التحذير من الشرك

سلطان الحصين
1442/11/09 - 2021/06/19 14:12PM
التَّحْذِيرُ مِنَ  الشِّرْكِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين وَالصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَإِمَامِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة:119]

أَيُّهَا المُسْلِمُون: تَوْحِيدُ اللهِ وَإِفْرَادُهُ بِالعِبَادَةِ أَعْظَمُ حَقٍّ للهِ عَلَى النَّاسِ، فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ: أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» متفق عليه

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: الشِّرْكُ بِاللهِ مِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ وَأَعْظَمِ الإِثْمِ، جَاءَتْ آيَاتُ القُرْآنِ الكَرِيمِ تُحَذِّرُ مِنْ خَطَرِهِ وَتُبَيِّنُ عَوَاقِبَهُ وَمَآلَهُ الوَخِيمَ، قَالَ رَبُّنَا تبارك وتعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة:72]، كَمَا وَصَفَ لَنَا رَبُّنَا حَالَ مَنْ يُشْرِكُ مَعَهُ غَيْرَهُ بِوَصْفٍ عَجِيبٍ، إِذْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [سورة الحج:31]

وَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشِّرْكِ وَأَشْكَالِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، فقَدْ نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الحَلفِ بِغَيْرِ الله، يَقُولُ رَسُولُ الهُدَى عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» أخرجه الترمذي، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا باِلأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللهِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

."وَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ فَقَالَ: «أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدّاً؟! بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ

كَمَا نَهَى نَبِيُّكُمُ الكَرِيمُ عَنْ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَالعَزَائِمِ، وَلُبْسِ الحِلَقِ والخُيُوطِ، وَتَعْلِيقِهَا عَلَى الرِّقَابِ وَالدَّوَابِّ وَالأَبْوَاب، وَاعْتِقَادِ دَفْعِهَا الضُّرَّ وَجَلْبِهَا النَّفْعَ، وَمَنْعِهَا عَيْنَ العَائِنِ وَحَسَدَ الحَاسِدِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ المُوْقِعِ فِي الهَلَاكِ؛ فَالنَّافِعُ الضَّارُ إِنَّمَا هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، يَقُولُ رَبُّنَا عَزَّ وَتَبَارَكَ: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام:17-18]

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ»؟ قَالَ: مِنَ الوَاهِنَةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله: «أَمَّا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْناً، انْبُذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَداً»، أخرجه أَحْمَدُ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَما عِندَ أحْمَد أيضاً في مُسْنده: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: وَمِمَّا حَذَّرَ مِنْهُ نَبِيُّكُمُ الكَرِيمُ: الذَّهَابُ إِلَى السَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ وَالمُشَعْوِذِينَ وَالعَرَّافِينَ وَالمُنَجِّمِينَ، فَهُمْ أَهْلُ غِشٍّ وَتَدْلِيسٍ، وَخِدَاعٍ وَتَلْبِيسٍ، وَاسْتَمِعْ يَا رَعَاكَ اللهُ إِلَى حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يُحَذِّرُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ مِنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ الأَشْرَارِ، فَعِنْدَ الإِمَامِ مُسْلِمٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَة» أخرجه مسلم، أَمَّا مَنْ يَأْتِيهِمْ وَيُصَدِّقُهُمْ بِمَا يَقُولُونَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ وَالعِيَاذُ بِالله، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»، أخْرجهُ أَحْمَدُ

أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مِنَ الشِّرْكِ المُوْقِعِ فِي الرَّدَى وَالهَلَاكِ: الاسْتِغَاثَةَ بِالأَمْوَاتِ وَدُعَاءَهُمْ وَسُؤَالَهُمْ قَضَاءَ الحَاجَات، وَتَفْرِيجَ الشَّدَائِدِ وَ الكُرُبَات، وَالتَّقَرُّبَ لَهُمْ بِالذَّبْحِ وَالنُّذُورِ، فَهُوَ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ، المُحْبِطِ لِلْعَمَلِ المُصَادِمِ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ سَيِّدِ البَشَرِ، يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [سورة الأحقاف:5-6]

.عِبَادَ اللهِ: حَافِظُوا عَلَى صَفَاءِ التَّوْحِيدِ مِنَ الكَدَرِ، وَكُونُوا مِنْ لَوْثَاتِ الشِّرْكِ عَلَى حَذَرٍ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الهُدَاةِ المُهْتَدِينِ، المُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ

.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 48]

.بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية

.الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً. وبعد

.أَيُّهَا المُسْلِمُون: إِنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بِاتِّخَاذِ المَسَاجِدِ وَالقِبَابِ عَلَيْهَا وَتَزْيِينِهَا، وَجَعْلِ السُّتُورِ عَلَيْهَا؛ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَوَسَائِلِ الشِّرْكِ؛ لِمَا يَنْتِجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ تَصْيِيرِهَا أَوْثَاناً تُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله

فِي البُخَارِي أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَ قَالَا: لَماَّ نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَوْتُ طَفَقَ يَطْرَحَ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، وَقَالَ عَلَيْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءُ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ» أخرجه أحمد

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ للهِ تَعَالَى، وَصَرْفُ جَمِيعِ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ؛ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُعِينُ عَلَى الثَّبَاتِ فِي مَوَاطِنِ الزَّلَلِ، وَهُوَ طَرِيقُ السَّعَادَةِ وَالفَوْزِ وَالفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاسْعَوْا إِلَى تَحْقِيقِهِ وَاعْمَلوُا جَاهِدِينَ عَلَى العِنَايَةِ بِهِ؛ تَنَالُوا رِضَا رَبِّكُمْ وَتَفُوزُوا بِجَنَّتِهِ

          ثُمَّ صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ البَرِيَّةِ، وَأَزْكَى البَشَرِيَّةِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ المَوْلَى جَلَّ وَعَلَا، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]

 

___

 

المرفقات

1624111973_التحذير من الشرك.docx

المشاهدات 671 | التعليقات 0