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ولا يشهدون على الأمم بتبليغ رسلهم الرسالات، فيحرمون من هذه المرتبة الشريفة، والله يقول (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً (أي عدولاً) لتكونوا شهداء على الناس). واللعانون ليسوا محلاً للعدالة.
أيها الإخوة: لم يختلف المسلمون في تحريم اللعن للمسلم، بل ذكر النووي وابن تيمية الإجماع على ذلك، واللعن للمسلم الفاسق الفاجر المعين محرم على الصحيح، بل قال بعض أهل العلم يحرم لعن الكافر المعين، الذي لم يمت على الكفر، لأننا لا نعلم بما يختم له، ولما لعن شارب الخمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رواه البخاري وغيره. أما لعن جنس الكفار وجنس الفساق أو لعن من اتصف بصفة مذمومة لا على وجه التعين فهو جائز، كلعن الكاذب أو الظالم، وهذا وارد في القرآن والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وفي الحديث «لعن الله آكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبه» رواه مسلم، وفي الحديث «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» رواه أبو داود وغيره بسند صحيح.
عباد الله لقد اعتاد بعض الناس على كثرة اللعان، بل ربما لعن الوالد ولده، وربما لعن أخاه وقريبه، أما اللعن بين الشباب والأصحاب عند الأمور التافهة، والخلافات الرياضية وعند المشاهدين للمباريات فأمر معروف مشاهد، أما علم المتهاون في شأن اللعنة أنها ترجع على قائلها إن لم يكن من قيلت له أهلاً لها، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَت لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وصححه الألباني.
اللهم بارِك لنا في القرآن والسُّنَّة، وانفَعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله : ولعظيم شأن اللعنة فقد جاءت السنة بتحريم لعن الحيوانات والجمادات التي لا تعقل، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تلعنوا الريح فإنها مأمورة، وأنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه» رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح، وعن عمران بن حصين قال: «بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فلعنتها، فسمع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة، قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يتعرض لها أحد» رواه مسلم، فسبحان الله كيف حرم ديننا لعن الجمادات والحيوانات التي لا تعقل، فكيف بلعن المسلم الذي جعل الله لعرضه الحرمة والكرامة، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً. وأخيراً أيها المسلمون: فالسعيد الموفق من عوّد لسانه القول الطيب، وحافظ على لحظه ولفظه، وربى نفسه على مكارم الأخلاق، وزمها بزمام التقوى، والسعيد الموفق من علّم أولاده وأهل بيته الصفات الطيبة، ونهاهم عن صفات السوء والمنكر، علمهم بقوله وفعله، فكان قدوة لهم في الخير والإيمان والعمل الصالح، يستبدل باللعنة الدعاء بالهداية والصلاح.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم]
المرفقات
1661444731_التحذير من اللعن مستفادة من خطب المشائخ الكرام.pdf