التحذير من الظلم في توزيع الميراث 3 / 7 / 1446

أحمد بن ناصر الطيار
1446/07/02 - 2025/01/02 10:49AM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.  أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، قتقواه سبحانه تستجلب رضاه, ومن رضي عنه فما أسعده وأهناه.

معاشر المسلمين: توفي أحدُ رجال الأعمال, وكان قد خلَّفَ تركةً تُقدّر بمئات الآلاف, من بُيُوت وفُرشٍ وبُسط وأمتعة, وطال الزمن عليها, ولم يُحرّك أحدُ الورثة ساكنًا, حتى إنَّ الكثير من الأمتعة فسدت وتلفت, وهي تُقدّر بعشرات الآلاف, فبدلاً مِنْ أنْ يبيعوها ويقسموها على المحتاجين من الورثة وغيرِهم, أهملوها ليأكلَ عليها الزمنُ, وتكونَ طعامًا لدوَابِّ الأرض.

إنّ تعطيل كثيرٍ من الأملاكِ بعد وفاةِ أصحابِها, لَهِيَ ظاهرةٌ مُنتشرةٌ.

بل هُناك أملاكٌ مضى عليها عشراتُ السنين, تحتلّ مساحةً كبيرةً في وسط البلاد وعلى أطرافِها, ولم يستفدْ منها الأحياءُ ولا الأموات.

إنّ الورثةَ الذين لا يُبادرون إلى توزيع التركة, يكونون قد جنوا وظلموا الميّتَ وبقيّةَ الورثةِ والمسلمين أيضًا.

فأما ظلمهم للميت, فبحرمانِه مِن الأجر الذي سيحصل عليه في قبره, من هذا المال, الذي سينتفع به الفقراء والمحتاجون من الورثة.

وأما ظلمهم لِبَقيّةِ الورثة, فبحرمانهم من نصيبِهم من التركة, وهم بأمسّ الحاجة إليها.

فكم في الورثة من فقيرٍ ومُحتاج, يُمنعون من حقّهم, بسبب تقاعس المسؤولين عن التركة, أو بسبب خلافاتهم.

فما ذنبُهم وما ذنبُ أبنائهم, يُحرمون حقًّا من حقوقهم.

وأما ظلمهم لِلْمُسلمين وعامّة الناس, فبحرمانهم من عقاراتٍ وأراضٍ يستفيدون منها, فكم من شركةٍ سعت في شرائها, لِتَعمل عليها مشاريع تنفع البلاد والعباد.

وهناك أراضٍ زراعيّةٌ كثيرةٌ وكبيرة, يتمنّى كثيرٌ من رجال الأعمال شِراءها, لِأِحيائها وتنميتِها ونفعِ الناس منها.

والتركةُ أمرُها عظيم، والنزاع بسببها كثيرٌ وشنيع, ولأجل ذلك تكفَّلَ سبحانه بتحديدِها وتوزيعها، ولم يَكِلْها إلى عباده؛ لعلمه أنهم لن يُوزعوها بالعدل والإنصاف.

وكلُّ هذا الاهتمام لأجل الحفاظ على الترابط بين الأسرة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق بين الورثة، ولذا, فإن الإسلام هو النظام الوحيدُ, الذي يكفُل ويحمي حقوق الآخرين, ويقسم المال بينهم بالعدل، ويحافظ على الترابط الأسري، ويزيل أسباب الخلاف والمشاكل.

والخلافات بين الورثة على التركات, من أكثر أسباب القطيعة والمشاكلِ الأُسرية, وقد وصل الأمر إلى الشكاوى والتقاطع, بل والقتل أيضًا.

وإنّ من أهمّ أسباب إهمال الورثة في توزيع التركة: تَأَخُّرَ الوصيِّ أو الوليِّ أو أحدِ الورثة في تقسيم التركة, دون ضرورةٍ لذلك, مما يُسبب في وقوع المشاكل والخلافات العظيمة. 

أو تَأَخُّرُ بعض الورثة في المطالبة بحقوقهم خجلاً أو تهاونًا, أو بسبب تعقيدِ الإجراءات الْمُتَّخذَةِ في ذلك.

وينبغي أن يُبادر الورثةُ في تقسيم التركة بعد استكمال الإجراءات المطلوبة للقسمة, من حصرِ الورثة والتركة, وإنفاذِ الوصايا التي لا محذور فيها شرعًا.

فإنْ كانت التركةُ بيد أحدِ الورثة, وهو القائم عليها, فالواجب أنْ يتقيّ الله تعالى, ولْيُبادرْ إلى تقسيمها على الورثة.

وينبغي على بقيّة الورثة أنْ يطلبوا منه القسمة, فإنْ لم يستجب, فلْيرفعوا أمره إلى القاضي, لِتُنزعَ الوكالةُ منه.

فإلى متى تظل هذه التركات من أراضٍ وعقاراتٍ مُعَطّلة؟ أما في الورثة رجلٌ يأخذ زِمِامَ الْمُبَادَرة؟

وينبغي على كلّ من علم عن حال أمثال هؤلاء الورثة المهملين, أنْ يُناصحهم بالحسنى.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

****************************

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين, أما بعد..

معاشر المسلمين: إنّ الله -عز وجل- قد فصّل أحكامَ المواريث في كتابه الكريم لعِظَم شأنها، وأعطى كل ذي حقٍّ حقه، وقال سبحانه بعد أن بيَّن أحكامها: (فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).

وفي هذا تنبيهٌ إلى خطَر التحايل في قسمة المواريث لأكل أموال الورثة بالباطل، ومن ذلك إسقاطُ حقّ أحد الورثة أو بعضِه، أو تأخيرُ قسمةِ الميراث والمماطلةُ في قسمته لانتفاعِ بعض الورثة بالمال، أو إلجاءُ بعضِ الورثة إلى التنازلِ عن حقّه أو بعض حقّه، وخاصةً الضعفاءُ منهم.

 

نسأل الله تعالى أن يجنّبا الظلم وأكلَ حقوق الناس، إنه سميع قريب مجيب.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

1735804166_التحذير من الظلم في توزيع الميراث.pdf

المشاهدات 1151 | التعليقات 0